اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -25-
انتقل إلى رحمة
انتهى الفصل الدراسي، وأعقبه إجازة نهاية الفصل، ودخول الشتاء البارد القارص، حيث تصعب التنقلات وتتقطع السبل.
ولطول الإجازة لم يكن في وسع مغتربنا البقاء حيث هو، بعد عودة معظم الأصحاب لديارهم، للاستمتاع بالجو الدافئ بين أهليهم وذويهم.
عاد مبتعثنا إلى دياره وأهله فرحا بما حققه من نجاح في الفترة السابقة، ومسرورا برؤية أهله وأخوته، وهم يحيطونه من كل جانب، إحاطة المحبس بالمعصم. يحاولون التعبير عن مدى المحبة التي يكنونها له، ويظهرون الشوق الذي يعتريهم لرؤيته.
أمضى الأسبوعين الأولين بين أهله وذويه، محاولا تناسي العالم الخارجي بجميع مكوناته، وما يدور فيه من أحداث. مفرغا نفسه لهم، جاعلا من صدره نافذة يفرغون من خلالها الحنان والمحبة والشوق، بما بكفيه ويكفيهم حتى عودته من السنة القادمة.
وهم لم بألو جهدا في تدليله، وتوفير كل ما تشتهيه نفسه.
بعد نهاية الأسبوعين الذين خصصهما لأهله، بدأ بتفقد أصحابه وزملاء الدراسة بالتوالي. فكأنه قد خرج من عنق الزجاجة، بعد أن انطبق عليه المثل القائل: من رأى أحبابه نسي أصحابه.
اخذ يبحث ويسأل عن من درسوا معه في جامعة واحدة، وعاشوا معه في مدينة واحدة. وعن من تعرف عليهم على متن الطائرة التي عاد فيها، ونزلوا معه منها في مطار واحد. سأل عنهم واحدا واحد، كأم تتفقد أطفالها، محاولا توطيد العلاقة، ومد عرى الصداقة. اتصل بهم واحدا بعد آخر وزارهم في بيوتهم، وتعرف على أهلهم وذويهم.
افتقد احدهم لأنه لم يره بينهم، وكلما سأل عنه، لم يعطه احد جواب شافيا. أحس أنهم يحاولون تجنب الإجابة، معرضين بوجوههم عنه، كمن فعل ذنب لا يغتفر. وهو يتسائل: هل هذا خوف عليه، أم أخوف منه!
عندها قرر قطع الشك باليقين، وكما قيل من خاف من شيئا وقع فيه: هكذا قال لنفسه. فاتجه لبيت صاحبه، وقبل وضع رجله على عتبة الباب ليضرب الجرس، شاهد منشورا كبيرا على جدار البيت. ولهول المفاجئة اخذ وقتا طويلا حتى ستطاع التركيز وتجميع الكلمات وقراءته. وعندما أفاق قرأ: انتقل لرحمة الله الشاب .... ادخله الله فسيح جناته، تقبل التعازي في مجلس حي السلام.
بقلم: حسين نوح مشامع