اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بالرفاه والبنين
جلست والقلق يكسو محياها، وهي تقول: ابننا اختار عروسه، واستعد للزواج؟! قالت تلك الكلمات وهي خائفة تكتم وجلها، كيف سوف تتمكن من تزويجه، وهم لا يملكون ما يسدون به ديونهم التي لا تزال متراكمة! فأحست خلال ذلك بدوار في رأسها شديد. فأخذت تتلمس الأرض من حولها، محاولة تثبيت جسمها مخافة أن تدور بها، أو أن تطبق عليها لتخنقها وتتخلص منها!
على العكس منها، فلقد قالها وهو فرحاً مسروراً: تلك كلمة طال انتظارها، وأخيراً أتخذ قراره! لقد كنت ألح عليه واعرض عليه تلك الفتاة بعينها لمجرد التفكير، وهو يرفضها! ما باله قد قبلها الآن، سبحان مغير الأحوال؟! وأردف وهو في كامل ثقته وإصراره، كأنه يرتشف شربة من ماء، ودون طول تفكير. أو إنه قد جهز نفسه منذ زمن بعيد، وأضمر قراره لوقته المناسب: هناك بعض المال سيصلني قريباً كأتعاب جانبية. وكنت قد نويت ادخاره، حتى ندفع به جزء من ديوننا. وبما إنه لم يستحق بعد، فلا معنى لإخفائه.
أخذوا يجمعون ما معه - وما مع ابنهما – وما معها من مال، فخرج يكفي للمهر - وعقد القران – وحفل الزفاف. عندها قرروا التوكل على الله والمضي قدماً، دون تأخير – ودون تأجيل. فخير البر عاجله! فلاحت منه التفاته إلى زوجه فرى دموع الفرحة، تجري على وجنتيها انهارا. ولم تمهله ليسألها فقالت: لقد كنت أسمع أحد مشايخنا الكرام يقول: أيها الولد، وأيها البنت، فقط انويا الزواج، وسوف ترون كيف يسدد الله خطاكم - ويكلل مساعيكم! وأكملت قائلة: لقد كنت أرد على كلامه متعجبة ومتحيرة، أيها الشيخ الجليل أنت لا تعلم كم هي المصاريف، وكم هي الأتعاب المترتبة، في ظل ظروفنا الصعبة!؟
ولكن ما حصل لم يكن شيء عادي، بل فوق تصورهم، أقل ما يقال عنه هو كرامة لذلك العالم الرباني. ولم يتوقف عند هذا الحد، فبعد إعلان النبأ بين العائلة، أخذت المساعدات المادية والعينية، تتقاطر عليهم من كل جانب. جاءتهم من حيث لا يعلمون، ووصلتهم من حيث لا يحتسبون. كأنما ذو الجلال والإكرام فتح عليهم باباً إلى جنته، تخرج عليهم منه الهبات والعطيات! فأخذه الفكر بعيداً وهو يقول لنفسه: لو إن ما حصلنا سمعناه من أناس آخرين، لقلنا إنهم يبالغون. وهو مجرد مراءاة، لتدليل وإثبات قوة إيمانهم – وشدة يقينهم، أما الواقع فهو شيء آخر. كيف يتمكن الشاب الزواج في ظل غلاء المهور، وغليان الحياة المعيشية!؟ ولكن الله يفعل ما يشاء، وإذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون!
وكان كلما سأل ابنه هل حددت العروس؟! يجيبه قلقاً - متبرماً، ماداً شفتيه أشبار: كيف لي إلى ذلك سبيل، ونحن لا نملك ما يكفي؟! وكان يسمع نفس الجواب من أمه، وهي تلهث مجهدة تعدد المصاريف، وتحسب متعبة كمية المشتريات! ومع ذلك كانت تصر على دفع المهر، وكافة النفقات الأخرى دفعة واحدة. ولم يكن هو بأحسن منهما حالا، ولم يكن بأكثر منهما يقيناً. بل كان قلقاً يتفكر في صمت في حال ابنه، الذي حان وقت زواجه. ولكن تلك الديون، لا تنفك ترهق كاهله - وتطوق رقبته، كلما تذكرها. ولكنه لم يضع سرعة التنفيذ في حسبانه. بل كان كل تصوره حجز البنت، حتى يتمكنوا من بقية المهر ولوازمه.
ولكن زوجته كانت ترى، أن لا يقدموا بأي خطوة، إلا وهم جاهزين بكل شيء. فلا معنى لتعطيل بنت الناس، إذا لم يكونوا مستعدين. فهي ليست دارا - أو متاعاً يمكنهم اقتنائه مقدماً، ودفع قيمته عندما تتيسر الأمور. لكنهم لم يتأخروا - ولم يترددوا، وهم يرون كل تلك الكرامات تنهال عليهم. وكأنما هذا الزواج قد كتب له التوفيق والنجاح من أول يوم! فتقدموا لأهل العروس، في اليوم التالي، وقوبل طلبهم بالموافقة، منها ومن أهلها جميعاً.
وتزيد المفاجئات، وتتضاعف فرحتهم. حينما حصل ابنهم على عمل جديد، في نفس اليوم الذي قرر فيه الزواج، وبراتب أفضل من السابق. كأنما الخير إذا أتى يأتي دفعة واحدة، فلا راد لقوله ولا معقب لحكمه. فذهب الشابان لفحص ما قبل الزواج، بعد الموافقة مباشرة. وخرج تقريرهما، رغم كونهما من عائلة واحدة، وقرابتهما من الدرجة الأولى سليمين، ويمكنهما المضي. فتم عقد القران في الأسبوع ذاته.
ومع مرور الأيام، كانوا يتذكرون وضعهم ذاك، وحالهم تلك. فكانوا لا يعرفون هل ينفجرون ضحكاً - أم يستسلمون للبكاء – أم يشكرون العلي القدير على فضله وتفضله. فالسرعة التي حصل من خلالها ذلك القران، ليست طبيعية بمفهوم البشر. كأنما يداً أو قوة من وراء الغيب، قد تدخلت لتمهيده وإتمامه، أو هي دعوة ذلك الشيخ المؤمن؟! الله اعلم حيث يضع رسالته!
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية