اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
واختلف المؤرخون في البقعة التي حظيت بجثمان السيدة زينب المعظم وهذه بعض الأقوال:
1 - في البقيع:
وذهب بعض المؤرخون إلى أنّها توفّيت في يثرب، ودفنت في بقيع الغرقد، ويواجه هذا القول إنّها لو دفنت هناك لكان لها مرقد خاص، كما هو الحال في غيرها من السادة المعظمين من أبناء الاًسرة النبوية، ومن المحتمل أنّها أوصت أن تدفن في غلس الليل البهيم، ويعفى موضع قبرها تأسّياً باُمّها زهراء الرسول (صلّى الله عليه وآله).
2 - في الشام:
وأفاد فريق من المؤرخين أنّها توفّيت في إحدى قرى الشام، ويعزو بعضهم سبب سفرها إلى الشام أنّه حدثت في يثرب مجاعة عظيمة، فهرب منها عبد الله بن جعفر مصاحباً معه زوجته العقيلة وسائر عائلته، ولمّا انتهت العقيلة إلى ذلك المكان توفّيت فيه، وحدوث المجاعة فيما نعتقد لا أساس له من الصحة؛ لآنّ المؤرخين والرواة لم يذكروا أنّه حدثت مجاعة في يثرب في ذلك الوقت، مضافاً إلى أن عبد الله بن جعفر كان من الأثرياء المعدودين في المدينة، فهل ضاق نطاقه عن إعاشة عائلته حتى يذهب إلى الشام؟ كما أنّه كان من أندى الناس كفّاً، ومن أكثرهم إسعافاً وعطاءً إلى الفقراء والبؤساء، فكيف يتركهم ينهشهم الجوع وينهزم إلى الشام التي هي مقرّ السلطة الاُموية التي نكبته بسيّد اُسرته وابن عمّه الإمام الحسين وبولديه وغيرهما من أنباء الاُسرة النبوية.
وعلى أي حال، فإنّ المشهور في الأوساط الإسلامية أنّ قبر العقيلة في الشام حيث هو قائم الآن، وقد اُحيط بهالة من التقديس والتعظيم، وتؤمّه الملايين من الزائرين متبرّكين ومتوسّلين به إلى الله تعالى، شأنه شأن مرقد أخيها أبي الأحرار(عليه السّلام) الذي صار أعزّ مرقد في الأرض، والذي نذهب إليه هو أنّ قبرها الشريف في الشام وإليه ذهب الكثيرون من المحقّقين.
3 - في مصر:
وذهب جمهرة من المؤرخين إلى أنّ قبر الصدِّيقة الطاهرة زينب (عليها السّلام) في مصر، وهذا هو المشهور عند كافّة المصريين، ولابدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عن سبب هجرتها لمصر، وما يتعلّق بمرقدها المعظّم.
سبب هجرتها لمصر: وذكر المؤرخون أنّ العقيلة أخذت تلهب العواطف، وتستنهض المسلمين للأخذ بثأر أخيها، والانتفاض على السلطة الاُموية، والتي كان من نتائجها أنّ المدينة أخذت تغلي كالمرجل، وأعلنت العصيان المسلح على حكم الطاغية يزيد، فأرسل إليها جيشاً مكثّفاً بقيادة الإرهابي المجرم مسلم بن عقبة، فأنزل بالمدنيّين أقصى العقوبات، وأكثرها صرامة وقسوة، وأرغمهم على أنّهم خول وعبيد ليزيد، ومن أبى منهم نفّذ فيه حكم الإعدام.
وعلى أي حال فإنّ عمر بن سعيد الأشدق والي يثرب خشي من العقيلة، وكتب إلى يزيد بخطرها عليه، فأمره بإخراجها من المدينة إلى إي بلد شاءت، فامتنعت، وقالت:
(قتل - أي يزيد- خيرنا، وساقنا كما تساق الأنعام، وحملنا على الأقتاب، فوالله لا أخرج، وإن اُهرقت دماؤنا).
وانبرت إليها السيّدة زينب بنت عقيل، فكلّمتها بلطف قائلة:
يا بنت عمّاه، قد صدقنا الله وعده، وأورثنا الأرض نتبوّء منها حيث نشاء، فطيبي نفساً، وقرّي عيناً، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هواناً، ارحلي إلى بلد آمن.
واجتمعن السيّدات من نساء بني هاشم، وتلطّفن معها في الكلام فأجابت، واختارت الهجرة إلى مصر، وصحبنها في السفر السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين واُختها سكينة، وانتهت إلى مصر لأيام بقيت من ذي الحجّة، وقد استقبلها والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري، فأنزلها في داره بالحمراء فأقامت فيه أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً، وانتقلت إلى جوار الله عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة (62هـ) ودفنت في دار مسلمة حيث مرقدها الآن في مصر، هكذا ذكر العبيدليوغيره.