اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -22-
بحيرة العجائب
كان فصلا شتويا باردا حينها، مع وجود الثلوج تملأ الطرقات وتسد الممرات، فتجعل الحركة خفيفة والتنقل بصعوبة. لكن لم تكن الأجواء تنذر بهبوب عواصف، ولا يتوقع تقلبات في الطقس، بل كان المحيط العام هادئ جميلا رغم برودته.
كان ذلك اليوم عطلة نهاية الأسبوع، ولم تكن لدى مبتعثنا اختبارات أو واجبات تكدر عليه الاستجمام، وتمنعه من الاستمتاع برحلة مسلية، تذهب عنه أعباء الدراسة وهمومها. لذا قرر الرفاق أخذ العدة، استعدادا للتخييم بجوار أحدى البحيرات المجاورة لمنطقة سكناهم.
حزموا أمتعتهم وشدوا رحالهم، واشتروا ما يحتاجون إليه، من مأكل ومشرب ومعدات، وانطلقوا بسياراتهم فرحين مستبشرين، بقضاء وقت ممتع.
بوصولهم اختاروا الموقع المفضل إليهم، قرب تلك البحيرة المتثلجة، وما بقي حولها على قيد الحياة من أشجار ومسطحات مفتوحة معشبة. ثم وضعوا أمتعتهم على الأرض، وفرشوا الموقع بما احضروا معهم من فرش وبسط.
قسموا العمل بينهم، فانتشروا كأنهم جيش من النمل، يقوم بواجبات الخلية. هذا ينظف اللحم ويقطعه، ليدخله في السفود. وهذا يجهز الموقد ويضع الفحم عليها، استعدادا لإشعال النار. وذاك يغسل الخضروات ويقطعها، لتحضير السلطات. وآخر يحظر أواني الطبخ، لتجهيز الرز. وخامس يعد الخبز ويقطعه، لعمل الفطائر.
ما إن انتهوا من إعداد الطعام وتحضيره - رغم إنهم حضروا من أول النهار - حتى حان وقت الغداء، ومالت الشمس باتجاه الغرب.
تركوا التسلية جانبا، واستعدوا لملأ البطون بما لذ وطاب من أنواع الطعام والشراب، التي قل أن يتناولنها لانشغالهم بالدراسة.
وبعد الفراغ من الأكل، توزعوا كل إلى هوايته. فهذا ذهب ليلعب الكرة مع بعض الأصحاب. والبعض أخرج أوراق اللعب، وبدأ يطلب من يتحداه ويلاعبه. وهذا أخلد لقسطا من الراحة، مستلقيا بجانب النار، التماسا الدفئ والحرارة. وآخر اخذ في تجهيز الشاي، ليستمتع بمذاقه اللذيذ، وليبعد عنه ما الم به من صداع. ومن كان لديه الجرأة وحب المغامرة، أخذ بوضع أول خطواته على أطراف البحيرة يتحسسها ويتفقد قوة قشرتها، استعدادا لخوض غمراتها.
ما هي إلا لحظات من المزاح والمشاغبة، والركض هنا وهناك، كأنهم عجول الماء تتقاتل للفوز بقلوب الإناث، حتى سمعت أصوات صراخ وزعيق.
فهذا قد فقد نظارته، وكاد يقع داخل البحيرة محاولا أخراجها. وآخر خرج هاربا مبتعدا، فوقع فوق بعض الجمر الملتهب الملقى جانبا.
بقلم: حسين نوح مشامع