اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -8
هرب من تلك العجوز، هرب الصحيح من الأجرب. لا يستطيع القول إنها شمطاء، بعد أن شاهد أمها رأي العين، ورغم كبر سنها، لا تزالا تحافظ على صحتها ورشاقتها. مصر على الابتعاد، ولو خلال أيام الدراسة عن بني وطنه، متذرعا بالحفاظ على لغته الأجنبية، التي اكتسبها في الفترة السابقة. منتقلا من بيت عزاب لآخر، كما ينتقل البدو الرحل، من واحة لآخر، طلبا للماء والكلأ. ومع كونه يمضي جل وقته في جامعته، للمذاكرة وتحضير الدروس وعمل البحوث.
هذه المرة اضطر بسبب وجود كلب أليف، وجرو صغير، تعود ملكيته لصاحب البيت. قد يكون الأمر عاديا، لو أن له قفص خاص يربط فيه، أو مكان معزول يؤي إليه، لهان الأمر.
لكنه يتصرف كمالكه، ينتقل من حجرة لأخرى، كأنه يجمع الإيجار الشهري من المستأجرين. ويتشمم الممرات، محاولا فحص ممتلكات سيده. ربما لخوفه من السكان، أن يستولوا على ما ليس له بملك.
بالإضافة إلى الصوت النشاز الذي يصدره، في ذلك البيت الذي تخلو فيه الحركة، ولا تسمع فيه القهقهة والكحة، لقلة ساكنيه. وخلال تنقله في أنحاء البيت، كان يحك جسمه بما يقابله من جدران وأثاث، كأنه جمل أجرب.
ورغم إعلام صاحبه، والطلب منه مرارا بربطه خارج البيت، لتخف حدة صوته، ويتخلصوا من شعره المتناثر في كل مكان، لم يكن ليأبه أو يستجيب، حتى عندما اعلمه برغبته في المغادرة.
بقلم: حسين نوح مشامع