أصول العقيدة(3)في النبوة والرسالة - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع زائر الأربعين مشاركات 13 الزيارات 6064 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي أصول العقيدة(3)في النبوة والرسالة
قديم بتاريخ : 05-Feb-2013 الساعة : 09:51 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


(يقول المرجع السيد الحكيم حفظه الله) :
-[ 81 ]-

المقصد الثاني
في النبوة والرسالة

وهي نبوة نبينا (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم) (صلى الله عليه وآله وسلم)، الخاتمة للنبوات، ورسالته المُهَيْمِنَة على الرسالات.
وقبل النظر في أدلتها وطرق إثباتها يحسن التعرض لأمرين في مبحثين:

المبحث الأول
في الحاجة إلى الرسل

خلق الله سبحانه وتعالى في الإنسان والحيوان مجموعة من الغرائز لِنَظْم وضْع حياتهم. غير أنّ الحيوان قد نظمت فيه تلك الغرائز تلقائيّاً ضمن حدود يصلح أمره بها نَوْعًا، ولا يتجاوزها.
أما الإنسان فهو مطلق العنان في الجَرْي على غرائزه والاندفاع وراءها، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد منحه قوة العقل والتمييز التي يستطيع بها
-[ 82 ]-
التحكم في تلك الغرائز والسيطرة عليها، مع سعة أفق وانفتاح على الواقع، يستطيع أن يقطع به شوطاً بعيداً في الرقي والتقدم في كل جانب يتوجه إليه.
وبذلك صار مؤهلاً للصعود في مدارج الكمال - ليبلغ القمة في المُثُل والأخلاق والنقاء والطهارة - إنْ أعمل عقله وحكمه في أمره.
كما أنه مؤهل للهبوط في حضيض الجريمة والرذيلة والهمجية إن لم يحكم عقله، وأطلق العنان لغرائزه وشهواته، من دون قيد وشرط.

تميُّز الإنسان بالعقل يناسب تأهُّله للتكليف

وحين ميّز الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل، وفضله به على الحيوان، وجعله بسببه مؤهلاً لأن يكون مورداً للمسؤولية، كان ذلك منه تعالى مُؤْذِناً بإعداده لمهمة خطيرة تتناسب مع هذه النعمة الجليلة، وهي رفعه إلى مستوى الخطاب والتكليف منه تعالى، وما يستتبعه من حساب وعقاب وثواب، من أجل أن ينتفع بنعمة العقل، ويستغلها على أفضل وجوهها.
ولا يتم ذلك إلا بإرساله تعالى الرسل للناس، ليبلغوا الناس بتكاليفه ويحملوهم مسؤوليته. ثم يدعمهم بالآيات والبينات والحجج الواضحة التي تلزم الناس بتصديقهم والإذعان لهم.

قاعدة اللطف تقتضي بعْث الأنبياء

بل مقتضى قاعدة اللطف التي قررها علماء الكلام وجوبُ إرسال الأنبياء على الله عز وجل، لا بمعنى كونه سبحانه مُلْزَماً بذلك مِن قِبَل
-[ 83 ]-
أحد، وطرفاً للمسؤولية أمامه، بحيث يحاسبه لو لم يفعله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ((لاَ يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسألُونَ)) (1).
بل بمعنى: أنّ كماله المطلق وحكمته يستلزمان لُطْفَه على العباد بذلك، فهو لازمٌ عليه عزّ وجلّ بمقتضى كماله وحكمته، لا بإلزامِ مُلزِمٍ وحسابِ محاسِبٍ.
ويتضح ذلك بالنظر إلى أمور:
1ـ ما أشرنا إليه آنفاً مِن عدم تحديد فاعليّة الغرائز في الإنسان تلقائيًّا- كما في الحيوان - بل هو مطلق العنان فيها، وقد يغرق في متابعتها بنحوٍ يضر به وبالمجتمع الإنساني، ضرراً قد يبلغ حدّ الفساد، بل التدمير، ويُجانِب المُثُل والخلق والفضيلة، منحدراً في حضيض الخسة والهمجية والرذيلة.
2ـ تأهُّله بسبب نعمة العقل والتمييز للسيطرة على غرائزه، والصعود في مدارج الكمال، ليبلغ القمة في الخير والصلاح والطهارة والعفة والمثل والأخلاق.
3ـ نقْصُه الذاتي وجهْلُه بما يصلحه كفَرْد،ٍ فضْلاً عما يصلح المجتمع الإنساني، وينظم أمره بالوجه الأكمل. وهو أمر ظاهر لا يحتاج إلى برهان.
ويتجلى بوضوح بالنظر للأنظمة الوضعية التي هي من صنع البشر، حيث لم تقوَ على معالجة مشاكل الناس ونظم أمرهم، بل انقلبت في كثير من الأحيان إلى أداة يستغلها القوي ضدّ الضعيف باسم القانون. ومازالت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 23.
-[ 84 ]-
مشاكل المجتمع الإنساني في هذه المعمورة في تزايد وتناقضات، قد تصل بحدتها للانفجار والتدمير.
ومن أجل ذلك كله يكون مقتضى حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أن يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشرّ، ويعرفهم ما فيه صلاحهم، ويهديهم سبل الرشاد، لأنه العالم بجميع ذلك، المحيط به.
ثم يجعل الثواب على طاعته، والعقاب على معصيته، ليكون أَدْعَى للمتابعة، وليؤدي العقل دوره الأكمل في تحمل المسؤولية.
ولو تركهم وما يريدون - من دون أن يرشدهم ويكلّفهم - يكون قد حرمهم نعمة الإرشاد والصلاح مع شدة حاجتهم له، ولم يقْوَ العقل على أن يؤدي وظيفته، ويكون مَنْحُه للإنسان عبثاً خالياً عن الفائدة، بل يصير وبالاً عليه، لأنه يزيد في طاقاته وقدراته على الشرّ والفساد من دون رادع ولا وازع، وذلك لا يناسب حكمة الله تعالى ورحمته لعباده ورأفته بهم.
ولعله إلى هذا يشير قوله عزّ وجلّ: ((وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إذ قَالُوا مَا أنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِن شَيءٍ)) (1)، وقوله جلّ شأنه: ((أفَحَسِبتُم أنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثاً وَأنَّكُم إلَينَا لاَ تُرجَعُونَ)) (2).

إرشاد الناس منحصر بإرسال الرسل

هذا وحيث كان الله عزّ وجلّ متعالياً عن خلقه لا يخالطهم ولا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 91.
(2) سورة المؤمنون آية: 115.
-[ 85 ]-
يعاشرهم، فلابد مِن أن يرسل إليهم رسلاً منهم يخالطونهم ويخاطبونهم، ينبؤون عنه، ويبلغونهم بأمره ونهيه وعزائمه ورخصه.كما قال عزّ اسمه: ((رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيم)) (1).
وفي حديث الفضل بن شاذان في علل الشرائع عن الإمام الرضا (عليه السلام) : "فإنْ قال قائل: لِـمَ أُمِر الخلق بالإقرار بالله وبرسله وبحججه وبما جاء من عند الله عزّ وجلّ؟
قيل: لعلل كثيرة..
منها: أنّ مَن لم يقر بالله عزّ وجلّ لم يتجنب معاصيه، ولم ينته عن ارتكاب الكبائر، ولم يراقب أحداً في ما يشتهي ويستلذ من الفساد والظلم.
فإذا فعل الناس هذه الأشياء، وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد، كان في ذلك فساد الخلق أجمعين، ووثوب بعضهم على بعض، فغصبوا الفروج والأموال، وأباحوا الدماء والنساء [والسبي]، وقتل بعضهم بعضاً من غير حق ولا جرم، فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق، وفساد الحرث والنسل.
ومنها: أن الله عزّ وجلّ حكيم، ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد، ويأمر بالصلاح، ويزجر عن الظلم، وينهى عن الفواحش...
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء آية: 165.
-[ 86 ]-
فإنْ قال قائل: فلِمَ وجب عليهم معرفة الرسل، والإقرار بهم، والإذعان لهم بالطاعة؟
قيل: لأنه لمّا لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم، وكان الصانع متعالياً عن أن يُرَى، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهر، لم يكن بدّ مِن رسول بينه وبينهم، معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويقفهم على ما يكون به اجتلاب منافعهم ودفع مضارهم..." (1).
وهناك أحاديث أخر قد تضمنت مضامين مشابهة يضيق المقام عن ذكرها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 6: 59ـ60. واللفظ له / عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 97ـ98.
-[ 87 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-Feb-2013 الساعة : 03:03 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 87 ]-

المبحث الثاني
في أَمَد الرسالة

من الواضح إن النبوة لا تؤدي وظيفتها ولا تقوم بها الحجة على الناس إلا إذا بقيت معالمها، واتضحت رسالتها، وكان لها صوتٌ يُسْمَع.
أما إذا حُرِّفت رسالتها وخفَت صوتها، بحيث لا تُسْمَع على حقيقتها، فلا فائدة مِن بقاء صورة دعوتها، بل قد تكون وبالاً على المجتمع، حيث قد تستغل للظلم والإفساد باسم الدين. وحينئذٍ لابد مِن نبوةٍ أخرى تَحْمِل الرسالةَ الحقّة.

تجديد النبوة مع تطورات المجتمع

وكذا إذا اختلفت أوضاع المجتمع وتطور، بحيث تبدّلت المصالح والمفاسد، واحتاج الفرد والمجتمع لِنَظْم أمْرِه بوجْهٍ آخر غير ما تضمّنته الرسالة السابقة، حيث لابد أيضاً مِن تجديد النبوة والرسالة بما يناسب الأوضاع المستجدة، والحاجة الحادثة.
ومِن ثمّ بَشَّر الأنبياء والرسل السابقون (عليهم السلام) بأنبياء ورسل بعدهم يحملون رسالات جديدة ناسخة لرسالاتهم تَفِي بحاجة المجتمع، وتقوم
-[ 88 ]-
بها الحجة على الناس بعد انتهاء دور رسالاتهم، إما لضياع معالم تلك الرسالات وخفوت صوتها، أو لتبدُّل أوضاع المجتمع الإنساني، بحيث لا تَفِي رسالات تلك النبوات بصلاحه وسدّ حاجته، أو للأمرين معًا.

دعوة الإسلام ووقتها المناسب

وإذا أردنا أن نلقي نظرة فاحصة منصفة نرى أن دعوة الدين الإسلامي قد جاءت في الوقت المناسب، حيث لم يكن هناك دين سماوي ظاهر ناطق، ينهض بإصلاح المجتمع، وتقريبه من الله تعالى، ويؤدي دور الرسالة المطلوبة.
فإنّ أظهر دين سماوي معترف به حين ظهور الإسلام هما اليهودية والنصرانية، وقد لعبت بهما يد التحريف والتشويه، حتى مُسِخا وصارا ألعوبة بأيدي الناطقين الظاهرين مِن حَمَلَتهما، مِن أجل خدمة مصالحهم، مِن دون أن يَصْلُحا - بسبب ذلك - لهداية المجتمع الإنساني وتقريبه من الله تعالى، وإصلاحه في دينه ودنياه.

اليهودية والمسيحية

فالدين اليهودي قد تحوّل مِن دينٍ عامِّ الدعوة مُصْلحٍ للمجتمع إلى دينٍ قَوْمِيٍّ ضيِّق، يخدم جماعة قليلة من الناس ادّعت لنفسها أنها شعب الله المختار، ويسمح لها بارتكاب أنواع الجرائم، وسلوك كافة طرق الشرور من أجل نفوذها، وخدمة مصالحها، ومطامعها على حساب الآخرين.
-[ 89 ]-
أما الدين المسيحي فهو وإنْ بقي على عموميته إلا أنه تجرد عن عملية إصلاح المجتمع الإنساني ليقتصر على طقوس أو رهبانية مغرقة، غير صالحة للنزول إلى أرض الواقع، والتطبيق على المجتمع، مع إطلاق صلاحية الملوك والحكام، وإيكال أمر العامة لهم، يفعلون بهم ما أرادوا، ويعالجون مشاكلهم كيف شاؤوا، مِن دون رادع ولا وازع، بل مع إمضاء أعمالهم ومباركتها، كما قيل: "اعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" (1).
وكما جاء في العهد الجديد: "لتخضع كلّ نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى إنّ مَن يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله. والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة، فإنّ الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة، بل للشريرة..." (2).
كل ذلك مع التحريف في العقيدة بنحْوٍ ينتهي للشرك.
فضلاً عن نسبة ما لا يليق كالرذائل والجرائم لله تعالى شأنه، ولملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين الناطقين عنه (صلوات الله عليهم).
وفي ذلك ظلم فظيع للحقيقة المقدسة. مع ما فيه من مخاطر على المجتمع الإنساني..
أولاً: لأنه يسقط حرمة الدين ورموزه في النفوس، ويحصل به المبررات والدوافع للكفر به والخروج عنه، والاستهانة بتعاليمه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إنجيل مرقس الإصحاح الثاني عشر: 17 / إنجيل متّى الإصحاح الثاني والعشرون: 22.
(2) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية الإصحاح الثالث عشر: 1ـ4.
-[ 90 ]-
وثانياً: لأنه يحقق المبررات للجريمة والمشجعات عليها، لأن رموز الدين قدوة طبيعية للمتدينين، يهتدون بهديهم، ويقتفون أثرهم، ويحتجون بسيرتهم.
وكذلك الحال في التشريع، حيث أوكل للكنيسة، حتى أنّ لها أن تشرع ما أرادت، وتغير ما أرادت، وتحذف من كتب الدين ما أرادت. مِن دون أنْ يبقى الدين حقّاً ثابتاً من الله تعالى، لا يقبل التغيير والتبديل. وبذلك يكون الدين ألعوبة بأيدي مجموعة قليلة تتحكم به كما تشاء.
ونتيجة لما سبق ضاعت معالم الدين الحق الذي شرعه الله، وحمله رسوله الكريم، وانقلبت من تعاليم إلهية إلى تعاليم وضعية بشرية تافهة.

الكلام حول التوراة والإنجيل

وأما التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب والتعاليم الدينية التي تحمل أصول الدينين المذكورين - وهما اليهودية والمسيحية - وتعاليمهما الحقة، فهي إمّا أن تكون قد رُفعت، لعدم وجود مَن هو أهل لحملها، أو أنها قد أخفيت عند الخاصة، لئلا يطلع عليها عامة الناس، ويعرفون عوارهم وانحرافهم عن الدين الحقيقي.
ولم يظهر من كتب الدينين المذكورين إلا كتب محرفة، سميت بأسماء تلك الكتب، وليست منها في شيء.
ولا يعلم متى كتبت، وكيف كتبت. وقد ملئت بالتناقضات والخرافات، والمناكير والمخزيات، التي لا تتناسب مع جلال الله تعالى
-[ 91 ]-
وكماله، وقدسية رسله وأنبيائه وملائكته وأوليائه، وتعاليمهم الحقة، مدعاة للتقزز والسخرية، لا يقرها عقل ولا وجدان.
بل تقوم بها الحجة للناظر فيها على تحريفها واختلاقها، وأنها لا تصلح لهداية البشرية وإنقاذها من ظلمات الجهل والضلال، وإصلاحها وإبعادها عن الشرور والفساد.
هذا هو الواقع القائم منذ عصر الفترة التي ظهرت فيها دعوة الإسلام، إلا أن التطورات والمضاعفات جعلته يتجلى بوضوح في عصورنا هذه، بحيث لا يقبل التشكيك، فضلاً عن الإنكار.

تهيُّؤ الناس لسماع دعوة الإسلام

وذلك بطبعه يجعل الناس في فراغ عقائدي، بحيث يكونون مهيئين لسماع الدعوة الجديدة، والنظر في حجتها، والتوجه لتعاليمها، وإدراك إيجابياتها، وتقبلها نتيجة ذلك.
بل يجعل ذوي العقل والرشد منهم في حالة الانتظار لدين جديد، والطلب له والبحث عنه.
وبذلك يظهر أن دعوة الإسلام قد جاءت في وقتها المناسب، بلحاظ الحاجة للنبوة التي تحمل رسالة السماء، لتهدي المجتمع الإنساني في تلك الظلمات، وتصلحه وتقوّمه، وتحكم علاقته بالله تعالى، وفي الظرف المناسب لسماعها وتقبلها.
-[ 92 ]-

اليهودية والمسيحية ليستا خاتمتين للأديان

ولاسيما وأنّ كلّاً مِن الدينين السماويين السابقين لم يتضمن أنه الدين الخاتم، بل بشّرا معاً برسول ودين ينقذ الله تعالى الناس به من ظلمات الضلال والشرّ والفساد، ويوصلهم به إلى شاطئ الهدى والرشاد.
وذلك مما يسهل عملية البحث عن الحقيقة، والنظر في حجة الدين الجديد بعد سماع صوته وظهور دعوته.
وأولى بذلك الشعوب التي لم تعتنق ديناً سماويًّا، كالشعوب الوثنية التي ظهرت فيها دعوة الإسلام، والشعوب المجوسية. فإن تفاهة عقائده، ومجانبتها للفطرة، يجعلها أكثر تهيؤاً لسماع دعوة الدين الجديد، والنظر في حجته، والتفاعل معها إذا تمّت ونهضت بإثباته.

انتشار الإسلام

وهو ما حصل فعلاً في دين الإسلام العظيم، حيث انتشر في فترة قصيرة انتشاراً لا مثيل له، ودخل الناس فيه أفواجًا، على تقصيرٍ في كثيرٍ مِن حَمَلَتِه، وسلبيات كثيرة فيهم، استوعبها بحقّه ووضوح حجته، وتكامل دعوته، وموافقتها للفطرة. ولولا السلبيات المذكورة لطبق الأرض في عصوره الأولى. ولله أمر هو بالغه.
لكنه وَعَد، ووعده الحق. قال عزّ من قائل: ((هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)) (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة آية: 33.
-[ 93 ]-
وقال سبحانه: ((وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ)) (1). والحمد لله رب العالمين.
وحيث انتهى الكلام في هذين الأمرين فاللازم علينا النظر في أدلة النبوة الخاتمة والرسالة المهيمنة، وهي نبوة سيدنا (محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسالته، حيث لابد من إثباتها بأدلة كافية، وبراهين وافية، تقوم بها الحجة الواضحة على الناس ((لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 105.
(2) سورة الأنفال آية: 42.
-[ 94 ]-

تَوْطِئَة

لقد سبق منّا في التمهيد التعرض إلى أهمية العقل في أمر الدين، ولزوم إعماله فيه بالوجه الذي يجري عليه العقلاء في سائر موارد البحث عن الحقيقة. وكما سبق في الأمر الثاني من المقدمة أن حجة الله سبحانه وتعالى تتم على المكلف بوصول الحقيقة له، وليس من حق المكلف حينئذٍ التحكم في طلب الحجج والأدلة.
ويجري ذلك في المقام، حيث لابد من النظر بموضوعية تامة لأدلة النبوة الخاتمة، حتى إذا تبين صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته لزم الاعتقاد بها والإذعان لها، بعيداً عن اللجاجة والمراء والتحكم.
وفي حديث أبي يعقوب البغدادي عن محاورة ابن السكيت مع الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) بعد أن أوضح الإمام (عليه السلام) مناسبة معاجز الأنبياء (صلوات الله عليهم) لأزمنتهم وظروف دعوتهم:
"فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك قط. فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (عليه السلام) : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه. قال: فقال ابن السكيت: هذا والله الجواب" (1).
إذا تقرر ذلك كله فشواهد صدْق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعواه النبوة والرسالة عن الله تعالى كثيرة، نذكرها في ضمن فصول..
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 25.
-[ 95 ]-

الفصل الأول
في القرآن المجيد

وهو المعجزة العظمى الخالدة، التي كان الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحتجان بها لتصديق الرسالة، ويتحدّيان بها الخصوم.
قال عزّ من قائل محتجًّا بالقرآن: ((وَقَالُوا لَولاَ أُنزِلَ عَلَيهِ آيَاتٌ مِن رَبِّهِ قُل إنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَإنَّمَا أنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ* أوَلَـم يَكفِهِم أنَّا أنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ يُتلَى عَلَيهِم إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحمَةً وَذِكرَى لِقَومٍ يُؤمِنُونَ)) (1).
وقال تعالى أيضاً: ((وَقَالُوا لَولاَ يَأتِينَا بِآيَةٍ مِن رَبِّهِ أوَلَم تَأتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى)) (2).
وقال جلّ شأنه متحدياً به: ((أم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَيَاتٍ وَادعُوا مَن استَطَعتُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ* فَإلَّم يَستَجِيبُوا لَكُم فَاعلَمُوا أنَّمَا أُنزِلَ بِعِلمِ اللهِ وَأن لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ فَهَل أنتُم مُسلِمُونَ)) (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة العنكبوت آية: 50ـ51.
(2) سورة طه آية: 133.
(3) سورة هود آية: 13ـ14.
-[ 96 ]-
ثم شدد عزّ وجلّ في التحدي حين قال: ((أم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثلِهِ وَادعُوا مَن استَطَعتُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ)) (1).
وقد أكد سبحانه ذلك حين قال: ((وَإن كُنتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعُوا شُهَدَاءَكُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ* فَإن لَم تَفعَلُوا وَلَن تَفعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ)) (1). حيث قطع عليهم بالعجز الدائم.
وبلغ القمة في التحدي والتعجيز في قوله عزّ وجلّ: ((قُل لَئِن اجتَمَعَتِ الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيرا)) (3).



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-Feb-2013 الساعة : 01:18 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


أدلة إعجاز القرآن الكريم

والأدلة على إعجاز القرآن المجيد كثيرة.
وتنقسم إلى قسمين:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة يونس آية: 38.
(2) سورة البقرة آية: 23ـ24.
(3) سورة الإسراء آية: 88.
-[ 97 ]-

القسم الأول
ما يشهد بإعجازه إجمالاً مِن دون معرفة وَجْه الإعجاز

وهو أمران:
اعتماد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على القرآن

الأمر الأول: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مهما قيل فيه، فلا ريب في أنه القمة من العقل والحكمة وبُعْد النظر وحسن التصرف.
ومِن الظاهر له - بل لكل أحد - أن دعوى النبوة والرسالة عن الله عزّ وجلّ مستهدفة لأشدّ الإنكار والمقاومة، خصوصاً في محيطه الجاهلي الوثني الذي يراد بتلك الرسالة اقتلاع جذورها العقائدية من الأسس، وتحويلها عقائديّاً بالاتجاه المعاكس تمامًا.
ولاسيما أن دعوى النبوة تستبطن وتستلزم تميّز مدّعيها ورهطه برفعة ومقام يقتضي الطاعة والانصياع، وهو أمر لا يتناسب مع المجتمع العربي القبلي المتناحر، الذي لم يألف الخضوع والانصياع لرئيس أو عشيرة خاصة، والاعتراف بتميزهما ورفعة شأنهما بنحو يقتضي الطاعة.
أضف إلى ذلك أن المدعى له (صلى الله عليه وآله وسلم) هو النبوة والرسالة الخاتمة
-[ 98 ]-
العامة لجميع البشر، وهو أمر يهدد سلطان الدولتين العظميين المحيطتين بالجزيرة العربية، واللّتين تنظران هما وشعوبهما لعرب الجزيرة نظرة الاستهوان والازدراء، وهم ينظرون إليهما وإلى شعوبهما نظرة الاحترام والإكبار.
كما أنه يقضي على مركز أهل الكتاب وعلمائهم، خصوصاً اليهود الجاثمين في قلب الجزيرة، والقريبين مِن مركز الدعوة، والمتميزين بالأنانية والغطرسة والعناد، والذين يصرّون على أن النبوة الخاتمة فيهم.
وليس من المعقول أن يعتمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على إمكانياته المادية لفرض الاعتراف بنبوته ورسالته على قومه، فضلاً عن غيرهم من الشعوب والأمم، لأنها تكاد تقف عند الصفر ولا تتجاوزه.
ولاسيما مع التزاماته المبدئية في سلوكه وعدم استعداده للّف والدوران وسلوك الطرق الملتوية، بأنْ يَعِد مثلاً شخصاً أو فئة بشيءٍ مِن أجل كسْب نصرهم إذا لم يعرف مِن نفسه الوفاء لهم.
حتى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أتى بني عامر، ودعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم نفسه، قال له رجل منهم:
أرأيتَ إن نحن تابعناك فأظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر مِن بعدك؟
قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء.
قال: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا ظهرتَ كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الثقات 1: 89ـ90 ذكر عرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نفسه على القبائل / تاريخ الطبري 1: 556 ذكر الخبر عما كان من أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل (عليه السلام) إليه بوحيه / السيرة النبوية لابن هشام 2: 272 عرضه (صلى الله عليه وسلم) نفسه على بني عامر / البداية والنهاية 3: 139 فصل في عرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نفسه الكريمة على أحياء العرب / السيرة الحلبية 2: 3 / الكامل في التاريخ 1: 609 ذكر وفاة أبي طالب وخديجة وعرض رسول الله نفسه على العرب / الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء: 304. وغيرها من المصادر.
-[ 99 ]-
ولَمّا تآمر على قتله جماعة في قصة العقبة المشهورة، وقيل له: لو قتلتهم، امتنع مِن ذلك، لأنه يكره أن تتحدث العرب بأنّ محمداً قاتل بأصحابه حتى إذا انتصر بهم أقبل عليهم يقتلهم (1). ونظير ذلك موقفه مع رأس النفاق عبدالله بن أبيّ (2).
وتأكيد القرآن الكريم وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آله (عليهم السلام) على الوفاء بالعهد - كسلوكه (صلى الله عليه وآله وسلم) العملي في ذلك - ظاهر مشهور... إلى غير ذلك من سلوكياته المثالية وتصرفاته المبدئية (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعلى ذلك لابد أن يكون كلّ اعتماده في إثبات نبوته ورسالته وحَمْل الناس على الإذعان بها وتصديقه فيها - بعد تسديد الله تعالى - على ما يناسب هذا الأمر الغيبي الإلهي، وهو المعجزة الخارقة للعادة، كما اعتمد عليها الأنبياء السابقون (صلوات الله عليه وآله وعليهم أجمعين) على ما عرف مِن حالهم، ونَصَّ عليه القرآن الكريم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير 2: 373 / سبل الهدى والرشاد 5: 467 ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) على ذلك / الدر المنثور 4: 244 / روح المعاني 10: 139 / وغيرها من المصادر.
(2) صحيح البخاري 4: 1861 كتاب التفسير: باب تفسير سورة الصف: باب قوله سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين / ج4: 1863 باب قوله يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون / صحيح مسلم 4: 1898 كتاب البر والصلة والآداب: باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً / وغيرهما من المصادر الكثيرة.
-[ 100 ]-
ولابد مِن كوْن المعجزة بحدٍّ مِن الظهور والقوة بحيث تفرض نفسها، وتنبئ عن حقها، ولا يردها إلا المعاند والمكابر، نظير ناقة صالح، وعصى موسى، وإبراء الأبرص والأكمه وإحياء الموتى من عيسى على نبينا وآله وعليهم الصلاة والسلام.
ومع كل ذلك نرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل معجزته العظمى التي يستدل بها على دعوته، ويتحدى بها خصومه كلاماً مجرّداً نسبه لله تعالى، مِن دون أن يكون مُوثَّقاً منه سبحانه بشهادة ناطقة أو بخط معروف، أو بتوقيع، أو غير ذلك مما يثبت صدق نسبة ذلك الكلام له عزّ وجلّ. ومِن الظاهر أنّ الكلام العادي غير الموثَّق لا يصلح لإثبات أي دعوى مهما هانت، كاستحقاق درهم فما دونه، فكيف يثبت مثل هذه الدعوى العظمى؟!.
فلولا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عرف عظمة الكلام الذي جاء به، وعلوّ رتبته، وأنه يثبت نفسه بنفسه، وهو مِن سِنْخ المعاجز الخارقة القاهرة الخارجة عن قدرة البشر، لكان إقدامه على الاحتجاج به على هذا الأمر العظيم في غاية التفاهة والسذاجة، ومدعاة للهزء والتندر والسخرية. وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا ريب أرفع شأناً من ذلك حتى لو لم يكن نبيًّا، كما ذكرنا.
وقد يقول القائل: إنه قد أَقْدَم على مثل ذلك غيرُه ممّن ادّعى النبوة بعده، كطليحة (1)، ولم يكن كلامه معجزًا.
لكنه يندفع بأنه بعد أنْ فُتِح الباب به (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعجزة الكلام،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكامل في التاريخ 2: 344 في ذكر خبر طليحة الأسدي طبعة دار صادر ـ بيروت 1385ه.
-[ 101 ]-
ونجحت نجاحاً باهرًا، تنبّه غيره لدخولها، وتشجعوا على ذلك، فحاولوا تقليده (صلى الله عليه وآله وسلم) ومجاراة القرآن المجيد، وتخيّلوا أنّ الأمر يسهل فيه التمويه.
ولاسيما أنهم قد اعتمدوا في دعوى النبوة على قواهم المادية، واستغلوا ردود الفعل القبلية، حيث شقّ على قومهم تقدُّم قريش عليهم، وتميّزهم بالنبوة. ولذا لم يعانوا في بدء دعوتهم ما عاناه (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن قومه، بل أسرع قومهم لدعمهم، ولزموا جانبهم، وجمعوا الجموع حولهم ضد الإسلام في بدء دعوتهم.
ولم يريدوا بتزويق الكلام وتسجيعه إلا التشبه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن فرض القرآن الشريف نفسه، ودعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته ذلك الدعم الباهر.
والحاصل: أنه لا يقاس بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن تأخر عنه، ومَن أراد أن يتشبه به بعد نجاحه، مِن دون أن يستقل بأمر جديد لم يُجرَّب بعد، ولم يُعهد الاحتجاج به.
-[ 102 ]-

تحدّي القرآن المجيد دليلُ إعجازه

الأمر الثاني: أن القرآن المجيد قد تحدى الخصوم بأن يجاروه ويأتوا بمثله، وأعلن عجزهم بألسنة مختلفة، وفي آيات كثيرة قد تقدم كثير منها.
وقد تعارف بين فصحاء العرب وبلغائهم المجاراة والمعارضة، خصوصاً في الشعر حين كان له شأن عندهم، وكانوا يتباهون به ويفتخرون، بل ربما زاد اللاحق على السابق جودة ورفعة، حتى تطور في عصور الإسلام الأولى ففاق الجيد منه جيد الشعر الجاهلي بمراتب، رقة وفخامة، وتفنناً وابتكاراً وجمالاً، وحتى العصور المتأخرة قد ظهر فيها من الشعر الجيد الرفيع المستوى الشيء الكثير، وربما فاق ما سبقه.
ومن الظاهر أن في العرب من عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليوم من ذوي البلاغة والفصاحة العدد الجم الغفير، وفيهم كثير من أعداء الإسلام وخصومه، أو ممن يرضى بالتعاون مع أعدائه وخصومه، رغبة فيما عندهم من مكاسب مادية أو معنوية، فلو كان يتسنى لهم معارضة القرآن المجيد ومجاراته لسارعوا إلى ذلك، وجدّوا فيه، وبذلك يبطلون دعوة الإسلام بأسلم الطرق وأشدها تأثيرًا.
ولو فعلوا ذلك لظهر وشاع، لتكثُّر الدواعي لإعلانه ونشره، مع أنه لم يظهر شيء من ذلك.
وذلك يكشف..
أولاً: عن كون القرآن معجزاً فوق مستوى البشر.
-[ 103 ]-
وثانياً: عن صدقه فيما تضمنه من الإخبار الغيبي بالعجز عن مجاراته مهما طال الزمان، واستجدت فيه من أمور، وتطورت المعارف والثقافة وأساليب البيان.

محاولات مُجَاراة القرآن الكريم

نعم، حاول بعض الزنادقة والخصوم ذلك، إلا أنهم ارتدوا خائبين.
فقد روي عن هشام بن الحكم أنه قال: "اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحجاج، ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن، وميعادنا مِن قابِلٍ(العام المقبل) في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإنّ في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقوا.
فلما كان من القابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: ((فَلَمَّا استَيأسُوا مِنهُ خَلَصُوا نَجِيًّا)) (1). فلم أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئًا، فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها.
فقال عبد الملك: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: ((يَا أيُّها النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَاباً
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة يوسف آية: 80.
-[ 104 ]-
وَلَو اجتَمَعُوا لَهُ وَإن يَسلُبهُم الذُّبَابُ شَيئاً لاَ يَستَنقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ)) (1). ولم أقدر على الإتيان بمثله.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: ((لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا)) (2). لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم هذا القرآن ليس مِن جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: ((وَقِيلَ يَا أرضُ ابلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أقلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأمرُ وَاستَوَت عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعداً لِلقَومِ الظَّالِمِينَ)) (3). لم أبلغ غاية المعرفة بها ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرّ بهم جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، فقال:
((قُل لَئِن اجتَمَعَت الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيرًا)) (4). فنظر القوم بعضهم إلى بعض..." (5).
وذكروا أن ابن الراوندي قال لأبي علي الجبائي: "ألا تسمع شيئاً من معارضتي للقرآن ونقضي عليه؟".
فقال له: "أنا أعلم بمخازي علومك وعلوم أهل دهرك. ولكن أحاكمك إلى نفسك، فهل تجد في معارضتك له عذوبة وهشاشة وتشاكلاً وتلازمًا، ونَظْماً كنظمه، وحلاوة كحلاوته؟ قال:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحج آية: 73.
(2) سورة الأنبياء آية: 22.
(3) سورة هود آية: 44.
(4) سورة الإسراء آية: 88.
(5) الاحتجاج 2: 142ـ143 / ورواه المجلسي مختصراً عن الخرائج في بحار الأنوار 92: 16.
-[ 105 ]-
لا والله. قال: قد كفيتني. فانصرف حيث شئتَ" (1). وربما توجد محاولات أخرى لا يهمنا التعرض لها.
وسواء صدقت الروايات أم لا فالقرآن المجيد ما زال يتحدى الناس ليجاروه ويأتوا بمثله، وما زال له وللإسلام أعداء، لهم قدرات عالية، يودّون الإيقاع بهما.
وإذا كانت المفاهيم القرآنية الشريفة قد طوِّرت شرحاً وتوضيحاً وتفصيلاً، خصوصاً في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، الذين هم معدن المعرفة لتلك المفاهيم، فإنّ الأسلوب القرآني في عرض تلك المفاهيم يبقى متميزاً بنفسه في القمة، لا يدانيه بيان، فضلاً عن أن يعلو عليه، كما تقتضيه سنّة التطور العامّة.
ولذا نرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) مع ارتفاع مستوى بيانهم - حتى ورد عنهم أنهم أوتوا فصل الخطاب، وأنهم أمراء الكلام (2) - إذا ضَمَّنُوا كلامَهم بالقرآن الشريف أو استشهدوا به فيه تَمَيَّزَ القرآن عن كلامهم بمستواه الرفيع، وبدا فيه كالوشي الذي يطرِّز الثياب الجياد، والجوهر الذي ترصع به الحلي. ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه، وذكر الشواهد له.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) معاهد التنصيص على شواهد التلخيص 1: 57.
(2) نهج البلاغة 2: 226 / شرح نهج البلاغة 13: 12.
-[ 106 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 11-Feb-2013 الساعة : 11:11 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 106 ]-

القسم الثاني
ما يشهد بإعجاز القرآن المجيد مع معرفة جهة الإعجاز

وهو أمور..

الأمر الأول
الإعجاز البلاغي

وذلك ما يحسّه القارئ وجداناً من روعة بيانه، وجمال أسلوبه، وارتفاع مستواه، ونفوذه في أعماق النفس، وطراوته وجِدَّته، مهما طال الزمان، واختلفت أساليب الكلام والبيان.
وهو بعد فوق كل كلام، حتى كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في خطبهم وأحاديثهم، فإنه مهما ارتفع مستواه لا يبلغ شأو القرآن الكريم، ولا يصل إلى مستواه، بل ينفرد القرآن بالرفعة، وبخاصية يمتاز بها عن كلام البشر، وقد تقدم حديث أبي علي الجبائي مع ابن الراوندي حوله، ويأتي حديث الوليد بن المغيرة عنه.
وفي حديث إبراهيم بن العباس عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : "أن رجلاً سأل أبا عبد الله (عليه السلام) : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس
-[ 107 ]-
إلا غضاضة؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة" (1).
ونحوه حديث ابن السكيت عن الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
أضف إلى ذلك أمرين:
الأول: علوّ مضامينه وشرفها وانسجامها مع العقل والفطرة. بحيث يتقبلها السامع ويتفاعل معها من دون كلفة.
الثاني: أنه يوحي بشيء مقوِّم لكيانه، لا يفارقه ولا يغفله من فاتحته إلى خاتمته، وهو أنه كلام الله تعالى في تعاليه ومالكيته، وقدرته وسيطرته، وجبروته وكبريائه، وقدرته وقاهريته، وعلمه وحكمته، وإنعامه وإفضاله.
وهو لا يغفل ذلك، ولا يتنازل عنه مهما اختلفت المقامات وتباينت المقاصد والمضامين التي يَطْرقها، من الثناء على الله تعالى وتمجيده، والحوار بينه وبين عباده - من أنبيائه وملائكته، وحتى المعاند له المتمرد عليه إبليس لعنه الله - وحديثه عنهم وحديثهم عنه، ووعده ووعيده، وإنذاره وتبشيره، وأمره ونهيه، وحكمه وقضائه، وإرشاداته وآدابه، وعفوه ورحمته، ونكاله ونقمته... إلى غير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 92: 15.
(2) بحار الأنوار 92: 15.
-[ 108 ]-
وهذه الأمور بمجموعها أوجبت انهيار سامعيه به وتضاؤلهم أمامه، وشعورهم بعلوِّه وارتفاعه عن مستوى كلام البشر.
بل إذا بقي القارئ له على سجيته، وتحللت عنه عقد العناد والتعصب، أو التشكيك والتردد، تفاعل معه وانتقل به إلى عالم آخر غير ما يعهده من كلام البشر، وتجلى له أنه كلام الله جلّ شأنه، وكأنه يسمعه منه، أو ينظر إليه في كتابه، كل ذلك لأنه لا يليق إلا به سبحانه، ولا يصدر إلا منه جلّ شأنه.
ولعله إلى ذلك يشير الحديث عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه) أنه قال: "لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون" (1).

قصة الوليد بن المغيرة مع القرآن المجيد

وقد رووا أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له: اقرأ عليّ. فقرأ عليه: ((إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإحسَانِ وَإيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)) (2). فقال: أعد. فأعاد. فقال: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق. وما يقول هذا بشر" (3).
كما روي أن الوليد المذكور كان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختار، فسألوه عن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 92: 107 باب: فضل التدبر في القرآن.
(2) سورة النحل آية: 90.
(3) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 112.
-[ 109 ]-
القرآن أسحر هو، أم كهانة، أم خطب؟
فدنا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في الحجر فقال: يا محمد، أنشدني من شعرك. فقال: ما هو شعر، ولكن كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله. فقال: اتل عليّ منه.
فقرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ)) فلما سمع الرحمن استهزأ، فقال: تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن؟! قال: لا، ولكني أدعو إلى الله، وهو الرحمن الرحيم.
ثم قرأ (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((حم* تَنزِيلٌ مِن الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَت آيَاتُهُ قُرآناً عَرَبِيّاً لِقَومٍ يَعلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأعرَضَ أكثَرُهُم فَهُم لاَ يَسمَعُونَ* وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ مِمَّا تَدعُونَا إلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقرٌ وَمِن بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ فَاعمَل إنَّنَا عَامِلُونَ* قُل إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إلَيَّ أنَّمَا إلَهُكُم إلَهٌ وَاحِدٌ فَاستَقِيمُوا إلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ* الَّذِينَ لاَ يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كَافِرُونَ* إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم أجرٌ غَيرُ مَمنُونٍ* قُل أئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرضَ فِي يَومَينِ وَتَجعَلُونَ لَهُ أندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أقوَاتَهَا فِي أربَعَةِ أيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ استَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرضِ اِئتِيَا طَوعاً أو كَرهاً قَالَتَا أتَينَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَومَينِ وَأوحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أمرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفظاً ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ* فَإن أعرَضُوا فَقُل أنذَرتُكُم صَاعِقَةً مِثلَ
-[ 110 ]-
صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)) (1).
فلما انتهى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك وسمعه الوليد اقشعر جلده، وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ثم قام ومضى إلى بيته، ولم يرجع إلى قريش. فغمّهم ذلك وخافوا إسلامه. وحينما راجعه أبو جهل قال: إني على دين قومي وآبائي، ولكني سمعت كلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود. قال أبو جهل: أشعر هو؟ قال: ما هو بشعر. قال: فخطب هي؟ قال: لا. وإن الخطب كلام متصل، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضًا، له طلاوة. ثم قال في اليوم الثاني: قولوا: هو سحر، فإنه أخذ بقلوب الناس (2).

موْقف قريش مِن تأثُّر الناس بالقرآن

ولذلك كان تأثيره سريعاً ظاهراً في سامعيه، حتى خشيت قريش أن يغلبوا به على أمرهم، فحاولت منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مخالطة الناس، خوفاً من أن يقرأ القرآن الشريف عليهم ويحدثهم فيأخذ بقلوبهم ويؤمنوا به.
ومن الطريف في ذلك ما روي في لقاء الأنصار معه. فقد ذكروا أن أسعد بن زرارة وذكوان من الخزرج ذهبا إلى مكة معتمرين يسألان قريش الحلف على الأوس. وكان أسعد صديقاً لعتبة بن ربيعة، فذكر له ذلك، فردّ عليه عتبة بأنهم مشغولون عن ذلك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه قد سفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة فصلت آية: 1ـ13.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 110ـ112.
-[ 111 ]-
وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج قد سمعوا من اليهود الذين عندهم أن هذا أوان نبي يخرج بمكة، يكون مهاجره بالمدينة، لنقتلنكم به يا معشر العرب. فلما سمع أسعد كلام عتبة وقع في قلبه أنه هو الذي سمعه من اليهود. قال: فأين هو؟ فقال: هو جالس في الحجر.
ثم قال له: فلا تسمع منه ولا تكلمه، فإنه ساحر يسحرك بكلامه. فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر لابد لي أن أطوف بالبيت؟ قال: ضع في أذنيك القطن، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه قطنًا، فطاف بالبيت فنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجازه. فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني، أيكون مثل هذا الحديث بمكة، ولا نعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟!
ثم رمى بالقطن وأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له: أنعم صباحًا. فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه إليه، وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنّة: السلام عليكم. فقال له أسعد: إن عهدك بهذا قريب. إلى ما تدعو يا محمد؟
قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأدعوكم: ((ألاَّ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوَالِدَينِ إحسَاناً وَلاَ تَقتُلُوا أولاَدَكُم مِن إملاَقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإيَّاهُم وَلاَ تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ* وَلاَ تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أحسَنُ حَتَّى يَبلُغَ أشُدَّهُ وَأوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ
-[ 112 ]-
لا نُكَلِّفُ نَفساً إلاَّ وُسعَهَا وَإذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربَى وَبِعَهدِ اللهِ أوفُوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)) (1). فلما سمع أسعد هذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنك رسول الله (2).
ويؤكد هذا الوجه في إعجاز القرآن الشريف أمور:

تعدُّد أساليب القرآن المجيد

أولها: أن القرآن الكريم لو كان بأسلوب واحد فربما يتوهم المتوهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خصّ ذلك الأسلوب للقرآن وانتهج أسلوباً آخر في بقية كلامه الذي ينسب له.
لكن القرآن المجيد بأساليب مختلفة، فإن لم تكن لكل سورة أسلوبها المستقل بها فلا أقل من تعدد أساليبه في مجاميع من السور متقاربة، فأسلوب مثل سور البقرة وآل عمران والمائدة والأنعام والأعراف غير أسلوب مثل سور الأنبياء والمؤمنون والشعراء والصافات، وهما مباينان لأسلوب مثل سور الإسراء والأحزاب والفتح، وهي مباينة لأسلوب مثل سور الدخان والواقعة والقلم... إلى غير ذلك.
بل ربما كانت السورة الواحدة تجري على أكثر من أسلوب واحد. وربما اتضح انفراد بعض السور بأسلوبها، كسور محمد والقمر والرحمن وغيرها.
ومع كل ذلك فأسلوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه وخطبه على رفعته
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 151ـ152.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 136ـ138.
-[ 113 ]-
وجماله لا يشاكل شيئاً من تلك الأساليب ولا يناسبها، كما يظهر بأدنى ملاحظة.
ومن غير الممكن عادة أن يكون القرآن بتلك الأساليب المختلفة، من إنشائه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يحسنها كلها، إلا أنه لا يصادف أن يقع شيء من كلامه الآخر على بعض تلك الأساليب، أو على ما يماثلها في الرفعة.

نزولُه مُتَفرِّقاً في مناسبات غير منضبطة

ثانيها: أن القرآن المجيد لم يكن كتاباً مجموعاً قبل أن يعلن به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليتيسر التروِّي في إنشائه وتعديله وتنسيقه في مدة طويلة قبل إظهاره، بل نزل نجوماً متفرقة في مناسبات مختلفة.
وكثيراً ما يكون تبعاً لأحداث مستجدة غير متوقعة، كبعض تحديات أهل الكتاب والمشركين، وبعض تصرفات المؤمنين أو المنافقين، وواقعة بدر وأحد والأحزاب وغير ذلك. فتميُّزُه مع كل ذلك بهذا النحو شاهد بصدوره ممّن لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، ولا يحتاج في فعله إلى إعمال رويّة وطول فكر ونظر.

تكْرار الفكرة الواحدة بعروض مختلفة

ثالثها: أن القرآن الكريم كثيراً ما يكرر ذكر الفكرة الواحدة في مواضع مختلفة، إلا أنه يختلف في أسلوب عرضها، وكيفية طرحها، والتركيز على الجهات المثيرة فيها، بما يناسب قوة السيطرة على البيان، وسعة الأفق، بوجه
-[ 114 ]-
ملفت لنظر المتبصر.
وهذه الوجوه الثلاثة وإن لم يصلح كل منها لإثبات إعجاز القرآن المجيد، إلا أنها بمجموعها تؤكد الوجه المتقدم في إعجازه، وهو إعجازه في الأسلوب.
والظاهر أن الوجه المذكور في إعجاز القرآن المجيد كان أهم الوجوه وأقواها تأثيرًا، وبه فرض القرآن على أرض الواقع، وكان له الفتح العظيم، حيث يدركه كل أحد بسليقته وفطرته، بلا حاجة إلى روية وحساب، وإعمال نظر، ونحو ذلك مما ينفرد به الخاصة.
بل يمكننا أن نتعرف على أهمية هذا الوجه من قوة تأثيره، خصوصاً في محيط جزيرة العرب حين نزول القرآن المجيد، حيث كان للفصاحة والبلاغة سوق رائج، وكان التفاخر والتسابق فيهما سمة بارزة فيه.
ومن هنا كان المناسب التبصر فيه، والرعاية له، وملاحظة شواهده ومؤيداته.
-[ 115 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Feb-2013 الساعة : 05:03 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 115 ]-

الأمر الثاني
الواقع الجاهلي

وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عاش في وسط جاهلي غريب عن جميع المعارف الإلهية، والتعاليم الدينية، بل هو منافر لها في وثنيته وقبليته وغطرسته وسلوكه.
ولم يعرف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قد اختلف إلى مَن عنده علمٌ بذلك، لأن مراكز الثقافة الدينية كانت في المدينة المنورة عند اليهود، وفي نجران والشام عند النصارى.
ومن المعلوم أنه لم يأخذ من اليهود، لعدم رؤيته المدينة قبل الهجرة، ولِمَا هو المعروف من تعصب اليهود لأنفسهم ومحاولتهم حكر النبوة الخاتمة ومعارفهم الدينية على أنفسهم، وما هم عليه من نظرة الازدراء لولد إسماعيل (عليه السلام) عامة، وبغضهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة.
كما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذهب لنجران قطعًا،وإنما ذهب للشام في سفرتين محدودتين لا تسمحان له بتعلم شيء من العلوم الإلهية والدينية.
الأولى في صباه بصحبة عمه أبي طالب حينما سافر للتجارة، وكان
-[ 116 ]-
أبو طالب ملازماً له، ظنيناً به، يخشى عليه من كيد الأعداء، لِمَا كان يتوقعه له من مستقبل عظيم. بل روي أن أبا طالب لم يقض وطره من سفرته، وأنه رجع به مسرعاً خوفاً عليه (1).
والثانية في شبابه في تجارة له بمال خديجة (رضي الله عنه) لا تسمح له بالتفرغ لطلب العلم، ولم يذكر عنه أنه اتصل هناك ببعض علماء أهل الكتاب وتردد عليهم.
كما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحاول التعلم بتحصيل مقدماته وأسبابه، من جمع الكتب وكتابتها ودراسته. وهذا أمر معلوم من واقعه لا يحتاج إلى إثبات واستدلال.
وكل ما ذكر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يختلي في غار حراء للتأله وعبادة الله تعالى والتفكر في أمره عزّ وجلّ وعظيم شأنه، والتأمل في خلقه والتدبر فيه.
ومع كل ذلك جاء بالقرآن العظيم الجامع لفنون العلم والمعارف الإلهية في التوحيد الخالص، المبني على تنزيه الله تعالى عن الشريك والنظير والولد والشبيه ((قُل هُوَ اللهُ أحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَـم يَلِد وَلَـم يُولَد* وَلَم يَكُن لَهُ كُفُواً أحَدٌ)) (2).
و ((لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15: 198، 201.
(2) سورة الإخلاص.
(3) سورة الشورى آية: 11
-[ 117 ]-
و ((لاَ تُدرِكُهُ الأبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأبصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)) (1).
ثم وصفه تعالى بصفات الجلال والجمال ((هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يُشرِكُونَ* هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأسمَاءُ الحُسنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)) (2) مع التأكيد على عظمة الله عزّ وجلّ وكبريائه، وقدرته وإحاطته وهيمنته، وتنزيهه عن كل ما لا يليق بحكمته وكماله المطلق.
والتأكيد على الرسالة الخاتمة وكرامة حاملها (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسن الثناء عليه وتعظيم حقه وكرامة المؤمنين المسلمين له المهتدين بهديه.
وتنزيه أنبياء الله تعالى ورسله وملائكته وأوليائه، وبيان كرامتهم ورفعة مقامهم، وذكر رسالاتهم وتعاليمهم وجميل سيرهم، والتنفير من الظلم والظالمين والكافرين والمنافقين، وبدء الخلق والتكوين، وأخبار القرون الماضية والأمم الخالية وما حلّ بها، ووقع عليها من قوارع وقواصم.
والتذكير بالموت وما بعده من البرزخ والبعث والنشر والحشر، والحساب واستعراض مشاهد القيامة، ووصف الجنة والنار، والثواب والعقاب، والتأكيد على البعث والنشأة الآخرة، ثم الاحتجاج على كثير من ذلك بأيسر الطرق وأقربها للفطرة، من دون تكلف وتعقد.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 103..
(2) سورة الحشر آية: 22ـ24.
-[ 118 ]-
والتأكيد على آيات الله تعالى البالغة، ونعمه السابغة، ورحمته بعباده، وجميل صنعه بهم، وسطوته بمَن يشاقه ويضاده، ونكاله بهم، وانتقامه منهم.
والتشريع فيما يخص العقائد، وما يخص السلوك العملي، من الفرائض، والمحرمات، والسنن والآداب، والنظم الاجتماعية، ومكارم الأخلاق ومحمود الصفات والفعال.
والتذكير والوعظ والتقريع والتنبيه للعبر وضرب الأمثال، والوعد والوعيد بثواب الله تعالى وعقابه في الدنيا والآخرة... إلى غير ذلك مما يجعله بمجموعه مستوعباً لجميع حدود الدعوة وأصولها، وتثبيت خطوطها العامة، وبيان وجهتها الشريفة وأهدافها النبيلة.
مع تأكيد جميع ذلك وتركيزه بتكرار عرضه بمختلف الأساليب والصور، كل ذلك على أكمل وجه وأرفعه، وبأجمل بيان وأروعه، بنحو يوحي بتعالي قائله ورفعته، وغناه عمن سواه مهما بلغ شأنه.
وكل ذلك غريب عن مجتمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحيطه الذي عاش فيه، ويمتنع في العادة أن يهتدي لذلك بنفسه من دون مرشد ومعلم. وحيث سبق أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتعرف على مَن عنده شيء مِن ذلك، ولم يختلط به، ليكتسبه منه، فلابد أن يكون ذلك من الله تعالى، العالم بكل شيء على حقيقته، والمحيط به، وقد أنزله عليه وعضده به، ليكون دليلاً لدعوته، وشاهداً على رسالته، ومعجزاً لنبوته.
-[ 119 ]-
ولو كابر المكابر، وأصرّ على احتمال تعلمه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك ممن عاصره، أو اطلع على بعض كتبهم، فقد ردّ الله سبحانه عليه بقوله عزّ من قائل: ((وَلَقَد نَعلَمُ أنَّهُم يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلحِدُونَ إلَيهِ أعجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)) (1).
وهو يبتني على الوجه السابق للإعجاز، وهو تميز القرآن بأسلوبه، لأن الأعجمي لا يحسن الكلام العربي، فضلاً عن أن يصوغه بذلك الأسلوب المتميز.
وقد سبق أن ذلك الوجه في الإعجاز هو أهمّ الوجوه، لأنه الذي يدركه عامة الناس، وكان خطابه تعالى بهذا الرد معهم.

تميُّز القرآن عن ثقافة عصرة شاهِدٌ بأصالته

ولنا أن نرد عليه بوجه آخر يتناسب مع الوجه الذي نحن بصدده في إعجاز القرآن الشريف.
وحاصله: أنّ مَن يكتسب العلم بالتعلم مِن الناس..
تارة: ينشأ في جوّ علمي ويتمرس فيه مِن صغره، ويتدرج فيه حتى يبلغ النهاية المطلوبة، كما هو الحال فيمن ينتسب للمراكز العلمية - كالحوزات، والمعاهد، والجامعات - ويعيش فيها.
وأخرى: يأخذ العلم تلقِّياً في مدة قليلة، من أجل أن يتحمله لا غير،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل آية: 103.
-[ 120 ]-
مع كونه غريباً عليه غير متمرس فيه.
والأول كثيراً ما يُتقن العلم، ويتمكن فيه، بل قد يحظى بشيء من النبوغ، فيطور العلم ويرتفع بمستواه.
أما الثاني فهو يتحمله عادة بسطحية ورتابة، دون تركيز وأصالة، وبذلك يكون معرضاً للتحوير والتشويه، وضعف الأداء وسوء العرض. وذلك أمر ظاهر يستوضحه كل ممارس.
ومن المعلوم من حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ليس من القسم الأول، لأنه قضى عمره الشريف في مكة المكرمة بعيداً عن مراكز أهل الكتاب، كما سبق. وغاية ما قد يدعى أنه اطلع على بعض كتبهم أو تعرَّف على بعض مَن يحمل ثقافتهم.
ولكن القرآن الكريم حينما طرح العلوم الإلهية والمعارف الدينية لم يطرحها بالوجه المطروح في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يتبناه أهل الكتاب، مع سطحية وتشويه، بل ولا مع الحفاظ على ما عندهم بجمود وتقليد، وإنما طرحها طرحاً متميزاً على ما عندهم، أصالة وكمالاً، وسمواً واعتدالاً، ورونقاً وجمالاً، وأفاض في جهات كثيرة لم يطرقوها، مثل قصص أنبياء الله تعالى هود وصالح وشعيب، وكثير من التعاليم الحقة.
بل حتى فيما طرقوه وتحدثوا عنه لم يتحدث عنه حديثاً تابعًا لهم، بل حديثاً مستقلًّا عنهم مهيمنًا على ما عندهم، حيث يتميز عنه بأمور..
الأول: تهذيبه من التناقضات والخرافات والمناكير والمخزيات، التي
-[ 121 ]-
لا تتناسب مع جلال الله وكماله وقدسية رسله وملائكته وأوليائه، ولا مع تعاليمهم الحقة، المطابقة للفطرة.
الثاني: التعديل في بعض ما ذكروه استثناءً أو إضافةً أو تحويرًا، وإن لم يكن ما ذكروه منكرًا، كاستثناء بعض أهل نوح من دخول الفلك، وإضافة بعض المؤمنين غيرهم فيمن دخله، مع أنهم اقتصروا فيمن دخله على نوح وامرأته وأولاده ونسائهم (1). ومثل خيانة امرأة لوط له، وبقائها من دون أن تخرج معه، مع أن المذكور عندهم هو إخراجه لها معه بعد أمره بذلك، المناسب لعدم خيانتها له، إلا إنها التفتت إلى جهة المدينة، فصارت عمود ملح (2). ومثل الاختلاف الكثير في قصة يوسف (عليه السلام) (3).
الثالث: إهمال كثير مما ذكروه من تفاصيل الموضوع ومتعلقاته.
الرابع: تتميم بعض ما ذكروه بإضافة تناسبه وتزيده روعة وتناسقًا، مثل ما تضمَّنه في أمر نبيِّه عيسى وأمه (عليهم السلام)، فإنه أسهب في أمر مريم (عليه السلام)، ونبَّه إلى رفعة شأنها من بدء نشوئها، حيث وُلدت في بيت اصطفاه الله عزوجل، وكفلها نبيًّا من أعاظم أنبيائه، وبلغت طهارتها وعبادتها وقدسيتها حدّاً استحقت به أن ينزل الله سبحانه عليها رزقاً من السماء، ويحدثها ملائكته المقربون، بنحو يناسب تهيئتها لكرامة الله تعالى لها بحملها بعيسى (عليه السلام) - ذي المقام الرفيع في الأنبياء (عليهم السلام) ومن أولي العزم منهم - ودعم عيسى لها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سفر التكوين: الإصحاح السادس والسابع.
(2) سفر التكوين: الإصحاح التاسع.
(3) سفر التكوين: الإصحاح السابع والثلاثون والإصحاح التاسع والثلاثون إلى الإصحاح السادس والأربعين.
-[ 122 ]-
بعد ولادته بكلامه معهم وهي تحمله، بنحو إعجازي يشهد ببراءتها، مع أنه لا إشارة لشيء من ذلك في تعاليم أهل الكتاب.
بل يظهر مما عندهم إنها امرأة عادية كانت خطيبة ليوسف النجار، فحملت بعيسى (عليه السلام) قبل أن يدخل بها، وأن يوسف بعد أن اتهمها في نفسها، وأراد أن يطّلقها من دون أن يشهر بها خوطب في منامه ببراءتها وبحقيقة الأمر (1)، فأبقاها عنده وأولدها أولاداً آخرين ذكوراً وإناثاً صاروا أخوة لعيسى (2)... إلى غير ذلك.
هذا مضافاً إلى الاختلاف الشاسع في المنهج والتبويب، حيث تنهج كتبهم في تعاليمها - نوعاً - إلى التبويب وإشغال كل باب بما يناسبه مستوعباً له،أما القرآن المجيد، فيشيع فيه أسلوب التضمين والجمع في مقام واحد بين أمور مختلفة، من تمجيد الله تعالى والثناء عليه، والتذكير بآياته ونعمه، وسطواته ونقمه، وتكريم ملائكته ورسله وخاصّة المؤمنين وعامّتهم، وذم أعدائه من الشياطين والكافرين والمنافقين، والقصص والتاريخ، والأحكام والآداب، والاحتجاج، والأمثال والحكم والعبر، والترغيب والترهيب وغيرها، والانتقال من موضوع لآخر بأدنى مناسبة، بإيجاز أو تفصيل حسب اختلاف الموارد.
وذلك كله لا يناسب أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن الكريم ممن سبقه من أهل الكتاب، أو مما سبقه من كتبهم التي هي في المتناول، بل يناسب
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إنجيل متّى: الإصحاح الأول: 18ـ21.
(2) إنجيل متّى: الإصحاح الثالث عشر: 55، 56.
-[ 123 ]-
تباين المدرستين وإن اتفقتا في بعض الأمور، مع أصالة الثانية وتكاملها ورفعتها وهيمنتها على الأولى، بحيث جاءت لتصحيح أخطائها واستدراك نواقصها وحذف فضولها، كما صرح به القرآن الكريم.
وإن نظرة عابرة في العهدين القديم والجديد يكفي لاستيضاح هبوط مستواهما حدّ التفاهة بحيث لا يكونان طرفاً للمقارنة والموازنة مع القرآن المجيد في عظمة مضامينه ورفعة مستواه.
وبذلك يتعين عادةً كوْن القرآن الكريم وحياً من الله تعالى، لتتم به الحجة على الناس بعد ضياع معالم الأديان السابقة عليهم، بسبب الكتمان والتحريف والتشويه.
-[ 124 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-Feb-2013 الساعة : 11:32 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 124 ]-

الأمر الثالث
الإخبارات الغيبية

فمن المعلوم أن القرآن الكريم قد اشتمل على جملة من الإخبارات الغيبية:
منها: قوله تعالى: ((غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أدنَى الأرضِ وَهُم مِن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ* فِي بِضعِ سِنِينَ)) (1). فكان الأمر كما قال عزّ وجلّ أعاد الروم الكَرَّة على فارس، وغلبوهم قبل مضي عشر سنين، كما ذكره المؤرخون.
ومنها: قوله سبحانه عن أبي لهب وامرأته: ((سَيَصلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ* وَامرَأتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ)) (2). حيث يرجع ذلك إلى أنهما يموتان على الشرك، مع أن إسلامهما - خصوصاً أبا لهب - غير مستبعد في العادة..
أولاً: لقرابة أبي لهب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، التي قد تجرّه وأهله للإسلام، حتى أنه روي أنه قد أثيرت حميته، ومال، إلا أنه لم يفلح.
وثانياً: لإمكان أن يمتد به العمر حتى يظهر الإسلام فيدخل فيه طوعاً أو كرهاً كما دخل غيره من أمثاله، ثم يحسن إسلامه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الروم آية: 2ـ4.
(2) سورة المسد آية: 3ـ4.
-[ 125 ]-
ومنها: قوله تعالى في أوائل ظهور الدعوة في مكة والمشركون في أوج عنادهم والمسلمون في منتهى ضعفهم: ((فَاصدَع بِمَا تُؤمَرُ وَأعرِض عَن المُشرِكِينَ* إنَّا كَفَينَاكَ المُستَهزِئِينَ)) (1). فكانت عاقبة الأمر كما قال، كفاه أمر المستهزئين، وكانت العاقبة والغلبة له.
ومنها: قوله سبحانه في سورة القمر المكية متحدياً قريشاً: ((أم يَقُولُونَ نَحنُ جَمِيعٌ مُنتَصِرٌ* سَيُهزَمُ الجَمعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)) (2).
وكذلك قوله عزّ أسمه - مخاطباً للمشركين في أعقاب واقعة بدر -: ((وَإن تَعُودُوا نَعُد وَلَن تُغنِيَ عَنكُم فِئَتُكُم شَيئاً وَلَو كَثُرَت وَأنَّ اللهَ مَعَ المُؤمِنِينَ)) (3). وكلاهما وعد قاطع منه تعالى لهم بالفشل، وكان الأمر كما قال.
ومنها: قوله تعالى: ((قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغلَبُونَ وَتُحشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ وَبِئسَ المِهَادُ* قَد كَانَ لَكُم آيَةٌ فِي فِئَتَينِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخرَى كَافِرَةٌ يَرَونَهُم مِثلَيهِم رَأيَ العَينِ)) (4). فإنه أيضاً وعد قاطع للمخاطبين من اليهود أو المشركين - على اختلاف المفسرين - بالفشل، وأنهم يغلبون، كما حصل فعلاً.
ومنها: قوله عزّ وجلّ عن أهل الكتاب: ((فَإن آمَنُوا بِمِثلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَد اهتَدَوا وَإن تَوَلَّوا فَإنَّمَا هُم فِي شِقَاقٍ فَسَيَكفِيكَهُم اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحجر آية: 94ـ95.
(2) سورة القمر آية: 44ـ45.
(3) سورة الأنفال آية: 19.
(4) سورة آل عمران آية: 12ـ13.
-[ 126 ]-
العَلِيمُ)) (1)، وأخيراً كفى الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرهم، ولم يضره كيدهم.
ومنها: قوله عزّ من قائل: ((يُرِيدُونَ أن يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفوَاهِهِم وَيَأبَى اللهُ إلاَّ أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)) (2).
وقوله تعالى: ((يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)) (3).
وقوله عزّ وجلّ: ((هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدا)) (4).
وقد تحقق ذلك فعلاً، حيث علا دين الله وعلا نوره وظهرت حجته، وكان له في عهوده الأولى الغلبة والظهور على جميع الأديان، فكان أكثرها انتشاراً وأقواها عدّة.
وأما ما حصل في العهود القريبة فهو تراجع بعد الظهور لا ينافي الوعود المذكورة. على أنه لا يرجع في الحقيقة إلى غلبة غير الإسلام من الأديان للإسلام وظهورها عليه، بل إلى غلبة المنتسبين لتلك الأديان على المسلمين بعد أن ترك الكل دينهم، أما الإسلام كَدِينٍ فقد بقي هو الأظهر
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 137.
(2) سورة التوبة آية: 32ـ33.
(3) سورة الصف آية: 8ـ9.
(4) سورة الفتح آية: 28.
-[ 127 ]-
شأنًا، والأعلى حجة، والأولى بالإعجاب والإكبار.
ومع أننا ننتظر تأويل الآيات الشريفة على الوجه الأكمل بظهور الإسلام الساحق وغلبته الماحقة لكل دعوة أخرى، وذلك بقيام قائم آل محمد عجّل الله تعالى فرجه، وصلى عليه وعلى آبائه الطاهرين وسلم تسليماً كثيرًا.
ومنها: قوله عزّ وجلّ: ((مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِن الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطلِعَكُم عَلَى الغَيبِ)) (1). وقد ميزهم فعلاً بالفتن حتى ظهر خبث كثير منهم بما لعله لم يكن محتسبًا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية: 179.
-[ 128 ]-

الأمر الرابع
الحقائق العلمية

أن القرآن الكريم قد اشتمل على بعض الحقائق العلمية بنحو لا يتناسب مع ما كانت عليه الجزيرة العربية من الجهل، والبعد عن مراكز الثقافة، بل قد لا يناسب الثقافة العلمية في عصر البعثة.
منها: قوله تعالى: ((وَتَرَى الجِبَالَ تَحسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنعَ اللهِ الَّذِي أتقَنَ كُلَّ شَيءٍ إنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفعَلُونَ)) (1). فإنّ حركة الجبال تبتني على دوران الأرض، أو سير المجموعة الشمسية باتجاه خاص. وكلاهما غير معروف في ذلك العصر.
ومنها: قوله سبحانه: ((اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا)) (2). وقوله عزّ وجلّ: ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا)) (3)، حيث يشير ذلك إلى تماسك السماء والأرض بروابط غير مرئية. كما صرح بذلك في حديث الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : "قلت له: أخبرني عن قول الله: ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ)) فقال: هي محبوكة إلى الأرض، وشبك بين
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النمل آية: 88.
(2) سورة الرعد آية: 2.
(3) سورة لقمان آية: 10.
-[ 129 ]-
أصابعه. فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله يقول: ((بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا)) ؟!
فقال: سبحان الله! أليس [الله] يقول: ((بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا)) فقلت بلى.
فقال: فثَمَّ عَمَدٌ، ولكن لا تُرى..." (1). وذلك يناسب قانون الجاذبية المكتشف حديثًا.
ومنها: قوله تعالى: ((وَالجِبَالَ أوتَادا)) (2).
وقوله سبحانه: ((وَألقَى فِي الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُم وَأنهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُم تَهتَدُونَ)) (3).
وقوله جلّ شأنه: ((وَجَعَلنَا فِي الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِهِم)) (4).
وقوله عزّ وجلّ: ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا وَألقَى فِي الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُم)) (5). حيث تضمنت الآية الأولى أن الجبال كالأوتاد، وهذا التشبيه يحمل خاصتين:
الأولى: أنها كالأوتاد في هيئاتها الظاهرة، فهي كما تبرز على وجه الأرض، تغوص فيها. وقد ثبت أخيراً أن الجبال تغوص في الأرض أضعاف ارتفاعها، وأن حجم الصخر تحت الجبال ينزل أسفل من الطبقة الصخرية المنبسطة التي تقوم عليها القارات بعمق هائل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير العياشي 2: 203، تفسير سورة الرعد. واللفظ له / وتفسير القمي 2: 328.
(2) سورة النبأ آية: 7.
(3) سورة النحل آية: 15.
(4) سورة الأنبياء آية: 31.
(5) سورة لقمان آية: 10.
-[ 130 ]-
الثانية: أنها كالأوتاد في وظيفتها. فإنّ الأوتاد تمسك الخيمة عن أن تتحرك وتزول عن موقعها. وكذلك الجبال، فهي بسبب غوصها في الأرض تشد القشرة الأرضية المحيطة بالطبقة السائلة، وتحفظ توازنها، ولولا الجبال لاضطربت القشرة الأرضية، وماجت فوق الطبقة السائلة، ومادت بمَن عليها. وهو ما أكدت عليه الآيات الأخيرة والأحاديث الشريفة التي هي كالشرح لها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له في الثناء على الله تعالى: "ونشر الرياح برحمته ووَتَّدَ بالصخور ميدانَ أرضه" (1).
وقد أشار (صلوات الله عليه) لكلا الأمرين في خطبة له أخرى تسمى بخطبة الأشباح، حيث قال في بيان خلق الأرض: "وعدل حركتها بالراسيات من جلاميدها (2)، وذوات الشناخيب الشم (3)، من صياخيدها (4)، فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع أديمها، وتغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها" (5).
وقال في خطبة ثالثة: "وجبل جلاميدها ونشوز متونها وأطوادها، فأرساها في مراسيها، وألزمها قرارتها، فمضت رؤوسها في الهواء، ورست أصولها في الماء، فأنهد جبالها عن سهولها، وأساخ قواعدها في متون أقطارها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 1: 14.
(2) الجلاميد: الصخور الصلبة.
(3) الشناخيب: جمع شنخوب، وهو رأس الجبل. والشم: الرفيعة العالية.
(4) الصياخيد: جمع صيخود، وهو الصخرة الشديدة.
(5) نهج البلاغة 1: 174، 175.
-[ 131 ]-
ومواضع أنصابها، فأشهق قلالها وأحال أنشازها، وجعلها للأرض عمادًا، وأرّزها (1) فيها أوتادًا، فسكنت - على حركتها (2) (*) - مِن أن تميد بأهلها، أو تسيخ بحملها، أو تزول عن مواضعها" (3). وذلك كله غريب عن ثقافة عصر نزول القرآن الشريف.
ومنها: قوله سبحانه: ((فَمَن يُرِد اللهُ أن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإسلاَمِ وَمَن يُرِد أن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)) (4). وقد تضمنت هذه الآية الشريفة أن الارتفاع في طبقات الجو يسبب ضيق الصدر، وهو أمر مجهول سابقًا، لعدم الإحاطة بخصائص الجوّ، ولعدم تيسير اكتشافه من طريق تجربة الصعود، وإنما اكتشف ذلك في العصور القريبة، حيث ظهر أن ضغط الجوّ يخفّ كلما ارتفعنا إلى فوق، وذلك يسبب ارتفاع ضغط الإنسان وضيق صدره واختناقه.
وهناك آيات كثيرة أطالوا الكلام في تقريب دلالتها على جملة من المستكشفات العلمية الحديثة المغفول عنها حين نزول القرآن الشريف حيث يكون ذلك شاهداً على إعجازه، ولا يسعنا استطرادها، وفي ما ذكرنا كفاية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أرّزها: أي أثبتها.
(2) (*) نبّه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بذلك على حركة الأرض إما بدورانها على نفسها أو في ضمن أبراج المجموعة الشمسية، أو في ضمن سير المجموعة الشمسية باتجاه خاص. وذلك كله مغفول عنه في تلك العصور خصوصاً في محيطه (عليه السلام). وذلك وإن لم يكن معجزة للقرآن الكريم، إلا أنه معجزة له وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو (عليه السلام) باب مدينة علمه، فيكون شاهداً لصدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ادعاء النبوة.
(3) نهج البلاغة 2: 192، 193.
(4) سورة الأنعام آية: 125.
-[ 132 ]-
هذه بعض وجوه إعجاز القرآن المجيد.
وهناك بعض الشواهد المؤكدة لصدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نسبته لله عزّوجلّ وعدم افترائه فيه، تظهر للمتأمل، ولا تخفى على المستبصر، وإن كان الأمر أظهر من أن يستشهد عليه..
منها: ما هو معلوم من أن اليهود - الذين هم بقية بني إسرائيل الباقية على الانتساب لدين اليهودية - يعتزون بقوميتهم وانتسابهم لإسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (على نبينا وآله وعليهم الصلاة والسلام)، ويتجاهلون العرب من بني إسماعيل بن إبراهيم (عليهم السلام) ويبغضونهم.
وهم قد ناصبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العداء، وكذبوه، وأنكروا حقّه، وألّبوا عليه، وظاهروا عدوه، وجَدّوا في إطفاء نوره، قولاً وعملاً، وأتعبوه كثيرًا، وقد وقف القرآن الكريم والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم - كرَدّ فعلٍ على ذلك - أشدّ المواقف وأقساها، تذكيراً وتأنيبًا، وذمّاً وتقريعًا، وقتلاً وتشريدًا.
والمنتظر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يكن مرسلاً من الله تعالى، وكان مفترياً في نسبة القرآن له، أنْ يتمم موقفه ذلك بتجاهل بني إسرائيل في القرآن المجيد، وعدم الاعتراف لهم إلا بما لا بد من الاعتراف به لظهوره، كردّ فعل منه لموقفهم الظالم منه ومن قومه،لكن القرآن الشريف قد أفاض في ذكرهم، وفي ذكر نِعَم الله تعالى عليهم، وتفضيلهم على العالمين، كما أفاض في ذكر آبائهم الأولين وأنبيائهم وقصصهم، فكان ذكر إسحاق ويعقوب (عليهم السلام) أكثر من ذكر إسماعيل (عليه السلام)،
-[ 133 ]-
مع أن إسماعيل - الذي إليه يرجع نسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسب قومه - هو الأكبر والأسبق في الوصية.
كما أنه أفاض في ذكر ذرية إسحاق ويعقوب، وتبجيل من يستحق التبجيل منهم. وذكر نعمة الله تعالى عليهم عمومًا، من دون أن يشير لشيء من ذلك في ذرية إسماعيل (عليه السلام)، وهم قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يحاول (صلى الله عليه وآله وسلم) إقناعهم برسالته، والاستظهار بهم على الأمم، حيث يناسب ذلك تمجيدهم وإشعارهم بالرفعة على اليهود، ليكون ذلك محفزاً لهم على دعمه والإقرار بدعوته.
ولاسيما مع ما عليه قريش خصوصًا، والعرب عمومًا، من الاعتزاز بالآباء وأمجادهم، والتفاخر بذلك، حتى أنَّبَهم الله تعالى بقوله: ((ألهَاكُم التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرتُم المَقَابِرَ)) (1).
ولا مجال لتفسير ذلك وتوجيهه بأنه محاولة منه (صلى الله عليه وآله وسلم) لإرضاء اليهود والتقرب منهم أملاً في استجابتهم له واستظهاره بهم، لأن ذلك لا يناسب ما بينه وبينهم من مواقف عدائية متشنجة من اليوم الأول.
وإنما التفسير المنطقي لذلك أن القرآن المجيد كتاب الله تعالى الذي يعطي كل ذي حق حقه، وإسماعيل (عليه السلام) قد حمل رسالة السماء مدّة قليلة، ثم اضطلع بحملها إسحاق وذريته قرونًا طويلة، فشكر الله تعالى لهم ذلك، فنوَّه بهم، وأثنى عليهم بما هم أهله، وبما يناسب دورهم في حمل رسالته،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التكاثر آية: 1ـ2.
-[ 134 ]-
والدعوة لها، وتحمل الأذى والمحن في سبيلها.
ومنها: أن القرآن الكريم قد ركز على تنزيه أنبياء الديانتين اليهودية والنصرانية، وتكريمهم، ورفع شأنهم، بما لم يهتم به معتنقو الديانتين المذكورتين في حقهم، بل نسبوا لهم الأعاجيب من الرذائل والمعاصي وغير ذلك. وما الذي يدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك لو كان مفتريًا - والعياذ بالله - على الله تعالى في نسبة القرآن إليه؟!
وهل لذلك وجه إلا كون القرآن منزلاً من الله سبحانه الذي أخذ على نفسه نصرة رسله، وشكر سعيهم، وتثبيت حكمته، بأنه لا يختار لرسالته إلا المخلصين من عباده، المؤهلين لأن يكونوا قدوة لهم، يدعونهم بأفعالهم وسلوكهم إلى ما يرتضيه من مكارم الأخلاق ومحمود الخصال والأفعال، والى ما يوثق علاقتهم به من القربات والطاعات.
ومنها: التكامل العجيب في أمر عيسى (عليه السلام)، فالقرآن المجيد في الوقت الذي أنكر فيه أشدّ الإنكار على النصارى دعواهم ألوهيته وبنوَّته لله تعالى شأنه، وأنزله عن ذلك إلى مرتبة العبودية، والنقص والحاجة، قد أكد على رفع شأنه وتعظيمه، والثناء عليه، وتنزيهه عما لا يليق به.
بل أفاض - كما سبق - في رفعة شأن أمه الصديقة مريم (عليه السلام)، وقدسيتها، وتهيئتها من مبدأ تكوينها ونشوئها لكرامة الله تعالى بحملها بعيسى (عليه السلام)، وخطاب الملائكة لها بذلك، وإحاطتها حين الولادة بالكرامات المناسبة، ثم دعمها بعد ذلك بأقوى البراهين على براءتها، وهو شهادة عيسى (عليه السلام) لها
-[ 135 ]-
وهي تحمله بوجه إعجازي قاهر، بحيث يجعل المتهم لها معانداً لله تعالى، رادّاً لآياته.
ولولا ذلك لكانت تلك الكرامة العظيمة مثاراً للشبهة والريبة، بنحو لا يتناسب معه، ولا مع شرف الرسالة التي ترتبت عليه، والتي أُريد بها إقامة الحجة على العتاة الظالمين.
بينما لا نجد في المسيحية ذلك، فهي في الوقت الذي تجعله ابناً لله تعالى وترفعه إلى مقام الألوهية والعبادة لا تنزهه كتنزيه القرآن الشريف له، ولا ترفع مقام أمه بنحو يهيئها لتلك الكرامة العظيمة. بل لا ترفع عنها الشبهة في مثل هذا الحمل المريب إلا رؤيا يوسف خطيبها من دون شاهد على صدق دعوى الرؤيا، ولا على صدق نفس الرؤيا، ليكون حجة على مَن يتهمها، ويقطع الطريق عليه.
وذلك كله يتناسب مع كون القرآن منزلاً من الله تعالى، لنصرة رسله وأوليائه وتصحيح التعاليم الشايعة قبله نتيجة تحريف التعاليم الحقة وتشويهها، ولا يتناسب مع كونه من جملة المفتريات على الله تعالى، كما لعله ظاهر.
ومنها: ما تميز به من بعض الأمور غير المألوفة في كلام العرب، مثل بدء بعض سوره بالحروف المقطعة. فإنّ ذلك أمر لا يلتفت له في العادة مَن ينشئ الكلام منهم.
وكذا بعض الأمور التي يصعب على محيطه التصديق بها، أو الوقوف على المراد منها، مثل قوله سبحانه وتعالى: ((سُبحَانَ الَّذِي أسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً
-[ 136 ]-
مِن المَسجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسجِدِ الأقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (1).
وقوله سبحانه: ((وَاسأل مَن أرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رُسُلِنَا أجَعَلنَا مِن دُونِ الرَّحمَنِ آلِهَةً يُعبَدُونَ)) (2).
فإنّ مَن ينشئ الكلام من أجل إفهام محيطه وإقناعه لا يتعمد ذلك ونحوه مما يحرجه أمام الناس.
ولا تفسير لذلك إلا فرضه عليه من قبل الله تعالى، لمصالح هو أعلم بها، وهو المتعهد بتسديده فيها، كما حصل فعلاً، حيث لم يكن ذلك سبباً لإحراجه والتشهير به والتهريج عليه... إلى غير ذلك مما قد يدركه المنصف المتبصر في القرآن المجيد من شواهد الحق والصدق. وإن كان الأمر أظهر من ذلك، كما سبق.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء آية: 1.
(2) سورة الزخرف آية: 45.
-[ 137 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 19-Feb-2013 الساعة : 06:34 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 137 ]-

تتميم:
لزوم الاختلاف لو كان مِن غير الله تعالى

قال الله تعالى: ((أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلاَفاً كَثِيرا)) (1). وقد يستظهر من ذلك بدْواً أنّ الكتاب الصادر من غير الله تعالى لابدّ أن يشتمل على الاختلاف والتناقض الكثير.
مع أنّ ذلك لا يخلو مِن خفاء، إذ كثيراً ما تكون الكتب الصادرة من البشر متناسقة نسبيًّا، لا يظهر فيها الاختلاف، أو يكون الاختلاف فيها خفيّاً لا يلتفت له إلا الناقد المتبصر.
وكلما كان صاحب الكتاب أرفع مستوى وأشد تمرُّساً في العلم، كان الاختلاف عن كتابه أبعد، خصوصاً إذا أعاد النظر فيه، وحاول نقده وتهذيبه.
وربما يجاب عن ذلك بوجهين:
أحدهما: أن القرآن الكريم حيث نسبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصادع به لله تعالى، وهو سبحانه القادر الحكيم، فلو لم يكن من عنده وقد افترى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنسبته له جلّ شأنه، لكان مقتضى حكمته عزّ وجلّ أن يخذل المفتري ويوقع الاختلاف الكثير في الكتاب الذي يأتي به، ليكون دليلاً
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء آية: 82.
-[ 138 ]-
ظاهراً على كذبه مانعاً من تصديق الناس به، رفعاً للشبهة وإتماماً للحجة.
لأن الحكمة كما تقتضي تأييد الصادق بالحجة والبرهان والمعجز، تقتضي خذلان الكاذب، وجعله بحالٍ لا يمكن عقلاً تصديقه على الله تعالى، بل تضطر العقول إلى تكذيبه، لئلا يلتبس الأمر على ضعاف الناس، ويجوز تمويهه عليهم، بنحو يعذرون فيه.
وهو مناسب للواقع الخارجي، فإن العهدين القديم والجديد اللذين عليهما تعتمد الديانتان اليهودية والنصرانية المعاصرتان، وتريان تمثيلهما دين الله الحق، قد تضمنا تناقضات عجيبة، وأموراً منكرة، ومخزيات فظيعة تظهر لكل ذي إدراك سوي. ولا مبرر لوجودها فيهما لولا خذلان الله تعالى، من أجل تنبيه الناس تثبيتاً لحكمته، وإتماماً لحجته.
وكذا الحال في بعض ما اطلعنا عليه من الكتب المفتعلة في العصور القريبة، فإنها من الاضطراب والهبوط في مستواها بحدٍّ لا يرضى ذو الكرامة والرشد بنسبتها له، فضلاً عن نسبتها لله جلّ شأنه: ((قُل فَللّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَو شَاءَ لَهَدَاكُم أجمَعِينَ)) (1).
ثانيهما: ما ذكره بعضهم من أن القرآن المجيد لم ينزل ولم يعلن للناس كتاباً مجموعاً منسقًا، بعد نقد وتمحيص، وإنما نزل نجوماً متفرقة في ضمن ثلاث وعشرين سنة، وفي ظروف متباينة أشد التباين، وبمناسبات مختلفة سنخاً وهدفًا، وكثير منها مفاجئات غير محتسبة، ليهيأ لها من الحديث ما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 149.
-[ 139 ]-
يناسبها بروية وإمعان.
ومثل هذا الحديث المتفرق المختلف الأهداف يكون معرضاً للاختلاف الكثير والاضطراب والتدافع لو صدر من البشر المعرض للغفلة والخطأ وعدم الاستيعاب والإحاطة.
فعدم ظهور الاختلاف في القرآن المجيد شاهد بصدوره عن الله عز وجل المنزه عن الغفلة والخطأ والمحيط بكل شيء.
هذا ما تيسر لنا من الحديث عن إعجاز القرآن المجيد وشواهد صدقه. والظاهر أنّا لم نوف الموضوع حقه. وإن كان القرآن الكريم قد فرض نفسه بنحو يستغني عن الاستشهاد له والدفاع عنه. ((وَتَـمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدقاً وَعَدلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)) (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 115.
-[ 141 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 23-Feb-2013 الساعة : 02:45 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 141 ]-

الفصل الثاني
في بشارات الأنبياء (عليهم السلام) به

مِن شواهد صدق النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوى النبوة: ما صدر مِن البشارة به مِن الله تعالى على لسان أنبيائه السابقين (صلوات الله عليهم)، وفي كتبه المنزلة عليهم، وذكر زمان بعثته ومحل ظهوره وهجرته، وما يحيط بذلك من دلائل وعلامات بلغ بها الأنبياء أممهم، وحملها علماء أهل الكتاب عنهم.
وقد ذكر أهل الحديث والمؤرخون كثيراً منها، مثل حديث تبّع مع الأوس والخزرج حين أوصاهم بالبقاء في المدينة إلى حين ظهور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، وقصة سيف بن ذي يزن حين بشر جده عبد المطلب به، وذكر له ما يؤول إليه أمره (2)، وقصة بحيرا الراهب حين حدث عمه أبا طالب بشأنه حين سافر به وهو صبي إلى الشام (3)، وحديث يوسف اليهودي بمكة المكرمة حين رأى النجوم تقذف، وسأل قريشاً عن مولود جديد فيهم، فأخبروه بولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فطلب رؤيته، ولما رآه أعلمهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 15: 183.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 62ـ65، وبحار الأنوار 5: 186.
(3) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 62ـ65، وبحار الأنوار 5: 193.
-[ 142 ]-
بأنه هو النبي الموعود به (1).
ويؤيدها ما ذكروه من تأكيد جدّه عبد المطلب وعمه أبي طالب في مناسبات مختلفة على أهمية هذا الإنسان الكريم، وعلى أن له شأناً سوف يظهر، وحرصهما عليه وعلى رعايته وسلامته، كما يظهر بمراجعة كتب التاريخ والسيرة.
وكذا الحال في قصة سلمان الفارسي حين ضرب في الأرض يطلب الدين الحق، حتى انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمن به بعد أن رأى ما يعرفه من علامات نبوته (2).
وكذا إسلام جماعة من اليهود والنصارى بعد أن عرفوا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) النبي الموعود به، كعبد الله بن سلام، والنجاشي، والجارود بن المنذر العبدي، والراهب الذي رأى أمير المؤمنين في طريقه إلى صفين وقد كشف عين الماء في الصحراء، فأسلم والتحق به (3) وأمثالهم... إلى غير ذلك مما هو كثير جدًّا، وقد روي بطرق مختلفة.
كما أكد القرآن المجيد على وجود هذه البشائر والعلامات، وأن أهل الكتاب يعرفون الحق ويكتمونه، وشدد عليهم في ذلك، حتى قال تعالى: ((وَمَن أظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِن اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ)) (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 58
(2) بحار الأنوار 22: 355.
(3) بحار الأنوار 15: 236.
(4) سورة البقرة آية: 140.
-[ 143 ]-
وقال سبحانه: ((إنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أنزَلنَا مِن البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُم اللهُ وَيَلعَنُهُم اللاَّعِنُونَ* إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأصلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أتُوبُ عَلَيهِم وَأنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) (1).
وقال عزّ من قائل: ((إنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أنزَلَ اللهُ مِن الكِتَابِ وَيَشتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم إلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُم اللهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ ألِيمٌ* أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى وَالعَذَابَ بِالمَغفِرَةِ فَمَا أصبَرَهُم عَلَى النَّارِ)) (2)... إلى غير ذلك.
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك في حديثه، خصوصاً مع اليهود الذين ابتلي بهم بالمدينة، حتى ورد أنهم جاؤوه لما هاجر فقالوا: يا محمد إلى ما تدعو؟
قال: "إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، الذي تجدونني مكتوباً في التوراة، والذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجي بمكة ومهاجري بهذه الحرة. وأخبركم عالم منكم جاءكم من الشام، فقال: تركت الخمر والخمير، وجئت إلى البؤس والتمور، لنبي يبعث في هذه الحرة، مخرجه مكة ومهاجره ههنا، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، يركب الحمار، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسرة، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، ويضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، وهو الضحوك القتال، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر".
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 159ـ160.
(2) سورة البقرة آية: 174ـ175.
-[ 144 ]-
فقالوا: قد سمعنا ما تقول، وقد جئناك لنطلب منك الهدنة (1).
وكذلك أكده أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في مناظراتهم واحتجاجاتهم على أهل الأديان، وأخذوا اعترافهم به. وأكده علماء المسلمين عنهم أو عن كتبهم (2).
وقد بلغ ذلك بمجموعه حدّ التواتر، بل يزيد عليه. مع غضّ النظر عن صدق القرآن المجيد.

شواهد صدْق دعوى وجود البشارات

غير أن بناء أهل الكتاب على تجاهل ذلك كله، والتصامّ عنه، بحدّ قد يوهم أن الأمر لا يزيد على كونه دعوى من المسلمين لدعم دينهم، لا تبلغ حدّ الحجة والبرهان.
ومن هنا يحسن بنا أن نلفت النظر إلى أمور تؤكد ذلك وتوضحه..

القرآن يسجل اعتراف أهل الكتاب

أحدها: قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَهُم كِتَابٌ مِن عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُم وَكَانُوا مِن قَبلُ يَستَفتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ)) (3). فإنه لم يقتصر على دعوى معرفتهم بصدق
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 157.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 157 / وإعلام الورى بأعلام الهدى 1: 58 / وكشف الغمة 1: 21 / وسعد السعود: 57، 62، 63.
(3) سورة البقرة آية: 89.
-[ 145 ]-
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). بل زاد عليه أنهم كانوا قبل مبعثه يستفتحون على الذين كفروا، بأن يقولوا لهم سوف يبعث نبي - ويذكرون صفته - فنؤمن به، ونتغلب عليكم بذلك.
ومن الظاهر أن هذا الحوار لو لم يكن له واقع لم يتعرض له القرآن الشريف، لا لما نعتقده من صدق القرآن الكريم، بل لأن تعرضه له حينئذٍ يكون مثاراً للاستنكار من الكفار واليهود والمنافقين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتشنيع عليه وإحراجه، كما أنه قد يوجب زعزعة إيمان المؤمنين وتراجعهم، وهو في غنى عن ذلك كله.

قصة المباهلة

ثانيها: قصة المباهلة، المشهورة. فإن القرآن الشريف تحدى علماء النصارى ومن لهم علم بالكتاب منهم، وطلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعوهم للمباهلة على صدق ما جاءهم من العلم، ولكنهم امتنعوا من ذلك ورضوا بالحلّ المهين، وهو دفع الجزية.
والمفروض بعلماء أهل الكتاب أن لا يخفى عليهم صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو كذبه، ولاسيما مع إصراره على البشارة به من الأنبياء السابقين (عليهم السلام) ووجود صفته وعلاماته في كتبهم، ولا مبرر لرضاهم بالحلّ المهين مع علمهم بكذبه وافترائه، فلابد من إدراكهم صدقه، ولذا امتنعوا من مباهلته خوفاً من معاجلتهم بالعذاب، كما امتنعوا من الإقرار له والتصديق به خوفاً على مناصبهم ودنياهم، فاضطروا للرضا بالحل الوسط، وإن كان مهينًا.
-[ 146 ]-

ما بقي في العهدين من إشارات لنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم)

ثالثها: ما بقي في العهدين القديم والجديد اللذين تتبناهما الديانتان اليهودية والمسيحية المعاصرتان من تصريحات وإشارات تفتح الطريق للباحث عن الحقيقة والذي يريد الوصول لها.
وقد ذكرنا شيئاً من ذلك يتعلق بالنبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) في جواب السؤال التاسع من الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة).
وتعرض آخرون لبعض التلويحات والإشارات لا يسعنا إطالة الكلام فيها بعد عدم توقف الاستدلال عليها.
كما سمعنا مشافهة من بعض المستبصرين ممن هداهم الله تعالى للإسلام حقائق مذهلة لا يحسن بنا إثباتها بعد أن لم تكن موثقة، ولا تحمل صفة رسمية.
-[ 147 ]-

الفصل الثالث
في المعاجز والكرامات

من شواهد صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوى نبوته: ما ظهر على يديه من الكرامات الباهرة والمعاجز الخارقة للعادة، كانشقاق القمر، وردّ الشمس بأمره، وتظليل الغمام عليه، وقطع المسافة الطويلة بزمن قصير، ومجيء الشجرة له لما دعاها، وخروج الماء من بين أصابعه، وعندما غرز سهمه في بئر قد نضب ماؤها، وتكثير الطعام القليل، وحنين الجذع الذي كان يخطب عنده لما فارقه ورقى المنبر، ودرّ اللبن من ضرع شاة أم معبد بعد أن أضرّ بها الجهد، واخضرار شجرتها بعد أن يبست عندما توضأ في أصولها، وشهادة الذئب بنبوته، وحديث البعير والظبية معه، وشفاء المرضى ببركته واستجابة دعائه وإخباراته الغيبية الكثيرة... إلى غير ذلك مما لا يتيسر إحصاؤه.

الكرامات الصادرة من أهل بيته (عليهم السلام)

ويلحق بذلك ما ظهر من أهل بيته (صلوات الله عليهم) من الكرامات والمعاجز، لأنهم ينظرون بمشكاته، ويحملون تعاليمه، وينطقون
-[ 148 ]-
عنه، فما يصدر عنهم صادر عنه ومن فيض بركته، فهو شاهد لنبوته ومؤكد لصدق دعوته. كما أنه يكون شاهداً على أنهم (صلوات الله عليهم) ورثته وحملة علمه.
وتلك الكرامات قد بلغت من الكثرة وشيوع النقل حدّاً يزيد على التواتر الإجمالي بمراتب، بل ربما تواتر كثير منها تفصيلاً، كما يظهر بمراجعة ما ذكره المسلمون عموماً في تاريخ حياته وشرح سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما ذكروه - خصوصاً الشيعة منهم - في حق الأئمة من أهل بيته (صلوات الله عليهم).

شواهد صدْق نِسْبة هذه الكرامات

وربما يخفى ذلك على كثيرين، لإعراضهم عن الفحص والنظر، فيستحكم في نفوسهم احتمال افتراء المسلمين ذلك كله من أجل تكثير الحجج على صحة الإسلام، لأنّ نقْل ذلك إنما تمّ من طريق المسلمين دون غيرهم.ولذا يحسن بنا التنبيه على أمور حقيقة بالتأمل، تزيد هذا الأمر وضوحاً وجلاءً، ولا يبقى معها مجال لهذا الاحتمال..

كثير منها لم تسجل من أجل الاحتجاج

الأمر الأول: أن كثيراً من هذه الأمور لم يسجل تاريخيّاً من أجل الاحتجاج به، ليتوهم أنه أمر متكلف قد اخترع من أجل تكثير الحجج للمسلمين على دينهم، بل كثير منه قد ذكر عابراً في ضمن سرد تاريخي من دون تركيز عليه، حيث يناسب ذلك كون ذكره عفويًّا، كسائر
-[ 149 ]-
الحقائق التاريخية، التي يوثق بوقوعها تفصيلاً أو إجمالاً نتيجةَ تكرُّرِ نقلِها وشيوعها.

استعراض القرآن المجيد لبعضها

الأمر الثاني: أن القرآن الشريف قد تضمن نقل بعض هذه الأمور في جملة من آياته.
منها: قوله تعالى: ((اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ* وَإن يَرَوا آيَةً يُعرِضُوا وَيَقُولُوا سِحرٌ مُستَمِرٌّ)) (1).
ومنها: قوله عزّ وجلّ: ((سُبحَانَ الَّذِي أسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِن المَسجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسجِدِ الأقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (2).
وقد تضمنت هاتان الآيتان الإخبار عن حادثتين معجزتين خارقتين للعادة، خصوصاً الأولى منهما.
ومنها: قوله سبحانه: ((وَإذ يَعِدُكُم اللهُ إحدَى الطَّائِفَتَينِ أنَّهَا لَكُم وَتَوَدُّونَ أنَّ غَيرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكُم وَيُرِيدُ اللهُ أن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ)) (3).
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة الإشارة إلى خبر غيبي من الله
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة القمر آية: 1ـ2.
(2) سورة الإسراء آية: 1.
(3) سورة الأنفال آية: 7.
-[ 150 ]-
تعالى ووعد للمسلمين بلغهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به، وكان ذلك حين بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرب مرور عير قريش، فإنه خرج وأخبر المسلمين بأن الله تعالى وعدهم إما العير يغنمونها، وإما النفير من قريش يظفرهم بهم، وكانوا يودون العير يغنمونها من دون قتال، وقد قدر الله تعالى ظفرهم بالنفير، فكانت واقعة بدر، وانتصارهم العظيم فيها، تصديقاً لذلك الوعد.
ومنها: قوله عزّ من قائل: ((وَلَقَد صَدَقَكُم اللهُ وَعدَهُ إذ تَحُسُّونَهُم بِإذنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلتُم وَتَنَازَعتُم فِي الأمرِ وَعَصَيتُم مِن بَعدِ مَا أرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنهُم)) (1).
وهذه الآية الشريفة كسابقتها أشارت إلى وعد الله تعالى للمسلمين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنصرهم إن أطاعوه وتبعوا تعاليمه في حرب أحد، وقد صدق هذا الوعد فانتصروا في أول الأمر نصراً عظيمًا، لولا أنهم اختلفوا بعد ذلك، وخالف أكثر الرماة أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفارقوا مكانهم، فخذلوا وانهزموا.
ومنها: قوله جلّ شأنه عن موقف المؤمنين في غزوة الأحزاب: ((وَلَـمَّا رَأى المُؤمِنُونَ الأحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إلاَّ إيمَاناً وَتَسلِيما)) (2).
حيث أشار عز وجل بذلك إلى وعد الله تعالى على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمؤمنين بمحنة تصيبهم، وكان حصول تلك المحنة في الغزوة المذكورة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية: 152.
(2) سورة الأحزاب آية: 22.
-[ 151 ]-
وتصديق الوعد سبباً في قوة بصيرة المؤمنين في دينهم، وتسليمهم لله سبحانه.
ومنها: قوله سبحانه: ((لَقَد صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤيَا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرَامَ إن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُم وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَم تَعلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتحاً قَرِيبا)) (1).
حيث تضمنت هذه الآية الكريمة وعداً للمؤمنين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدخول المسجد الحرام.
وقد تحقق أخيراً في فتح مكة المكرمة، وأشارت في ذيلها إلى ما أحدثه تأخيره من بلبلة بين المسلمين، لأنهم توقعوا تصديقه في غزوة الحديبية، ولما لم يتحقق ردوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورفضوا صلحه مع قريش، جهلاً منهم بما تؤول إليه عاقبته، كما ذكر ذلك أهل الحديث والمؤرخون بتفصيل. وتعرضنا له في جواب السؤال الثاني من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة).
والمهم في المقام أن ذكر القرآن الشريف لهذه الأمور يزيدها توثقًا، لا لأن القرآن المجيد صادق- فإنّ ذلك أمر يختص بالاعتقاد به المسلمون- بل لأن القرآن كان ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مواجهة مع المشركين والمنافقين، فلو تضمن الإخبار عن مثل هذه الأمور الظاهرة من دون أن تقع وتظهر لهم، لأوجبت التشنيع والتهريج من قبلهم، وصارت حجة لهم في تكذيبه.
كما قد تكون سبباً في تزلزل إيمان المؤمنين وحيرتهم. وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الفتح آية: 27.
-[ 152 ]-
غنى عن ذلك. نظير ما سبق عند الكلام في بشارة الأنبياء وكتبهم به (صلى الله عليه وآله وسلم).
بل حيث لم يظهر من أحد الإنكار والتشنيع عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، كشف ذلك عن وقوع هذه الأمور وظهورها لهم بحيث لا يستطيعون ردّها أو طلب الشواهد عليها.

توجيه عدم تعرُّض القرآن الكريم للمعراج

ولعله لذا لم تتضمن آية الإسراء عروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء، وإن كان قد حصل أيضًا.
وذلك لأنه أمر خارق للعادة، ولا يتيسر إثباته للخصم، فكان الأولى تجنُّب طرحه على الصعيد العام في القرآن الشريف، لئلا يكون سبباً لتكذيبه والتشنيع عليه، واقتصر على بيانه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديثه الخاصة مع المسلمين الذين هم مهيؤون لتصديقه (صلى الله عليه وآله وسلم) والتعبد بأقواله، من دون أن يسبب حرجاً له مع الكفار.



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 26-Feb-2013 الساعة : 02:54 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الكلام في انشقاق القمر ورد الشمس

بقي شيء.. وهو أنه قد يستبعد انشقاق القمر الذي تعرض له القرآن الكريم كمعجزة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو يمنع لبعض الوجوه، التي لو تمت تجري في ردّ الشمس الذي ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) كما يأتي.
وما يذكر في وجه الاستبعاد أمران:
-[ 153 ]-

تأثير الشمس والقمر على سير الكون

أحدهما: أن فيهما تأثيراً على سير الكون العام واضطرابه، لارتباط الكون بعضه ببعض، بسبب قانون الجاذبية ومسيرة الفلك العامة.
ويندفع: بأن الأنظمة والقوانين الكونية، مهما بلغت من الإحكام والفاعلية، فهي ليست بحيث تمنع من تصرُّف الله سبحانه وتعالى - الذي هو الخالق والمدبر لها - في الكون، بنحو يخرج عنها في حالات استثنائية، من دون أن يؤثر على سير الكون وتكامله. بل هو القادر على كل شيء.
ولولا ذلك لامتنعت المعجزة، لأنها دائماً تبتني على الخروج عن القوانين والأنظمة الكونية العامة.

لو حصل هذان الأمران لَرُئيا في البلاد الأخرى

ثانيهما: أن ظهور التصرف في الشمس والقمر لا يختص بالمكان الذي يراد بيان المعجزة فيه - كمكّة المعظمة ونحوها - بل يعمّ نصف الكرة الأرضية الذي يشرقان عليه حين حصول التصرف، ولو كان التصرف قد حصل بهذا النحو لشاع بين شعوب الأرض وتحدثت به الأمم، ولم يختص نقله بالمسلمين.

دفع الوجه المذكور في انشقاق القمر

ويندفع: بما هو المعلوم من حال الناس سابقاً من عدم السهر في الليالي طويلاً، بل تتعمد السكون والنوم في أوائل الليل.
-[ 154 ]-
وإذا كان انشقاق القمر قد حدث في أواسط الشهر القمري الذي يتم فيه البدر - كما تضمنت ذلك بعض الروايات (1) - وفي أوائل الليل في منطقة مكة المكرمة - كما يشهد به ما روي من أن الجبل قد ظهر بين شِقّي القمر (2) - فالقمر بالإضافة إلى البلاد الواقعة في غرب مكة إما أنه لم يظهر بعد، أو أنه ظهر قريباً من الأفق قرب مغيب الشمس قبل أن يظلم الليل ويسطع نور القمر، فلا يلفت النظر. ولاسيما إذا كان محجوباً بما في جانب الأفق من الجبال أو الشجر أو الأبنية.
وأما بالإضافة إلى البلاد الواقعة شرق مكة المكرمة فالليل قد امتد وأكثر الناس نيام، أو متهيئون للنوم. خصوصاً إذا كان ذلك في الشتاء، كما هو محتمل.
مضافاً إلى أمور:
1ـ أنه لا دافع لاحتمال حجب القمر حين انشقاقه في البلاد الشرقية والغربية التي كان قد ظهر فيها أو في بعضها بسحاب ونحوه.
2 ـ أن العملية لا تحتاج إلى وقت طويل، بل يكفي في تحقق المعجزة بقاء الانشقاق دقيقة أو أقل، وأهل تلك البلاد لم يكونوا مهيئين لانتظار الحدث، وليسوا في مقام التطلع له.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 17: 352 / مجمع البحرين 2: 529.
(2) صحيح البخاري 3: 1404 كتاب بدء الخلق: باب انشقاق القمر / صحيح ابن حبان 14: 420 باب المعجزات: ذكر انشقاق القمر للمصطفى (صلى الله عليه وسلم) لنفي الريب عن خلد المشركين به / تفسير الطبري 27: 84 / تفسير ابن كثير 4: 263 / وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 155 ]-
3 ـ أنه ورد في بعض الروايات أنهم سألوا المسافرين فأقرّوا بأنهم رأوه قد انشق (1). بل في بعض الروايات أنهم كتبوا للآفاق فأقرّوا بذلك أيضاً (2). وطبيعي أنهم كتبوا للآفاق القريبة.
ولو تم ذلك فإنما لم يحفظ، لعدم تعارف التدوين في تلك العصور، وعدم الاهتمام بالأحداث على نطاق واسع. ولأن الذي كتب به هم المشركون الذي جاء الجواب على خلاف رغبتهم، ولا داعي لهم لحفظه.

دفع الوجه المذكور في ردّ الشمس

أما ردّ الشمس فهو لا يلفت النظر في المناطق الغربية، لأن النصف الذي تشرق عليه يزيد على المنطقة المسكونة في ذلك العصر كثيرًا، ولا يكون أثر ردّ الشمس فيها إلا رجوع الشمس في النهار للجانب الشرقي من دون أن تغرب، وهو أمر لا يلفت النظر.
وأما فيما يحاذي منطقة رجوعها وما وراءه إلى الشرق، فالشمس وإن كانت تشرق بعد أن غربت، وهو أمر ملفت للنظر، إلا أنه قد يغفل عن ذلك بسبب الغيوم الحاجبة، خصوصاً وأن الليل عندها في أوله.
على أنه يمكن تحقق ردّ الشمس برجوع المنطقة التي حصل فيها من الأرض إلى ما يقابل الشمس - نظير طَيّ الأرض - من دون أن يؤثر ذلك على المناطق الأخرى من الأرض، كما لا يؤثر على حركة الشمس. والله سبحانه وتعالى العالم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1: 282 / عيون الأثر لابن سيد الناس 1: 149 / بحار الأنوار 17: 35.
(2) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1: 282ـ283 / عيون الأثر لابن سيد الناس 1: 149.
-[ 156 ]-

رواية الخصوم للمعاجز شاهد على صدقها

الأمر الثالث: أن المسلمين افترقوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلفوا أشد الخلاف، فكانت الخاصة منهم مع أهل البيت (صلوات الله عليهم)، والكثرة الكاثرة في الخط الآخر.
وقد تعرضت الفرقة الأولى للنقمة من الآخرين والتنكيل بها في محاولة لخنقها وإنهائها، وتكذيبها، وتجاهل حججها، وإطفاء نورها.
ومع كل ذلك فقد روى كثير من أولئك الخصوم كثيراً من الكرامات والمعاجز التي تخدم خطَّ أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم وتضعف دعوة خصومهم.
وذلك يشهد بثبوت تلك الكرامات والمعاجز ووضوحها، ولا أقل من رواية الثقات لها وممّن لا يتهم بالكذب تعصباً لمذهبه، ومن ثم فرضت على الآخرين فرضًا، فذكروها واعترفوا بها، وإن لم تخدم خطهم بل تضرّ به.
وليست هي كالمعاجز والكرامات الأخرى التي لا تخدم خط التشيع، وإنما تخدم الإسلام بخطه العام، حيث قد يتسنى للمكابر اتهام المسلمين بأنهم افتعلوها لتأييد دينهم وتكثير حججه.
ومن تلك المعاجز التي رواها الفريقان ردّ الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين - مرة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) ومرة أخرى في أيام
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد كتاب علامات النبوة: باب حبس الشمس له (صلى الله عليه وسلم) 8: 297 / المعجم الكبير 24: 144 فيما روته أم جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي طالب عن أسماء بنت عميس، ص: 152 فيما روته فاطمة بنت الحسين عن أسماء / معتصر المختصر 1: 9 كتاب أسماء النبي (صلى الله عليه وسلم) وخصائصه ومعجزاته وسنة وفاته: ما جاء في معجزاته (صلى الله عليه وسلم) / تفسير القرطبي 15: 197 / البداية والنهاية 6: 86، 92 باب دلائل النبوة الحسية:314 قصة حبس الشمس على يوشع بن نون / تاريخ دمشق 2: 314 في ترجمة علي بن أبي طالب / الذرية الطاهرة 1: 91 / الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 284 فصل انشقاق القمر وحبس الشمس / المناقب للخوارزمي: 306 / ينابيع المودة 1: 415 / ميزان الاعتدال 5: 205 في ترجمة عمار بن مطر / لسان الميزان 4: 275 في ترجمة عمار بن مطر / ضعفاء العقيلي 3: 327 في ترجمة عمار بن مطر الرهاوي / كشف الخفاء للعجلوني 1: 255 / وراجع غيرها من المصادر الكثيرة في كتاب الغدير 3: 127ـ141. وقد أُلفت في ذلك عدة كتب منها: تصحيح خبر رد الشمس وترغيم النواصب الشُمس للحاكم الحسكاني، وجمع طرق رد الشمس للشريف الجواني، وطرق من روى رد الشمس للوراق، وحديث رد الشمس للأزدي، وكشف اللبس في حديث رد الشمس للسيوطي.
-[ 157 ]-
خلافته (عليه السلام) (1) - وشفاء عينيه (عليه السلام) بريق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في واقعة خيبر (2)، ودعاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) له بأنه لا يضره حرّ ولا برد (3)، فتحقق ذلك، وفتح أمير المؤمنين (عليه السلام) الحصن وقلع بابه بصورة خارقة للعادة (4). وكذا نداء جبرئيل (عليه السلام) بين السماء والأرض: "لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودة 1: 416 / شرح نهج البلاغة 3: 168 / وقعة صفين: 136.
(2) صحيح البخاري 3: 1096 كتاب الجهاد والسير: باب فضل من أسلم على يديه رجل، ص: 1357 كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب علي بن أبي طالب / صحيح مسلم 3: 1440 كتاب الجهاد والسير: باب غزوة ذي قرد وغيره، 4: 1871، 1872 كتاب فضائل الصحابة (رضي الله عنهم) : باب من فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / وغيرهما من المصادر الكثيرة.
(3) الأحاديث المختارة 2: 275 فيما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عيسى عن علي (عليه السلام) / مجمع الزوائد كتاب المناقب 9: 122 باب اكتحاله بريق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكفايته الرمد والحر والبرد، ص: 124 باب في قوله (صلى الله عليه وسلم) : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله / السنن الكبرى للنسائي 5: 108 كتاب الخصائص، ذكر عبادة علي (رضي الله عنه)، ص: 152 ذكر ما خص به علي من صرف أذى الحر والبرد عنه / سنن ابن ماجة 1: 43 باب في فضائل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / مسند أحمد بن حنبل 1: 99، 133، مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المصنف لابن أبي شيبة 7: 394 كتاب المغازي: غزوة خيبر / المعجم الأوسط 2: 381. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(4) مسند أحمد 6: 8 حديث أبى رافع (رضي الله عنه) / الإصابة 4: 567 في ترجمة علي بن أبي طالب / مجمع الزوائد 6: 152 كتاب الجهاد: باب غزوة خيبر / المصنف لابن أبي شيبة 6: 374 كتاب الفضائل: فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / فتح الباري 7: 478 / السيرة النبوية لابن هشام 4: 306 ذكر المسير إلى خيبر / تاريخ الطبري 2: 137 ذكر الأحداث الكائنة في سنة سبع من الهجرة / شرح نهج البلاغة 1: 21 / المناقب للخوارزمي: 172 / كشف الخفاء للعجلوني 1: 270، 430 / تاريخ بغداد 11: 324 في ترجمة علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن فروخ أبي الحسن الوراق الواعظ. وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 158 ]-
علي" (1)، ونزول الفاكهة من السماء على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (صلوات الله عليهم) (2)، ونزول الطعام من الجنة مرات متعددة، وفي بعضها حينما تصدقوا بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير (3)، وعثور أمير المؤمنين (عليه السلام) على الماء في طريقه إلى حرب صفين (4)، وتكلم رأس الحسين (عليه السلام) وما أحيط به من الأنوار (5)، وما حدث من الحوادث الغريبة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 2: 65 غزوة أحد / البداية والنهاية 6: 6 باب آثار النبي (صلى الله عليه وسلم) التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب: ذكر سيفه (عليه السلام)، 7: 250 خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / السيرة النبوية لابن هشام 4: 51 في غسل السيوف / تاريخ دمشق 39: 201 في ترجمة عثمان بن عفان، 42: 71 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المناقب للخوارزمي: 167، 173 في الفصل الأول من الفصل السادس عشر / ينابيع المودة 1: 434 / ميزان الاعتدال 5: 390 في ترجمة عيسى بن مهران المستعطف. وغيرها من المصادر.
(2) مقتل الحسين للخوارزمي 1: 145، 148، 180 الفصل السادس في فضائل الحسن والحسين (عليهم السلام).
(3) كفاية الطالب: 347 فصل: في مرض الحسن والحسين (عليهم السلام) ونذر والديهما الصوم عند برئهما وقصة نزول (هل أتى) / مقتل الحسين للخوارزمي 1: 119 الفصل الخامس في فضائل فاطمة الزهراء بنت رسول الله / وص: 189 الفصل السادس في فضائل الحسن والحسين (عليهم السلام).
(4) وقعة صفين: 145 / شرح نهج البلاغة 3: 204 / ينابيع المودة 1: 449.
(5) تاريخ دمشق 22: 118 في ترجمة سلمة بن كهيل، قال ابن عساكر: "حدثنا أبو الحسن علي بن المسلم لفظ، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا تمام بن محمد وأبو الليث أسد بن القاسم الحلبي قالا: نا الفضل بن جعفر بن محمد التميمي المؤذن، نا أبو الحسن محمد بن أحمد العسقلاني بطبرية، نا علي بن هارون الأنصاري، نا محمد بن أحمد المصري، نا صالح، نا معاذ بن أسد الحراني، نا الفضل بن موسى الشيباني، نا الأعمش، نا سلمة بن كهيل قال: رأيت رأس الحسين بن علي (رضي الله عنهم) على القنا وهو يقول: ((فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)) قال الفضل بن جعفر: فقلت لأبي الحسن العسقلاني: الله إنك سمعته من علي بن هارون. قال: الله إني سمعته منه. قال تمام وأسد: قلنا للفضل بن جعفر: الله إنك سمعته من أبي الحسن العسقلاني. قال: الله إني سمعته منه. قال عبد العزيز: قلت لتمام وأسد: الله إنكما سمعتماه من الفضل بن جعفر. قالا: الله إننا سمعناه منه. قال أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه: قلت لعبد العزيز: الله إنك سمعته من تمام وأسد. قال الله إني سمعته منهم. قلنا للفقيه أبي الحسن: الله إنك سمعته من عبد العزيز. قال: الله إني سمعته منه".
قال المحقق في الهامش: وزيد بعدها في (م) : قال أبو الحسن العسقلاني: فقلت لعلي بن هارون: إنك سمعته من محمد بن احمد المصري. قال: الله إني سمعته منه. قال الأنصاري: فقلت لمحمد بن أحمد: الله إنك سمعته من صالح؟ قال: الله إني سمعته منه. قال جرير بن محمد: فقلت لصالح: الله إنك سمعته من معاذ بن أسد؟ قال: الله إني سمعته منه. قال معاذ بن أسد: فقلت للفضل: الله إنك سمعته من الأعمش؟ فقال: الله إني سمعته منه. قال الأعمش: فقلت لسلمة بن كهيل: الله إنك سمعته منه؟ قال: الله إني سمعته منه بباب الفراديس بدمشق - لا مثّل لي ولا شبّه لي - وهو يقول: ((فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)) / ج60: 370 في ترجمة منهال بن عمرو / فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 205.
-[ 159 ]-
الخارقة للعادة بعد مقتله (عليه السلام) في الكون (1)، وفيما نهب من رحله (2)، وفي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) السنن الكبرى للبيهقي 3: 337 كتاب صلاة لخسوف: باب ما يستدل به على جواز اجتماع الخسوف والعيد لجواز وقوع الخسوف في العاشر من الشهر / المصنف لابن أبي شيبة 7: 478 كتاب الفتن: باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها / تفسير القرطبي 16: 141 / الآحاد والمثاني 1: 308 في ذكر الحسين بن علي (رضي الله عنهم) / مجمع الزوائد 9: 197، 199 كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السلام) / المعجم الكبير 3: 113، 114، 119، 121، 122، 123، 124 في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الغرماء أبا عبد الله: ذكر مولده وصفته وهيأته (رضـي الله عنه وكرم الله وجهه) وعن أبيه وأمه / الطبقات الكبرى (القسم المتمم) 1: 163 في ترجمة الزهري في الطبقة الرابعة من التابعين من أهل المدينة / تاريخ دمشق 14: 226، 227، 228، 229، 230، 239، 240، 241، 242، 243، 244 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 205 / سير أعلام النبلاء 3: 312، 314، 316ـ317 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تهذيب الكمال 6: 432، 433، 434، 441، 442، 443 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تهذيب التهذيب 2: 305، 307 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تلخيص الحبير 2: 94 / أنساب الأشراف 3: 413، 425 في مقتل الحسين بن علي (عليهم السلام) / الفتوح لابن أعثم 5: 137 في تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمه (رضي الله عنهم) / الثقات لابن حبان 4: 329 في ترجمة سليم القاص / التاريخ الكبير 4: 129 في ترجمة سليم القاص / الجرح والتعديل 4: 216 في ترجمة سليم القاص. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) مجمع الزوائد 9: 196 كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السلام) / المعجم الكبير 3: 121 في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الغرماء أبا عبد الله: ذكر مولده وصفته وهيأته (رضـي الله عنه وكرم الله وجهه) وعن أبيه وأمه / سير أعلام النبلاء 3: 313 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تاريخ الطبري 3: 463 / تاريخ دمشق 14: 230، 231 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تهذيب الكمال 6: 434، 435 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تهذيب التهذيب 2: 305 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تاريخ ابن معين 3: 498 / كرامات الأولياء: 139 في سياق ما روي من كرامات أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) / العلل ومعرفة الرجال 1: 450. وغيرها من المصادر.
-[ 160 ]-
بعض من اشترك في قتله (1)... إلى غير ذلك مما لا يحصى لكثرته.
وكذا ما رووه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل بيته (صلوات الله عليهم) من الإخبارات الغيبية غير المتوقعة في حينها، بل المستغربة، كإخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يلقاه أهل بيته عموماً من الظلم والاضطهاد من بعده (2)، وبأن الأنصار سيلقون بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) أثرة (3)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سنن الترمذي 5: 660 كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب مناقب الحسن والحسين (عليهم السلام) / مجمع الزوائد 9: 196، 197 كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السلام) / المعجم الكبير 3: 116، 121 في ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الغرماء أبا عبد الله: ذكر مولده وصفته وهيأته (رضـي الله عنه وكرم الله وجهه) وعن أبيه وأمه / سير أعلام النبلاء 3: 313، 314 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تاريخ دمشق 14: 231، 232، 233، 234، 235 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تهذيب الكمال 6: 430، 436، 437، 438، 446 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تهذيب التهذيب 2: 306 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 150، 153 ذكر إسلام أمير المؤمنين علي / مسند أحمد 6: 339 في حديث أم الفضل بن عباس / مسند الحارث 2: 905 / تذكرة الحفاظ 3: 995 في ترجمة الدارقطني / مجمع الزوائد 9: 34 كتاب علامات النبوة: باب لم يعنونه بعد باب في وداعه (صلى الله عليه وسلم)، ص: 118 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) باب بشارته بالجنة / مسند البزار 2: 293 ومما روى أبو عثمان النهدي عن علي / مسند أبي يعلى 1: 426 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المعجم الكبير 11: 73 فيما رواه مجاهد عن ابن عباس، 25: 23 ما اسندت أم الفضل: ما روى عبدالله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل بنت الحارث / تاريخ دمشق 42: 322، 323، 324، 447، 448 في ترجمة علي بن أبي طالب / البداية والنهاية 6: 218 في إخباره بمقتل علي بن أبي طالب، 7: 326 في ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.. / تاريخ بغداد 11: 216 في ترجمة عمر بن الوليد بن أبان الكرابيسي، 12: 398 في ترجمة الفيض بن وثيق بن يوسف / شرح نهج البلاغة 4: 107 / ميزان الاعتدال 5: 431 في ترجمة الفضل بن عميرة القيسي، 7: 315 في ترجمة يونس بن خباب الأسيدي / الكامل في ضعفاء الرجال 7: 173 في ترجمة يونس بن خباب / تهذيب الكمال 23: 239 في ترجمة الفضل بن عميرة القيسي / العلل المتناهية 1: 243، 244. وغيرها من المصادر.
(3) صحيح البخاري 3: 1381 كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) للأنصار: اصبروا حتى تلقوني... 4: 1574 كتاب المغازي: باب غزوة الطائف / صحيح مسلم 2: 738 كتاب الزكاة: باب إعطاء من المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه / صحيح ابن حبان 16: 264 باب فضل الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم) : ذكر (صلى الله عليه وسلم) بالصبر ثم وجود الأثرة بعده، وص: 265 ذكر البيان بأن قول أنس أراد أن يكتب أن يقطع البحرين للأنصار، وص: 268 ذكر (صلى الله عليه وسلم) للأنصار بالعفة والصبر / الأحاديث المختارة 4: 272 من اسمه أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأشهلي / مسند أبي عوانة 4: 415 بيان وجوب الصبر على الأثرة وحبس الإمام وترك التعرض له وحظر حبس ما يجب له وأن حبس ما يجب عليه ظلم / مجمع الزوائد 10: 31، 33 كتاب المناقب: فضل الأنصار / السنن الكبرى للبيهقي 6: 339 كتاب قسم الفيء والغنيمة: جماع أبواب تفريق القسم: باب ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من المهاجرين وما يستدل به على أنه إنما كان يعطيهم من الخمس دون أربعة أخماس الغنيمة / مسند أحمد 3: 111، 167، 171 في مسند أنس بن مالك / 4: 42 حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني (رضي الله عنه)، ص: 292 حديث البراء بن عازب، ص: 352 حديث أسيد بن حضير (رضي الله عنه) / مسند الروياني 2: 183 / المعجم الكبير 1: 208 مما أسند أسيد بن حضير (رضي الله عنه) / السنن الواردة في الفتن 1: 203 باب قول الله عز وجل: ((واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة)) / أسباب ورود الحديث: 226 / البيان والتعريف 1: 254 / سير أعلام النبلاء 2: 453 في ترجمة أبي قتادة الأنصاري / فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 808. وغيرها من المصادر.
-[ 161 ]-
وبكيفية وفاة أبي ذر (رضي الله عنه) (1)، وبظهور الناكثين والقاسطين والمارقين، وأمره بقتالهم (2)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح ابن حبان 15: 52 باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر الإخبار عن إخراج الناس أبا ذر الغفاري من المدينة / مسند أحمد 5: 144، 156 في حديث أبي ذر الغفاري، 6: 457 في حديث أسماء بنت يزيد (رضي الله عنه) / المستدرك على الصحيحين 3: 52 كتاب المغازي والسرايا / السنة لابن أبي عاصم 2: 501 / مجمع الزوائد 5: 223 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج عن الأمة وقتالهم / المصنف لعبد الرزاق 2: 381 كتاب الصلاة: باب الأمراء يؤخرون الصلاة / الفتن لنعيم بن حماد 1: 146 / سير أعلام النبلاء 2: 57، 63، 77 في ترجمة أبي ذر / صفوة الصفوة 1: 597، 598 في ذكر وفاة أبي ذر (رضي الله عنه) / الاستيعاب 1: 253، 254 / الطبقات الكبرى 4: 232ـ233، 234 في ترجمة أبي ذر / تاريخ الطبري 2: 184 في ذكر الخبر عن غزوة تبوك / السيرة النبوية 5: 205 في موت أبي ذر ودفنه في الربذة / تفسير ابن كثير 4: 380. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 150 كتاب معرفة الصحابة في ذكر إسلام أمير المؤمنين علي / مجمع الزوائد 5: 186 كتاب الخلافة: باب الخلفاء الأربعة، 6: 235، كتاب قتال أهل البغي: باب ما جاء في ذي الثدية وأهل النهروان، 7: 238 كتاب الفتن: باب في ما كان بينهم في صفين / مسند أبي يعلى 1: 379 في مسند علي بن أبي طالب / مسند البزار 2: 215 في ما رواه علقمة بن قيس عن علي، 3: 27 في ما رواه علي بن ربيعة الأسدي عن علي بن أبي طالب / مسند الشاشي 2: 342 في ما رواه علقمة بن قيس عن عبدالله بن مسعود / المعجم الكبير 4: 172 في ما رواه محنف بن سليم عن أبي أيوب وفي ما رواه خالد بن زيد عن أبي أيوب الأنصاري، 10: 91 في ما رواه علقمة بن قيس عن عبدالله بن مسعود / المعجم الأوسط 8: 213، 9: 165 / الكامل في الضعفاء 2: 187 في ترجمة الحارث بن حصيرة الأزدي / كنز العمال 11: 292 رقم الحديث: 31552، ص: 327 رقم الحديث: 31649، ص: 352 رقم الحديث: 31720، 13: 113 رقم الحديث: 36367 / وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 162 ]-
وبأن عائشة تخرج لحرب الجمل، وتنبحها كلاب الحوأب (1)، وتنجو بنفسها (2)، وبأن الزبير يقاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو ظالم له (3)، وبأن عماراً تقتله الفئة الباغية (4)، وإخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتحكيم وبضلال الحكمين
ـــــــــــــــــــــــ
(1) معتصر المختصر 2: 362 في الإعلام بحال عائشة / مجمع الزوائد 7: 234 كتاب الفتن: باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهم / فتح الباري 13: 55 / الجامع لمعمر بن راشد 11: 365 باب الفتن / صحيح ابن حبان 15: 126 باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر الإخبار عن خروج عائشة أم المؤمنين إلى العراق / المستدرك على الصحيحين 3: 129 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / مسند أحمد 6: 52، 97 مسند عائشة / المصنف لابن أبي شيبة 7: 536 كتاب الجمل: في مسيرة عائشة وعلي وطلحة والزبير / الفتن لنعيم بن حماد 1: 83، 84 / موارد الظمآن: 453 كتاب الفتن نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن / إصلاح غلط المحدثين: 75 في مادة: حأب / سير أعلام النبلاء 2: 177 في ترجمة عائشة أم المؤمنين / الإصابة 7: 708 في ترجمة سلمى بنت مالك بن حذيفة / تاريخ الطبري 3: 18 في أحداث سنة ست وثلاثين: دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) معتصر المختصر 2: 362 في الإعلام بحال عائشة / مجمع الزوائد 7: 234 كتاب الفتن: باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهم / المصنف لابن أبي شيبة 7: 538 كتاب الجمل: في مسيرة عائشة وعلي وطلحة والزبير / سير أعلام النبلاء 2: 198 في ترجمة عائشة أم المؤمنين / الاستيعاب 4: 1885 في ترجمة عائشة بنت أبي بكر. وغيرها من المصادر.
(3) المستدرك على الصحيحين 3: 413، 414 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب حواري رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وابن عمته الزبير بن العوام: ذكر مقتل الزبير بن العوام (رضي الله عنه) / مصنف ابن أبي شيبة 7: 545 كتاب الجمل: في مسيرة عائشة وعلي وطلحة والزبير / الجامع لمعمر بن راشد: 241 / مجمع الزوائد 7: 235 كتاب الفتن: باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما / مسند أبي يعلى 2: 29 في مسند الزبير بن العوام / الإصابة 2: 557 في ترجمة الزبير بن العوام / سير أعلام النبلاء 1: 58 في ترجمة الزبير بن العوام / تهذيب الكمال 16: 71 في ترجمة عبد الله بن محمد بن عبدالملك بن مسلم / تاريخ الطبري 3: 41 في خبر وقعة الجمل من رواية أخرى / كشف الخفاء 2: 568 / العقد الفريد 4: 297 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم: أخبار الخلفاء: خلافة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : مقتل الزبير بن العوام / الإمامة والسياسة 1: 64 كتاب علي إلى عائشة / الأغاني 18: 60 ذكر مقتل الزبير وخبره: الزبير وعلي بن أبي طالب / كنز العمال 11: 340 رقم الحديث: 31688. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(4) صحيح البخاري 1: 172 كتاب الصلاة: أبواب المساجد، باب التعاون في بناء المسجد، 3: 1035 كتاب الجهاد والسير: باب مسح الغبار عن الناس في السبيل / صحيح مسلم 4: 2236 كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل... وغيرهما من المصادر الكثيرة.
-[ 163 ]-
وإضلالهما (1)، وبأن أمير المؤمنين (عليه السلام) سيدعى إلى مثل ما دعي له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب صلح الحديبية من حذف لقبه التشريفي (2)، وبفتنة عبد الله بن الزبير (3).
وكذا إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) وإخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) بملك بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن عموماً (4)، وملك بني أبي العاص بالخصوص (5)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 7: 246 كتاب الفتن: باب في الحكمين / تاريخ دمشق 46: 171 في ترجمة عمرو بن العاص / شرح نهج البلاغة 13: 315 / كنز العمال 1: 217 رقم الحديث: 1088، ص: 377 رقم الحديث: 1642 / سبل الهدى والرشاد 10: 149ـ150 / ميزان الاعتدال 8: 71 في ترجمة جعفر بن علي / لسان الميزان 2: 119 في ترجمة جعفر بن علي. وغيرها من المصادر.
(2) السنن الكبرى للنسائي 5: 167 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر ما خص به علي من قتال المارقين: ذكر الأخبار المؤيدة لما تقدم ووصفه / السيرة الحلبية 2: 707 غزوة الحديبية / فتح الباري 7: 503 / شرح نهج البلاغة 2: 275 / وقعة صفين: 509 / تخريج الدلالات السمعية 1: 188 الفصل الثاني في ذكر نسبهم وأخبارهم (رضي الله عنهم). وغيرها من المصادر.
(3) مجمع الزوائد 3: 284، 285 كتاب الحج: باب في حرم مكة والنهي عن استحلالها / تاريخ دمشق 28: 218، 219 في ترجمة عبدالله بن الزبير / مسند أحمد 1: 64 في مسند عثمان بن عفان (رضي الله عنه) / مسند البزار 2: 31 / مسند الحارث 2: 899 / سير أعلام النبلاء 3: 375، 376 في ترجمة عبد الله بن الزبير / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 538 / تفسير ابن كثير 3: 216. وغيرها من المصادر.
(4) سنن الترمذي 5: 444 كتاب تفسير القرآن عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب ومن سورة القدر /المستدرك على الصحيحين 3: 186، 192 كتاب معرفة الصحابة: ومن فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) وذكر مولده ومقتله / المعجم الكبير 3: 89 فيما رواه أبو ليلى عن الحسن بن علي (رضي الله عنهم) / شعب الإيمان 3: 323 / سير أعلام النبلاء 3: 272 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب / تاريخ دمشق 57: 340 في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص / تفسير القرطبي 20: 133 / تفسير الطبري 30: 260 / تفسير ابن كثير 4: 530، 531 / الدر المنثور 6: 371 / لباب النقول: 214 / فتح القدير 5: 473 / تاريخ الطبري 5: 622 في أحداث سنة أربع وثمانين ومائتين / تهذيب الكمال 32: 428 في ترجمة يوسف بن سعد الجمحي / فيض القدير 6: 355. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(5) المستدرك على الصحيحين 4: 527 كتاب الفتن والملاحم / مجمع الزوائد 5: 241 كتاب الخلافة: باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلالة / المعجم الأوسط 8: 6 / المعجم الصغير 2: 271 / وتجده مع اختلاف يسير في كل من مسند أبي يعلى 11: 402 / والمعجم الكبير 12: 236 فيما رواه ابن موهب عن ابن عباس، وج 19: 382 فيما رواه عمير بن الحارث السكوني عن معاوية / والفتن لنعيم بن حماد 1: 130 باب آخر من ملك بني أمية. وغيرها من المصادر.
-[ 164 ]-
وبقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) بضربة على رأسه تخضب منها لحيته (1). وبمقتل الإمام الحسين (عليه السلام) (2)، وتأكيد الإمام الحسين (عليه السلام) (3) وغيره ذلك، حتى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) السنن الكبرى للبيهقي 8: 58 كتاب الجراح: جماع أبواب تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص ومن لا قصاص عليه: باب من زعم أن للكبار أن يقتصوا قبل بلوغ الصغار / السنن الكبرى للنسائي 5: 153 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر أشقى الناس / المستدرك على الصحيحين 3: 122 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / الأحاديث المختارة 2: 405 فيما رواه يزيد بن أمية الديلي أبو سنان عن علي (عليه السلام) / مجمع الزوائد 9: 137 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب وفاته (رضي الله عنه) / مسند أبي يعلى 1: 430 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / السنة لعبد الله بن أحمد 2: 630 / فضائل الصحابة لابن حنبل 1: 542، 543 / مسند عبد بن حميد: 60 / الآحاد والمثاني 1: 146في ذكر علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / تفسير القرطبي 4: 192 / السيرة النبوية لابن هشام 3: 144 غزوة العشيرة / تاريخ دمشق 42: 543، 544، 545 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / أنساب الأشراف 3: 260 أمر ابن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) / شواهد التنزيل للحسكاني 2: 438 / كنز العمال 13: 192 رقم الحديث: 36571. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 194، 196 كتاب معرفة الصحابة: أول فضائل أبي عبد الله الحسين بن علي الشهيد (رضي الله عنهم) بن فاطمة.. / الأحاديث المختارة 2: 375 فيما رواه نجي الحضرمي والد عبد الله عن علي (عليه السلام) / مجمع الزوائد 9: 191 كتاب مناقب الحسين بن علي (عليهم السلام) / مسند البزار 3: 101 ومما رواه عبد الله بن نجي عن علي / مسند أحمد 1: 75 مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / مسند أبي يعلى 1: 298 مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / الآحاد والمثاني 1: 308 ومن ذكر الحسين بن علي (رضي الله عنهم) / مجمع الزوائد 9: 187، 188، 189، 190، 192 كتاب مناقب الحسين بن علي (عليهم السلام)، وفيه عدة روايات صرح بصحة بعضها / المعجم الكبير 3: 105، 106، 107، 108 عند ذكر الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) يكنى أبا عبد الله: ذكر مولده وصفته وهيأته (رضي الله عنه).. / سير أعلام النبلاء 3: 288، 289، 290 في ترجمة الحسين الشهيد. وغيرها من المصادر.
(3) الفتوح لابن أعثم 5: 940 ذكر نزول الحسين (رضي الله عنه) بكربلاء / تاريخ دمشق 14: 216 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / تاريخ الطبري 3: 300 ذكر الخبر عن مسيره إليها (أي: الكوفة) وما كان من أمره في مسيره / البداية والنهاية 8: 169 صفة مخرج الحسين إلى العراق / سير أعلام النبلاء 3: 306 في ترجمة الحسين الشهيد / بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2616 / الكامل في التاريخ 3: 401 ذكر مسير الحسين إلى الكوفة.
-[ 165 ]-
شاع وعرف بين الناس قبل حصوله (1).
وإخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) بكثير من التفاصيل في حرب صفين (2) والجمل (3) والنهروان (4)، قبل وقوعها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 45: 49 في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص / تهذيب الكمال 21: 359 في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص / تهذيب التهذيب 2: 301 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، 7: 396 في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص. وغيرها من المصادر.
(2) نهج البلاغة 3: 12 / شرح نهج البلاغة 5: 182، 15: 79ـ80، 16: 134 / الفتن لنعيم بن حماد 1: 127 ما يذكر في ملك بني أمية وتسمية أساميهم بعد عمر (رضي الله عنه) / وقعة صفين: 224.
وقد ذكر نصر بن مزاحم خطبته (عليه السلام) وفيها: "وأيم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على [أهل] حقها، إلا ما شاء الله. قال: فقال أبو سنان الأسلمي: فسمعت عمار بن ياسر يقول: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه [أول، وأنها لن تستقيم عليه آخراً]. ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم [فتأهبوا واستعدوا]".
(3) الفتوح لابن أعثم 4: 452 ذكر خروج طلحة والزبير إلى مكة معتمراً زعماً وما أزمعا عليه من الخروج على علي (رضي الله عنه) والنكث بعده، ص: 477 خبر الفتى الذي حمل المصحف إلى أصحاب الجمل يدعوهم إليه / شرح نهج البلاغة 2: 187، 232، 9: 112، 10: 248، 11: 17 / المناقب للخوارزمي: 178 / تاريخ الطبري 3: 36 ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة نزول أمير المؤمنين ذا قار،ص: 42 خبر وقعة الجمل من رواية أخرى.
ومما وراه قوله: "حدثني عمر قال: حدثني أبو الحسن قال: حدثنا أبو مخنف عن جابر عن الشعبي، عن أبي الطفيل قال: قال علي: يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل فعددت على نجفة ذي قار فما زادوا رجلاً ولا نقصوا رجلاً".
(4) السنن الكبرى للبيهقي 8: 184 كتاب قتال أهل البغي: باب القوم يظهرون رأي الخوارج لم يحل به قتالهم / السنن الكبرى للنسائي 5: 163، 164، 165 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر ما خص به علي من قتال المارقين / سنن الدارقطني 3: 131 كتاب الحدود والديات وغيره / مجمع الزوائد 6: 241 كتاب قتال أهل البغي: باب منه في الخوارج / المصنف لعبد الرزاق 10: 149، 150 باب ما جاء في الحرورية / المصنف لابن أبي شيبة 7: 555، 559 كتاب الفتن: ما ذكر في الخوارج / مسند البزار 2: 196 / المعجم الأوسط 4: 228 / كنز العمال 11: 322 حديث: 31625 / فتح الباري 12: 296 / نيل الأوطار 7: 350 / تفسير الطبري 10: 157 / تاريخ الطبري 3: 116 ذكر ما كان من خبر الخوارج ثم توجيه علي الحكم للحكومة وخبر يوم النهر / الإمامة والسياسة 1: 118ـ119 ما قال علي (كرم الله وجهه) في الخثعمي / شرح نهج البلاغة 2: 272. وغيرها من المصادر الكثيرة.
ومن الأخبار الطريفة ما ذكره جماعة من الشيعة والجمهور، ونذكره برواية الارشاد للشيخ المفيد [1: 317] عن جندب بن عبد الله الازدي قال: شهدت مع علي (عليه السلام) الجمل وصفين لا أشك في قتال مَن قاتله، حتى نزلنا النهروان فدخلني شك، وقلت: قراؤنا وخيارنا نقتلهم!؟ إن هذا لأمر عظيم. فخرجت غدوة أمشي ومعي إداوة ماء حتى برزت عن الصفوف، فركزت رمحي ووضعت ترسي إليه واستترت من الشمس، فإني لجالس حتى ورد أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي: يا أخا الأزد، أمعك طهور؟ قلت: نعم، فناولته الأداوة، فمضى حتى لم أره ثم أقبل وقد تطهر فجلس في ظل الترس، فإذا فارس يسأل عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا فارس يريدك، قال: فأشر إليه. فأشرت إليه فجاء فقال: يا أمير المؤمنين قد عبر القوم وقد قطعوا النهر، فقال: كلّا ما عبروا. قال: بلى والله لقد فعلوا، قال: كلا ما فعلوا، قال: فإنه لكذلك إذ جاء آخر فقال: يا أمير المؤمنين قد عبر القوم، قال: كلّا ما عبروا، قال: والله ما جئتك حتى رأيث الرايات في ذلك الجانب والاثقال، قال: والله ما فعلوا، وانه لمصرعهم ومهراق دمائهم، ثم نهض ونهضت معه. فقلت في نفسي: الحمد لله الذي بصرني هذا الرجل، وعرفني أمره، هذا أحد رجلين، إما رجل كذاب جريء أو على بينة من ربه وعهد من نبيه، اللهم إني أعطيك عهداً تسألني عنه يوم القيامة، إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله وأول من يطعن بالرمح في عينه، وان كانوا لم يعبروا أن أقيم على المناجزة والقتال. فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات والاثقال كما هي، قال: فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال: يا أخا الازد، أتبين لك الأمر؟ قلت: أجل يا أمير المؤمنين، قال: فشأنك بعدوك، فقتلت رجلاً، ثم قتلت آخر، ثم اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعًا، فاحتملني أصحابي فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم.
ورواه بتفاوت يسير الطبراني في المعجم الأوسط 4: 227 / فتح الباري 12: 263 / شرح نهج البلاغة 2: 271 / كنز العمال 11: 289.
-[ 166 ]-
وبإمارة الحجاج (1)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 12: 168، 169 في ترجمة الحجاج بن يوسف بن الحكم / شرح نهج البلاغة 2: 289، 7: 277ـ278 / كنز العمال 16: 183ـ185 رقم الحديث: 44216 / غريب الحديث 2: 451 في باب نعر / النهاية في غريب الحديث 5: 170 في مادة وذح / لسان العرب 2: 632 في مادة (وذح) / تاج العروس 2: 246 في مادة (وذح).
-[ 167 ]-
وبقيام دولة بني العباس (1)، حتى عرف عنهم أنهم استضاؤوا في تنظيم حركتهم وكثير من تفاصيلها بصحيفة الدولة التي أخذت عنه (صلوات الله عليه) (2).
وكذا إخبار الإمام الحسين (عليه السلام) بما يؤول إليه أمر أهل الكوفة (3) وخصوص عمر بن سعد (4) بعد قتلهم له وانتهاك حرمته.
ومثل ذلك استجابة دعاء أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في مناسبات مختلفة (5)، واستجابة دعاء الإمام الحسين (صلوات الله عليه) على
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 7: 148، 150، 20: 334 / ينابيع المودة 3: 149.
(2) شرح نهج البلاغة 7: 148ـ149 / وقد ذكرت بعض الإخبارات في دولة بني العباس في كل من مروج الذهب 3: 264ـ265 ذكر خلافة أبي العباس عبد الله بن محمد السفاح وجمل من أخباره وسيره ولمع مما كان في أيامه، وصية إبراهيم الإمام لأبي العباس، ص:267 نصيحة الصادق لعبد الله بن الحسن، ص:272 بين عبد الله بن علي وأخيه داود في ولاية عهد السفاح، ص:303 مقتل أبي مسلم، ص:363 بين الرشيد والكسائي / وتاريخ دمشق 32: 271، 275 في ترجمة عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب / وتاريخ اليعقوبي 2: 343ـ344 أيام مروان بن محمد بن مروان ودعوة بني العباس، ص:349، 362 أيام أبي العباس السفاح.
(3) تاريخ دمشق 14: 216 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب / سير أعلام النبلاء 3: 306 في ترجمة الحسين الشهيد / تاريخ الطبري 3: 300 وفي هذه السنة كان خروج الحسين (عليه السلام) من مكة متوجها إلى الكوفة: ذكر الخبر عن مسيره إليها وما كان من أمره في مسيره ذلك / الفتوح لابن أعثم 5: 79 ذكر مسير الحسين (رضي الله عنه) إلى العراق / مقتل الحسين للخوارزمي 1: 324 الفصل الحادي عشر / وغيرها من المصادر.
(4) الفتوح لابن أعثم 5: 103 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (رضي الله عنهم)، ص: 130 في تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمه (رضي الله عنهم) / تاريخ دمشق 45: 48 في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص / تهذيب الكمال 21: 359 في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص / تهذيب التهذيب 7: 396 في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص / مقتل الحسين للخوارزمي 1: 348 الفصل الحادي عشر / وغيرها من المصادر.
(5) الأحاديث المختارة 2: 274 فيما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عيسى عن علي (عليه السلام) / مسند أحمد 1: 119 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المعجم الأوسط 2: 219 / كتاب الزهد لابن أبي عاصم: 132 / فضائل الصحابة لابن حنبل 1: 539 أخبار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وزهده (رضي الله عنه) / حلية الأولياء 5: 27 في ترجمة طلحة بن مصرف / أنساب الأشراف 2: 386 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) / الفتوح لابن أعثم 2: 472 ذكر رسالة علي إلى عائشة / مروج الذهب 3: 170 ذكر أيام الوليد بن عبد الملك: دعاء علي (رضي الله عنه) على بسر وكيف كانت نهايته / شرح نهج البلاغة 1: 188، 9: 55 / المناقب للخوارزمي: 185 / وغيرها من المصادر.
-[ 168 ]-
من شارك في قتاله (1)... إلى غير ذلك مما لا يسعنا إحصاؤه.
وقد استفاضت الأخبار ببعض تلك الحوادث أو الإخبارات الغيبية بحد يوجب تواترها تفصيلاً، فضلاً عن التواتر الإجمالي الكافي في ثبوت المعجزة له (صلى الله عليه وآله وسلم) الشاهدة بصدقه (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوى نبوته وحمله رسالة الله تعالى وشريعته إلى الناس.
أما ما رواه الشيعة من ذلك عنه وعن الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) فهو أكثر من أن يحصى، وأوسع من أن يستوعب.



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 28-Feb-2013 الساعة : 03:48 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


لا تزال المعاجز والكرامات تتجدد

على أن كراماته (صلى الله عليه وآله وسلم) وكرامات أهل بيته (صلوات الله عليهم) لا تزال تظهر وتتجدد بعد وفاتهم إلى عصورنا هذه، حتى أذعن بها العدو والولي، والقريب والبعيد، فصارت مراقدهم ملجأ للهاربين، ومفزعاً للمكروبين، وغوثاً للمضطرين، ولجأ الناس إليهم في قضاء الحوائج العظام، وحلّ المشاكل المعقدة، وشفاء الأمراض المستعصية، فضلاً من الله
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المصنف لابن أبي شيبة 7: 11 ما حفظت في اليرموك، وص: 478 كتاب الفتن / المعجم الكبير 3: 116، 119 في ترجمة الحسين بن علي (رضي الله عنهم) / مجمع الزوائد 9: 197 كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السلام) / سير أعلام النبلاء 3: 313، 314 في ترجمة الحسين الشهيد / مقتل الحسين للخوارزمي 2: 10 / تاريخ الطبري 3: 322، 330ـ331، 333، 334 في أحداث سنة إحدى وستين / أنساب الأشراف 3: 407، 408 مقتل الحسين بن علي (عليهم السلام) / الفتوح لابن أعثم 5: 103، 108 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (رضي الله عنهم)، ص: 130، 135 في تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمه (رضي الله عنهم) / تهذيب الكمال 6: 438 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.
-[ 169 ]-
تعالى أجراه على أيديهم قوّى بها حجتهم، وجدّد بها براهينهم، وجلّى بها حقهم وحقيقتهم، وأكد بها علاقتهم به، وأنهم ((عِبَادٌ مُكرَمُونَ* لاَ يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَهُم بِأمرِهِ يَعمَلُونَ)) (1)، تذكرة للمؤمنين، وتنبيهاً للغافلين، وحجة على المعاندين ((لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 26ـ27.
(2) سورة الأنفال آية: 42.
-[ 171 ]-

الفصل الرابع
في شمولية التشريع الإسلامي

من شواهد صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته: ما جاء به من التشريع المستوعب لمختلف جوانب الحياة، في علاقة الإنسان بالله تعالى في عبادته وشكره وأداء حقه، ثم علاقته بأسرته وبمجتمعه في مصبحه وممساه، وتنظيم مكاسبه ورزقه، وما عليه من الحقوق المالية التي يتم بها التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وبقية جوانب اقتصادهم ككيان عام، وموقفهم مع أعدائهم في حروبهم وسلمهم، ثم تعامل الإنسان مع غرائزه ونوازعه، ومع كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياته وحتى بعد موته.
مع ما عليه هذا التشريع من التكامل الفريد، حيث نراه لا يتجاهل غرائز الإنسان ونوازعه، بل يحاول أن يعطي كل غريزة حقها، مع محاولة تعديلها وكبح جماحها، لئلا تتجاوز حدودها، بنحو يضرّ بالإنسان أو بالمجتمع الذي يعيش فيه.
ولسنا الآن بصدد بيان تناسق التشريع وكماله ووفائه بحاجة المجتمع الإنساني وصلاحه واستقامة مسيرته على طول الخط، كما هو المناسب
-[ 172 ]-
لكون هذه الشريعة خاتمة الشرايع، فإنّ ذلك أمر يطول الحديث فيه، إلا أن الأمر الذي لا ريب فيه هو سعة التشريع وشموليته بنحو يصلح لأن تقوم على أساسه دولة تجمع أمة متحضرة ذات كيان محترم فاعل في العالم، ثم ارتفاع مستواه وتكامله بالإضافة إلى العصر الذي صدر فيه، وبالمقارنة للتشريعات والأنظمة التي كانت موجودة حينئذٍ.
وكل ذلك لا يناسب المحيط الذي عاش فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذلك المحيط الجاهلي الوثني البدائي المتخلف والمنعزل عن المجتمعات المتحضرة، المباين لها والبعيد عنها ذلك البعد الشاسع.
ولا تفسير لذلك إلا بإمداد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالوحي الإلهي في هذا التشريع الخارق للعادة في وقته. وهو ما يؤكد رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله تعالى شأنه في دعوته الشريفة.
-[ 173 ]-

الفصل الخامس
في العلوم والمعارف الإلهية

من شواهد صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعواه النبوة ما ورد عنه وعن أهل بيته (عليهم السلام) من المعارف الإلهية الجليلة، والمفاهيم الدينية الرفيعة، من التعريف بالله تعالى، وتنزيهه عن مشابهة مخلوقاته وعن الحدود والتغير، وأنّ صفاته عيْن ذاته، والتوسط في تقديره بين الجبر والتفويض،
والإغراق في بيان عظمة الله عز وجل وبليغ حكمته، وبديع خلقه وصنعته، وصفات جماله وجلاله، وشواهد قدرته وسلطانه.
وقدسية أنبيائه وأصفيائه وخالصته وأوليائه، وشرور أعدائه وخبثهم وسوء منقلبهم، والتحذير منهم والتنفير عنهم.
وأخبار الماضين والغابرين، والمبدأ والمعاد، وتفاصيل البعث والنشور.
والثناء على الله تعالى وتمجيده، وتقديسه، والرغبة إليه، والتذلل بين يديه، والبخوع له، والتضرع إليه، والاعتصام به، وطلب الحوائج منه،
-[ 174 ]-
واستنزال رحمته، والاستعاذة به من الشرّ.
والوعظ والإرشاد، والترغيب والترهيب، والتذكير بالله تعالى، والتحذير من سطوته ونقمته.
والحثّ على الأخلاق والفضائل، ومجانبة الشرور والرذائل، والنصائح التربوية، والتوجيه في السلوك لما فيه صلاح الإنسان في نفسه ومجتمعه، ودينه ودنياه وآخرته... إلى غير ذلك مما يتفرع على المفاهيم القرآنية الرفيعة، ويستضيء بنورها، بحيث يصلح أن يكون شرحاً للقرآن المجيد، وجَرْياً في حلبته وتفاعلاً معه.
ويجد الإنسان ذلك كله في الكمّ الهائل من أحاديثهم الكريمة، وخطبهم الجليلة، وكتبهم الرفيعة، وأدعيتهم الفريدة، وزياراتهم الشريفة. مع التفنن في عرضه بمختلف الوجوه والأساليب، ذات البيان الرصين، والمستوى العالي في الفصاحة والبلاغة، والتأثير البالغ في النفوس، المناسب لصدورها من أناس يعيشون مضامينها ويتفاعلون معها.
ومن أراد أن يستوضح ذلك ويزداد بصيرة فيه فليرجع لخطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكتاب نهج البلاغة، ووصية الإمام الحسن (عليه السلام) لجنادة وغيره، وخطب الإمام الحسين (عليه السلام) وكتبه أثناء نهضته المباركة، والصحيفة السجادية، والأدعية المهمة، كأدعية كميل والسمات والعشرات، ودعاء ليلة عرفة، ودعاء الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، ودعاء أبي حمزة الثمالي في السحر، ودعاء الافتتاح وغيره من أدعية شهر رمضان، وزيارة الجامعة الكبيرة
-[ 175 ]-
وزيارات أمير المؤمنين والحسين (عليهم السلام) وغيرها مما هو كثير جدًّا، فضلاً عن ملاحظة كتب الحديث الشريف وما تضمنته من معارف ومفاهيم سامية.

خطبتا الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام)

ومن أعجب ذلك ما يراه الإنسان في خطبتي الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه)، حيث طرقت أبواباً من المعارف لا تتناسب مع وضعها الطبيعي كامرأة لا يتجاوز سنها الثامنة والعشرين سنة على أكثر ما قيل، بل الظاهر أنها لم تتجاوز الثامنة عشرة.
مع ما هي عليه من الصون والخدر، حتى ورد عنها أنها كانت تقول: خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا يراها (1)، وما كانت عليه من مكابدة شظف العيش، حيث الفقر والحاجة الملحّة، ومشاغل البيت ومتاعبه المنهكة، وما تعرضت له من خمس ولادات في مدة ثمان سنين من زواجه.
ومع انحصار مصادر معرفتها بأبيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهما في معترك المشاغل في الدعوة للإسلام ونشره والجهاد في سبيله وتوطيد أركانه، وما يستتبع ذلك من التعرض للمضايقات والمقاومات، والمشاكل والحروب الكثيرة، والانشغال بسياسة المسلمين وإدارة شؤونهم.
ثم تعرضت لأعظم مصيبة بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما تلاها من انتهاك حرمتها وحرمة بيتها، وغصْب الخلافة منهم (صلوات الله عليهم)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال 16: 601 رقم الحديث 46011.
-[ 176 ]-
حتى قالت مخاطبة له (صلى الله عليه وآله وسلم) :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
وقالت:
صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنها *** صُبَّت على الأيام صرن ليالي
ومع كل ذلك تطرقت في الخطبتين الشريفتين - بتمكُّن وتفاعل وتفصيل - لمواضيع هامة في العقيدة والمعارف الدينية والحِجاج، كتوحيد الله تعالى وتنزيهه، والثناء عليه وتمجيده، والبخوع له وشكره، وبيان مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ورفعة شأنهم عند الله تعالى، وجهادهم في سبيله، وأهمية القرآن الشريف وعلو شأنه، وعلل الشرايع والأحكام وفوائدها، والإنكار على المنافقين وتبكيتهم على ما أقدموا عليه من الاعتداء على أهل البيت (عليهم السلام)، وغصب ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغصب حق أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة، والتأكيد على الحقَّيْن السليبين، والإفاضة في الاحتجاج لهما، ثم استنهاض المسلمين وتبكيتهم على تقاعسهم عن إنكار المنكر وتصحيح الأوضاع الشاذة وإرجاع الأمور إلى نصابها، ثم التنبؤ القاطع المريع بما سيقع عليهم من مآس وفجائع نتيجة ذلك، وما يؤول إليه أمرهم من خسران في الدنيا والآخرة.
كل ذلك ببيان فريد يتناسب مع بيانهم جميعاً (صلوات الله عليهم)، حيث يبلغ القمة في الرصانة والبلاغة والفصاحة والتأثير في النفوس وهزّ مشاعرها وكأنهم ينطقون بلسان واحد، ويفرغون عن مشكاة واحدة، ومع
-[ 177 ]-
التفاعل بالقرآن المجيد والسيطرة الفريدة على الاستشهاد به.
والمهمّ من جميع ما ذكرناه أن الإسلام العظيم قد أحدث نقلة في المعارف الإلهية والعلوم الدينية لا تتناسب مع العصر الذي بزغ فيه نوره والبيئة التي عاش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها بدأت بالقرآن المجيد وتمت بما ظهر من النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) مما يدور حول مفاهيم القرآن العظيم ويستقى من فيضه.

ما صدَر عن النبي وآله من الحقائق العلمية

ويلحق بذلك ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) الذين يشتقون منه وينطقون عنه من الحقائق العلمية التي لا تناسب عصورهم، وإنما اكتشفت في العصور القريبة بعد أن قطعت البشرية أشواطاً طويلة في العلم والمعرفة. نذكر منها على سبيل المثال:
1ـ ما سبق عنهم (عليهم السلام) عند الكلام في وجود ذلك في القرآن المجيد.
2ـ قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : "اعجبوا لهذا الإنسان ينظر بشحم ويتكلم بلحم ويسمع بعظم ويتنفس مِن خرم" (1). فإنّ السمع بعظم من الأمور المعقدة الخفية التي لم تكتشف إلا حديثًا.
3ـ وعنه (عليه السلام) أن كل حيوان بارز الأذنين فهو وَلُود، وكل حيوان ملتصق الأذنين فهو بَيُوض (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 4: 4، باب المختار من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) رقم: 8.
(2) عيون الأخبار 4: 88.
-[ 178 ]-
4ـ وقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في دعائه لأهل الثغور عند الدعاء على العدو الكافر: "اللهم وامزج مياههم بالوباء وأطعمتهم بالأدواء" فإنّ كون الماء موطناً لجرثومة الوباء لم يكتشف إلا حديثًا... إلى غير ذلك مما لا يسعنا الإحاطة به وإنما أردنا بذلك الإشارة إلى هذه الجهة وعدم إغفالها.
ويتجلى ذلك بما استفاض عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله: "علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب كل باب يفتح ألف باب" (1)، وقوله: "سلوني قبل أن تفقدوني" (2)، وكذا روي عن الإمام الصادق (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال 13: 114ـ115 حديث: 36372، واللفظ له / تاريخ دمشق 42: 385 في ترجمة علي بن أبي طالب / سير أعلام النبلاء 8: 24، 26 في ترجمة عبدالله بن لهيعة / البداية والنهاية 7: 360 أحداث سنة أربعين من الهجرة: شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: حديث آخر / فتح الباري 5: 363 / ميزان الاعتدال 2: 401 في ترجمة حيي بن عبدالله، 4: 174 في ترجمة عبد الله بن لهيعة / الكامل في ضعفاء الرجال 2: 450 في ترجمة حيي بن عبدالله / الكشف الحثيث 1: 160 في ترجمة عبدالله بن لهيعة / المجروحين 2: 14 في ترجمة عبدالله بن لهيعة / العلل المتناهية 1: 221 / نظم درر السمطين: 113 / ينابيع المودة 1: 222، 231.
(2) المستدرك على الصحيحين 2: 383 كتاب التفسير: تفسير سورة إبراهيم / السنن الواردة في الفتن 4: 838 باب من الأشراط والدلائل والعلامات، 6: 1196 باب من قال إن صافي بن صياد هو الدجال / ومثله في تفسير الطبري 13: 221 / والمستدرك على الصحيحين 2: 506 كتاب التفسير: تفسير سورة الذاريات / ومعتصر المختصر 2: 302 في مناقب علي، ولكن بدل (تفقدوني) (لا تسألوني). وورد بألفاظ أخرى مختلفة في كل من الأحاديث المختارة 2: 61 فيما رواه خالد بن عرعرة عن علي (عليه السلام) / ومجمع الزوائد 4: 269 كتاب النكاح: باب فيما يحرم من النساء وغير ذلك / والمصنف لابن أبي شيبة 3: 530 كتاب النكاح: ما جاء في إتيان النساء في أدبارهن وما جاء فيه من الكراهة، وج: 5: 312 كتاب الأدب: من كان يستحب أن يسأل ويقول سلوني، وج7: 528 كتاب الفتن: ما ذكر في عثمان / ومسند الشاشي 2: 96 / ومسند البزار 2: 304 / ومسند أبي يعلى 1: 311 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / وأمالي المحاملي: 192 / والفتن لنعيم بن حماد 1: 40 / وفتح الباري 11: 291 / وتحفة الأحوذي 7: 27 / وفيض القدير 4: 357 / وحلية الأولياء 4: 366 في ترجمة أبي صالـح الحنفي / وتهذيب التهذيب 7: 297 في ترجمة علي بن أبي طالب / وتهذيب الكمال 20: 487 في ترجمة علي بن أبي طالب / والطبقات الكبرى 2: 338 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / والإصابة 4: 568 في ترجمة علي بن أبي طالب / وتهذيب الأسماء: 317 / وتالي تلخيص المتشابه 1: 62 / وأخبار مكة 3: 228 ذكر أوائل الأشياء التي حدثت بمكة في قديم الدهر إلى يومنا هذا.
-[ 179 ]-
ولا تفسير لذلك كله إلا بتميزهم عن عامة الناس، وارتفاع مستواهم وطهارة نفوسهم وامتلاكهم قابليات إعجازية فريدة تجعلهم مورداً للمدّ الإلهي الذي لا ينضب، ومحلاً لعناية الله تعالى وفيوضاته، حيث مكنهم جلّ شأنه من مفاتيح علمه، فكانوا عيبة علم الله تعالى وحملته وخزانه ومستودعه، وتوارثوه بينهم محافظين على صفائه ونقائه وروعته وبهائه، وهو من أهم الأدلة على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته.
-[ 181 ]-


إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc