أصول العقيدة (4) في الإمامة - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع زائر الأربعين مشاركات 10 الزيارات 6164 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي أصول العقيدة (4) في الإمامة
قديم بتاريخ : 11-Mar-2013 الساعة : 12:44 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


(يقول السيد الحكيم حفظه الله) :
-[ 215 ]-
المقصد الثالث
في الإمامة
وهي إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين تقدم ذكرهم في مقدمة الكتاب.
مقدمة
كثيراً ما تتعرض الدعوات الإصلاحية لتناقضات ومشاكل تَحُول دُون تقدمها وانتشارها وسيطرتها من أجل تطبيقها وتنفيذ تعاليمها على المجتمعات التي يفترض تكيفها معها، إما لقصور في الدعوة نفسها، أو لمعوقات خارجية تقف في وجهها.
وإن من أهمّ تلك التناقضات والمشاكل ما يعرض على الدعوة من خلافات وانشقاقات، نتيجة الاجتهادات الخاطئة، أو التحريف المتعمد، من أجل الأهداف والمصالح المناقضة لصميم الدعوة وأهدافها.
وكم عصفت الخلافات والانشقاقات بالدعوات حتى مسختها، وقضت عليها أخيرًا.

-[ 216 ]-
إضرار الخلاف والانشقاقات بالأديان
بل تنحصر محنة الأديان السماوية بذلك، لأنها في مأمن من القصور والتناقضات الذاتية بعد أن كانت مشرعة من قبل الله عزّ وجل، وهو الخالق المدبّر اللطيف الخبير الحكيم والذي ((يَعلَمُ خَائِنَةَ الأعيُنِ وَمَا تُخفِي الصُّدُورُ)) (1) و ((لاَ يَعزُبُ عَنهُ مِثقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرضِ)) (2) وهو ((بِكُلِّ شَيءٍ مُحِيطٌ)) (3). حيث لابد من كون النظام الذي يشرعه هو الأكمل، والصالح للتطبيق من دون أن تترتب عليه شيء من السلبيات.
تحذير القرآن الكريم مِن التفرُّق في الدين
ولعلّه لذا حذّر القرآن الكريم من التفرق والاختلاف، وحثّ على الوحدة والوفاق، وأكد على ذلك وشدد فيه،
قال سبحانه وتعالى: ((وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)) (4).
وقال عزّ وجل: ((وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُم البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (5).
وقال عزّ من قائل: ((إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعاً لَستَ مِنهُم فِي شَيءٍ إنَّمَا أمرُهُم إلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفعَلُونَ)) (6)... إلى غير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة غافر آية: 19.
(2) سورة سبأ آية: 3.
(3) سورة فصلت آية: 54.
(4)، (5) سورة آل عمران آية: 103، 105.
(6) سورة الأنعام آية: 159.

-[ 217 ]-
إعلان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفرُّق أمته
ولكن مع كل ذلك فقد أعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسبقاً عن اختلاف أمته وتفرقها، كما تفرقت الأمم السابقة واختلفت بعد أنبيائها، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "اختلفت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة. واختلفت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة. وستختلف هذه الأمة على ثلاثة [كذا في المصدر] وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة..." (1).
وهو المناسب لِمَا ورد مستفيضاً أو متواتراً عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن هذه الأمة ستجري على سنن الأمم السابقة، ففي الحديث: "لتتبعن سنن مَن كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم.
قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟!" (2)، حيث لا إشكال في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 6: 233 كتاب قتال أهل البغي: باب منه في الخوارج، واللفظ له، 7: 258 كتاب الفتن: باب افتراق الأمم واتباع سنن من مضى / تفسير القرطبي 4: 160 / تفسير ابن كثير 2: 78 / سنن الدارمي 2: 314 كتاب السير: باب في افتراق هذه الأمة / مصباح الزجاجة 4: 179 كتاب الفتن: باب افتراق الأمم / مسند أبي يعلى 6: 341 فيما رواه أبو نضرة عن أنس / المعجم الكبير 8: 273 فيما رواه أبو غالب صاحب المحجن واسمه حزور / اعتقاد أهل السنة 1: 103 / السنة لابن أبي عاصم 1: 32 باب فيما أخبر به النبي (عليه السلام) : أن أمته ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة وذمه الفرق كلها إلا واحدة، وذكر قوله (عليه السلام) : إن قوما سيركبون سنن من كان قبلهم / الترغيب والترهيب 1: 44 / حلية الأولياء 3: 227. وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) صحيح البخاري 6: 2669 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : لتتبعن سنن من كان قبلكم، واللفظ له، 3: 1274 كتاب الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل / سنن ابن ماجة 2: 1322 كتاب الفتن: باب افتراق الأمم / مجمع الزوائد 7: 261 كتاب الفتن: باب منه في اتباع سنن من مضى / المستدرك على الصحيحين 1: 93 كتاب الإيمان / صحيح ابن حبان 15: 95 باب إخباره عن ما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر البيان بأن قوله: سنن من قبلكم، أراد به أهل الكتابين / مسند أحمد 2: 327، 511 مسند أبي هريرة، 3: 89 مسند أبي سعيد الخدري / مسند الطيالسي 2: 289 ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : عطاء بن يسار عن أبي سعيد. وغيرها من المصادر الكثيرة.

-[ 218 ]-
افتراق الأمم السابقة، كما تكرر ذكر ذلك في القرآن المجيد، ونراه عياناً في بعضها.
وعد الأمة بالفتن والتحذير منها
وهو المناسب أيضاً لما تكرر في الكتاب العزيز والسنّة الشريفة من تحذير المسلمين من الفتن ووعدهم بها، وأنهم لابد أن يمتحنوا ويغربلوا، ويخرج كثير منهم عن الدين الحق، وينحرفوا عن الصراط المستقيم،
قال تعالى: ((فَليَحذَر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِهِ أن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيمٌ)) (1).
وقال سبحانه: ((وَاتَّقُوا فِتنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ)) (2).
وقال جلّ شأنه: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أفَإن مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أعقَابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلَى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيئاً وَسَيَجزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)) (3).
وقال عزّ وجل: ((أحَسِبَ النَّاسُ أن يُترَكُوا أن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ* وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النور آية: 63.
(2) سورة الأنفال آية: 25.
(3) سورة آل عمران آية: 144.

-[ 219 ]-
الكَاذِبِينَ)) (1).
وقال عزّ من قائل: ((مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِن الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطلِعَكُم عَلَى الغَيبِ)) (2).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" (3) وفي أحاديث الحوض: "إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى" (4)... إلى غير ذلك.
شدة التحذير وقسوة التهديد
والملفت للنظر الحقيق بالانتباه أن هذه الآيات والأحاديث وغيرها قد تضمنت عبارات مرعبة ومضامين قاسية، كالتعبير بالانقلاب، والارتداد، والخبث، والكفر، والحكم على الخارج عن دعوة الحق بأنه هالك ومن أهل النار. ومقتضى ذلك أن يكون الخروج عما عليه الفرقة المحقة - أياً كانت - من الخطورة والجريمة، بحيث يكون سبباً للهلاك الأخروي، ولا ينفع معه الحفاظ على صورة الإسلام وإعلان دعوته. وهو المناسب لما ورد في الأمم السابقة،قال الله تعالى: ((وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُم البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَومَ تَبيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسوَدُّ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة العنكبوت آية: 2ـ3.
(2) سورة آل عمران آية: 179.
(3) صحيح البخاري 1: 56 كتاب العلم: باب الإنصات للعلماء، 2: 619 كتاب الحج: باب الخطبة أيام منى، وغيرهم.
(4) صحيح البخاري 5: 2407 كتاب الرقاق: باب في الحوض، واللفظ له / تفسير القرطبي 4: 168 / مسند عمر بن الخطاب: 86 / تغليق التعليق 5: 186 كتاب الرقاق: باب في الحوض.

-[ 220 ]-
وُجُوهٌ فَأمَّا الَّذِينَ اسوَدَّت وُجُوهُهُم أكَفَرتُم بَعدَ إيمَانِكُم فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُم تَكفُرُونَ* وَأمَّا الَّذِينَ ابيَضَّت وُجُوهُهُم فَفِي رَحمَةِ اللهِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ)) (1).
وقال سبحانه: ((وَلَو شَاءَ اللهُ مَا اقتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُم البَيِّنَاتُ وَلكِن اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَمِنهُم مَن كَفَرَ)) (2).
وقال عزّ وجل: ((وَمَا اختَلَفَ فِيهِ إلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُم البَيِّنَاتُ بَغياً بَينَهُم فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِن الحَقِّ بِإذنِهِ وَاللهُ يَهدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ)) (3).
لابد مِن وضوح الحجة على مواقع الخلاف المُفرِّق للأمة
وإذا كان مواقع الخلاف بهذه الأهمية في الدين فلابد من وضوح الحجة عليها وجلائها، بنحوٍ لا يقبل العذر والاجتهاد، بل يكون الخروج عنها عن مشاقة وعناد متعمد، أو عن ضلال يعمي البصائر، مع التقصير في الفحص عن الحق والتعرف عليه، لتقليد، أو تعصب، أو نحوهما مما لا يصلح لأن يكون عذراً عند الله تعالى،
كما قال عزّ من قائل: ((وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَ يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أعيُنٌ لاَ يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لاَ يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعَامِ بَل هُم أضَلُّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ)) (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية: 105ـ107.
(2)، (3) سورة البقرة آية: 253، 213.
(4) سورة الأعراف آية: 179.

-[ 221 ]-
والوجه في لزوم وضوح الحجة أن مِن أهم مقاصد البعثة والنبوة إقامة الحجة الكافية على معالم الهدى والإيمان التي يتوقف على معرفتها النجاة من النار والفوز بالجنة ((لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)) (1) و ((لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ)) (2)،كما قال عزّ من قائل: ((وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوماً بَعدَ إذ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ إنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ)) (3). وقد استفاضت بذلك الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
بل الأمر أظهر من ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى أعدل وأكرم من أن يدخل عبيده النار من دون حجة واضحة ترفع الجهل وتقطع العذر، ولا تدع مجالاً للريب والنظر والاجتهاد والتخرص.
وذلك كله يقضي بما ذكرنا من أن مواقع الخلاف الذي ينتهي بالآخرة إلى تفرق الأمة وانقسامها، والتي تكون معياراً في السلامة من الهلاك الأبدي، لابد أن تكون من البيان والجلاء ووضوح الحجة بحيث ينحصر سبب الخروج عنها في المشاقة والعناد المتعمد، أو العمى والضلال غير المعذِّر،ولا مجال لأن تكون مورداً للاجتهاد المعذِّر لو أخطأ.
ويؤكد ذلك ما سبق من قوله تعالى: ((وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُم البَيِّنَاتُ)) (4) لظهوره في وجود البينات الكافية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال آية: 42.
(2) سورة النساء آية: 165.
(3) سورة التوبة آية: 115.
(4) سورة آل عمران آية: 105.

-[ 222 ]-
في المنع من اختلاف المسلمين لو تابعوها ولم يتعمدوا الخروج عنها، ولا فرطوا في الوصول إليها.
ومثله حديث العرباض بن سارية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" (1). لصراحته في وضوح الحق وجلائه، بحيث لا يلتبس على الأمة لو طلبته، وأن ليل الفتن وظلمات المحن ودياجي الشبهات والضلالات لا تقوى على التعتيم عليه وتضييع معالمه وطمس آثاره، فضلاً عن قلب الحقائق، بحيث يبدو الحق باطلاً والباطل حقًّا،ومِن ثم لا يكون الزائغ عن الحق والخارج عنه معذوراً ناجيًا، بل هو هالك لعناده أو تفريطه.
ويترتب على ذلك أمور حقيقة بالملاحظة والمراعاة..
الأمر الأول: أن معالم الفرقة المحقة الناجية - أيّاً كانت - وأصول
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مسند أحمد 4: 126 حديث العرباض بن سارية عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، واللفظ له / تفسير القرطبي 7: 138 / سنن ابن ماجة 1: 15 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين / المستدرك على الصحيحين 1: 175 كتاب العلم / السنة لابن أبي عاصم 1: 19 / المعجم الكبير 18: 247 ما رواه عبدالرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية، ص: 257 ما رواه جبير بن نفير عن العرباض / الترغيب والترهيب للمنذري 1: 47 / مصباح الزجاجة 1: 5 كتاب اتباع السنة. وغيرها من المصادر.
هكذا روي الحديث في هذه المصادر. لكن رواه الشيخ الجليل الحسن بن أبي الحسن الديلمي كما يلي: "قال العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موعظة ذرفت العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مُودِّع، فما تعهد إلينا؟ قال: لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدها إلا هالك. ومن يَعِش منكم يرى اختلافاً كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي بعدي، وسنة الخلفاء الراشدين من أهل بيتي، فعضوا عليهم بالنواجذ، وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبداً حبشيًّا، فإن المؤمن كالجمل الألوف حيثما قِيدَ استقاد". إرشاد القلوب 1: 37 الباب الخامس: في التخويف والترهيب.

-[ 223 ]-
عقائدها المنجية من الهلكة لابد أن تكون من الوضوح والبيان وقوة الحجة وجلائها بحيث لا تحجبها الشبهات، ولا تضيع في خضم الخلاف والخصومات، بل ليلها كنهارها، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم). وأن الخارج عنها هالك، إما لتعمده الخروج عن الحق عناداً أو مشاقة لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو لتفريطه وتقصيره في الفحص بنحو لا يعذر فيه.
لابد مِن شدّة التثبُّت في الفحْص عن الحق
ونتيجة ذلك فعلى ذوي الرشد من المسلمين - على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم - أن يعرفوا خطر ما هم فيه من الخلاف والشقاق، فإنّ جماعات منهم - على الإجمال - قد تركوا الحق الواضح والحقيقة البيضاء الناصعة، التي يهلك مَن زاغ عنها، لا لخفائها، بل لتسامحهم في التعرف عليها، أو لتعصبهم ضدها، بنحو يكون سبب خسرانهم، بل هلاكهم الدائم.
فعليهم أن لا يكونوا من هذه الجماعات الهالكة، بل يبحثوا عن تلك الحقيقة باهتمام وإصرار شديد، وبموضوعية خالصة، وتجرد عن التراكمات والمسلمات الموروثة، والتعصب والعناد القاتِلَين، ليصلوا إليها من طريق أدلتها القوية وحججها الجلية، التي لا تخفى على من يبحث عنها.
والحذر من أن يكتفوا في أمر الدين والمذهب بالدعاوى المجردة والأقوال المرسلة والاجتهادات والتخرصات التي لا تستند إلى ركن وثيق، ولا تصلح عذراً بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه ويوقفون بين يديه.

-[ 224 ]-
لا ينبغي حُسْن الظن بالأشخاص قبْل معرفة الحق
الأمر الثاني: أنه لا ينبغي حسن الظن بالأشخاص - مهما كان شأنهم عند طائفتهم - بعد افتراق الأمة ووقوع الخلاف فيها، إذ بالنظر لِمَا سبق يعلم بخروج بعض الأطراف عن الحقيقة الجلية الواضحة، وفي الكل مَن هو مِن أهل العلم والمعرفة، ومَن هو منسوب عند أهل فرقته للتقوى والورع، بل فيهم مَن له قدسيته عندهم.
ولا وجه مع ذلك لتنزيه بعضهم عن تعمُّد الخروج عن تلك الحقيقة أو عن العمى عنها، وترجيحهم على غيرهم بعد عدم عصمتهم ووقوع الخلاف فيهم. بل لابد أولاً من معرفة تلك الحقيقة من طريق أدلتها ثم جعلها هي المعيار في تمييز الرجال.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : "اعْرِف الحَقَّ تعْرف أهْلَه" (1)، وقيل: إن الحارث بن حوت أتاه، فقال: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟! فقال (عليه السلام) : "يا حارث إنك نظرت تحتك، ولم تنظر فوقك فحِرْتَ، إنك لم تعرف الحق فتعرف أهله، ولم تعرف الباطل فتعرف مَن أتاه" (2).
وليس من المقبول منطقياً - بعد ذلك - معرفة الحق بالرجال وقبول قولهم فيه، إلا أن تثبت عصمتهم، أو تُجمع الأمة على صدقهم وجلالتهم.
وأولى بذلك ما إذا ثبت خروج بعض الأشخاص عن تلك الحقيقة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تقدمت مصادره في هامش رقم (1) ص: 25.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (1) ص: 26.

-[ 225 ]-
الواضحة، حيث لا معنى مع ذلك للثقة به في بعض ما يتعلق بها من حوادث تؤيدها أو تؤكدها أو تقف ضدها، إذ كما تعمَّد الخروج عن الحقيقة المذكورة، أو عمِيَ عنها، مع وضوحها وجلائها، كذلك يمكن أن يتعمد إهمال تلك المؤيدات والمؤكدات، أو يعمى عنها، أو يتشبث بالطحالب والأكاذيب ضدها.
نعم بعد معرفة الحق بأدلته القوية وبراهينه الجلية قد يتسنى حسن الظن بإخلاص الطائفة التي تدين به وصدق لهجة أفرادها، ولاسيما إذا كان الحق الذي لزمته ودعت إليه ضعيفاً مادّيّاً يعاني من الضغوط والمطاردة من قبل القوى الفاعلة، فإنّ تمسُّك ذوي المعرفة به مع كل ذلك يناسب إخلاصهم واهتمامهم بالحقيقة للحقيقة، ونبل مقاصدهم، المناسب لحسن الظن بهم، أو القطع بصدقهم.
غاية الأمر أن ذلك وحده لا يكفي في إثبات أنهم على الحق قبل النظر في دليلهم.
لابد مِن وضوح أدلة الإمامة
الأمر الثالث: حيث كانت الإمامة من أهمّ أسباب خلاف الأمة وافتراقها، بحيث يرى كل فريق ضلال غيره وهلاكه، فلابد من كون الاستدلال عليها نفياً وإثباتاً من الرصانة والقوة بحيث يجعلها من الواضحات الجلية، وتكون بيضاء ليلها كنهارها، ليكون الاختلاف فيها اختلافاً بعد قيام البينة ووضوح الحجة، والخروج عنها سبباً في الهلاك

-[ 226 ]-
والخسران الدائم.
وهو المناسب لما استفاض عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله: "مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات مِيتةً جاهلية" (1).
أو: "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية" (2).
أو: "من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية" (3).
أو: "من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية" (4).
أو: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" (5)، ونحو ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودة 3: 372 / طبقات الحنفية: 457.
(2) مسند أحمد 4: 96 حديث معاوية بن أبي سفيان / حلية الأولياء 3: 224 في ترجمة زيد بن أسلم / المعجم الكبير 19: 388 فيما رواه شريح بن عبيد عن معاوية / مسند الشاميين 2: 437 ما انتهى إلينا من مسند ضمضم بن زرعة: ما رواه ضمضم عن شريح بن عبيد / مجمع الزوائد 5: 218 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهي عن قتالهم.
(3) السنة لابن أبي عاصم 2: 503 باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره / مسند أبي يعلى 13: 366 حديث معاوية بن أبي سفيان.
(4) مجمع الزوائد 5: 224 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهي عن قتالهم / المجروحين 1: 286 في ترجمة خليد بن دعلج.
(5) صحيح مسلم 3: 1478 كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن / السنن الكبرى للبيهقي 8: 156 كتاب قتال أصل البغي: جماع أبواب الرعاة باب الترغيب في لزوم الجماعة والتشديد على من نزع من الطاعة / تفسير ابن كثير 1: 518 في تفسير الآية (59) من سورة آل عمران / مجمع الزوائد 5: 218 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهي عن قتالهم / الكبائر للذهبي: 169 في الكبيرة (45) الغدر وعدم الوفاء بالعهد / السنة لابن أبي عاصم 2: 503 باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره / المعجم الكبير 19: 334 فيما رواه ذكوان أبو صالح السمان عن معاوية.
ورويت هذه الأحاديث أو ما يقرب منها في المصادر الشيعية ومنها: الكافي 1: 376 كتاب الحجة: باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى حديث: 1، 3، 2 / 1: 378 كتاب الحجة: باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام حديث: 2. وراجع1: 180 كتاب الحجة: باب معرفة الإمام والرد إليه، وص:374 كتاب الحجة: باب من دان الله عزوجل بغير إمام من الله جلّ جلاله / بحار الأنوار 23: 76ـ 95 باب: وجوب معرفة الإمام وأنه لا يعذر الناس بترك الولاية وأن من مات لا يعرف إمامه أو شك فيه مات ميتة جاهلية وكفر ونفاق.

-[ 227 ]-
وعلى ذلك لابد لكل مُدَّعٍ في الإمامة من الأطراف المتخاصمة والفِرَق المختلفة من أن تكون أدلته بالنحو المذكور، ولا يكفيه التشبث بالحجج الضعيفة والتخرصات والاجتهادات والاستبعادات من دون أن يستند إلى ركن وثيق.
ونسأل الله سبحانه وتعالى بمنّه وكرمه أن يمدّنا في ذلك بالتوفيق والتأييد، والعون والتسديد، ويعصمنا من الزلل في القول والعمل. إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبعد أن انتهى الكلام في هذا المقدمة فلندخل في المطلوب، وهو الاستدلال على الإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنحو المدعى للإمامية الإثني عشرية الذي تقدم شرحه في المقدمة من هذا الكتاب.

-[ 229 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-Mar-2013 الساعة : 11:42 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 229 ]-
المدخل
شمولية إمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للدين والدنيا
من الظاهر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إماماً للمسلمين ومرجعاً لهم. وإمامته ذات جانبين:
الأول: الإمامة في الدين، فعنه يأخذون معالم دينهم وشرائعه وأحكامه، وهو الحافظ له من الضياع والتحريف والبدع والضلالات.
وإلى ذلك يشير مثل قوله تعالى: ((وَأنزَلنَا إلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيهِم)) (1).
الثاني: الإمامة في شؤون الدنيا، وهي الإمامة السياسية، التي هي عبارة عن كونه السلطان الحاكم عليهم، الذي يتولى شؤونهم، ويدير أمورهم، وينظر في صلاحهم، وينطق عنهم، ويجبي خراجهم، ويقسم فيئهم، ويطبق الإسلام فيهم عمليّاً بإقامة فرائضه، وإجراء حدوده، وفصل الخصومات على ضوء أحكامه، والدعوة له، والجهاد في سبيله، والدفاع عنه... إلى غير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل آية: 44.

-[ 230 ]-
كما هو مقتضى الآيات الكثيرة المتضمنة للأمر بطاعته والنهي عن مخالفته، مثل قوله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلاَ مُؤمِنَةٍ إذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أمراً أن يَكُونَ لَهُم الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم)) (1)، وقوله سبحانه: ((النَّبِيُّ أولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أنفُسِهِم)) (2)... إلى غير ذلك.
الإمامة عند الشيعة امتداد لإمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أما بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالإمامة عند الشيعة امتداد لإمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجانبين معًا.
أما عند الجمهور فهي تختص بالجانب الثاني، دون الأول.
وإن كان الظاهر أنها عند الأوَّلين تعمّ الجانب الأول أيضًا، حيث كان عامة المسلمين يرجعون لهم في دينهم، وكانوا هم يحكمون فيه بما يرون ويريدون.
نعم ربما استعانوا بغيرهم فسألوهم واسترشدوهم، لكن الحكم الفصل لهم، فهم يقبلون ما أعجبهم، ويردون ما لا يعجبهم، وعمل العامة بالآخرة على ما يحكمون به ويختارونه.
إلا أن تسافل الحكّام تدريجًا، وظهور إجرامهم، وجهلهم بالدين أسقط حرمتهم في نفوس عامة المسلمين، فلم يقرّوا بشرعية قراراتهم وأحكامهم، ولم يرجعوا لهم في دينهم، بل رجعوا فيه إلى فقهائهم من غير الحكام، فاضطر الحكام أن ينصرفوا عن هذا الجانب ويستعينوا فيه بالفقهاء
ـــــــــــــــــــــــ
(1)، (2) سورة الأحزاب آية: 36، 6.

-[ 231 ]-
الذين يعجبونهم، ويتبنوا منهم من شاؤوا ويعرضوا عمن شاؤوا.
وتشبَّثوا مِن الإمامة بالجانب الثاني، لأنّ فيه إشباع رغبتهم في التسلط على الناس والاستعلاء عليهم والتحكم فيهم، ولأنهم يستطيعون دعمه والحفاظ عليه بالقهر والقوة، بخلاف الجانب الأول. وبالآخرة اقتصرت الإمامة عند الجمهور على السلطة ورئاسة الدولة.
وكيف كان فيقع الكلام في إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) بكلا شِقَّيْه، وذلك في فصلين:

-[ 233 ]-
الفصل الأول
في الإمامة الدينية

المبحث الأول
في لزوم جَعْل الإمامة الدينية
لا ينبغي التأمل في أن الغرض الداعي للنبوة - سواء قلنا بوجوبها أم لم نقل - لا يتم إلا بتشريع الإمامة في الدين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وذلك لأن الغرض من النبوة ليس هو تعريف الأمة بالدين في خصوص عصر صاحب الشريعة وحامل رسالتها، كنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دين الإسلام، بل هو تعريف جميع الأمة به في جميع العصور المتعاقبة مادام هناك مَن يجب عليه أن يعتنق ذلك الدين ويحمل دعوته.
وحيث كان الإسلام خاتم الأديان، وشريعته خاتمة الشرائع، ويجب على الناس اعتناقه إلى يوم القيامة، فلابد من تمامية طرق التعريف به وبيان حقيقته في شؤون العقيدة والعمل مادام في الأرض إنسان صالح للتكليف،

-[ 234 ]-
وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
وعلى ذلك فمن الظاهر أن القرآن المجيد وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكفيان في التعريف بالدين في جميع العصور، لِمَا هو المعلوم من عدم وفاء القرآن المجيد ببيان جميع الأحكام ولا بتفاصيلها، خصوصاً بلحاظ تجدد الوقائع نتيجة تطور المجتمع وتلاقح الحضارات. مع أن القرآن الكريم صالح للتأويل على أكثر من وجه واحد، ولا سيما بعد غياب ظروف نزوله عنا.
كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتصدّ لضبط أحكام الدين في مدوّنة مستوعبة له، يتيسر لعامة المسلمين الرجوع إليها في جميع العصور وفي جميع الوقائع حتى المستجدة منها، بنحْوٍ تتجنب معه الأمة الجهلَ بالأحكام والخلافَ فيها في جميع العصور وعلى امتداد الزمن.
وإنما بيّن (صلى الله عليه وآله وسلم) الأحكام لعامة المسلمين بصورة تدريجية، وفي وقائع متفرقة، وكثير منها بُيِّن بصورة شخصية لا عموم فيها.
مع عدم الاهتمام بضبط ذلك وحفظه وتدوينه بحيث يرجع إليه عموم المسلمين. وبذلك كان معرضاً للضياع.
تعرُّض سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للضياع
ثم تعرضت السنّة الشريفة بعد ذلك للإخفاء المُتعمَّد بسبب الحَجْر عليها مِن قِبَل الأولين - على ما أشرنا إليه في جواب السؤال السابع من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة) - ولِتَعمُّد الإخفاء والتحريف والكذب تبعاً للأهواء نتيجة الفتن التي تعرضت لها الأمة في العصور

-[ 235 ]-
اللاحقة، وللتعارض والإجمال بسبب اشتباه الناسخ بالمنسوخ، وخفاء كثير من القرائن المحيطة بالكلام.
وقد تعرضنا لكثير من ذلك في جواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من الكتاب المذكور.
كما تعرض الكتاب المجيد والسنة الشريفة للتأويل حسب اختلاف الاجتهادات والتخرصات والأهواء، تبعاً لتطور المجتمع الإسلامي وتفاعله مع المستجدات، ومحاولة توجيه الوظيفة الدينية فيها بما يناسب ذلك.
ويتضح ذلك بأدنى نظرة في حال المجتمع الإسلامي في جميع عصوره، حيث الاختلاف في الدين والجهل به وسوء تطبيقه والشقاق والتناحر والتنافر، حتى انتهى حال الإسلام والمسلمين نتيجة ذلك إلى ما هما عليه اليوم من الوهن والهوان والتعقيدات غير القابلة للحل مادام المسلمون لا يتفقون على مرجع في الدين يجب على الكل القبول منه، ولا يجوز لأحد الخروج عن قوله، لتميزه عنهم بالنص من الله تعالى غير القابل للتشكيك والتأويل.
ومن ثم كان المتعين لحفظ الدين مِن التحريف والضياع أن يجعل الله سبحانه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن يحمله ويبلغ به، بنحوٍ يؤمن عليه، ويقطع عذر الجاهل به، ويسدّ الطريق على المُحرِّف له.

-[ 236 ]-
ثبوت الإمامة في الأديان السابقة
وقد جرت على ذلك جميع الأديان السابقة على الإسلام، فكان لأنبيائها الذين جاؤوا بها أوصياء يحملون الدين ويحفظونه، ويبلغون به مَن بعدهم.
وقد روى الفريقان كثيراً من مفردات ذلك (1).
بل ورد في بعض روايات الجمهور أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام) : "إني قد استكملتُ نبوّتَك وأيامَك، فانظر الاسم الأكبر وميزان علم النبوة فادفعه إلى ابنك شيث، فإني لم أكن لأترك الأرض إلا وفيها عالِمٌ يدل على طاعتي وينهى عن معصيتي" (2).
وذلك يتفق مع ما أجمع عليه شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) - تَبَعاً لِمَا استفاض، بل تواتر، عن النبي والأئمة من آله (صلوات الله عليهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 9: 113، كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب فيما أوصى به (رضي الله عنه) / فضائل الصحابة لابن حنبل 2 615 ومن فضائل علي (رضي الله عنه) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله / تاريخ دمشق 23: 271في ترجمة شيث ويقال شيث بن آدم واسمه هبة الله، ج50: 9 في ترجمة كالب بن يوقنا بن بارص... ج61: 175 في ترجمة موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث... ج62: 241 في ترجمة نوح بن لمك بن متوشلخ... / تهذيب الأسماء 1: 236 / مسائل الإمام أحمد 1: 12 ذكر ترتيب كبار الأنبياء / العظمة 5: 1602، 1604 / المعجم الكبير 6: 221 فيما رواه أبو سعيد عن سلمان (رضي الله عنه) / تفسير القرطبي 6: 140، ج15: 115 / تفسير البغوي 2: 31 / تفسير الطبري 2: 596 / الطبقات الكبرى 1: 37، 38، 40 ذكر من ولد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الأنبياء / تاريخ الطبري 1: 96، 100 ذكر ولادة حواء مثبت، ج1: 101، 102 ذكر وفاة آدم (عليه السلام)، ج1: 109 ثم رجعنا إلى ذكر اخنوخ وهو إدريس (عليه السلام)، ج1: 271، 272 أمر بني إسرائيل والقوم الذين كانوا بأمرهم...ج1: 518 ذكر نسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذكر بعض أخبار آبائه وأجداده / الكامل في التاريخ 1: 47 ذكر شيث بن آدم (عليه السلام)، ذكر عقب شيث / شذرات الذهب 2: 180 نقلاً عن السيوطي في حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة. وغيرها من المصادر.
(2) العظمة 5: 1602.

-[ 237 ]-
أجمعين) - مِن أنّ الأرض لا تخلو عن إمام وحجة (1). وإنْ كان مرادهم به الإمام العام في الدين والدنيا معًا.
حاجة الإسلام للإمامة
بل من الظاهر أن دين الإسلام أولى بالرعاية والحماية من تلك الأديان، لأنه خاتم الأديان، ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، فلا ينتظر بعده نبي جديد، ولا وحي من الله يوضحه على حقيقته، وينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
فلابد أن يستكمل بتشريعاته مقومات حفظه وبقائه وقيام الحجة به، نقيّاً من الشوائب، وفي مأمن من التحريف والتشويه، بنحوٍ يجنب الأمة الخلاف والشقاق.
مناظرة هشام بن الحكم بمَحْضَر الإمام الصادق (عليه السلام)
وقد جرى على ذلك هشام بن الحكم في مناظرته مع الشامي بمحضر الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) التي رواها ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تذكرة الحفاظ 1: 11 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، واللفظ له / حلية الأولياء 1: 80 في ترجمة علي بن أبي طالب / تهذيب الكمال 24: 221 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك / كنز العمال 10: 263ـ264 حديث: 29390 / المناقب للخوارزمي: 366 / ينابيع المودة 1: 89، 3: 454 / تاريخ دمشق 14: 18 في ترجمة الحسين بن أحمد بن سلمة، ج50: 254 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك / وأخرج بعضه في صفوة الصفوة 1: 331 في ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ذكر جمل من مناقبه (رضي الله عنه).
وأما مصادر الشيعة فقد رويت في نهج البلاغة 4: 37ـ38 / والمحاسن 1: 38 / وبصائر الدرجات: 57 / والإمامة والتبصرة: 26 / والكافي 1: 178، 179 / والخصال للصدوق: 479 / وكمال الدين وتمام النعمة: 222، 319، 409، 445، 511 / وكفاية الأثر: 164، 296. وغيرها من المصادر الكثيرة.

-[ 238 ]-
حديث طويل، وفيه: "فقال [يعني: الإمام الصادق (عليه السلام) ] للشامي: كلِّم هذا الغلام - يعني: هشام بن الحكم - فقال: نعم.
فقال لهشام: يا غلام سَلْنِي في إمامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد، ثم قال للشامي:
يا هذا أَرَبُّك أَنْظَرُ لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟
فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.
قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟
قال: أقام لهم حجة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم، ويخبرهم بفرض ربهم.
قال: فمَن هو؟
قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال هشام: فبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قال: الكتاب والسنّة.
قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنّة في رفع الاختلاف عنّا؟
قال الشامي: نعم.
قال: فلِمَ اختلفنا أنا وأنت، وصرْتَ إلينا مِن الشام في مخالفتنا إيّاك؟
قال: فسكت الشامي.
فقال أبو عبد الله للشامي: ما لكَ لا تتكلم؟
قال الشامي: إنْ قلتُ: لم نختلف، كذبتُ، وإنْ قلتُ: إنّ الكتاب والسنّة يرفعان الخلاف عنّا أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، وإنْ قلتُ: قد اختلفنا، وكلّ واحد منّا يدعي الحق، فلم ينفعنا إذاً الكتاب والسنّة.
إلا أنّ لي عليه هذه الحجة.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : سَلْه تجِدْه مَليًّا.
فقال الشامي: يا هذا مَن أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام:

-[ 239 ]-
ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم.
فقال الشامي: فهل أقام لهم مَن يجمع كلمتهم ويقيم أودهم، ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟
قال هشام: في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الساعة؟
قال الشامي: في وقت رسولِ الله رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والساعة مَن؟
قال هشام: هذا القاعد الذي تُشَدّ إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء [والأرض] وِرَاثَةً عن أبٍ عن جَدٍّ.
قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟
قال هشام: سله عما بدا لك.
قال الشامي: قطعت عذري فعليّ السؤال..." (1).
ويأتي في صحيح منصور بن حازم وحديث ابن أذينة ما يناسب ذلك.
دعوى: أنّ المَرْجِعية لا تكفي في رفْع الاختلاف
هذا وقد يقال: من المعلوم من واقع الدين الإسلامي وغيره من الأديان السماوية أنها لم تكن بمعزل عن الخلاف وما ينتج عنهما من ضياع معالم الدين وتعرضه للتحريف والتشويه،حيث يكشف ذلك عن أن وجود المرجع في الدين المنصوص عليه - لو تم - لا يكفي في تحقق الغرض المذكور.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 172 كتاب الحجة باب الاضطرار إلى الحجة حديث: 4.

-[ 240 ]-
دَفْع الدعوى المذكورة
لكنه يندفع بأن الخلاف والشقاق مع وجود المرجع المنصوص عليه لا يكون مُسَبَّباً عن نقص في الدين وقصور في تشريعاته، بل عن تقصير الناس أنفسهم بعد قيام الحجة عليهم في عدم الرجوع للمرجع المذكور، والقيام بالوظيفة التي يعينها لهم، ولا يجب على الله سبحانه وتعالى أن يمنعهم من ذلك، ويجبرهم أو يوفقهم للعمل بالوظيفة التي عيَّنها لهم.
نظير ما هو المعلوم من أنه لا يجب على الله تعالى أن يجبرهم أو يوفقهم للطاعة، بل له أنْ يَكِلَهم في ذلك إلى أنفسهم بعد أن يقيم الحجة عليهم، كما قال عزّ وجل: ((إنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِراً وَإمَّا كَفُورا)) (1).
وهذا بخلاف ما إذا كان الخلاف والشقاق نتيجة عدم جعل الله عزّوجلّ المرجع في الدين، وتركه عرْضةً للتحريف والخطأ، فإنه مستلزم لنقص الدين، وقصوره تشريعاً عن قيام الحجة الحافظة له، وهو ما ينزه عنه تعالى.
بل هو خلاف قوله تعالى: ((اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلاَمَ دِينا)) (2).
وقوله سبحانه: ((وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوماً بَعدَ إذ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ)) (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإنسان آية: 3.
(2) سورة المائدة آية: 3.
(3) سورة التوبة آية: 115.

-[ 241 ]-
دعوى: أنّ المرجعية لا تتناسب مع الغَيْبَة
ومثل ذلك ما قد يقال: إن ذلك لا يتناسب مع ما عليه الإمامية من غيبة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)، لظهور أن الغرض من نصب الإمام إذا كان هو منع الخلاف في الدين، وحفظه من الخطأ والتحريف، فهو لا يتأتى إلا بظهور الإمام وإمكان الوصول إليه لرفع الخلاف وبيان الحق في مورد الجهل، أما مع غيبته فلا يتأتى الغرض المذكور، بل وجوده من هذه الجهة كعدمه.
دَفْع الدعوى المذكورة
فإنه يندفع: بأن غيبة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) لم تؤخذ في إمامته، بل شُرعت إمامته (عليه السلام) ليظهر ويؤدي وظيفته في بيان الدين ورفع الخلاف فيه على أكمل وجه، وإنما اضطر (عليه السلام) للغيبة بسبب التداعيات والمضاعفات التي جرّ إليها تقصير الناس في القيام بوظيفتهم إزاء الإمامة التي شرعها الله تعالى من أجل الغرض المذكور.
فغيبته (صلوات الله عليه) في ذلك نظير تَقِيَّة آبائه (صلوات الله عليهم) من الظالمين، أو سجن بعضهم، بحيث تعذر عليهم أداء وظيفتهم كاملاً في حفظ الدين من الضياع والخلاف. ولا محذور في ذلك كله بعد أن لم يكن ناشئاً من قصور في التشريع، بل من تقصير الناس أنفسهم ومنعهم من تطبيقه على واقع المسلمين.
وقد أفضنا الكلام في ذلك في جواب السؤال الخامس من الجزء

-[ 242 ]-
الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة). فراجع.
والحاصل: أنه لا مخرج عما ذكرنا من أن الغرض من النبوة لَمَّا كان هو تعريف الناس بالدين في جميع العصور، وحفظه من الضياع والتحريف والخلاف، فلابد مِن نَصْب الإمام في الدين والمرجع فيه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع العصور، ليتولى ذلك ويقوم به.

-[ 243 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-Mar-2013 الساعة : 06:37 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 243 ]-
المبحث الثاني
في تَوَقُّف الإمامة الدينية
على النَّصِّ
حيث سبق لزوم جعل الإمامة في الدين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن الظاهر أن الإمامة المذكورة تتوقف على معرفة الدين كاملاً، والإحاطة بجميع خصوصياته وأحكامه، وضوابطه وملاكاته، مع الكفاءة، والأمانة التامة في التبليغ به وبيانه.
ومن المعلوم أن عموم الناس لا يتيسر لهم معرفة الشخص الذي يتحلى بذلك بأنفسهم، بل لابد فيه من النص عليه من الله عز وجل الخالق للناس والمطلع على سرائرهم ومآيل أمورهم، والقادر على أن يمكّن من يشاء من مفاتيح علمه، ويعرفه بدينه الحق، بشمولية كاملة بعيداً عن الزيغ والخلل والتحريف والتشويه.
ولعله لذا اضطر الجمهور، وجميع الذين سدّوا على أنفسهم باب النص، إلى إلغاء هذا المنصب العظيم في دين الإسلام القويم، واكتفوا بما يؤدي إليه اجتهاد المجتهدين من دون ضوابط ثابتة، وقد أدى ذلك إلى اضطراب الأمر عليهم، بين الإفراط والتفريط، حتى اضطروا من مدة

-[ 244 ]-
طويلة إلى سدّ باب الاجتهاد، وإن لم يعجب ذلك بعضهم، ففتحه على مصراعيه بتخبط مريع قد يصل حد المأساة، كما نشاهده هذه الأيام، وسبق نظيره في صدر الإسلام.
وعلى كل حال، لا إشكال عند الكل في توقف الإمامة الدينية - التي سبق توضيح معالمها - على النص من الله عزوجل.
بل مقتضى ما سبق - مِن لزوم وضوح الحجة على مواقع الخلاف المفرّقة للأمّة - كون النص المذكور واضحاً جليّاً غير قابل للتأويل والتشكيك، ليكون حجة في تعيين شخص الإمام، ورافعاً للخلاف فيه، ومانعاً من أطماع الطامعين في ادعاء هذا المنصب العظيم والمقام الرفيع، لسدّ باب الخلاف والشقاق في الأمة.

-[ 245 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 23-Mar-2013 الساعة : 03:24 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 245 ]-
المبحث الثالث
في إثبات النص على إمامة
أهل البيت (عليهم السلام) في الدين

بعد أن ثبت فيما سبق ضرورة الإمامة في الدين، وأن الإمامة المذكورة لابد فيها من النص من الله عز وجل، يقع الكلام هنا في إثبات ورود النص بها على أهل البيت (صلوات الله عليهم).
ولنا في ذلك طريقان:

انْحِصَار دَعْوَى النص بأهل البيت (عليهم السلام)

الطريق الأول: الانحصار
لظهور أنه لم يَدَّعِ النَّصَّ المذكور ولم يُدعَ لأحد غير أهل البيت (صلوات الله عليهم). وذلك وحْدَه كافٍ في تعيُّنهم لهذا المنصب، إذ لو كان غيْرُهم مُتَحَلِّياً به لوجب عليه ادِّعاؤه لنفسه، ومحاولة إثباته. فعدمُ قيام أحد بذلك شاهِدٌ بعدم إمامته، وبصدق دعوى ثبوته لهم (صلوات الله عليهم). ولاسيما مع ما عرف عنهم من توارثهم علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وببيان آخر نقول: أجمع المسلمون على عدم ثبوت هذا المنصب لغير
-[ 246 ]-
أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وهم في ذلك فريقان:
الأول: مَن يدَّعي عدمَ جعْل هذا المنصب في الإسلام(أبدًا).
الثاني: مَن يدعي جعل هذا المنصب في الإسلام لأهل البيت (عليهم السلام).
فمع العلم بخطأ الفريق الأول - لِمَا سبق مِن وجوب جعله، ونقص الدين بدونه - يتعيَّن صوابُ الفريق الثاني، لئلا يلزم اجتماع الأمة على الخطأ والضلال، الذي أجمع المسلمون ويأتي من النصوص ما يشهد بامتناعه.
بل بعد العلم بثبوت هذا المنصب وتشريعه في الدين يكفي في ثبوته لأهل البيت (صلوات الله عليهم) العلم بعدم ثبوته لغيرهم، كما هو ظاهر.

حديث الإمام زين العابدين (عليه السلام)

وقد روى ابن حجر الهيتمي عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) أنه قال: "ذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن، فتأولوا بآرائهم واتهموا مأثور الخبر... فإلى مَن يَفْزَع [إلى. كذا] خلف هذه الأمة وقد درست أعلام هذه الملّة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضًا، والله تعالى يقول: (( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)).
فمَن الموثوق به على إبلاغ الحجة، وتأويل الحكم إلى [إلا.ظ] أهل الكتاب، وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يَدَع الخلقَ سُدى مِن غير حجة؟! هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا
-[ 247 ]-
مِن فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، وبرَّأهم مِن الآفات، وافترض مودَّتهم في الكتاب؟!" (1 )

احتجاج منصور بن حازم

وعلى هذا تقريباً جرى منصور بن حازم فيما روي عنه في الصحيح، قال:
"قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إن الله أجلّ وأكرم مِن أن يُعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله.
قال: صدقت.
قلت: إنّ مَن عَرَف أنّ له ربّاً فينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطًا، وأنه لا يُعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمَن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل، فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة، وأن لهم الطاعة المفترضة.
وقلت للناس: تعلمون [أليس تزعمون.خ.ل] أنّ رسول الله كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى.
قلت: فحين مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن كان الحجة على خلقه؟
قالوا: القرآن. فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجة إلا بِقَيِّمٍ، فما قال فيه من شيء كان حقًّا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الصواعق المحرقة 2: 444، الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي، الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم، الآية الخامسة ((واعتصموا بحبل الله جميعًا)) واللفظ له / ينابع المودة 2: 368.
-[ 248 ]-
فقلت لهم: مَن قَيِّمُ القرآن؟
فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم، وعمر يعلم، وحذيفة يعلم.
قلت: كلّه؟
قالوا: لا.
فلم أجد أحداً يقال: إنه يعرف ذلك كلّه إلا عليّاً (عليه السلام)، وإذا كان الشيء بين القوم، فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أنّ عليّاً (عليه السلام) كان قيّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ ما قال في القرآن فهو حقّ.
فقال: رحمك الله" (1).

احتجاج ابن أذينة

وقريب منه ما عن عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذينة قال: "دخلت يوماً على [محمد بن.ظ] عبد الرحمن بن أبي ليلى [بالكوفة] وهو قاض. فقلت: أردتُ - أصلحك الله - أن أسألك عن مسائل... فقال: سَل يا ابن أخي.
فقلت: أخبرني عنكم - معاشرَ القضاة - تَرِد عليكم القضية في المال والفرج والدم، فتقضي فيها أنت برأيك، ثم ترد تلك القضية على قاضي مكة، فيقضي فيها بخلاف قضيتك، وترد على قاضي البصرة وقاضي اليمن وقاضي المدينة، فيقضون بخلاف ذلك. ثم تجتمعون عند خليفتكم الذي استقضاكم، فيصوِّب رأيَ كلِّ واحد منكم [وإلهُكم واحد] ونبيُّكم واحد، ودينكم واحد. فأَمَرَكم الله باختلاف فأطعتموه، أم نهاكم عنه فعصيتموه،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 168، 169 باب الاضطرار إلى الحجة حديث: 2.
-[ 249 ]-
أم كنتم شركاء الله في حكمه، فلكم أن تقولوا، وعليه أن يرضى، أم أنزل ديناً ناقصاً فاستعان بكم في إتمامه، أم أنزله تامّاً فقصَّر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أدائه؟! ماذا تقولون؟!
فقال: مِن أين أنت؟
قلت: مِن أهل البصرة... فرحب بي وقربني، وقال: يا ابن أخي، لقد سألت فغلظت، وانهمكت فتعرضت [فتعوصت] وسأخبرك إن شاء الله.
أما قولك باختلاف القضايا فإنه [إذا] ما ورد علينا من أمر القضايا مما له في كتاب الله خبر أو في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصل، فليس لنا أن نعدوا الكتاب والسنّة. وأما ما ورد علينا مما ليس في كتاب الله ولا في سنّة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنا نأخذ فيه برأينا.
قلت: ما صنعت شيئًا، قال الله عز وجل: ((مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ)) (1)، وقال: ((تِبيَاناً لِكُلِّ شَيءٍ)) (2)، أرأيت لو أن رجلاً عمل بما أمره الله به، وانتهى عما نهاه الله عنه، أبقي عليه شيء يعذبه الله عليه إن لم يفعله، أو يثيبه عليه إن فعله؟!
قال: وكيف يثيبه على ما لم يأمره به أو يعاقبه على ما لم ينهه عنه
قلت: وكيف يرد عليك من الأحكام ما ليس له في كتاب الله أثر، ولا في سنّة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خبر؟!
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية:38.
(2) سورة النحل آية:89.
-[ 250 ]-
قال: أخبرك يا ابن أخي. حدثنا بعض أصحابنا يرفع الحديث إلى عمر ابن الخطاب أنه قال: قضى قضية بين رجلين، فقال له أدنى القوم إليه مجلساً: أصبت يا أمير المؤمنين. فعلاه عمر بالدرة، وقال: ثكلتك أمك. والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ. إنما هو رأي اجتهدته. فلا تزكونا في وجوهنا.
قلت: أفلا أحدّثك حديثاً؟
قال: وما هو؟
قلت: أخبرني أبي عن أبي القاسم العبدي عن أبان عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: القضاء ثلاثة: هالكان وناجٍ. فأما الهالكان فجائِرٌ جارَ متعمدًا، ومجتهد أخطأ. والناجي مَن عمل بما أمره الله به.
فهذا نقض حديثك يا عم.
قال: أجل والله يا ابن أخي.
قال: فتقول أنت: إن كل شيء في كتاب الله؟
قلت: الله قال ذلك. وما من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي إلا هو في كتاب الله عز وجل، عرف ذلك مَن عرفه، وجهله مَن جهله...
قال: فعند مَن يوجد علم ذلك؟
قلت: عند مَن عرفت.
قال: وددتُ أني أعرفه فأغسل قدميه، وأخدمه وأتعلم منه.
قلت: أناشدك هل تعلم أنّ رجلاً كان إذا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاه، وإذا سكت عنه ابتدأه؟
قال: نعم، ذاك علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قلت: فهل علمت أن عليّاً (عليه السلام) سأل أحداً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حلال أو حرام؟ قال: لا.
قلت: فهل علمت أنهم كانوا يحتاجون إليه، ويأخذون عنه؟
قال: نعم.
-[ 251 ]-
قلت: فذلك عنده.
قال: فقد مضى، فأين لنا به؟
قلت: تسأل في ولده، فإنّ ذلك العلم فيهم وعندهم.
قال: وكيف لي بهم؟
قلت: أرأيت قوماً كانوا في مفازة من الأرض، ومعهم أدلاء، فوثبوا عليهم، فقتلوا بعضهم وأخافوا بعضهم، فهرب واستتر مَن بقي منهم لخوفه، فلم يجدوا مَن يدلّهم، فتاهوا في تلك المفازة حتى هلكوا: ما تقول فيهم؟
قال: إلى النار. واصفر وجهه، وكانت في يده سفرجلة، فضرب بها الأرض فتهشمت. وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون" (1).
ولأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ولشيعتهم - أعلى الله تعالى شأنهم - الكثير من هذه الاحتجاجات ونحوها مما يتعلق بأمر العقيدة الحقة لا يسع المقام فعلاً استقصاءها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مستدرك الوسائل 17 باب:4 من أبواب صفات القاضي حديث:13 / دعائم الإسلام 1: 92، 93.
-[ 252 ]-

النصوص الواردة في مرجعية أهل البيت (عليهم السلام)

الطريق الثاني: ما ورد في مرجعية أهل البيت (صلوات الله عليهم) للأمة من النصوص الكريمة في كتاب الله المجيد، وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا يخفى أنها - لو تمّت - تكفي في إثبات إمامتهم (عليهم السلام) في الدين بغض النظر عما سبق في المبحث الأول من لزوم جعل الإمامة الدينية.
وهذه النصوص بين ما ورد في حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) عموماً من دون تعيين أشخاصهم، وما ورد في حق واحد وآحاد منهم بأسمائهم أو خصائصهم، ولاسيما أمير المؤمنين الذي هو سيدهم، وأولهم، ومنه تبدأ وجهة المتوجهين لهم، والذي لا ريب في أنها لو بدأت به لم تخرج عنهم.

حديث الثقلين

1 ـ فمِن ذلك حديث الثقلين المشهور..
ففي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "إني أوشك أنْ أُدْعَى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما" (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مسند أحمد 3: 17 في مسند أبي سعيد الخدري، واللفظ له / الطبقات الكبرى 2: 194 في ذكر ما قرب لرسول الله من أجله، مسند أبي يعلى 2: 297 مسند أبي سعيد الخدري / مسند ابن الجعد 1: 397.
-[ 253 ]-
وفي حديث جابر: "رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي" (1).
وفي حديث زيد بن أرقم وأبي سعيد: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي. ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما" (2).
ونحوها غيرها مما يتضمن ذلك بألْسِنَة متقاربة وطرق كثيرة تزيد على التواتر، وزِيدَ في بعضها:
"فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم" (3).
وهو صريح في المدعى، لأن عاصميتهم (عليهم السلام) من الضلال وعدم مفارقتهم للكتاب المجيد لا يكونان إلا لمعرفتهم بالدين وبالكتاب معرفة كاملة، وعصمتهم عن الخطأ فيهما. وهما المعيار في مرجعيتهم فيهما.
والكلام في هذا الحديث الشريف سنداً ومتناً طويل جدًّا، كما يظهر بالرجوع للمطولات. وفيما ذكرناه كفاية. بل وضوحه يغني عن إطالة الكلام فيه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سنن الترمذي 5: 662 كتاب المناقب: باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) واللفظ له / المعجم الكبير 3: 66 في بقية أخبار الحسن بن علي (رضي الله عنهم).
(2) سنن الترمذي 5: 663 كتاب المناقب: باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) واللفظ له / تفسير ابن كثير 4: 114.
(3) المعجم الكبير 5: 166 فيما رواه أبو الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن أرقم / ومجمع الزوائد 9: 164 كتاب المناقب باب فضل أهل البيت.
-[ 254 ]-

حديث: "كتاب الله وسنة نبيه"

ولذا نرى كثيراً من الجمهور يتجاهل هذا الحديث، ويحاول صرف الأنظار عنه بالتركيز على حديث: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنّة نبيّه" (1).
لكن هذا الحديث لا يُقاس بحديث الثقلين سَنَدًا، مع أنه لا تنافي بينهما، لأنهم (صلوات الله عليهم) حملة السنّة وحفاظها، وهم أصدق رواتها، فالإرجاع إليها لا ينافي الإرجاع إليهم، بل مقتضى الجمع بين الحديثين أنه في مورد الشك والخلاف تؤخذ السنة الصحيحة منهم (عليهم السلام). وتمام الكلام في المطولات.

حديث السفينة

2 ـ ومنه حديث السفينة، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلف عنها غرق" (2).
لوضوح الكناية بذلك عن أن النجاة بلزومهم والاهتداء بهديهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الموطأ 2: 208.
(2) المستدرك على الصحيحين 2: 373 كتاب التفسير: تفسير سورة هود، واللفظ له، 3: 163 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) / مجمع الزوائد 9: 168 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم) / مسند البزار 9: 343 فيما روى سعيد بن المسيب عن أبي ذر / المعجم الأوسط 4: 10، 5: 355، 6: 85 / المعجم الصغير 1: 240، 2: 84 / المعجم الكبير 3: 45، 46 في بقية أخبار الحسن ابن علي (رضي الله عنهم) 12: 34 فيما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس / مسند الشهاب 2: 273، 274 الباب الحادي عشر: الجزء العاشر / فيض القدير 2: 519 / حلية الأولياء 4: 306 في ترجمة سعيد بن جبير / تاريخ بغداد 7: 336 في ترجمة الحسن بن أبي طيبة القاضي المصري، 12: 91 في ترجمة علي بن محمد بن شداد / فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 785. وغيرها من المصادر.
-[ 255 ]-
والهلاك بمخالفتهم، وذلك لا يكون إلا لكمال معرفتهم بالدين وأمانتهم في بيانه، وعدم خطئهم فيه.
ويبدو أن مضمون هذا الحديث قد اشتهر بين المسلمين في العصور الأولى، حتى نظمت به الأشعار، على ما تضمنته المطولات.

حديث: "أهل بيتي أمان لأمتي"

3 ـ وكذا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف" (1).
فإنّ الأمان بهم من الاختلاف لا يكون إلا لمرجعيتهم في الدين، وعلمهم به على حقيقته وأمانتهم في بيانه، كي لا يحق لأحد أن يخالفهم ويخرج عما بيّنوه.

حديث: "في كلِّ خَلَفٍ مِن أمّتي عُدُول"

4 ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإنّ أئمتكم وَفْدُكم إلى الله تعالى، فانظروا مَن تُوفدُون" (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 162 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، واللفظ له / مجمع الزوائد 9: 174 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم) / مسند الروياني 2: 253 فيما رواه أياس بن سلمة عن أبيه / المعجم الكبير 7: 22 فيما رواه أبو مريم عبدالغفار بن القاسم عن إياس بن سلمة / موضح أوهام الجمع والتفريق 2: 463 / نوادر الأصول في أحاديث الرسول 3: 61 الأصل الثاني والعشرون والمائتان / الفردوس بمأثور الخطاب 4: 311 / المجروحين 2: 236 في ترجمة موسى ابن عبيدة بن نسطاس الربذي / كشف الخفاء 2: 177، 435 / فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 671. وغيرها من المصادر.
(2) ينابيع المودة 2: 114، واللفظ له، ص: 366، 439 / الصواعق المحرقة 2: 441، 442، 676 / جواهر العقدين في فضل الشرفين: القسم الثاني 1: 91 الرابع ذكر حثه (صلى الله عليه وسلم) الأمة على التمسك بعده بكتاب ربهم وأهل بيت نبيهم وأن يخلفوه فيهما بخير / ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 17 ذكر إخباره أنهم سيلقون بعده أثرة والحث على نصرتهم وموالاتهم.
-[ 256 ]-
ومن الظاهر أنه إذا كانت وظيفتهم (عليهم السلام) تصحيح تعاليم الدين من الشوائب التي تلحق به - نتيجة التحريف المتعمد، والخطأ غير المتعمد - فلابد من كونهم محيطين بالدين على حقيقته، ومرجعاً للأمة فيه.

أحاديث مختلفة تنفع في المطلوب

5 ـ وحديث أبي ذر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "أَنْزِلُوا آلَ محمد صلى الله عليه وآله بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين" (1).
وهو صريح في انحصار هداية الأمة بهم.
6ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إنّ الله جعل عليّاً وزوجته وابنيه [وأبناء.خ.ل] حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي، مَن اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم" (2).
7ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "مَن أحبّ أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي قضباناً من قضبانها غرسها بيده - وهي جنّة الخلد - فلْيَتَوَلَّ عليّاً وذرِّيَّتَه مِن بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 9: 172 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم) واللفظ له / المعجم الكبير 3: 46 في بقية أخبار الحسن بن علي (رضي الله عنهم) / ذكر أخبار أصبهان 1: 44 / ورواه الخوارزمي موقوفاً عن سلمان في مقتل الحسين 1: 111.
(2) شواهد التنزيل1: 76، حديث89
-[ 257 ]-
ولن يدخلوكم في باب ضلالة" (1).
فإن القطع عليهم (عليهم السلام) بأنهم لا يخرجون المسلمين من باب هدى ولا يدخلونهم في باب ضلالة لا يكون إلا لعلمهم (عليهم السلام) بالدين وأمانتهم على أدائه وبيانه. وبذلك يكونون مرجعاً للأمة فيه.

مجموعة من الأحاديث الواردة في أمير المؤمنين (عليه السلام) خاصّة

8 ـ ونظيره حديث زيد بن أرقم، إلا أن فيه: "فلْيَتَوَلَّ عليَّ بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم..." (2).
9ـ وكذا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : "أنت تبيِّن لأمتي ما اختلفوا فيه مِن بعدي" (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال 11: 611 حديث: 32960، واللفظ له / الإصابة 2: 587 في ترجمة زياد بن مطرف / تاريخ دمشق 42: 240 في ترجمة علي بن أبي طالب / المنتخب من ذيل المذيل للطبري: 83 / حلية الأولياء 1: 86، في ترجمة علي بن ابي طالب / وذكره باختصار في التدوين في أخبار قزوين 2: 485.
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 139 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له / مجمع الزوائد 9: 108 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب قوله (صلى الله عليه وسلم) من كنت مولاه فعلي مولاه / تاريخ دمشق 42: 242 في ترجمة علي بن أبي طالب / المعجم الكبير 5: 194 فيما رواه ثوير بن أبي فاختة عن زيد ابن أرقم / حلية الأولياء 1: 86 في ترجمة علي بن أبي طالب، 4: 174 في ذكر بقية أصحاب عبدالله بن مسعود، ص: 349ـ350 في ترجمة أبي اسحاق عمرو بن عبدالله السبيعي / لسان الميزان 2: 34 في ترجمة بشر بن مهران الخصاف / التدوين في أخبار قزوين 2: 485 / ميزان الاعتدال 2: 38 في ترجمة بشر بن مهران. وغيرها من المصادر.
(3) المستدرك على الصحيحين 3: 132 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" / تاريخ دمشق 42ص: 387 في ترجمة علي بن أبي طالب / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 332، ص: 364 / حلية الأولياء 1: 64 في ترجمة علي بن أبي طالب / ميزان الاعتدال 3: 449 في ترجمة ضرار بن صرد / الكشف الحثيث 1: 138 / المجروحين 1: 380 في ترجمة ضرار بن صرد. وغيرها من المصادر.
-[ 258 ]-
10ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ" (1).
ويناسبه ما تضمن أنه (عليه السلام) يعلم ظاهرَ القرآن وباطنَه (2). وأنه ما مِن آية إلا ويعلم فيما نزلت وأين نزلت وعلى مَن نزلت (3).
11ـ وكذا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "عليٌّ مع الحق والحق مع عليّ" (4).
12ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "رحم الله عليًّا اللهم أَدِر الحق معه حيث دار" (5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 9: 134 كتاب المناقب: باب الحق مع علي (رضي الله عنه) / المستدرك على الصحيحين 3: 134 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / المعجم الصغير 2: 28 / فيض القدير 4: 356 / المعجم الأوسط 5: 135 / الفردوس بمأثور الخطاب 3: 230 / تاريخ الخلفاء 2: 173 في ترجمة علي بن أبي طالب: فصل في الأحاديث الواردة في فضله / إجمال الإصابة: 55 / الجامع الصغير 2: 177 حديث: 5594 / كنز العمال 11: 603 حديث: 32912 في فضائل علي (رضي الله عنه) / ينابيع المودة 1: 124، 2: 96، 396، 403 / النصائح الكافية: 215 / المناقب للخوارزمي: 177. وغيرها من المصادر.
(2) تاريخ دمشق 42: 400 في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له / فيض القدير 3: 46 / حلية الأولياء 1: 65 في ترجمة علي بن أبي طالب / ينابيع المودة 1: 215، 3: 146.
(3) الطبقات الكبرى 2: 338 ذكر من كان يفتي بالمدينة ويقتدى به من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك وإلى من انتهى علمهم / حلية الأولياء 1: 67ـ68 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / أنساب الأشراف 2: 351 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) / تاريخ دمشق 42: 397، 398 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / شواهد التنزيل للحسكاني 1: 45 / المناقب للخوارزمي: 90 / نظم درر السمطين: 126 / كنز العمال 13: 128 رقم الحديث: 36404. وغيرها من المصادر.
(4) مجمع الزوائد 7: 235 كتاب الفتن: باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما / تاريخ بغداد 14: 320 في ترجمة يوسف بن محمد بن علي أبي يعقوب المؤدب / تاريخ دمشق 20: 361 في ترجمة سعد بن مالك بن أبي الوقاص، 42: 449 في ترجمة علي بن أبي طالب / الإمامة والسياسة 1: 68 التحام الحرب / ينابيع المودة 1: 173. وغيرها من المصادر. وقريب منه في مسند أبي يعلى 2: 318 من مسند أبي سعيد الخدري.
(5) سنن الترمذي 5: 633 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المعجم الأوسط 6: 95 / مسند البزار 3: 52 ومما روى أبو حيان التيمي واسمه يحيى بن سعيد بن حيان عن أبيه عن علي / فيض القدير 2: 236، 4: 19 / تذكرة الحفاظ 3: 844 في ترجمة ابن الأنباري / سير أعلام النبلاء 15: 279 في ترجمة ابن الأنباري / المستدرك على الصحيحين 3: 134 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / الكامل في ضعفاء الرجال 6: 445 في ترجمة مختار بن نافع / الضعفاء للعقيلي 4: 210 في ترجمة مختار بن نافع التمار / المجروحين 3: 10 في ترجمة مختار بن نافع التيمي / تهذيب الكمال 10: 402 في ترجمة سعيد بن حيان التيمي / العلل المتناهية 1: 255 / الرياض النضرة 1: 243 الباب الرابع فيما جاء مختصاً بالأربعة الخلفاء: ذكر وصفه (صلى الله عليه وسلم) لكل واحد منهم وثنائه عليه ودعائه له والحث على محبته ولعن مبغضه / مسند أبي يعلى 1: 418 مسند علي بن أبي طالب ولكن بدل (حيث دار) (كيف دار). وغيرها من المصادر.
-[ 259 ]-
13ـ ومثل ذلك ما تضمَّن أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وارِث علْم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، وعَيْبَته (2)، وخازنه (3)، ووعاؤه (4).
لوضوح أنّ مِن أهمّ علْم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشرفه علْم الدين.
14ـ ومثله ما تضمن أنه (عليه السلام) باب مدينة علْم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو دار علْمه (5)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 136 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / الآحاد والمثاني 5: 172 في ترجمة زيد بن أبي أوفى / المعجم الكبير 5: 221 فيما رواه زيد بن أبي أوفى / الرياض النضرة 1: 198 الباب الأول فيما جاء متضمنا ذكر العشرة وغيرهم: ذكر أحاديث تتضمن جملتها إخاءه (صلى الله عليه وسلم) بين العشرة وغيرهم من المهاجرين والأنصار وذكر اسمه على بعضهم / فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 638، 666 فضائل علي (عليه السلام) / تاريخ دمشق 21: 415 في ترجمة سلمان بن الإسلام، 42: 53 في ترجمة علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.
(2) تاريخ دمشق 42: 385 في ترجمة علي بن أبي طالب / فيض القدير 4: 356 / ميزان الاعتدال 3: 449 في ترجمة ضرار بن صرد / الكامل في ضعفاء الرجال 3: 101 في ترجمة ضرار بن صرد / التدوين في أخبار قزوين 1: 89 / العلل المتناهية 1: 226 / الجامع الصغير 2: 177 حديث: 5593 / ينابيع المودة 1: 159، 389، 390، ج2: 77، 96 / المناقب للخوارزمي: 87 / شرح نهج البلاغة 9: 165.
(3) شرح نهج البلاغة 9: 165.
(4) كفاية الطالب: 167ـ 168 باب: 37 في أن عليّاً (عليه السلام) قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
(5) المستدرك على الصحيحين 3: 137، 138 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / مجمع الزوائد 9: 114 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب في علمه (رضي الله عنه) / المعجم الكبير 11: 65 فيما رواه مجاهد عن ابن عباس / تذكرة الحفاظ 4: 1231 في ترجمة السمرقندي الحافظ الإمام الرحال أي محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن قاسم بن جعفر الكوخميثني / سير أعلام النبلاء 11: 447 في ترجمة أبي الصلت / تاريخ دمشق 42: 378، 379، 380، 382، 383 في ترجمة علي بن أبي طالب / تهذيب التهذيب 7: 296 في ترجمة علي بن أبي طالب، ص: 374 في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد / تهذيب الكمال 18: 77، 78، 79 في ترجمة عبدالسلام بن صالـح، 20: 485 في ترجمة علي بن أبي طالب / تاريخ جرجان: 65 في ترجمة أحمد بن سلمة بن عمرو الكوفي / تاريخ بغداد 7: 172 في ترجمة جعفر بن محمد أبي جعفر، ج11: 48، 49، 50 في ترجمة عبدالسلام بن صالـح بن سليمان / كشف الخفاء: 235 / الفردوس بمأثور الخطاب: 44 / فيض القدير 3: 46 / الجرح والتعديل 6: 99 في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد. وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 260 ]-
وباب مدينة حكمته أو دار حكمته (1).
15ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "عليٌّ باب علْمي ومبيِّنٌ لأمتي ما أرسلتُ به مِن بعدي" (2).
16ـ ومثله قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي، وأنزلت هذه الآية: ((وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)) فأنت أذن واعية لعلْمي" (3).
17ـ ومثل ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إن الله تعالى عهد إليّ عهداً في عليّ فقلت:
يا رب بيّنه لي.
فقال: اسمع.
فقلت: سمعت.
فقال: إنّ عليّاً راية الهدى،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سنن الترمذي 5: 637 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : في باب لم يعنونه بعد باب مناقب علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) / من حديث خيثمة: 200 / حلية الأولياء 1: 64 في ترجمة علي بن أبي طالب / فضائل الصحابة 2: 634 فضائل علي (عليه السلام) / تهذيب الأسماء: 319 / علل الترمذي للقاضي: 375 / فيض القدير 3: 46 / ميزان الاعتدال 5ص: 53 في ترجمة عثمان بن عبدالله الأموي، 6: 31 في ترجمة محفوظ بن بحر الأنطاكي، 6: 279 في ترجمة محمد بن عمر الرومي / المجروحين 2: 94 في ترجمة عمر ابن عبدالله الرومي / لسان الميزان 4: 144 في ترجمة عثمان بن عبدالله الأموي، 5: 19 في ترجمة محفوظ بن بحر الأنطاكي / الكامل في ضعفاء الرجال 5: 177 في ترجمة عثمان بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان / الكشف الحثيث: 214 في ترجمة محفوظ بن بحر الأنطاكي / تهذيب الكمال 21: 277 في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني / تاريخ بغداد 11: 203 في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمذاني / علل الدارقطني 3: 247 / سؤالات البرذعي: 519 / كشف الخفاء 1: 235.
(2) الفردوس بمأثور الخطاب 3: 65 واللفظ له / كشف الخفاء 1: 236 / كنز العمال 11: 614ـ615 رقم الحديث: 32981 / فتح الملك العلي: 47 / سبل الهدى والرشاد 11: 293 / ينابيع المودة 2: 240.
(3) حلية الأولياء 1: 67 في ترجمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) واللفظ له / شواهد التنزيل للحسكاني 2: 363 / الدر المنثور 6: 260 / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 329 / كنز العمال 13: 177 رقم الحديث: 36525 / فتح الملك العلي: 49.
-[ 261 ]-
وإمام أوليائي، ونور مَن أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين..." (1).
فإنه لا يكون راية هدى إلا وهو عالم بالدين بكماله، ومأمون على بيانه والإبلاغ به.
18ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبداً؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: هذا عليّ، فأحبوه بحبّي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبرائيل أمرني بالذي قلتُ لكم عن الله عزّ وجل" (2).
19ـ وكذا ما تضمن أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الفاروق، أو فاروق هذه الأمة، الذي يفرق بين الحق والباطل (3).
لوضوح أن ذلك لا يكون إلا بعد علمه (عليه السلام) بالحق والباطل كاملاً.
20ـ وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد رأى أمير المؤمنين مُقْبِلاً: "أنا وهذا حجّة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) حلية الأولياء 1: 67 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، واللفظ له / العلل المتناهية 1: 239 / تاريخ دمشق 42: 270، 291 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المناقب للخوارزمي: 303 / نظم درر السمطين: 114 / ينابيع المودة 1: 234 / ميزان الاعتدال 4: 27 في ترجمة عباد بن الجعفي / لسان الميزان 3: 229 في ترجمة عباد بن سعيد الجعفي. وغيرها من المصادر.
(2) مجمع الزوائد 9: 132 كتاب المناقب: باب منه جامع فيمن يحبه ويبغضه، واللفظ له / حلية الأولياء 1: 63 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / المعجم الكبير 3: 88 فيما رواه أبو ليلى عن الحسن بن علي (رضي الله عنه) / كنز العمال 11: 619 رقم الحديث: 33007، 13: 143 رقم الحديث: 36448 / شرح نهج البلاغة 9: 170 / جواهر المطالب لابن الدمشقي 1: 105. وغيرها من المصادر.
(3) مجمع الزوائد 9: 102 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب إسلامه (رضي الله عنه) / الاستيعاب 4: 1744 في ترجمة أبي ليلى الغفاري / الإصابة 7: 354 في ترجمة أبي ليلى الغفاري / المعجم الكبير 6: 269 فيما رواه أبو سخيلة كوفي عن سلمان (رضي الله عنه) / كنز العمال 11: 616 رقم الحديث: 32990 / تاريخ دمشق 42: 41 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / أسد الغابة 5: 287 في ترجمة أبي ليلى الغفاري / ينابيع المودة 1: 244. وغيرها من المصادر.
-[ 262 ]-
على أمتي يوم القيامة" (1)... إلى غير ذلك مما هو صريح في علم أمير المؤمنين وأهل بيته عموماً بالدين بكماله، بحيث يكونون مرجعاً للأمة فيه، وعليها أن تقبل منهم.

سعَة علْم أمير المؤمنين (عليه السلام)

ويناسب ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : "عَلَّمَنِي رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألفَ بابٍ مِن العلم، كلّ بابٍ يفتح ألف باب" (2).
وفي حديث بكير: "وحدثني من سمع أبا جعفر (عليه السلام) يحدث بهذا الحديث، ثم قال: ولم يخرج إلى الناس من تلك الأبواب غير باب أو اثنين. وأكثر علمي أنه قال: باب واحد".
وفي حديث أبي بصير: "قال أبو عبد الله (عليه السلام) : فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة" (3).
وما عن ابن عباس أنه قال: "كنا نتحدث أن النبي عهد إلى عليٍّ سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره" (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد 2: 88 في ترجمة محمد بن الأشعث بن أحمد، واللفظ له / تاريخ دمشق 42: 309 في ترجمة علي ابن أبي طالب / كنز العمال 11: 620 رقم الحديث: 33013 / سبل الهدى والرشاد 11: 292 / ينابيع المودة 2: 278 / ميزان الاعتدال 5: 96 في ترجمة عطاء بن ميمون، 6: 446 في ترجمة مطر بن ميمون المحاربي / الكامل في ضعفاء الرجال 6: 397 في ترجمة مطر بن ميمون المحاربي. وغيرها من المصادر.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (1) ص: 178.
(3) الخصال: 649 في (علَّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) ألف باب يفتح كل باب ألف باب).
(4) تاريخ دمشق 42: 391 في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له / السنة لابن أبي عاصم 2: 564 باب في ذكر خلافة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / مجمع الزوائد 9: 113 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب فيما أوصى به (رضي الله عنه) / المعجم الصغير 2: 161 / فيض القدير 4: 357 / تهذيب التهذيب 1: 173 في ترجمة أبي داود أربدة / تهذيب الكمال 2: 311 في ترجمة أربدة / ينابيع المودة 1: 233 / حلية الأولياء 1: 68 في ترجمة علي بن أبي طالب.
-[ 263 ]-
وما سبق من علمه (صلوات الله عليه) بظاهر القرآن وباطنه.
وما تضمن أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا له بالحفظ، وأنه هو المراد بقوله تعالى: ((وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)).
فإن تخصيصه بذلك ونحوه مناسب جدّاً لكونه حامِل علْم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومستودَع سرّه.
ولولا ذلك لما استطاع أن يقول (عليه السلام) : "سلوني قبل أن تفقدوني" (1). وروي نحو ذلك عن الإمامين أبي محمد الحسن السبط وأبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق (2) (عليهم السلام).

أمير المؤمنين (عليه السلام) أقضى الصحابة وأعلمهم

ومن ثم استفاضت النصوص، وورد في كلام جماعة من الصحابة، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أقضى الصحابة -أو الأمة- وأعلمهم. ولا يسعنا استيعاب ذلك، بل يوكل للمطولات.

اسْتِفاضة النصوص يُغْني عن النظر في أسانيدها

وإذا كان بعض هذه النصوص ونحوها قد روي بطريق الآحاد، فكثير منها قد استفاض نقله، وبعضها قد بلغ حدّ التواتر أو زاد عليه، كحديث الثقلين، على ما سبق.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تقدمت مصادره في هامش رقم (2) ص: 178.
(2) حلية الأولياء 2: 38 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / صفوة الصفوة 1: 761 / سير أعلام النبلاء 3: 273 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، 6: 257 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق / تذكرة الحفاظ 1: 166 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق / تاريخ دمشق 13: 282 / تهذيب الكمال 5: 79 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق / الكامل في ضعفاء الرجال 2: 132 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق.
-[ 264 ]-
على أنها بمجموعها قد بلغت مِن الكثرة حدّاً أوجب تواترها إجمالاً، بنحْوٍ يُعلم بصدور بعضها، ولاسيما أنّ كثيراً من طرقها قد أُودِع في كتب الجمهور، وهم ليسوا على خطّ أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ولا يدينون بإمامتهم، ولا يأخذون عنهم، ليتسنى للمجادل أن يدعي أنهم افتروها خدمةً لعقيدتهم ودعماً لخطهم.
هذا مضافاً إلى أمور:

آية التطهير

الأول: قوله تعالى: ((إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهل البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرا)) (1) فقد استفاض النقل من الخاصة والعامة (2) في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسّرها بالإمام أمير المؤمنين والصديقة فاطمة الزهراء
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية: 33.
(2) صحيح ابن حبان 15: 432 كتاب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم (رضي الله عنهم) : ذكر الخبر المصرح بأن هؤلاء الأربع الذي تقدم ذكرنا لهم أهل بيت المصطفى (صلى الله عليه وسلم) / السنن الكبرى للنسائي 5: 107 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وذكر صلاته قبل الناس وأنه أول من صلى من هذه الأمة / سنن الترمذي 5: 351 كتاب فضائل القرآن عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب ومن سورة الأحزاب، ص: 663 كتاب كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) / المستدرك على الصحيحين 2: 451 كتاب التفسير: تفسير سورة الأحزاب وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، 3 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : 158، 159 وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" / مسند أحمد 4: 107 في حديث واثلة بن الأسقع (رضي الله عنه)، 6: 292 في حديث أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) / معتصر المختصر 2: 266 كتاب جامع مما يتعلق بالموطأ: في أهل البيت / مجمع الزوائد 9: 167 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم) / مسند البزار 6: 210 فيما رواه إسماعيل بن عبدالله بن جعفر عن أبيه / المعجم الكبير 3: 53 بقية أخبار الحسن بن علي (رضي الله عنه)، 9: 25 فيما أسند عمر بن أبي سلمة، 22: 66 فيما أسند واثلة: مكحول الشامي عن واثلة / تفسير الطبري 22: 6، 7، 8 / تفسير ابن كثير 3: 485، 486. وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 265 ]-
والإمامين السبطين الشهيدين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليهم) وخصّهم بها.

الكلام في نزول الآية في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

ودعوى: أن مقتضى سياق الآية الشريفة دخول نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها، أو اختصاصهن بها، لأنها في ضمن الآيات التي تتحدث عنهن،مدفوعةٌ:
أولاً: بأن السياق لا يقتضي اختصاص الآية الشريفة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغايته نزولها فيهن، وهو - لو تمّ - إنما يقتضي دخولهن في جملة أهل البيت مِن دون أن ينافي عمومَها لهم (عليهم السلام)، وهو كافٍ في المطلوب.
على أنه لا مجال للبناء على عمومها لهن، لِمَا هو المعلوم مِن عدم القول بعصمتهن، بل لا ريب في صدور المعاصي مِن بعضهن، بل المعاصي الكبيرة، وإن ادُّعِيَ حصول التوبة منها.
وثانياً: بأنّ النصوص قد تضمنت نزول الآية الشريفة وحدها مجرَّدة عن الآيات التي هي في سياقها. والمهم هو مدلولها حين نزولها. ووضْعُها بعد ذلك في سياق الآيات المذكورة - لمصالح يعلمها الله تعالى - لا يُوجِب تَبَدُّل مدلولها.
وثالثاً: لأنّ السياق لا يصلح لرفع اليد عن النصوص الصريحة في اختصاص أهل البيت بمَن سبق ذكرهم (صلوات الله عليهم). وتمام
-[ 266 ]-
الكلام حول الآية الكريمة في المطولات، فقد كتب عنها كثيرًا.
والمهم فيما نحن فيه أنّ تطهيرهم (صلوات الله عليهم) مِن الرجس يمنع من صدور الحرام منهم، ومِن أهمّ ذلك(الممنوع) تحريفُ الدِّين والفتوى بغير ما أنزل الله تعالى. وذلك عبارة أخرى عن مطابقة أحكامهم لأحكام الله تعالى وعدم خروجها عنها. وبذلك تثبت إمامتهم في الدين ومرجعيتهم فيه.
ومثل ذلك جميع ما دلّ على عصمتهم، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يا عليّ مَن فارقني فقد فارق الله، ومَن فارقك يا عليُّ فقد فارقني" (1).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومَن عصى عليّاً فقد عصاني" (2).

أحاديث المنزلة

الثاني: أحاديث المنزلة، فقد استفاض عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تواتر أنه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 133 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه": 158 ذكر البيان الواضح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بقي من خواص أوليائه جماعة وهجرهم.. / مجمع الزوائد 9: 135 كتاب المناقب: باب الحق مع علي (رضي الله عنه) / مسند البزار 9: 455 فيما رواه معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر / معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي 3: 800 / المعجم الكبير 12: 423 فيما رواه مجاهد عن ابن عمر / فضائل الصحابة 2: 570 / فيض القدير 4: 357 / ميزان الاعتدال 3: 30 في ترجمة داود بن أبي عوف، ص: 75 في ترجمة رزين بن عقبة / تاريخ دمشق 42: 307 في ترجمة علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) : 131، واللفظ له، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه": 139 / معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي 1: 485 / الكامل في ضعفاء الرجال 4: 349 في ترجمة عبادة بن زياد / تاريخ دمشق 42: 307 في ترجمة علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.
-[ 267 ]-
صرَّح في مناسبات مختلفة بأنّ أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) منه بمَنْزلة هارون مِن موسى، إلا أنه ليس بنبيٍّ (1).
وقد قال الله عز وجل حكاية عن موسى: ((رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي... وَاجعَل لِي وَزِيراً مِن أهلِي هَارُونَ أخِي اشدُد بِهِ أزرِي وَأشرِكهُ فِي أمرِي... قَالَ قَد أُوتِيتَ سُؤلَكَ يَا مُوسَى)) (2).
فإذا كان هارون شريكَ موسى في أمْرِه - بمقتضى هذه الآيات - كان أمير المؤمنين (عليه السلام) شريكاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما عدا النبوة مِن أمْره بمقتضى هذه الأحاديث.
وبذلك يكون (عليه السلام) شريكاً له (صلى الله عليه وآله وسلم) في علْمه بالدين، وفي وظيفته في التبليغ به، كما صرحت بذلك نصوص كثيرة.
وعلى غِرَاره يجري قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "عليٌّ منِّي بمنزلتي مِن ربّي" (3)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري 4: 1602 كتاب المغازي: باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، واللفظ له، 3: 1359 كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب علي بن أبي طالب / صحيح مسلم 4: 1870، 1871 كتاب فضائل الصحابة (رضي الله عنهم) : باب فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / صحيح ابن حبان 15: 15 باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر نفي المصطفى (صلى الله عليه وسلم) كون النبوة بعده إلى قيام الساعة / المستدرك على الصحيحين 2: 367 كتاب التفسير: تفسير سورة التوبة، 3: 117 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : 143 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / الأحاديث المختارة 3: 207 فيما رواه عبدالرحمن بن سابط عن سعد (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) سورة طه آية: 25ـ36.
(3) الرياض النضرة 2: 6 / جواهر المطالب لابن الدمشقي 1: 59 / ذخائر العقبى 1: 64 في ذكر أنه من النبي (صلى الله عليه وسلم) بمنزلة النبي من الله عز وجل / الصواعق المحرقة 2: 517 الآية الرابعة عشرة قوله تعالى: ((قل لا أسألكم عليه أجرًا...)) : المقصد الخامس / السيرة الحلبية 3: 489.
-[ 268 ]-
لدلالته على أنه (عليه السلام) يبلِّغ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أُرْسل به، كما يبلِّغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله عزوجل ما أَرْسله به.
وبقية الكلام في حديث المنزلة موكول للمطولات.

ما تَضمَّن أنه (عليه السلام) وَصِيُّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

الثالث: ما استفاض عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في النصوص وفي كلام ما يزيد على عشرين من الصحابة - كما قيل - وجماعة من التابعين، وفي أشعارهم، مِن أنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وصيُّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، وفي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 188 كتاب معرفة الصحابة: ومن فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وذكر مولده ومقتله / مسند أبي يعلى 4: 344 أول مسند ابن عباس / مجمع الزوائد 9: 113، 114 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب فيما أوصى به (رضي الله عنه) / حلية الأولياء 2: 74 في ترجمة أسماء بنت عميس / المعجم الكبير 6: 221 فيما رواه أبو سعيد عن سلمان (رضي الله عنه) / الإصابة 5: 576 في ترجمة كدير / فضائل الصحابة 2: 615 ومن فضائل علي (رضي الله عنه) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبدالله / سير أعلام النبلاء 4: 113 بقية الطبقة الأولى من كبراء التابعين: في ترجمة ابن الحنفية، 8: 44، 46 في ترجمة السيد الحميري، 23: 338 في ترجمة ابن الآبار / تهذيب الكمال 26: 151 في ترجمة محمد بن علي بن أبي طالب القرشي / تهذيب التهذيب 3: 91 في ترجمة خالد بن عبيد العتكي / تاريخ دمشق 42: 392، 532 في ترجمة علي بن أبي طالب / تاريخ واسط: 154 في ترجمة معلى بن عبد الرحمن بن حكيم / تاريخ بغداد 11: 112 في ترجمة عبدالجبار بن أحمد بن عبيدالله السمسار، 13: 298 في ترجمة نصر بن أحمد أبي القسم البصري / الذرية الطاهرة: 74 / الفردوس بمأثور الخطاب 3: 336 / فتح الباري 8: 150 / ميزان الاعتدال 2: 418 في ترجمة خالد بن عبيد، 3: 375 في ترجمة شريك بن عبدالله، 5: 481 في ترجمة قيس بن ميناء، 7: 5 في ترجمة ناصح بن عبدالله الكوفي / لسان الميزان 2: 102 في ترجمة جرير بن عبدالحميد الكندي، 3: 387 في ترجمة عبدالجبار بن أحمد السمسار، 5: 139 في ترجمة محمد بن الحسين الأزدي / الكامل في ضعفاء الرجال 4: 14 في ترجمة شريك بن عبدالله بن الحارث بن شريك / المجروحين 1: 279 في ترجمة خالد بن عبيد العتكي / البداية والنهاية 13: 258 في أحداث سنة ثمان وستين وستمائة: في ترجمة القاضي محيي الدين ابن الزكي / تاريخ الطبري 2: 696 في أحداث سنة خمس وثلاثين: ذكر ما رثي به (أي عثمان) من الأشعار، 3: 319 في أحداث سنة إحدى وستين / الكامل في التاريخ 3: 419 في أحداث سنة إحدى وستين: ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه) : المعركة، 5: 152 أحداث سنة خمس وأربعين ومائة: ذكر ظهور محمد بن عبدالله بن الحسن / المنتظم 10: 128 في أحداث سنة أربع ومائتين / البدء والتاريخ 5: 225 ذكر صفين / وفيات الأعيان 5: 379 في ترجمة نصر الخبزأرزي / تاريخ اليعقوبي 2: 171 في أيام عثمان بن عفان، 2: 179 في خلافة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، ص: 228 في وفاة الحسن بن علي. وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 269 ]-
بعضها عموم ذلك للأئمة مِن ذريته (صلوات الله عليهم) (1).
ويظهر من مساق هذه النصوص أنّ المراد بذلك وصيّة النبوة، كسائر أوصياء الأنبياء.
وحينئذٍ يكون مقتضى ذلك أنْ يعهد إليه بدِينه وبأمّته، ويقوم (عليه السلام) مقامه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهما معًا.
وقد أطلنا الكلام في ذلك في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة). فراجع.

أدلة الإمامة في الدنيا تقتضي الإمامة في الدِّين

الرابع: الأدلة الآتية الدالة على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أمور الدنيا، فإنّ كثيراً منها تقتضي عموم إمامتهم لأمور الدين والدنيا، مثل ما تضمن خلافتهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإمامتهم، لظهور الخلافة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمامة بإطلاقهما في الخلافة والإمامة في الدين والدنيا معًا، كما هو الحال في إمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
بل هو المتعين في جميع أدلة الإمامة، بناءً على ما يأتي إن شاء الله تعالى مِن لزوم عصمة الإمام، لوضوح أن عصمة الإمام تتوقف على علْمه بالدين واستيعابه له.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودةج: 1: 95، ص: 390ـ391، 3: 291، 394 / المناقب للخوارزمي: 326 / حلية الأولياء 1: 86 في ترجمة علي بن أبي طالب / التدوين في أخبار قزوين 2: 485 / ميزان الاعتدال 2: 272 في ترجمة الحسن بن محمد بن محمد بن يحيى. وغيرها من المصادر.
-[ 270 ]-

عموم الكلام لأهل البيت جميعًا

وإذا كان كثير من هذه النصوص قد ورد في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة، فإن كثيراً منها قد ورد في حق أهل البيت (عليهم السلام) عمومًا، كما يظهر بالرجوع إليها.
مضافاً إلى أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) هو المتيقن من مجموع هذه النصوص، لاختصاص بعضها به، وعموم بعضها لأهل البيت (عليهم السلام)، وهو (عليه السلام) منهم. وإذا ثبتت إمامته ومرجعيته في الدين تَعَيَّن القبول منه في عموم المرجعية والإمامة في الدين لجميع أهل البيت (عليهم السلام).

ما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)

وقد اسْتَفَاض عنه ذلك..
1ـ قال (عليه السلام) : "إنّي وأَطَائِب أرومتي وأبرار عِتْرتي أحْلَم الناس صغارًا، وأعلم الناس كبارًا، بنا ينفي الله الكذب، وبنا يعقر أنياب الذئب الكَلِب، وبنا يفكّ الله عنوتكم، وينزع ربق أعناقكم، وبنا يفتح الله ويختم" (1).
وهناك خطبة له (عليه السلام) تشبهها أو عينها، وإن اختلفت في اللفظ عنها قليلاً، نقلها ابن أبي الحديد عن الجاحظ عن أبي عبيدة عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال 13: 130 حديث: 36413.
(2) شرح نهج البلاغة 1: 276 / جواهر المطالب لابن الدمشقي 1: 343 الباب التاسع والأربعون في خطبه (عليه السلام) ومواعظه / العقد الفريد 4: 69 فرش كتاب الخطب: خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضوان الله عليه) / ينابيع المودة 1: 80.
-[ 271 ]-
2ـ وقال (صلوات الله عليه) : "نحن الشعار والأصحاب والخَزَنَة والأبواب. ولا تؤتى البيوت إلا مِن أبوابها، فمَن أتاها مِن غير أبوابها سُمِّي سارقاً" (1).
3ـ وقال (عليه السلام) : "أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دُونَنا كذباً وبغْياً علينا، أنْ رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يُسْتعطى الهدى ويُسْتجلى العمى. إنّ الأئمة من قريش قد غُرِسُوا في هذا البطن مِن هاشم. لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة مِن غيرهم" (2).
4ـ وقال (صلوات الله عليه) : "انظروا أهلَ بيت نبيكم فالْزموا سمْتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يُخرجوكم مِن هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإنْ لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا" (3).
5ـ وفي خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها أهل البيت (عليهم السلام) : "هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حِكَم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام..." (4).
6ـ وقال (صلوات الله عليه) : "فأين يُتَاه بكم، بل كيف تعمهون؟!
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 2: 27.
(2) نهج البلاغة 2: 43.
(3) نهج البلاغة 1: 189.
(4) نهج البلاغة 2: 232.
-[ 272 ]-
وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمَّة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، ورِدُوهم ورود الهيم العطاش... ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر؟!..." (1).
وهو (عليه السلام) بذلك يشير إلى حديث الثقلين المتقدم.
7ـ وقال (عليه السلام) : "تالله لقد علمت تبليغ الرسالات وإتمام العدات وتمام الكلمات. وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر..." (2).
8ـ وقال (عليه السلام) في خطبة له يعني آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "موضع سرّه، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وجبال دينه... لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدًا. هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي. ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة. الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونُقِل إلى منتقله" (3).
9ـ وقال (صلوات الله عليه) : "ألا إنّ مثل آل محمد صلى الله عليه كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم" (4).
10ـ وقال (عليه السلام) في حديثه المشهور مع كميل بن زياد النخعي (رضوان الله تعالى عليه) : "اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لئلا تبطل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 1: 154.
(2) نهج البلاغة 1: 233.
(3) نهج البلاغة 1: 29ـ30.
(4) نهج البلاغة 2: 194.
-[ 273 ]-
حجج الله وبيناته. أولئك الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة الأمر. تلك أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى. أولئك خلفاء الله في بلاده، والدعاة إلى دينه" (1).
وكلامه هذا وإن لم يصرح فيه بأهل البيت (عليهم السلام)، إلا أنه كالصريح في مذهب الإمامية في أن الأرض لا تخلو من حجة، وأن الإمام يورث علمه لمن بعده، وحيث لا قائل بذلك إلا في أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) تعيّن انطباق كلامه (صلوات الله عليه) عليهم... إلى غير ذلك مما ورد عنه وعرف منه ومن أهل بيته ومن شيعتهم.
هذا ما وسعنا من الاستدلال على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الدين. ولا يسعنا استيفاء الكلام فيه، بل يوكل للمطولات وفيما ذكرناه كفاية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تذكرة الحفاظ 1: 11 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، واللفظ له / حلية الأولياء 1: 80 في ترجمة علي بن أبي طالب / تهذيب الكمال 24: 221 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك / نهج البلاغة 4: 37ـ38 / كنز العمال 10: 263ـ 264 حديث: 29390 / المناقب للخوارزمي: 366 / ينابيع المودة 1: 89، 3: 454 / تاريخ دمشق 14: 18 في ترجمة الحسين بن أحمد بن سلمة، 50: 254 في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك / وأخرج بعضه في صفوة الصفوة 1: 331 في ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر جمل من مناقبه (رضي الله عنه).
-[ 274 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 03-Apr-2013 الساعة : 05:21 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 274 ]-
المبحث الرابع
في تعيين أهل البيت (عليهم السلام)
من الظاهر أن أهل البيت (عليهم السلام) وإن انحصروا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به وبأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)، كما يشهد به تفسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لآية التطهير بهم، على ما سبق، إلا أنّ المراد بهم في أدلة الإمامة التي نحن بصددها ما يعمّ ذرِّيتهم، لأنّ هذه الأدلة لَمّا كانت بصدد حلّ مشكلة تحريف الدين ووقوع الاختلاف فيه ومنع محذور انشقاق الأمة، فذلك لا يكون إلا باستمرار المرجع فيه في جميع العصور مادام الناس مكلفين باعتناق دين الإسلام والعمل بأحكامه، كما يناسبه ما سبق في حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) مع كميل بن زياد.
بل هو صريح ما تقدم من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "في كلّ خَلَف من أمتي عُدُول..." وما في بعض طرق حديث الثقلين - الآتي عند الكلام في حديث الغدير - من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "فإنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض" (1)، وما تقدم من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : "إن الأئمة من قريش قد غرسوا في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الكبير 3: 180 في (حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري) فيما رواه (أبو الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد)، واللفظ له / مجمع الزوائد 9: 164ـ165 كتاب المناقب: باب في فضل أهل
البيت (رضي الله عنهم) / تاريخ دمشق 42: 219 في ترجمة علي بن أبي طالب.


-[ 275 ]-
هذا البطن من هاشم..."، وقوله (عليه السلام) : "ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم".
كما أنه المناسب لما في كثير من النصوص من أن الهداة هم ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ذرية أمير المؤمنين (عليه السلام)، لوضوح أن الذرية لا تختص بالعقب الأول.
على أنه يكفي في التعميم للذرية ما ورد عن أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهم)، إذ لَمّا كان مقتضى إمامة أهل البيت إمامتهم (عليهم السلام) لأنهم المتيقن منهم، تَعَيَّن قبول قولهم (عليهم السلام) في تعيين بقية الأئمة مِن أهل البيت(عليهم السلام).
كما أنه لا يفرق في ذلك بين ما رواه الجمهور عنهم وما رواه شيعتهم عنهم وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنه بعد ثبوت مرجعيتهم (عليهم السلام) يثبت أنّ الفرقة المحقة هم شيعتهم الذين يَدِينون بذلك، فيتعين تصديقهم فيما ينقلونه عنهم (عليهم السلام)، لأنهم أعرف بتعاليمهم، وأصدق عليهم ممّن أعرض عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يتدين بإمامتهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ويأتي مزيد توضيح لذلك عند الكلام في الإمامة في أمور الدنيا.
هذا وأما تعيين أشخاص الأئمة بالاثني عشر المعروفين (صلوات الله عليهم) فيكفي فيه ما يأتي مِن دليل تعيينهم للإمامة في شؤون الدنيا، لأنّ أدلة الإمامة ظاهرة في إرادة الإمامة في الدين والدنيا معًا، كإمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين هم خلفاؤه وأوصياؤه، على ما سبق. بل ذلك هو الصريح من كثير منها، كما يظهر عند التعرض لها إن شاء الله تعالى.


-[ 276 ]-
بركات إمامة أهل البيت (عليهم السلام)
تتميم:
بعد أن تم لنا الاستدلال على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الدين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن المناسب أن نتنبه لما جناه الإسلام من فوائد إمامتهم (عليهم السلام) وبركاته، حيث يكون ذلك مؤيداً للأدلة المتقدمة.
فإن من المعلوم أنهم (صلوات الله عليهم) قد عانوا كما عانى شيعتهم صنوف الاضطهاد والتنكيل، وجدّت السلطة في التعتيم على ثقافتهم وتعاليمهم، ومحاولة طمسها. كما أن شيعتهم بسبب ذلك قد تعرضوا للفتن والخلافات والمضايقات.
ومع كل ذلك قد حفظوا من تراثهم الكثير الطيب الذي يكشف عن وجه الإسلام الناصع، وتعاليمه الرفيعة في العقائد والأحكام والأخلاق، وتكامله في ذلك كله، ويجلي عظمة الله سبحانه وتعالى وكماله المطلق وجلاله، ويحفظ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدسيته وكرامته، كما يحفظ قدسية جميع الأنبياء والوسائط بين الله تعالى وعباده.
وأما التراث الإسلامي الآخر فهو مليء بالمفارقات والسلبيات التي تتناسب مع ثقافة الظالمين ومَن جرى على خطّهم ممّن لا يعرف الإسلام على حقيقته، أو يجعله ذريعة لتقوية سلطانه، ومبرراً لانحرافه وتحلّله، أو يكيد له ويجدّ في تشويهه حقداً وحنقًا.


-[ 277 ]-
وقد استغل ذلك الأعداء من المستشرقين وغيرهم لتشويه الإسلام ورموزه، والتهريج عليه وعليهم، كما يشهد بذلك الرجوع إلى مصادرهم التي اعتمدوها في كتاباتهم، وأحاديثهم ضد الإسلام، حيث نجد الكثير منها من التراث الإسلامي البعيد عن أهل البيت (عليهم السلام) والمخالف لخطّهم.
بل في عقيدتنا أن موقف أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الحفاظ على تعاليم الإسلام الحقة، واهتمامهم بتهذيبها من كل دخيل عليها، وجهود شيعتهم في حفظ تراثهم الأصيل، وفي الإنكار على الظالمين والمنحرفين، كل ذلك قد كبح جماح المحرفين، ومنعهم من الإغراق في مشروعهم الجهنمي في التحريف والتشويه لهذا الدين العظيم.
ولولا ذلك لأغرقوا في تحريف تعاليم الإسلام، وطمس معالمه، كما انطمست معالم الأديان الحقة السابقة نتيجة جهود الظالمين، ومَن سار في ركابهم من المضلين.
والحمد لله على هدايته لدينه، والتوفيق لما دعا إليه من سبيله، وله الشكر أبدًا.


-[ 279 ]-
الفصل الثاني
في الإمامة السياسية
وهي الإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المسلمين في شؤون الدنيا.
من الظاهر أن أول خلاف حصل بين المسلمين بعد ارتحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للرفيق الأعلى وأخطره هو الخلاف في الخلافة التي هي الإمامة بالمعنى المذكور بعده (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد تطور هذا الخلاف بعد ذلك حتى جرّ على المسلمين ما جرّ من مآس وفجائع. وللشيعة فيه مذهبهم المتقدم.
ولاستيفاء الحديث في ذلك ينبغي الكلام في مبحثين:



المبحث الأول
في ضرورة النَّصّ في الإمامة
وقع الكلام بين المسلين في أن الإمامة هل هي بالنّصّ الإلهي والاستحقاق، مع قطع النظر عن البيعة وتسنُّم السلطة، بل البيعة وتسنم السلطة متفرعتان على النص، فيجب على الناس مبايعة الإمام المنصوص عليه، وطاعته، وتسليم السلطة له، وإنْ عصوا لم تسقط إمامته، بل هم


-[ 280 ]-
يتحملون جريمة التقصير في حقه.
أو أنها تابعة للبيعة، فلا يكون الإمام إماماً حتى يبايع، أو يستولي على الحكم والسلطة بالقوة؟
وأَظْهَر فرقة تتبنى الاتجاه الأول هي فرقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية. بل الظاهر أنها الفرقة الوحيدة التي تتبنى ذلك حَرْفِيّاً في كلّ إمامٍ إمام.
كما أنّ أَظْهَر فرقة - قوةً وعدداً - تتبنى الاتجاه الثاني هو الجمهور والسواد الأعظم، حيث يبتني موقفهم على الاعتراف بالأمر الواقع وبشرعية كلّ ما حصل، وأنّ كلّ مَن استولى على السلطة إمامٌ وخليفة نافذ الحكم واجب الطاعة، بغض النظر عن كيفية استيلائه عليها. وتشتهر الآن باسم السّنّة.
وقبل الدخول في ذلك ينبغي التنبيه إلى أمر مهم:
وهو أن الاستدلال على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الدين ومرجعيتهم فيه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تمّ -كما سبق - وفق الضوابط المجمع عليها بين المسلمين، لإجماعهم على حُجِّيَّة الكتاب المجيد وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى رواية ما يقتضي مرجعية أهل البيت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنحو الكافي في الحجية عند الكل، بل بما يزيد على ذلك، ويبلغ الاستفاضة والتواتر الإجمالي أو التفصيلي، مع الاحتفاف بالقرائن والشواهد المناسبة لذلك، بنحو يُقْطَع به، كما يظهر مما سبق.


-[ 281 ]-
كفاية الاستدلال المبتني على مرجعيتهم في الدين
أما بعد أن ثبت ذلك فيكفي في منطقية الاستدلال في جميع موارد الخِلاف بين الأمة أن يكون تامّاً بناء على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومرجعيتهم في الدين، ولا مُلْزِم بعد ذلك بكون الأدلة التي يستدل بها بالنحْو المُلْزم لِمَن لا يعترف بمرجعيتهم أو لا يجري عليها عمليًّا، إذ بعد ثبوت إمامتهم ومرجعيتهم في الدين - بمقتضى الأدلة السابقة - تكون مرجعيتهم حقيقة ثابتة صالحة لأن تكون مقدمة يبتني عليها الاستدلال في موارد الخلاف الأخرى.
نعم إذا تيسّر الاستدلال بالوجه الصالح لإقناع الكل فهو أمر حسن استظهاراً في الحجة، واستكثاراً من الأدلة.
إذا عرفت هذا فالاستدلال على صحة الاتجاه الأول الذي تتبنّاه الإمامية - مِن أنّ الإمامة بالنص بغض النظر عن الإمام المنصوص عليه - وبطلان الاتجاه الآخر الذي تبنّاه الجمهور..
تارة: يبتني على سَرْد الأدلة المناسبة إجمالاً للأول دون الثاني، مِن دون نظر في التفاصيل.
وأخرى: يبتني على المقارنة بين الاتجاهين بنحو من التفصيل في التقييم والنقد.
ولنجعل لكلٍّ مِن الأمرين مطلباً يستقل به..


-[ 282 ]-
المطلب الأول
في الأدلة المناسبة لدعوى الإمامية إجمالاً
وهي مجموعة من الأدلة حقيقة بالتأمل تتناسب مع كون الإمامة بالنص، بغض النظر عن شخص الإمام المنصوص عليه.
أهمية الإمامة في الدين تناسب تبعيتها للنص الإلهي
الأول: أهمية منصب الإمامة في الدين، حتى أنه لا يمكن أو لا يجوز ترك الأمة من دون إمام، وأن من مات من دون إمام فميتته جاهلية، كما أنه يجب طاعة الإمام، والنصيحة له، ولا يجوز الخروج عليه، بل الخارج عليه باغ يجب على المسلمين قتاله، كل ذلك يناسب تميز الإمام من بين الأمة بالنص عليه من الله تعالى لمؤهلاته الخاصة التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، لأن ذلك هو الأنسب بشرعية حكمه، وأهميته في الدين، ووجوب طاعته، والأدعى للانصياع له والبخوع لحكمه.
ولاسيما مع ظهور بعض النصوص في رفعة شأن شخص الإمام، كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد الخيف: "ثلاث لا يغلّ عليهن قلب امرئ


-[ 283 ]-
مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم..." (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 403 واللفظ له / وبحار الأنوار 47: 365 / ورويت هذه الخطبة عند الجمهور مع اختلاف يسير في اللفظ في المستدرك على الصحيحين 1: 163 كتاب العلم / وصحيح ابن حبان 1: 270 باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها: ذكر رحمة الله جل وعلا من بلغ (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثاً صحيحاً عنه / والأحاديث المختارة 6: 308 فيما رواه عقبة بن وساج عن أنس / وسنن الترمذي 5: 34 كتاب العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع / وسنن الدارمي 1: 86 باب الاقتداء بالعلماء / ومجمع الزوائد 1: 137، 138، 139 كتاب العلم: باب في سماع الحديث وتبليغه / وسنن ابن ماجة 1: 84 باب من بلغ علماً / ومسند أحمد 4: 82 في أول مسند المدنيين / والمعجم الكبير 2: 126باب محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه / وجامع العلوم والحكم 1: 32. وغيرها من المصادر الكثيرة.
وقال في الكافي في (1: 403) : "محمد بن الحسن عن بعض أصحابنا عن علي بن الحكم عن الحكم بن مسكين عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: اذهب بنا إلى جعفر بن محمد. قال: فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد الخيف... قال: فنزل، فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس، حتى أثبته، فدعا به، ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد الخيف: "نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه...: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم..." فكتبه سفيان، ثم عرضه عليه، وركب أبو عبد الله (عليه السلام).
وجئت أنا وسفيان، فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث. فقلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبدًا. فقال: وأي شيء ذلك؟
فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين. مَن هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟! معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وكلّ مَن لا تجوز شهادته عندنا، ولا تجوز الصلاة خلفهم؟!
وقوله: واللزوم لجماعتهم. فأي الجماعة؟! مرجئ يقول: مَن لم يصلّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل؟! أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل، ويكون ما شاء إبليس؟! أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر؟! أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شيء غيرها؟! قال: ويحك وأي شيء يقولون؟ قلت: يقولون إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرقه، ثم قال: لا تخبر بها أحداً".


-[ 284 ]-
فإنّ المراد بالنصيحة هي الموالاة والإخلاص القلبي في مقابل الغلّ.
وأظهر من ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : "وإنما الأئمة قوّام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة إلا مَن عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا مَن أنكرهم وأنكروه" (1).
ومن الظاهر أن ذلك لا يتناسب إلا مع تميّز الإمام بمكانة عالية في الدين والكمال والخلق، ولا تتحقق بمجرد بيعة الناس، ولا بمجرد الاستيلاء على السلطة بالقوة، كما هو ظاهر. وقد كثر التعرض لذلك في كلام أهل البيت (صلوات الله عليهم).
وإذا لم يبلغ ذلك كله مرتبة الاستدلال على كون المعيار في الإمامة النص - بغض النظر عن شخص المنصوص عليه - فلا أقلّ مِن كونه مؤيداً له.
دليل عصمة الإمام
الثاني: ما يأتي في آخر هذا الفصل من الاستدلال على وجوب عصمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 2: 40، 41.


-[ 285 ]-
الإمام كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لوضوح أن الناس لا يتسنى لهم معرفة المعصوم بأنفسهم، بل لابد من أن يدل عليه الله تعالى، الذي هو العالم ببواطن الناس وعواقب أمورهم.
ما دَلّ على عدم خُلُوّ الأرض مِن إمام
الثالث: ما تظافر من الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه قال: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
أو: "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية".
أو: "من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية".
أو: "من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية".
أو: "من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية". أو نحو ذلك (1).
حيث يظهر منها المفروغية عن وجود الإمام في كل عصر وعدم خلوّ الزمان مِن إمامٍ تجب على الناس بيعته وطاعته، لشرعية إمامته، وهو ما أجمع عليه الشيعة، تبعاً للنصوص، على ما سبق في أول الكلام في الإمامة في الدين.
وهو يناسب ما عليه الإمامية من كون الإمامة بالنص من الله تعالى، إذ لو كانت تابعة لاختيار الناس لزم خلوّ الزمان عن الإمام لو تقاعس
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تقدمت مصادر هذه الأحاديث في هامش رقم (1 ـ 5) ص: 226.


-[ 286 ]-
الناس عن نصبه وبيعته، كما حدث في فترات من العصور السابقة، وفي عصورنا هذه بعد إلغاء الخلافة العثمانية عام (1342ه).
ما تضمَّن أنّ الأئمة اثنا عشر
الرابع: النصوص الكثيرة التي استفاضت(بل تواترت) عند الفريقين المتضمنة أن الأئمة أو الخلفاء اثنا عشر (1)، حيث لا يراد بهم الخلفاء الذين يتبناهم الجمهور لاستيلائهم على السلطة بالبيعة أو بالقوة، ولا الذين يتبناهم غيرهم ممّن لا يقول بالنص الإلهي، لعدم انحصارهم بهذا العدد.
وقد حاول جماعة من رجال الجمهور الخروج من هذا المأزق، وحمل هذه النصوص على خلاف ظاهرها، بل خلاف صريح بعضها وتأويلها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم 3: 1452 كتاب الإمارة: باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش / صحيح ابن حبان 15: 43 باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الخلفاء لا يكونون بعد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) إلا اثني عشر / المستدرك على الصحيحين 4: 546 كتاب الفتن والملاحم / مسند أبي عوانة 4: 373 مبتدأ كتاب الأمراء: بيان عدد الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذين ينصرون على من خالفهم ويعز الله بهم الدين وأنهم كلهم من قريش والدليل على إبطال قول الخوارج / مسند أحمد 1: 398 مسند عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، 5: 86، 87، 92 في حديث جابر بن سمرة (رضي الله عنه) / مسند أبي يعلى 8: 444، 9: 222 مسند عبدالله بن مسعود / المعجم الكبير 2: 199 فيما رواه عامر بن سعد بن أبي وقاص عن جابر بن سمرة: 253 فيما رواه الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة، 10: 157 ومن مسند عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) / المعجم الأوسط 4: 155، 6: 268 / الفتن لنعيم بن حماد 1: 95 في عدة ما يذكر من الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذه الأمة / مسند ابن الجعد: 390 / البداية والنهاية 6: 248 الإخبار عن الأئمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش / الجامع الصغير 1: 350 / كنز العمال 12: 33 حديث: 33859، ص: 34 حديث: 33861، 6: 89 حديث: 14971 / تهذيب الكمال 3: 224 في ترجمة الأسود بن سعيد الهمداني / تاريخ بغداد 6: 263 في ترجمة إسماعيل بن ذواد / فتح الباري 13: 213 / تحفة الأحوذي 6: 394 / ميزان الاعتدال 1: 383 في ترجمة إسماعيل بن ذواد / الكامل في ضعفاء الرجال 3: 123 في ترجمة ذواد بن علبة الحارثي. وغيرها من المصادر الكثيرة.


-[ 287 ]-
بتكلُّف يأباه لسانها، كما يظهر بمراجعة كلماتهم (1)، وبمراجعة ما ذكرناه في الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة) عند الكلام في الطائفة الثالثة من طوائف النصوص الدالة على إمامة الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم).
ويزيد في وضوح دلالتها على أن الإمامة بالنص ما في بعض هذه النصوص من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "وكلهم يعمل بالهدى ودين الحق" (2)، وما في نصوص أخر من وجود خلفاء راشدين مهديين (3).
فإن مقتضى الجمع بين هذه الطوائف من النصوص أن الأئمة هم اثنا عشر راشدون مهديون، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق.
وحيث لا ينطبق ذلك على من استولى على السلطة بالبيعة أو القوة، كشف عن أن الإمامة إنما تكون بالنص الإلهي، وأن الله سبحانه وتعالى جعل الأئمة بالعدد المذكور والمواصفات المذكورة.
وهو المناسب لما في بعضها من أن هؤلاء الأئمة لا يضرهم خذلان مَن خذلهم، ولا عداوة مَن عاداهم، كحديث جابر بن سمرة: "كنت مع أبي عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيّماً لا يضرهم مَن خذلهم" (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) راجع كلام ابن حجر في فتح الباري 13: 211ـ215.
(2) فتح الباري 13: 213 / فيض القدير 2: 459 / تاريخ بغداد 4: 37 في ترجمة أحمد أمير المؤمنين القادر بالله.
(3) صحيح ابن حبان 1: 179 باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلاً وأمراً وزجراً: ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) / المستدرك على الصحيحين 1: 174، 175، 176 كتاب العلم، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح ليس له علة" / سنن الترمذي 5: 44 كتاب العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع / سنن الدارمي 1: 57 باب اتباع السنة. وغيرها من المصادر الكثيرة جدًّا.
(4) المعجم الأوسط 3: 201، واللفظ له / المعجم الكبير 2: 196 ما أسند جابر بن سمرة: باب عامر الشعبي عن جابر بن سمرة / كنز العمال 12: 33 حديث: 33857.


-[ 288 ]-
وفي حديثه الآخر: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يخطب على المنبر، وهو يقول: اثنا عشر قيّماً من قريش لا يضرهم عداوة مَن عاداهم" (1).
لظهور أنّ الخاذل والمعادي إنما لا يضران بالخليفة إذا كانت خلافته بالنص الإلهي، أما إذا كانت باجتماع الناس وتسنُّم السلطة فهما كثيراً ما يضران به، لأنهما يضعفان سلطته، بل قد يجرّان بالآخرة إلى زوالها وبطلان خلافته، كما حدث ذلك كثيراً للخلفاء على مبنى الجمهور.
ومن هنا لا تتفق هذه النصوص إلا مع مذهب الإمامية في أن الإمامة بالنص الإلهي وفي عدد الأئمة ومواصفاتهم. وهي مِن أقوى الحجج لهم على غيرهم.
بعض النصوص المناسبة لكوْن الإمامة بالنص
الخامس: ما ورد من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لَمّا عَرَض نفسه قبل الهجرة على قبائل العرب كان فيمَن عرض نفسه عليهم بنو عامر، فقال له رجل منهم: أرأيتَ إنْ نحن تابعناك فأظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر مِن بعدك؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "الأمْرُ إلى الله يَضَعه حيث يشاء" (2).
وفي حديث عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة... وأن لا ننازع الأمْرَ أَهْلَه، ونقوم بالحق حيث كان، ولا نخاف في الله لومة لائم" (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 5: 191 كتاب الخلافة: باب الخلفاء الاثني عشر، واللفظ له / المعجم الكبير 2: 256 فيما رواه علي بن عمارة عن جابر بن سمرة / المحدث الفاصل: 494 / فتح الباري 13: 212.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (1) ص: 98.
(3) مسند أحمد 3: 441 حديث عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه (رضي الله عنهم)، واللفظ له / السنن الكبرى للبيهقي 8: 145 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب كيفية البيعة / السنن الكبرى للنسائي 4: 421 كتاب البيعة: البيعة على السمع والطاعة4: 422 البيعة على القول بالعدل، و5: 211، 212 كتاب السير: البيعة / مسند ابن الجعد: 261 شعبة عن سيار بن أبي سيار أبي الحكم العنزي / سير أعلام النبلاء 2: 7 في ترجمة عبادة بن الصامت / تذكرة الحفاظ 3: 1131 في ترجمة ابن عبد البر / تاريخ دمشق 26: 196 في ترجمة عبادة بن الصامت / صحيح ابن حبان 10: 413 باب بيعة الأئمة وما يستحب لهم: ذكر البيان بأن النصح لكل مسلم في البيعة التي وصفناها كان ذلك مع الإقرار بالسمع والطاعة / مسند أبي عوانة 4: 407 بيان حظر منازعة الإمام أمره وأمر أمرائه ووجوب طاعتهم.


-[ 289 ]-
لدلالة الأوّل على أنّ لولاية الأمر موضعاً خاصّاً، تعْيينُه تابع لله تعالى، وليست أمراً مطلقاً تابعاً لبيعة الناس، وظهور الثاني في أنّ للأمر والحكم أهلاً يستحقونه وإنْ لم يُمَكَّنوا منه، وأنه لا يحل منازعتهم فيه، وذلك لا يكون إلا لأنّ الله تعالى جعله لهم، إذ لو كان استحقاقه ببيعة الناس لكان المناسب أن يقول: وأن لا ننازع الأمْرَ مَن صار له، أو مَن بويع به، أو يقول: وأن لا نخرج على مَن صار الأمر له، أو بويع له.
السادس: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لَتُنْقَضنّ عُرَى الإسلام عروةً عروة، كلما نُقِضت عروة تشبَّث الناس بالتي بعدها، فأوّلهنّ نَقْضاً الحُكْم، وآخرهن الصلاة" (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح ابن حبان 15: 111 باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عما يكون في أمته من الفتن والحوادث: ذكر الإخبار بأن أول ما يظهر من نقض عرى الإسلام من جهة الأمراء فساد الحكم والحكام، واللفظ له / المستدرك على الصحيحين 4: 104 كتاب الأحكام / مجمع الزوائد 7: 281 كتاب الفتن: باب نقض عرى الإسلام / مسند أحمد 5: 251 حديث أبي أمامة الباهلي الصدي بن عجلان بن عمرو بن وهب الباهلي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) / موارد الظمآن ج:1 ص:87 كتاب الصلاة: باب فيمن حافظ على الصلاة ومن تركها / المعجم الكبير 8: 98 فيما رواه سليمان بن حبيب المحاربي قاضي عمر بن عبد العزيز عن أبي أمامة صدي بن عجلان / شعب الإيمان 4: 326 الخامس والثلاثون من شعب الإيمان وهو باب في الأمانات وما يجب من أدائها إلى أهلها 6: 69 فصل في فضل الجماعة والألفة وكراهية الاختلاف والفرقة وما جاء في إكرام السلطان وتوقيره / مسند الشاميين 2: 411 ما انتهى إلينا من مسند سليمان بن حبيب المحاربي: سليمان عن أبي أمامة الباهلي / السنة لعبدالله بن أحمد 1: 356 / الترغيب والترهيب 1: 216 كتاب الصلاة: الترهيب من ترك الصلاة تعمداً وإخراجها عن وقتها تهاوناً / تعظيم قدر الصلاة 1: 415 الأحاديث التي تدل على أن الأعمال داخلة في الإيمان / الفردوس بمأثور الخطاب 3: 445 / فيض القدير 5: 263، 399. وغيرها من المصادر.


-[ 290 ]-
بناءً على أنّ المراد بالحكم في هذا الحديث هو حكم المسلمين وإدارة شوؤنهم.
وحينئذٍ يتناسب ذلك مع مذهب الإمامية في الحكم والإمامة، حيث خرج عنه الجمهور مِن اليوم الأول قبل كل شيء، ولا يتناسب مع مذهب الجمهور، إذ لم يخرجوا عنه إلا في العصور المتأخرة في بعض الفترات - ومنها في العصر القريب، حين أُلْغِيت الخلافة العثمانية ولم يستبدلوا بها غيرها، وأُهْمِل هذا المنصب عندهم - بعد أنْ غُيِّرت كثير من أحكام الإسلام وعُطِّلت قبل ذلك بعهد طويل في صدر الإسلام.
ولا أقلّ مِن اسْتِلْحَاق معاوية لزياد وإعراضه عن قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الولد للفراش، وللعاهر الحجر، كما هو معروف مشهور.
إجماع أهل البيت (عليهم السلام) على أنّ الإمامة بالنَّصّ
السابع: إجماع أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) على أن الإمامة في أمور الدنيا والخلافة لا تكون إلا بنَصٍّ مِن الله تعالى على الإمام، وأن الأئمة عباد مكرمون اصطفاهم بعلمه، لتميزهم بكمالاتهم النفسية، وأمدهم بتسديده ورعايته.
نظير قوله تعالى في حق موسى (عليه السلام) : ((وَلِتُصنَعَ عَلَى عَينِي)) (1)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة طه آية: 39.


-[ 291 ]-
وحينئذٍ يجب القبول منهم (عليهم السلام) والتسليم لهم في ذلك، لِمَا سبق مِن إمامتهم في الدين ومرجعيتهم فيه.
بل حتى لو لم يعترف لهم الجمهور بذلك فلابد من قبولهم منهم مثل هذا الأمر الخطير، الذي لا تبتني دعواه على الحدس الذي قد يخطئ، بل يدور الأمر فيه بين الصدق والافتراء المتعمد.
إذ لا إشكال عند الكلّ في أنهم (عليهم السلام) منزهون عن الافتراء، وأنهم في الدرجة العليا من الصدق والواقعية والجلالة، وإنما يحاول الجمهور إنكار دعواهم النص والإمامة تشبُّثاً ببعض الوجوه والتخرصات التي هي مهما بلغت لا تقوى على الوقوف أمام ما صدر منهم (عليهم السلام) من تصريحات ومواقف وما صدر من خصومهم من ردود فعل تناسب إصرارهم (صلوات الله عليهم) على أن الخلافة عهد معهود من الله تعالى صاحبه هو الخليفة الحق، وأن ما حدث من البيعة لا يضفي شرعيةً، وأن المنصب الإلهي قد غُصِب منهم.
وقد ذكرنا في جواب السؤال الثالث والرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة) الكثير مما ورد عنهم، وعن غيرهم من بني هاشم، وعن كثير من الصحابة، بما في ذلك بعض الرموز المحترمة عند الجمهور. كما ذكرنا كثيراً من القرائن التي تدعم ذلك. فراجع.
لُزُوم تصديق الشيعة فيما نقلوه عن أئمتهم
أما ما احتفظ به شيعتهم من تراثهم فهو مليء بذلك، بل عليه يقوم كيانهم وأسس دعوتهم. وهم الأصدق على أئمتهم (صلوات الله عليهم)،


-[ 292 ]-
والآمن على تراثهم، بعد أن توجهوا وجهتهم واختصوا بهم دون غيرهم من المسلمين، والتزموا خطّهم وعرفوا بموالاتهم والتحموا معهم، وفتح لهم الأئمة (صلوات الله عليهم) صدورهم واستراحوا لهم، وأفضوا إليهم بسرّهم، وثقفوهم بثقافتهم العالية، وحملوهم علومهم في العقائد والفقه والتفسير والأخلاق والآداب والأدعية والزيارات وغير ذلك من المعارف الدينية والعلمية وغيرها التي أخذها الشيعة منهم (عليهم السلام)، وحفظوها ورعوها، وتدارسوها وتميزوا بها عن غيرهم، حتى صارت وسام فخر لهم، وشاهد صدق على انتسابهم لأئمتهم (صلوات الله عليهم).
وإذا كان الشيعة فيما مضى محاصرين معزولين، قد عتّم عليهم وعلى ثقافتهم، وشوهت حقيقتهم، ويتسنى لغيرهم أن ينبزهم بما يشاء، فهم اليوم ظاهرون، قد أصحروا بواقعهم، وظهرت حقيقتهم، واتضحت معالم دعوتهم، وفرضوا أنفسهم في أصالتهم وصدقهم وأمانتهم وإخلاصهم وواقعيتهم وسعة أفقهم.
وهم أولى بأن يصدقوا على أئمتهم - بعد أن حفظوا تراثهم العريق بتفاصيله ومفرداته، وأخذوا به وتفاعلوا معه - مِن سائر الفرق بالإضافة إلى رؤسائهم الذين ينتسبون إليهم. ولاسيما بعد كوْن دعوتهم وتعاليمهم وتراثهم أبعد عن الفجوات والتناقضات، وأقرب للفطرة والمنطق مِن بقية الدعوات والتعاليم والتراث، كما يظهر للمتتبع المنصف.
وللمزيد من توضيح ذلك وذكر الشواهد عليه يرجع لجواب السؤالين الثالث والرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).


-[ 293 ]-
وإذا أصرّ المجادل على تجاهل ذلك كله، كفى الشيعة علمهم بواقعهم وصدقهم وإخلاصهم في الوصول للحقيقة والتعرف على رأي أئمتهم في الدين (صلوات الله عليهم) مِن طريق تراثهم الذي حملوه عنهم والقرائن الأخر التي ذكرناها في الموضع المتقدم من الجزء الثاني وفي آخر الجزء الثالث من الكتاب المذكور، إذ المهم في المقام هو الاستدلال بالوجه المقبول منطقيّاً وعقلائيّاً وإنْ لم يقتنع به بعض الناس لإعراضه عن البحث والنظر، أو لقناعاته المسبقة وتراكماته الموروثة.
إجماع شيعة أهل البيت على أنّ الإمامة بالنص
الثامن: إجماع شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذين يدينون بإمامتهم في الدين على أن الإمامة السياسية في أمور الدنيا بالنص من الله تعالى. ولابد من البناء على أن إجماعهم مصيب للحق بعد ثبوت إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الدين ومرجعيتهم للأمة فيه.
إذ لو لم يكن إجماعهم مصيباً للحق وكان ضلالاً لزم خلوّ أمة الإسلام من فرقة تحمل دعوة الحق وتدين به وتدعو له: الشيعة لقولهم بأن الإمامة في أمور الدنيا بالنص، والجمهور، لإعراضهم عن أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وعدم رجوعهم إليهم في دينهم.
ويأتي في أواخر الكلام في المقام الثاني - عند الكلام في شروط شرعية نظام الشورى - امتناع ذلك، وأنه لابد من وجود فرقة ظاهرة في الأمة تدين بالحق وتدعو له.


-[ 294 ]-
المطلب الثاني
في المقارنة بين اتجاه الإمامية واتجاه الجمهور
والمهم في المقام أن المقارنة بين الاتجاهين المتقدمين في الإمامة لا ينبغي أنْ تُعرَض على أساس المقارنة في استحقاق الإمامة بين شخصين أو أشخاص محدودين، كأمير المؤمنين، أو أهل البيت (صلوات الله عليهم)، أو بني هاشم عموماً في جانب، والخلفاء الثلاثة الأولين، أو المهاجرين أو السابقين أو الصحابة عموماً في الجانب الآخر، لِيَنْجَرّ ذلك للنزاع في عدالة الصحابة، وفي التفاضل بين أطراف الخلاف ومناقبهم ومثالبهم وسيرتهم الذاتية، وغير ذلك من الأمور الجانبية التي استثارت العواطف، واستغرقت مؤلفات كثيرة، مع إغفال النقطة المهمة في المقارنة، فأهملت رأْسًا، أو ذُكرت عابراً مِن دون تركيز عليها، ومِن دون أن تعطى حقها المناسب من البحث والملاحظة.
أهمية الإمامة تستلزم تشريعَ نظام لها متكامل
فإنّ المسلمين قد أجمعوا على شرعية الإمامة وأهميتها، بل شرفها وقدسيتها، لأهمية آثارها وأحكامها، كوجوب بيعة الإمام، ومعرفته،


-[ 295 ]-
وطاعته، وحرمة الخروج عليه، ووجوب نصرته على مَن بغى عليه وخرج عن طاعته، وغير ذلك مما هو مذكور في محله، وقد تقدمت الإشارة إليه آنفًا.
وأنه لابد مع ذلك من جعل الشارع الأقدس لها وتنظيمه لأمرها، إما تأسيساً بنَصِّه على الإمام، أو إمْضَاءً بإقْرَاره بيعة المسلمين له أو نحو ذلك، على الخلاف بين الاتجاهين المتقدمين.
وحيث كان الإسلام هو الدين الخاتم للأديان والباقي في الأرض ما بقيت الدنيا، والمفترض فيه تشريعاً أن يكون هو الحاكم في الأرض، فلابد من أن يتضمن في جملة تشريعاته تشريع نظام للإمامة صالح للتطبيق ولحكم الأرض باستمرار، ولا يختص بأفراد أو جماعات مخصوصة، لا بقاء لها، مهما كان شأنها وعظم قدرها.
وهو المناسب لِمَا هو المعلوم مِن كمال الدين وشموليته تشريعًا، كما تضمنه قوله تعالى: ((اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلاَمَ دِينا)) (1)، وغيره.
تكامل نظام الإمامة عند الشيعة
والاتجاه الذي تتبناه الشيعة الإمامية في الإمامة يبتني على نظام متكامل للإمامة، لو قُدِّر له التطبيق في الخارج لعالج مشاكلها وشؤونها من دون ثغرة أو نقصان، بما في ذلك وظائف الإمام - وأنها كوظائف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - واستيعاب وجود الأئمة (عليهم السلام) للفترة الزمنية التي يفترض فيها حكم الإسلام للأرض، وعصمة الإمام، وغير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية: 3.


-[ 296 ]-
لا تحديد لنظام الإمامة عند الجمهور إلا بالقوّة
أما اتجاه الجمهور فلا يبتني على نظامٍ للإمامة محددٍ، فضلاً عن أن يكون متكاملاً، بل يبتني على الاعتراف بالأمر الواقع والتعامل معه ودعمه، وإضفاء طابع الشرعية عليه، تبعاً للقوة القائمة والسلطان القاهر من دون أي ضابط لاختيار الخليفة، ومن دون نظر لأهلية الخليفة وسلوكه.
حتى كان كثير من الخلفاء - الذين ينتظر منهم أن يكونوا حماة للإسلام العظيم وللمسلمين - في منتهى الانحلال الخلقي، أو في قمة الظلم والإجرام، أو غاية في ضعف الإدارة والشخصية، وصار هذا المنصب الإلهي المقدس بالآخرة ألعوبة بأيدي النساء والخصيان والمماليك والمنتفعين، وهدفاً لكل طامع.
وقد جَرّ ذلك كله على الإسلام والمسلمين ما جَرّ مِن الويلات والمضاعفات عبر التاريخ الطويل، حتى انتهى الأمر إلى رفضه عمليّاً بإلغاء نظام الخلافة رأْسًا، وإلى تدهور أمر المسلمين تدريجيّاً حتى انتهوا إلى أوضاعهم الحالية المزرية المأساوية في دينهم ودنياهم. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا يظن - مع ذلك كله - بعاقل غيور على الإسلام والمسلمين، مُقِرّ بحكمة الله تعالى وكمال تشريعه، أن يرضى لنفسه أن ينسب لله عزّ جلّ تشريع نظام الإمامة على هذا النحو مِن التخبط وعدم الانضباط.


-[ 297 ]-
بعض المفارقات في نظام الإمامة عند الجمهور
ولاسيما بملاحظة ما عليه هذا النظام ومَن يتبناه من التناقضات والمفارقات الطريفة التي يرفضها الإنسان بفطرته بعيداً عن التركمات العقائدية والتعصب..
منها: أن الإمام الحاكم المفروض شرعية إمامته وحكمه، وحرمة الخروج عليه إذا خرج عليه خارِجٌ، فهو باغٍ، يجب على المسلمين قتاله حتى يفيء إلى طاعة الإمام القائم مهما كان حاله.
لكن إذا غلب الخارج - بقدراته غير المشروعة - حتى أَبْطَلَ سلطانَ مَن كان قبله وقضى عليه، صار هو الإمام واكتسب الشرعية بذلك، حتى لو كان قد ارتكب الموبقات في طريقه، كانتهاك حرمة الحرم وهدم الكعبة المعظمة.
وقد تمت عملية انتقال الخلافة بالخروج على الخليفة الشرعي عندهم لعبد الملك بن مروان حينما قضى على عبد الله بن الزبير، وللسفاح حينما قضى على مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين، ولغير واحد من الأمويين والعباسيين حينما خرج بعضهم على بعض.
بل لو بايع شخص آخر بالإمامة والطاعة، ثم نكث بيعته وادعى الإمامة لنفسه، وقاتل الذي بايعه حتى غلبه وقضى عليه، صار الناكث الغالب إماماً شرعيّاً واجب الطاعة.
كما حدث للمنصور مع محمد بن عبد الله بن الحسن، حيث سبق له بيعة محمد بن عبد الله بالأبواء، ثم تغافل العباسيون عن ذلك واستولوا


-[ 298 ]-
على السلطة، ولما ثار محمد بن عبد الله غلبه المنصور وقتله. وحدث ما يشبه ذلك لجماعة من الأمويين والعباسيين وغيرهم مع بعضهم.
ومنها: أن كثيراً ممّن تمّت شرعية إمامته بمقتضى هذا النظام لا يُقِرُّه قوْلاً أو عَمَلاً..
1ـ فأكثر المستولين على الحكم قد استخلفوا من بعدهم، بنحو يظهر في بنائهم على تعيُّن مَن عيَّنوه، ولزوم بيعته على المسلمين، تبعاً لنَصِّهم عليهم، ولا تحتاج إمامته لبيعتهم له باختيارهم.
ونظيرهم عمر بن الخطاب حينما عيَّن ضوابط لتعيين الإمام من بعده - فيما يسمى بالشورى - وأَلْزَم الجَرْيَ عليه، وقتْلَ مَن يأبى ذلك، كما هو معروف مشهور.
2ـ وهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قد تخلف هو وجماعة من أعيان المسلمين معه عن بيعة أبي بكر مدة طالت أو قصرت، وكان يعلن بالشكوى مِن تقدم القوم عليه، وكان هو وأولاده وجماعة من بني هاشم وغيرهم يرون أنه (عليه السلام) أحق بالأمر في تفاصيل كثيرة مستفيضة لا يسعنا استقصاؤها.
وقد ذكرنا طرفاً منها في جواب السؤالين الثالث والرابع من كتابنا (في رحاب العقيدة).
3ـ وأبو بكر ومَن معه أنكروا على الأنصار تصدّيهم للأمر، مدّعياً أن الأمر لقريش، لأنهم شجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما هو مشهور في تفاصيل كثيرة. وقد أراد أن يجعل للعباس وولده نصيباً في الأمر ليُضعِف


-[ 299 ]-
جانب أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
وهذا يناسب اعتقاده أن الأمر حقّ لفئة خاصة يجعلونه لمَن شاؤوا، وليس لكل أحد أن يأخذه بالغلبة.
4ـ وهذا عمر يعلن أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، أو فتنة، وقى الله شرها، ويأمر بقتل مَن عاد لمثلها (2).
حيث يظهر منه أنها حصلت على وَجْهٍ غير مشروع.
5ـ والعباسيون كانوا قبل استيلائهم على السلطة يرون الأمر في بني هاشم عمومًا، أو في الإمام علي وبَنِيه، فقد أراد العباس بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان أولاده في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) يرون شرعية خلافته بل أولويته بالحكم ممّن تقدمه. وقد سبق
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1: 220 / الإمامة والسياسة 1: 17ـ18 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) / تاريخ اليعقوبي 2: 125 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.
(2) صحيح البخاري 6: 2503، 2505 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة: باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت / صحيح ابن حبان 2: 148 باب حق الوالدين: ذكر الزجر عن أن يرغب المرء عن آبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر، ص: 155، 157 ذكر الزجر عن الرغبة عن الآباء إذ رغبة المرء عن أبيه ضرب من الكفر / مجمع الزوائد 6: 5 كتاب الجهاد: باب تدوين العطاء / السنن الكبرى للنسائي 4: 272، 273 كتاب الرجم: تثبيت الرجم / المصنف لابن أبي شيبة 6: 453 كتاب السير: ما قالوا في الفروض وتدوين الدواوين، 7: 431 ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة / المصنف لعبدالرزاق 5: 441، 445 كتاب المغازي: بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) في سقيفة بني ساعدة / مسند البزار 1: 302 ومما روى عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس عن عمر، ص: 410 ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أيضاً / مسند أحمد 1ص: 55 في مسند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) / مسند الشهاب 1: 237 / جامع العلوم والحكم: 386 / التمهيد لابن عبد البر 22: 154 / الثقات لابن حبان 2: 153، 156 كتاب الخلفاء: استخلاف أبي بكر بن أبي قحافة الصديق (رضي الله عنه) / الفصل للوصل المدرج 1: 490، 493 / الرياض النضرة 2: 202 الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها من الصحابة: ذكر بيعة السقيفة وما جرى فيها / تاريخ الطبري 2: 235 حديث السقيفة / السيرة النبوية 6: 78، 79 في أمر سقيفة بني ساعدة. وغيرها من المصادر.


-[ 300 ]-
بيعة المنصور لمحمد بن عبد الله بن الحسن، كما بايعه غيره من العباسيين.
ولما دخل جيش الدعوة العباسية الكوفة خطب داود بن علي بن عبد الله بن العباس - وهو على المنبر أسفل من أبي العباس السفاح بثلاث درجات- فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: "أيها الناس إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خليفة إلا علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا الذي خلفي" (1).
وخطب أبو مسلم الخراساني في السنة التي حج فيها في خلافة السفاح خطبة طويلة، ومنها قوله: "ثم جعل الحق بعد محمد (عليه السلام) في أهل بيته، فصبر مَن صبر منهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه على اللاواء والشدة، وأغضى على الاستبداد والإثرة... وزعموا أن غير آل محمد أولى بالأمر منهم، فلِمَ وبِمَ أيها الناس! ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة، الشركاء في النسب، والورثة في السلب، مع ضربهم على الدين جاهلكم، وإطعامهم في الجدب جائعكم! والله ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط، وما زلتم بعد نبيه تختارون تيميّاً مرة، وعدويّاً مرة، وأمويّاً مرة، وأسديّاً مرة، وسفيانيّاً مرة، ومروانيّاً مرة حتى جاءكم مَن لا تعرفون اسمه ولا بيته، يضربكم بسيفه، فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون.
ألا إنّ آل محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى القادة الذادة السادة،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 4: 350 تمام الخبر عن سبب البيعة لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي وما كان من أمره، واللفظ له / عيون الخبار 2: 252 كتاب العلم والبيان، الخطب / مروج الذهب 3: 248ـ249 ذكر الدولة العباسية ولمع من أخبار مروان ومقتله وجوامع من حروبه وسيره: قول الراوندية في الخلافة.


-[ 301 ]-
بنو عم رسول الله، ومنزل جبريل بالتنزيل، كم قصم الله بهم من جبار طاغ، وفاسق باغ، شيد الله بهم الهدى، وجلا بهم العمى، لم يسمع بمثل العباس..." (1)
ودخل المهدي بن المنصور العباسي على أبي عون عائداً له في مرضه، فأعجبه ما رآه منه وسمعه. قال أبو جعفر الطبري: "وقال: أوصني بحاجتك وسلني ما أردت... فشكر أبو عون ودعا، وقال: يا أمير المؤمنين حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون، وتدعو به، فقد طالت موجدتك عليه. قال: فقال: يا أبا عون، إنه على غير الطريق، وعلى خلاف رأينا ورأيك، إنه يقع في الشيخين أبي بكر وعمر، ويسيء القول فيهم. قال: فقال أبو عون: هو والله يا أمير المؤمنين على الأمر الذي خرجنا عليه، ودعونا إليه، فإن كان قد بدا لكم فمرونا بما أحببتم حتى نطيعكم" (2).
أما بعد استيلاء العباسيين على السلطة فقد ادعوا أن الأمر لهم خاصة، لأنهم الأولى بميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن مع الاعتراف بخلافة الأولين، دَعْماً لاتجاه الجمهور وجَلْباً لهم، وإضعافاً للعلويين الذين كانوا شبحاً مخيفاً لهم ينازعهم السلطة حتى ورد عن المنصور أنه قال: "والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي" (3). وإن كان ذلك لا يخلو منهم عن تدافُع ظاهر.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 7: 161.
(2) تاريخ الطبري 4: 589 ذكر بعض سير المهدي وأخباره.
(3) منهاج الكرامة: 61.


-[ 302 ]-
على أنّ فيهم مَن كان يعلن ميله لنظرة العلويين في الحكم، كالمأمون. بل عن ابن الساعي أن الناصر لدين الله كان يتشيع، وعن ابن الطقطقي أنه كان يرى رأي الإمامية. ويناسب ذلك بعض الشعر والتصرفات المنسوبة له (1).
كما يناسبه أيضاً أنه زيَّن سرداب الغيبة في سامراء بخشب باق إلى اليوم منقوش عليه أسماء الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم). وقيل: إنه هيّأ قبراً له في رواق الإمامين الكاظمين (عليهم السلام)، إلا أنّ أهله دفنوه في مكان آخر، وبقي القبر فارغاً حتى توفي المحقق نصير الدين الطوسي (قدس سره) فدفن فيه (2).
وجاء بعدهم العثمانيون ليتبنّوا عدم اشتراط القرشية في الخليفة، وكون الخلافة حقّاً شرعيّاً لهم، يتناقلونها بالميراث والتعيين من قبل الخليفة السابق، أو بفرْض ذوي القوة والنفوذ.
ومنها: أن جماعات كبيرة ممّن يحترمهم الجمهور - بل يقدس بعضهم - قد صدر منهم ما لا يناسب إقرار نظام الخلافة والإمامة بهذا الوجه..
1ـ فقد سبق أن أمير المؤمنين (عليه السلام) وجماعة معه قد امتنعوا عن بيعة أبي بكر مدة من الزمن. ولو كانوا يرون ثبوت الإمامة بالغلبة لسارعوا إلى بيعته، لما سبق من وجوب معرفة الإمام وبيعته وحرمة الخروج عليه.
2ـ كما أنكرت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أشد الإنكار على ما حدث في أمر الخلافة، وخاطبت أبا بكر أشد خطاب، وماتت (عليه السلام) مهاجرة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تجد ذلك كله في كتاب الكنى والألقاب 3: 233ـ236 في ترجمة الناصر لدين الله.
(2) راجع الكنى والألقاب 3: 252 في ترجمة نصير الدين الطوسي.


-[ 303 ]-
له، حتى أوصت أن تدفن ليلاً (1)، لئلا يحضر هو وجماعته دفنها، ونفذت وصيتها، وقبرها حتى الآن مجهول.
وهل يمكن لأحد أن يدعي أن ميتتها (عليها السلام) كانت جاهلية، بمقتضى الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها في المقام الأول؟!
3ـ كما امتنع عن بيعته سعد بن عبادة سيد الخزرج وبعض الأنصار وبقي سعد مجانباً للقوم حتى قتل في عهده أو عهد عمر.
4ـ وقد امتنع الإمام الحسين (عليه السلام) ومَن معه من بيعة يزيد، بل حاول الخروج عليه، حتى لقي مصرعه الفجيع مع أهل بيته وصحبه في ملحمة دينية لا يزال صداها مدويّاً حتى الآن.
نعم، نصحه جماعة بعدم الخروج، لكن للخوف عليه من خذلان الناس، وغشم الأمويين، لا لعدم شرعية الخروج، تبعاً لشرعية إمامة يزيد.
ومِن الطريف أنّ بعضهم كان يقرب وجهة نظره له (عليه السلام) بأن الله سبحانه قد نزهكم عن الدنيا، وزواها عنكم أهل البيت. وكأن المفترض في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) غضب الزهراء عليه، ووصيتها بأن تدفن ليلاً، وعدم صلاتهم عليها، تجده في كل من صحيح البخاري 4: 1549، كتاب المغازي: باب غزوة خيبر، وج: 6 ص2474 كتاب الفرائض: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : لا نورث ما تركنا صدقة / وصحيح مسلم 3: 1380 كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : لا نورث ما تركنا فهو صدقة / وصحيح ابن حبان 11: 153 باب الغنائم: ذكر السبب الذي من أجله كان (صلى الله عليه وسلم) خمس خمسه وخمس الغنائم جميعاً / ومسند أبي عوانة ج4 ص251 مبدأ كتاب الجهاد: باب الأخبار الدالة على الإباحة أن يعمل في أموال من لم يوجف عليه خيلاً ولا ركاب من المشركين مثل ما عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنها لا تورث / والمصنف لعبدالرزاق 5: 472 في خصومة علي والعباس / والطبقات الكبرى 2: 315 في ذكر ميراث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما ترك / والإمامة والسياسة 1: 17 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) / وطرح التثريب 1: 150 في ترجمة فاطمة / والإصابة 8: 59 في ترجمة فاطمة، وغيرها من المصادر الكثيرة.


-[ 304 ]-
الإمامة وخلافة النبوة - بما لها من مقام رفيع - أن تكون منصباً دنيويّاً يراد به الوصول لحرث الدنيا وزينتها، ونسيَ - بسبب الأوضاع المتردية وتشويه الحقيقة - أنها منصب ديني مقدس لا تصلح إلا لأهل الدين والنصيحة لله تعالى وللدين وللمسلمين.
5ـ وقد امتنع أيضاً من بيعة يزيد، بل خرج عليه عبد الله بن الزبير ومَن تابعه.
6ـ كما خرج عليه جماعة كبيرة من أعيان أهل المدينة، حتى انتهى بهم الأمر إلى وقعة الحرة الفظيعة.
7ـ وخرج الشهيد زيد بن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) على هشام بن عبد الملك. وقد خرج معه جماعة ودعمه آخرون، منهم أبو حنيفة (1).
8ـ وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن على المنصور الدوانيقي كما سبق، وقد دعمه جماعة من فقهاء المدينة المنورة وأعيانها (2).
9ـ وقد دعم كثير من الفقهاء جماعة ممّن حاول خلع بعض الخلفاء العباسيين والاستيلاء على السلطة بدلهم... إلى غير ذلك مما لا يتناسب وشرعية نظام الغلبة المذكور.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مقاتل الطالبيين: 99.
(2) مقاتل الطالبيين: 186، 187، 188، 189، 190، 191، 192، 193، 194، 195، 196، 197 / تاريخ الطبري 4: 449، 450 ذكر الخبر عن مخرج محمد بن عبد الله ومقتله.


-[ 305 ]-
نظرية الشورى
بقي في المقام شيء: وهو أنه ربما يحاول بعض الجمهور دعوى:أن الله عزوجل رآى كفاءة أمة الإسلام، التي هي خير أمة أخرجت للناس، فأوكل إليها حكم نفسها، بلا حاجة للنَّصّ، وذلك باعتمادها نظام الشورى في الخلافة والإمامة، وأنه سبحانه قد أقرّ ما حصل بناءً على شرعية النظام المذكور.
والحديث حول ذلك..
تارة: يكون ببيان الشروط التي يمكن جعل نظام الشورى معه، ويتعذر جعله بدونها.
وأخرى: بتقييم نظام الشورى في نفسه حتى لو تمت الشروط المذكورة.


-[ 306 ]-
المقام الأول
في الشروط التي يمكن جَعْل نظام الشورى معها
نظام الشورى المفترض لا يمكن جعله وتشريعه إلا بشروط ثلاثة:
حدود الشورى وضوابطها
الشرط الأول: أن يحدد فيه بصورة دقيقة..
أولاً: مَن له حَقّ الترشيح للإمامة والخلافة من حيثية النسب والسن والذكورة والأنوثة، والمقام الديني والاجتماعي... إلى غير ذلك.
فإنا نرى الجمهور بخلفائهم وفقهائهم قد اختلفوا في ذلك أشد الاختلاف، فأبو بكر ومَن توجّه وجهتَه يصرّون على أن الخلافة حق لقريش عمومًا، وبذلك ردّوا على الأنصار، واستنكروا مبادرتهم ترشيحَ سعد بن عبادة.
بينما قد نرى في الأمويين مَن يحاول دعوى أولوية بني عبد مناف بها.
أما العباسيون فهم يصرحون تارة بأنّ ذلك حق بني هاشم عمومًا، أو في الإمام عليّ وبَنِيه، وأخرى بأنّ ذلك حق لهم بالخصوص.


-[ 307 ]-
أما أبو حنيفة فقد حكي عنه إنكار خصوصية قريش بذلك. وهو المناسب لموقف الأنصار في ترشيحهم سعد بن عبادة.
ولعله لذا تبنى العثمانيون مذهب أبي حنيفة، فكان هو المذهب الرسمي للدولة العثمانية.
كما أنا نرى فقهاء الجمهور ذكروا شروطاً للخليفة لا يناسب كثير منها واقع خلفائهم الذين يرون شرعية خلافتهم وإمامتهم، ويقرون حكمهم وقضاءهم والتعامل معهم.
وثانياً: متى تسقط أهلية الشخص المنتخب للخلافة والأسباب التي تقضي بانعزاله منها، كالجور في الحكم، أو مطلق الفسق، والخرف أو المرض، والعجز التام أو الضعف... إلى غير ذلك.
مع تحديد ذلك بدقة رافعة للاختلاف تجنُّباً عن مثل ما حصل في أمر عثمان، حيث طلب الذين ثاروا عليه أن يتخلى عن الخلافة، لعدم أهليته، وامتنع هو من ذلك، لدعوى: أنه لا ينزع عنه لباساً ألبسه الله تعالى إياه.
وكما حصل بعد ذلك كثيراً في العهد الأموي والعباسي والعثماني، وسبَّبَ كثيراً من الخسائر في الأرواح والأموال، والمضاعفات والسلبيات التي أضعفت الأمة وجرّت عليها الويلات.
وثالثاً: صلاحيات الخليفة، إذ بعد أن كان الخليفة يملك القوة والسلطة التنفيذية، ولم يُشترط فيه العصمة عند الجمهور، فلابد مِن تحديد صلاحياته، ليقف عندها، ولا يتجاوزها تحَكُّماً منه، أو للحفاظ على سلطانه.


-[ 308 ]-
فقد تدخل الحاكمون في عصور الإسلام الطويلة في كثير من الشؤون الدينية والدنيوية، مما يتعلق بالحكم والعقيدة والفقه وغيرها. وكان لاختلاف وجهة نظرهم ومواقفهم الأثر في اختلاف توجُّه المسلمين فيها.
ولا يسعنا استقصاء ما حدث، إلا إنا ذكرنا بعض مفرداته في جواب السؤال الرابع من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة).
ورابعاً: مَن له حق اختيار الخليفة وانتخابه من حيثية النسب، والسن، والمقام الديني والاجتماعي، والذكورة والأنوثة... إلى غير ذلك.
وخامساً: كيفية تشخيص ضوابط الأمور السابقة وإحرازها مِن أجل العمل عليها.
أما مع عدم التحديد الشرعي مِن تلك الجهات فالنظام ناقص ويمتنع تشريعه إسلاميًّا..
1ـ لاستلزامه نقص الدين، وعدم تحديد موضوع الحكم الشرعي من قبل الشارع الأقدس، فإن للإمامة أحكاماً شرعية مهمة، كما تقدم، فإذا لم يتم بدقة تحديد نظامها يلزم جعل الشارع الأقدس لأحكام الإمامة من دون تحديد موضوعها، وهو نقص في الدين والتشريع، ينزه عنه الإسلام العظيم، بل هو مناف لقوله تعالى: ((اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُم الإسلاَمَ دِينا)) (1) وغيره مما دلّ على كمال الدين.
2ـ لأن الفراغ التشريعي في نظام السلطة سبب لإثارة المشاكل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية: 3.


-[ 309 ]-
والفتنة والخلاف والتخبط بنحو لا يناسب حكمة الله تعالى ورحمته لعباده ولهذه الأمة بالخصوص. ولاسيما مع ما سبق في التمهيد من الأدلة الدالة على أن خلاف هذه الأمة لابد أن يقع بعد البَيِّنة، وبعد أن تكون معالم الحق واضحة جليَّة بيضاء ليلها كنهارها.
لابد مِن قِيام الدليل الشرعي
الشرط الثاني لنظام الشورى المدعى: أن تتم الأدلة الشرعية عليه بخصوصياته ودقائقه، وبصورة واضحة جلية، ولا يكفي اقتراحُنا له بعد فَرْض كَوْن منصب الإمامة شرعيّاً لابد مِن تصدِّي الشارع لجعله.
كما لا يكفي فيه الاستحسانات والاستبعادات إذا لم تبلغ مرتبة الدليل الشرعي. بل لابد فيه من القوة والوضوح بنحو يناسب ما سبق مِن أنّ الخلاف بين المسلمين لابد أن يكون بعد البيِّنة ووضوح الحق.
لابد مِن وجود فرقة ظاهرة تتبنّاه
الشرط الثالث: أن يكون في المسلمين فرقة تتبنى النظام المدعى بتفاصيله متصلة بعصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باقية إلى الآن، لإجماع المسلمين على أن الأمة لا تجتمع على الضلال، وأن فيها في جميع العصور مَن هو على الحق.
وبه فسّر قوله تعالى: ((وَمِمَّن خَلَقنَا أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ)) (1). وتظافرت به أحاديث الإمامية والجمهور.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأعراف آية: 181.


-[ 310 ]-
فعن الربيع بن أنس: "قرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية فقال: إنّ مِن أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم" (1).
وفي حديث ثوبان: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة مِن أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (2)، ونحوهما غيرهما.
فإذا لم يكن في الأمة طائفة ظاهرة من الصدر الأول حتى الآن تتبنى النظام المذكور كشف ذلك عن بطلانه، حتى لو حاول بعضهم التشبُّث له ببعض التقريبات، وسوقها دليلاً عليه.
ولا يظن بأحد بعد الالتفات لهذه الشروط أن يتصدى لطرح نظام الشورى. ولاسيما مع ما أشرنا إليه آنفاً مِن أنّ أَظْهَر فرقة تُنْكر النَّصَّ وتحاول جعْلَ البديل له هي فرقة الجمهور المعروفة بالسنة. فإنّ هذه الفرقة تصرّ جاهدة على شرعية جميع ما حصل في أمر الخلافة أو أكثرها، مع وضوح عدم ابتناء ما حصل على الانضباط بنظامٍ.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع البيان 4: 503.
(2) صحيح مسلم 3: 1523، واللفظ له: 1524 كتاب الإمارة: باب قوله (صلى الله عليه وسلم) : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم / صحيح البخاري 3: 1331 كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي (صلى الله عليه وسلم) آية فأراهم انشقاق القمر / صحيح ابن حبان 1: 261 كتاب العلم: ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة، 15: 248 باب وفاته (صلى الله عليه وسلم) ذكر البيان بأن الفتن إذا وقعت والآيات إذا ظهرت كان في خللها طائفة على الحق أبدًا. وغيرها من المصادر الكثيرة جدًّا.


-[ 311 ]-
ما سبق في الشورى يجري في كلّ نظام يفترض
ويجري هذا كله في كل نظام يفترض، حيث لابد من تحديد خصوصياته بنحو لا يكون فيه فراغ تشريعي، وبنحو من الوضوح في الأدلة وقوة الحجة لا يدع مجالاً للخلاف إلا عن عناد وشقاق أو تسامح وتفريط.
كما أن اللازم على مَن يتبناه أن يجعله معياراً للحق والباطل، والهدى والضلال في كل ما حصل في عصور الإسلام الطويلة، لأنّ الحق واحد في هذه الشريعة الخاتمة الخالدة. وأنْ يُثبت وجود طائفة ظاهرة في الأمة مِن الصدر الأول حتى الآن تتبنى النظام المذكور، لِمَا سبق.


-[ 312 ]-
المقام الثاني
في تقييم نظام الشورى
لا يخفى أن نظام الشورى وإن كان أفضل أنظمة الحكم بمنظار العصر، إلا أنه ثبت علْميّاً وعَمَليّاً أنه نظام فاشل في حفظ المبادئ التي يقوم عليها النظام، كخدمة الشعب المحكوم، وحفظ حقوق الإنسان، ونحو ذلك، حيث تتحكم فيه دواعي الإغراء، والتخويف، وقوى الإعلام والدعاية التي يسهل على أعداء تلك المبادئ، وعلى ذوي المصالح المشبوهة والشخصية، تسخيرها أو التعاون معها، لخدمة أغراضهم على حساب تلك المبادئ.
وإنّ أدنى ملاحظة لأوضاع العالم الحاضر، الذي يُنسب للتحضر، ويتبنى نظام الشورى، تجعل ذلك ظاهراً جليّاً غنياً عن الاستدلال والإثبات، بذكر الشواهد واستطرادها.
ويزداد الأمر تعقيداً في النظام الديني الذي يحتاج لإحاطة تامة بأحكام الدين وتشريعاته ولأمانة عالية تحمل على رعايته، وكلاهما مفقود عند الكثرة الكاثرة من الناس، الذين عليهم يرتكز نظام الشورى، ومنهم المنتخِب والمنتخَب.


-[ 313 ]-
وبملاحظة ذلك يظهر أن تبني التشريع الإسلامي القويم لنظام الشورى مستلزم لقصوره عن تحقيق هدفه السامي، وهو حكومة الإسلام في الأرض، وتطبيق أحكامه وشريعته القويمة على أهله. وهو ما ينزه عنه التشريع المذكور، تبعاً لتنزيه مُشرِّعه الأعظم - وهو الله سبحانه وتعالى - عن كلّ نقص.
وهذا وحده كافٍ في استيضاح عدم تبنِّي الإسلام لنظام الشورى في الحكم بغض النظر عما سبق مِن عدم التحديد فيه.
ومِن جميع ما تقدم يتضح انحصار الأمر بالنصّ على الإمام من الله عزوجل العالم بالخفايا والعواقب، والمحيط بكل شيء، ولا يعجزه شيء، وأنه الطريق الوحيد الذي يصلح لحفظ الإسلام وحكمه في الأرض، وتطبيقه فيها مادام فيها مَن يجب عليه اعتناقه والتدين به.
وعليه جرت الأديان السابقة ذات الأنظمة الإدارية كاليهودية، حيث لا إشكال في أن الحكومات المعترف بها شرعيّاً عند اليهود هي الحكومات التي يرأسها الحاكم المجعول من قبل الله تعالى، والذي يرجع في تعيينه للأنبياء وأوصيائهم، قال الله تعالى: ((ألم تَرَ إلَى المَلإ مِن بَنِي إسرائِيلَ مِن بَعدِ مُوسَى إذ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُم ابعَث لَنَا مَلِكاً نُقَاتِل فِي سَبِيلِ اللهِ)) (1).
وما ندري بعد كل ذلك كيف يصرّ بعض الناس على أن في الأمة كفاءة لحكم نفسها على طبق الإسلام، وأنها قادرة على ذلك، من دون
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 246.


-[ 314 ]-
حاجة للنص الإلهي، غافلاً أو متغافلاً عن جميع ما سبق.
ويزيد في وضوح ذلك ملاحظة واقع المسلمين المزري الذي ندعو للتخلص منه بالرجوع للإسلام. فإنْ أراد هؤلاء الحكم على النهج السابق - الذي يدينون بشرعيته - فكيف وهو الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه؟!
وإنْ أرادوا الحكم على نهج آخر أصلح، فلو كان هناك ما هو الأصلح من دون رجوع للنص، وقد شرعه الله تعالى فلِمَ لمْ يظهر حتى الآن، ولِمَ لم يعتمده الأولون وهم الأقرب لعصر التشريع والأعرف بتعاليم الشريعة وأحكامها؟! ولا سيما مع ما يعتقدونه فيهم مِن أنهم القمة في الإخلاص والعدالة.
ثم كيف يكون موقفنا مما حصل في عصور الإسلام الطويلة، وهل نقرّ بشرعيته أو بعدم شرعيته؟! ولكن لا ضابط للدعاوى والقناعات.
وليس علينا إلا بيان الحقيقة وإيضاحها وجعلها في متناول الطالبين، ولا يهمنا بعد ذلك اقتناع الآخرين بها، وقبولهم لها، بل كل امرئ وما يختار، والحساب على الله تعالى يوم يعرض الناس عليه ويوقفون بين يديه، وهو الحكم العدل.
ومنه عز وجل نستمد العون والتوفيق، والعصمة والتسديد. وهو حسبنا ونعم الوكيل.



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-Apr-2013 الساعة : 10:24 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 315 ]-
المبحث الثاني
في إثبات النص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)
ولنا في ذلك طرق أربعة..
انحصار دعوى النص في الأئمة (عليهم السلام)
الأول: الانحصار، حيث لا قائل بحصول النص الإلهي على أحد غيرهم. ولاسيما بعد ما سبق في النصوص المتواترة بانحصارهم بالعدد الخاص - وهو الإثنا عشر - وبالمواصفات المتقدمة.
وحينئذٍ لو لم يكن النص فيهم وكان في غيرهم لزم..
أولاً: اجتماع الأمة على الضلال، لعدم اعتقادها بالنص المذكور، وقد سبق عند الكلام في المرحلة الأولى امتناع ذلك.
وثانياً: خفاء النص، وقد سبق أنه لابد من وضوحه، ليكون الخروج عنه والخلاف والتفرق في الأمة بعد البيِّنة.
مع أنّ هذا النص إنْ لم يعلم به صاحبه فما الفائدة مِن نَصْبه والنص عليه؟!
وإنْ علم به فلِمَ لم يدّعِه، ويحاول إثباته؟!
وهل هو إلا تفريطٌ منه

-[ 316 ]-
بمنصبه لا يُعْذر عليه، ويخرجه عن أدنى شروط الإمامة الإلهية، وهي العدالة، حيث لا يظن بأحد أن يجوّز اختيار الله تعالى للإمامة غير العادل، فضلاً عمّن يُفرِّط بهذا المنصب العظيم وما يستتبعه من وظائف مهمة في حق الأمة.
دعوى أهل البيت ورودَ النص المذكور
الثاني: دعوى أهل البيت (صلوات الله عليهم) استحقاقهم الإمامة بالنص من الله تعالى، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلغ به، كما يظهر مما سبق ويأتي.
وحيث سبق في المقام الأول إمامتهم في الدين ومرجعيتهم فيه للمسلمين فاللازم القبول منهم وتصديقهم في ذلك.
إجماع الشيعة
الثالث: إجماع شيعة أهل البيت القائلين بإمامتهم في الدين ومرجعيتهم فيه، فإنه بعد ثبوت ضلال مَن خالفهم في ذلك يتعيّن كون الحق مع إجماعهم على إمامة أهل البيت في أمور الدنيا، لئلا يلزم خلوّ الأمة من فرقة تدين بالحق وتدعو له، الذي هو ممتنع كما اشرنا إليه غير مرة، وأوضحناه عند الكلام في شروط شرعية نظام الشورى. فراجع.
هل تنهض هذه الوجوه الثلاثة بإثبات النص؟
هذا وقد يدعى أن هذه الوجوه وحدها لا تنهض بالاستدلال ما لم تكن مدعومة بالنصّ الشايع الواضح الدلالة، ومن ثم لا يتجه سَوْقها أدلة في مقابل

-[ 317 ]-
النص، وذلك لأمرين:
أحدهما: أن مثل هذا الأمر المهمّ في الدين وفي نظم أمر الأمة، والذي لا يعجب كثيراً من الناس، يستدعي عادة البيان بوجه مكثف ملفت للنظر، فعدم وجود البيان بالوجه المذكور دليل على عدم تشريعه، وأن هذه الوجوه الثلاثة من سنخ الشُّبَه المعلوم بطلانها إجمالاً، وإن لم يتيسر معرفة وجه الجواب عنها بعينه تفصيلاً.
لكنه يندفع: بأن الأمر وإن كان كما ذكر، إلا أنه لا يجب بقاء النص هذه المدة الطويلة ووصوله إلينا بهذا النحو مِن الوضوح بعد تَكَثُّر الدواعي لطمسه والتعتيم عليه وتحريفه، بسبب كونه على خلاف هوى السلطة ومضرّاً بمصالحها.
ولاسيما بعد الإطلاع على ما قامت به السلطات المتعاقبة والجمهور السائر في ركابها من التحجير على السنّة النبوية الشريفة، والمنع من روايتها ونشرها إلا في حدود خاصة تعجب السلطة، وإتلاف كثير من كتب الحديث، وحَمْل الناس على اختلاق الأحاديث النبوية وتحريفها لصالح السلطة، وغير ذلك مما تضمنه تراث المسلمين، ويشهد به تعارض الأخبار، واختلاف المسلمين الشديد.
وقد تعرضنا لكثير من ذلك في مواضع من كتابنا (في رحاب العقيدة) خصوصاً في جواب السؤال الثامن من الجزء الثاني.
ويظهر الحال بالقياس على الأديان الحقة السابقة، حيث لا ريب في

-[ 318 ]-
أنها قد تضمنت كثيراً من الأمور المهمة التي تحتاج إلى البيان بوجه مكثف، إلا أنها ضاعت وخفيت معالمها نتيجة ذلك ونحوه.
ثانيهما: ما تقدم منا في مقدمة المقصد الثالث من أن مقتضى الأدلة المتقدمة كوْن الحق مِن الوضوح بحيث يكون الخلاف فيه خلافاً بعد البيِّنة، حيث قد يدعى أن ذلك في المقام إنما يكون مع وضوح النص على إمامة كل إمام في كل عصر بالوجه الكافي في قيام الحجة على إمامته، ولا يكفي وضوح النص على ذلك في خصوص عصر الإمام المنصوص عليه بعد فرض لزوم اعتقاد المسلمين به في العصور المتأخرة أيضًا.
وفيه: أن قيام البينة والحجة الكافية الواضحة على الإمامة لا يتوقف على وضوح النص بلفظه تفصيلاً في كل عصر، بل يمكن أن يستند في بعض العصور لوجوه أخر - كالوجوه السابقة - بحيث تكشف بوضوح عن ورود النص الواضح إجمالاً من دون أن يعرف بلفظه تفصيلاً،
فمثلاً في عصر الصحابة حيث لم تظهر بعْدُ سلبيات عدم العمل بالنص في الإمامة، ولم تتضح وجوه اختلاف الأمة، ولم تُجْمِع الأمة على قدسية أشخاص معينين، قد لا تكون هذه الوجوه صالحة للاستدلال، ولا كافية في وضوح الحجة على ثبوت الإمامة لأشخاص أهل البيت (عليهم السلام) بتعيين من الله تعالى، بل ينحصر ذلك بوضوح النص وشيوعه عندهم، وهو الذي حصل بالفعل.
أما بعد تطور الأوضاع، ومرور التجربة المرة، وظهور سلبياتها بنحو

-[ 319 ]-
يستلزم القطع بانحصار شرعية الإمامة بالنص الإلهي، ثم ظهور فرقة تنفرد من بين المسلمين من اليوم الأول بالقول بأن الإمامة تابعة للنص، وقد تبنّت هذه الفرقة إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) واختصت بهم، وكانوا هم من القدسية والجلالة بالنحو المفروض على عموم المسلمين، وقد انسجموا مع هذه الفرقة وأفضوا بسرّهم إليها، واتفق الكل أو الأكثر تبعاً للموازين الشرعية والعقلائية على عدم اجتماع الأمة على الضلال والخطأ، فبعد ذلك كله لا مانع من نهوض هذه الوجوه أو غيرها بتعيين أشخاص الأئمة المنصوص عليهم حتى لو فرض تعتيم السلطات السابقة على النص المعين لأشخاصهم بلفظه، بحيث لم يبق بالوضوح والشيوع الكافيين، كي ينهض وحده بأن يكون حجة على عموم المسلمين وصالحاً لإقناعهم على اختلاف فرقهم.
النصوص الواردة في الإمامة
الرابع: النصوص الكثيرة التي وصلت إلينا من طريق الشيعة والجمهور معًا. وهذه النصوص لو تمت تنهض بالاستدلال حتى لو فرض عدم تمامية ما سبق بإثبات انحصار شرعية الإمامة بالنص، أو عدم اقتناع بعض الناس بها، لظهور أنه يجب القبول بالنص والتسليم له على كل حال.
والكلام.. تارة: في النصوص الدالة على أن الإمامة لأهل البيت (صلوات الله عليهم) عمومًا، أو لأمير المؤمنين (عليه السلام) باعتباره سيدهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يمثل خطهم، بحيث يبتني ثبوت النص في حقه على

-[ 320 ]-
أن الخلافة لا تكون ببيعة الناس، ولا بالاستيلاء على السلطة بالقوة، بل هي لأهل البيت (صلوات الله عليهم) بالنص الإلهي.
وأخرى: في النصوص الواردة في حق بقية الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (صلوات الله عليهم) بأشخاصهم، وهم الذين تقول بهم الإمامية.
والفرْق بين الطائفتين: أن الطائفة الأولى لابد أن تكون من الوضوح بحيث تكون حجة على عموم المسلمين وفق الضوابط المُلْزمة لهم.
أما الطائفة الثانية فيكفي أن تكون من الوضوح بحيث تكون حجة وفق الضوابط المُلْزِمة للقائلين بالنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) وآل البيت عموماً وإمامتهم في الدين والدنيا، ولا يضرّ به عدم اقتناع القائلين بعدم النص من بقية المسلمين به لمخالفته لمبانيهم، بعد أن أعرضوا عن الحجة الواضحة على أصل النص في المقام الأول، لعدم نظرهم فيها أو لرفضهم لها عناداً أو تعصبًا.
فالمقام نظير النبوة والإمامة، حيث يجب في دليل النبوة أن يكون حجة على جميع المعترفين بوجود الله تعالى وفق الضوابط الملزمة لهم.
أما دليل الإمامة فيكفي فيه أن يكون حجة وفق الضوابط الملزمة للمسلمين المعترفين بالنبوة، وإن لم يقتنع به بقية أهل الأديان من غير المسلمين الذين لا يعترفون بالنبوة.
إذا عرفت هذا فالكلام في مقامين:

-[ 321 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-Apr-2013 الساعة : 02:29 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 321 ]-
المقام الأول
في النصوص الواردة في أمير المؤمنين وأهل البيت عمومًا
وهي تنفع في إثبات إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) عمومًا، في مقابل ثبوت الإمامة باختيار الناس وبيعتهم، أو بالغلبة والاستيلاء على السلطة.
وهي نصوص كثيرة، بدأت في أوائل البعثة الشريفة، وختمت بأواخر زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما آذن بانتقاله للرفيق الأعلى.

حديث الــدار

1ـ فمنها: حديث الدار، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "لمّا نزلت ((وَأنذِر عَشِيرَتَكَ الأقرَبِينَ)) دعاني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا علي إنّ الله أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين... فاصنع لنا صاعاً من طعام... واجمع لي بني عبد المطلب... ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم...
ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، قد جئتكم بخير
-[ 322 ]-
الدنيا والآخرة. وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟
فأحجم القوم عنها جميعًا، وقلتُ وإني لأحْدَثُهم سِنًّا...: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه
فأخذ برقبتي، ثم قال:
إنّ هذا أخي ووصيِّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون، فيقولون لأبي طالب:
قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع" (1).
وقد روى هذا الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيره جمعٌ كثير من المؤرخين والمفسرين ورجال الحديث من الشيعة والجمهور بمضامين متقاربة أو مختزلة مرسلين له إرسال المسلمات، أو مسندين له بطرق مختلفة، فيها ما هو المعتبر وفق ضوابط الجمهور.
ولا يسعنا تفصيل ذلك، بل يوكل للمطولات.
ويبدو من هذا الحديث أن الغرض المهم من هذه الدعوة هو تعيين الوصي والخليفة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بملاك الأهلية والاستحقاق، تبعاً لقوة الإيمان بالإسلام، وتحمُّل مسؤولية الدعوة له، والتصميم على النهوض به، قبل أن يقوى ويصير مورداً للمطامع والآمال.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكامل في التاريخ 1: 585ـ586 ذكر أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته، واللفظ له / تاريخ الطبري 1: 542ـ543 ذكر الخبر عما كان من أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبرئيل إليه بوحيه / شرح نهج البلاغة 13: 210 / تفسير ابن كثير 3: 352. وقد أبدل وصيي وخليفتي بكذا وكذا / وكذلك في كتابه البداية والنهاية 3: 40 باب الأمر بإبلاغ الرسالة / وكذلك فعل الطبري في تفسيره 19: 122.
-[ 323 ]-
وما ذلك إلا لأهمية ذلك في الدين الجديد، وليكون معلوماً من مفتتح الدعوة له، ولو عند الخاصة.
ويناسبه ما سبق من حديث عبادة بن الصامت - الذي هو من النقباء الاثني عشر الذين شهدوا بيعة العقبة قبل الهجرة - مِن أنهم بايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا ينازعوا الأَمْرَ أهْلَه. وإنما قدمناه على بقية النصوص لذلك.

دلالة حديث الدار على الخلافة العامة

وربما يدعي بعضهم أن الحديث لم يتضمن الخلافة العامة، بل الخلافة على خصوص بني عبد المطلب، فلا ينفع في المقام.
لكنه يندفع بالإجماع على أنه ليس في الإسلام خلافتان، وأنّ الخليفة والإمام على بني عبد المطلب هو(نفسه) الخليفة والإمام على جميع المسلمين. ولاسيما مع تضمُّن الحديث وصايته (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنها تكفي في عموم إمامته. فلابد أن يكون تخصيصهم بذلك لأنهم الحاضرون مجلس الخطاب، حيث لا مخاطب بالإسلام غيرهم(في ذلك المجلس).
على أنه قد ورد في بعض طُرُق الحديث إطلاق خلافته (عليه السلام) مِن دُون قَيْد (1).
ويبدو أن أهمية الحديث ومخالفته لمباني الجمهور جعلته عُرْضة للحذف والتحريف، كما يظهر بمراجعة المطولات.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 42: 48 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / السيرة الحلبية 1: 461 باب
استخفائه (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه في دار الأرقم بن الأرقم.
-[ 324 ]-

آيـة الولاية

2ـ ومنها قوله تعالى: ((إنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزبَ اللهِ هُم الغَالِبُونَ)) (1).
فإن المشهور بين المفسرين نزولها في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حينما تصدق وهو راكع في صلاته بخاتمه على السائل (2).
وبه استفاضت نصوص الفريقين (3).
والمراد بالوَلِيّ هنا الأَوْلى بهم والمُتولِّي لأمورهم، دُون مثل المحب والناصر ونحوهما مما قد يُذكَر في معنى الولي، لأنّ المعنى الذي ذكرناه هو المناسب..
أولاً: للاهتمام المستفاد مِن مقام نزول الآية الكريمة، لِظُهُور أنّ ولايته بالمعنى الآخر مِن الوضوح بحدٍّ لا يحتاج للبيان.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية: 55ـ56.
(2) تفسير الطبري 6: 288 / تفسير ابن كثير 2: 72 / زاد المسير 2: 292 / تفسير القرطبي 6: 221 / شواهد التنزيل 1: 218، 219 / الدر المنثور 2: 293 / تفسير الثعالبي 2: 396. وغيرها من المصادر.
(3) تفسير القرطبي 6: 221 / تفسير الطبري 6: 288 / تفسير ابن كثير 2: 72 / مجمع الزوائد 7: 17 كتاب التفسير: سورة المائدة / المعجم الأوسط 6: 218 / فتح القدير 2: 53 / زاد المسير 2: 382 / أحكام القرآن للجصاص 4: 102 باب العمل اليسير في الصلاة / روح المعاني 6: 167 / شواهد التنزيل للحسكاني 1: 209، 210، 211 / تاريخ دمشق 42: 357 في ترجمة علي بن أبي طالب، 45: 303 في ترجمة عمر بن علي بن أبي طالب / كنز العمال 13: 108 حديث:36354. وغيرها من المصادر الكثيرة من كتب الجمهور والشيعة.
-[ 325 ]-
وثانياً: للحَصْر المستفاد مِن (إنما)، لأن المعنى الآخر لا يختص به (عليه السلام)، بل جميع المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
وثالثاً: لسياق ولايته بولاية الله عزّ وجلّ ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ورابعاً: بجَعْلها الشرْطَ الأخير للدخول في حزب الله تعالى، الذي له الغلبة في العاقبة، بناء على ما هو الظاهر مِن أنّ المراد بالذين آمنوا في الآية الثانية هو المعهود في الآية الأولى، وهو المُتصَدِّق حال الركوع(وهو الإمام علي عليه السلام).
ووضوح دلالة الآية الشريفة يغني عن إطالة الكلام فيها. ومَن أراد المزيد فليرجع للمطولات.
إلا أنه يحسن بنا أن نثبت هنا حديثين يؤكدان دلالة الآية الكريمة على المدعى..

حديث أبي ذر (رضي الله عنه) في نزول الآية

الأول: ما روي عن أبي ذر (رضي الله عنه) مُسْنَدًا، قال:
"سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين وإلا صُمّتا، ورأيته بهاتين وإلا عُمِيَتا، وهو يقول:
عليٌّ قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور مَن نصره، ومخذول مَن خذله.
أما إني صليتُ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومًا من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد... وكان عليٌّ راكعًا، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعيْن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال:
اللهم إنّ أخي موسى سألك فـقال: (( رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي وَيَسِّر لِي أمرِي وَاحلُل
-[ 326 ]-
عُقدَةً مِن لِسَانِي يَفقَهُوا قَولِي وَاجعَل لِي وَزِيراً مِن أهلِي هَارُونَ أخِي اشدُد بِهِ أزرِي وَأشرِكهُ فِي أمرِي))، فأنزلتَ عليه قرآناً ناطقاً: ((سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ)). اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أخي، اشدد به أزري.
قال أبو ذر: فوالله ما استتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلام حتى هبط عليه جبرائيل من عند الله، وقال: يا محمد هنيئاً لك ما وهب الله لك في أخيك. قال: وما ذاك جبرئيل؟
قال: أمر الله أمّتَك بموالاته إلى يوم القيامة، وأنزل قرآناً عليك ((إنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ)) " (1).

حديث عمار بن ياسر (رضي الله عنه) في نزول الآية

الثاني: ما روي عن عمار بن ياسر قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلمه ذلك، فنزلَت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ((إنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ)) فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال:
مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه" (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شواهد التنزيل للحسكاني 1: 230ـ231، واللفظ له / نظم درر السمطين: 87 / تذكرة الخواص: 15حكاه عن الثعلبي، وغيرها من المصادر.
(2) المعجم الأوسط 6: 218، واللفظ له / مجمع الزوائد 7: 17 كتاب التفسير، سورة المائدة / تخريج الأحاديث والآثار 1: 410 سورة المائدة، 2: 238 سورة النحل / الدر المنثور 3: 105 / لباب النقول 1: 93، وغيرها من المصادر.
-[ 327 ]-
والآيات التي يستدل بها على أنّ الإمامة في أهل البيت (صلوات الله عليهم) كثيرة، إلا أنها تحتاج إلى شرح وكلام طويل لا يناسب المقام، غير أنه يأتي عند الكلام في أنّ الإمامة في ذرّيّة الإمام الحسين (عليه السلام) التعرُّض للاستدلال بقوله تعالى: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)) (1).

نصوص المنزلة

3ـ ومنها: ما سبق التعرض له من النصوص الكثيرة المتضمنة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسى عدا النبوة. لِمَا أشرنا إليه هناك مِن أنّ هارون شريكُ موسى في أَمْرِه، ومقتضى مشاركته فيه قيامُه مقامَه في موته أو غيبته، وإنما لم يَخْلُف موسى بعد موته لأنه مات قبله، لا لِقُصُورٍ في مَنْصِبه، فيتعين ثبوت ذلك لأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي بقي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعلى غِرَاره يجري قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "عليٌّ منّي بمنزلتي مِن ربي" (2). فكما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم المسلمين خِلافَةً عن الله تعالى، كذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) يحكمهم خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

نُصُوص وجوبِ طاعةِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام)

4ـ ومنها: ما تضمَّنَ وجوبَ طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
"مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع عليّاً فقد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال آية: 75 / سورة الأحزاب آية: 6.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (3) ص: 267.
-[ 328 ]-
أطاعني، ومَن عصى عليّاً فقد عصاني" (1).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يا عليّ مَن فارَقَني فقد فارَق الله، ومَن فارَقك يا عليّ فقد فارقني" (2).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "عليُّ بابُ حِطَّةٍ مَن دخَل منه كان مؤمنًا، ومَن خرَج منه كان كافراً" (3).
لوضوح أنّ إطلاق وجوب الطاعة وعدم تقييده بأمْرٍ خاص أو جهةٍ خاصة يستلزم الإمامة. إذ لا مجال لإمامة غيره مع وجوب طاعته، وإلا كان الحاكمُ محكوماً والسائس مسوسًا. ولذا ثبتت إمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوجوب طاعته، ولم تتوقف على أمر آخر.

النصوص المتضمِّنة إمامتَه أو سيادتَه أو إمارتَه أو نحوَها

5ـ ومنها: ما تضمن إمامته أو سيادته أو إمارته أو نحو ذلك، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أُوحيَ إليّ في عليٍّ ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنه سيد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغُرّ المُحَجَّلِين" (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تقدمت مصادره في هامش رقم (2) ص: 266.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (1) ص: 266.
(3) الفردوس بمأثور الخطاب 3: 64، واللفظ له / العلل المتناهية 1: 241 / كشف الخفاء للعجلوني 1: 236 / الجامع الصغير 2: 177 / فيض القدير 4: 356 / ينابيع المودة 2: 96 / النصائح الكافية: 95 / ميزان الاعتدال 2: 285 في ترجمة الحسين بن الحسن الأشقر / كنز العمال 11: 603 رقم الحديث: 32910. وغيرها من المصادر.
(4) المعجم الصغير 2: 192، واللفظ له / مجمع الزوائد 9: 121 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب جامع في مناقبه (رضي الله عنه) / المستدرك على الصحيحين 3: 148 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، وقال بعد ذكر الحديث: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" / أسد الغابة 1: 69 في ترجمة أسد بن زرارة الأنصاري، 3: 116 في ترجمة عبد الله بن أسعد بن زرارة الأنصاري / تاريخ دمشق 42: 302، 303 في ترجمة علي بن أبي طالب / معجم الصحابة 1: 70 في ترجمة أبجر بن غالب المزني، 2: 112 في ترجمة عبد الله بن زرارة بن عدس / موضح أوهام الجمع والتفريق 1: 183، 184، 185، 186 في الوهم الثالث والستون / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 315 فصل في علي بن أبي طالب / حلية الأولياء 1: 63 في ترجمة علي بن أبي طالب / تاريخ بغداد 11: 112 في ترجمة عبد الجبار بن أحمد بن عبيد الله السمسار، 13: 122 في ترجمة المفضل بن سلم / كشف الخفاء 2: 456 / كنز العمال 11: 619، 620 / ينابيع المودة 2: 162 / ميزان الاعتدال 7: 207 في ترجمة يحيى بن العلاء البجلي / الكامل في ضعفاء الرجال 7: 199 في ترجمة يحيى بن العلاء الرازي. وغيرها من المصادر.
-[ 329 ]-
وفي بعض طرقه: "أنه سيّد المسلمين..." (1)، وفي آخر: "أنه سيد المسلمين، ووليّ المتقين..." (2).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) له (عليه السلام) : "مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين" (3).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "أوّلُ مَن يدخل مِن هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغرّ المحجلين" فدخل عليٌّ (عليه السلام) (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك على الصحيحين 3: 148 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / معجم الصحابة 2: 112 في ترجمة عبد الله بن زرارة بن عدس / أسد الغابة 1: 69 في ترجمة أسد بن زرارة الأنصاري، 3: 116 في ترجمة عبد الله ابن أسعد بن زرارة الأنصاري / موضح أوهام الجمع والتفريق 1: 183، 185، 186 في الوهم الثالث والستون / كنز العمال 11: 619 رقم الحديث: 33010 / تاريخ دمشق 42: 302 في ترجمة على بن أبي طالب (رضي الله عنه) / ميزان الاعتدال 7: 207 في ترجمة يحيى بن العلاء البجلي. وغيرها من المصادر.
(2) موضح أوهام الجمع والتفريق 1: 183 في الوهم الثالث والستون / تاريخ دمشق 42: 302 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / كنز العمال 11: 620 رقم الحديث: 33011.
(3) حلية الأولياء 1: 66 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / تاريخ دمشق 42: 370 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / كشف الخفاء 2: 392 / نظم درر السمطين: 115 / كنز العمال 11: 619 رقم الحديث 33009، 13: 177 رقم الحديث: 36527 / سبل الهدى والرشاد 11: 293 / ينابيع المودة 2: 81. وغيرها من المصادر.
(4) شرح نهج البلاغة 9: 169 واللفظ له / حلية الأولياء 1: 63 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 364 / المناقب للخوارزمي: 85 / ينابيع المودة 2: 488 / تاريخ دمشق 42: 303 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر.
-[ 330 ]-
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إنّ الله تعالى عَهِد إليّ عهْداً في عَليّ.
فقلتُ: يا ربّ بَيِّنه لي.
فقال: اسمع.
فقلت: سمعت.
فقال: إنّ عليّاً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور مَن أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتُها المتقين..." (1).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ بضبعه: "هذا إمام البررة، قاتل الفجرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله. ثم مدّ بها صوته" (2).
وحديث زيد بن أرقم: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا هل أدلكم على ما إنْ تساءلتم عليه لم تهلكوا؟ إنّ وليّكم الله، وإنّ إمامكم علي بن أبي طالب، فناصحوه وصدقوه، فإنّ جبريل أخبرني بذلك" (3)... إلى غير ذلك مما قد يأتي بعضه عند الكلام في إمامة ذريته (صلوات الله عليهم).
كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وصف الإمام عليّاً (عليه السلام) بأنه أمير المؤمنين في عدّة مواضع (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تقدمت مصادره في هامش رقم (1) ص: 261.
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 140 كتاب معرفة الصحابة: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / فيض القدير 4: 356 / الجامع الصغير للسيوطي 2: 177 رقم الحديث 5591 / تاريخ بغداد 2: 377 في ترجمة محمد بن عبد الصمد أبي الطيب الدقاق، 4: 218 في ترجمة أحمد بن عبد الله بن يزيد / تاريخ دمشق 42: 226 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / كنز العمال 11: 602 رقم الحديث: 32909 / فتح الملك العلي: 57 / الكامل في الضعفاء 1: 192 في ترجمة أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب / المجروحين 1: 153 في ترجمة أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب / ميزان الاعتدال 1: 249 في ترجمة أحمد بن عبد الله بن يزيد / لسان الميزان 1: 197 في ترجمة أحمد بن عبدالله بن يزيد. وغيرها من المصادر.
(3) شرح نهج البلاغة 3: 98.
(4) تاريخ دمشق 42: 303، 386 في ترجمة علي بن أبي طالب / المناقب للخوارزمي: 85 / موضح أوهام الجمع والتفريق 1: 185 / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 364 / حلية الأولياء 1: 63 في ترجمة علي بن أبي طالب / لسان الميزان 1: 107 في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ميمون / ميزان الاعتدال 1: 191 في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ميمون. وغيرها من المصادر.
-[ 331 ]-
بل في حديث بريدة: "أمرنا رسول الله أن نسلِّم على عليٍّ بأمير المؤمنين، ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم حينئذٍ" (1).
وإذا كان كل واحد من هذه الأحاديث من أخبار الآحاد فإنها بمجموعها مستفيضة. بل هي بملاحظة تعدُّد طُرُق كثير منها متواترة إجمالاً بنحوٍ يُقطَع بصدور بعضها. وهو كافٍ في المطلوب.

نصوص الوصية

6ـ ومنها: ما أشرنا إليه في أدلة إمامتهم (عليهم السلام) في الدين من أن أمير المؤمنين وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي بعضها عموم ذلك للأئمة من ذريته، كما سبق. لظهور أن أوصياء الأنبياء يقومون مقامهم في جميع وظائفهم، كما أشرنا إليه هناك.

نصوص الولاية

7ـ ومنها: ما تضمن من النصوص الكثيرة أن أمير المؤمنين وليّ المؤمنين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2)، فإنّ الولي وإنْ كان قد يُطلَق بمعنى المُحب
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 42: 303 في ترجمة علي بن أبي طالب.
(2) مجمع الزوائد 9: 128 كتاب المناقب: باب منه جامع فيمن يحبه ويبغضه / السنن الكبرى للنسائي 5: 133 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر قوله (صلى الله عليه وسلم) : علي وليكم بعدي / المعجم الأوسط 6: 163 / مسند أحمد 5: 356 في حديث بريدة الأسلمي (رضي الله عنه) / الفردوس بمأثور الخطاب 5: 392 / فتح الباري 8: 67 / تحفة الأحوذي 10: 146، 147 / فيض القدير 4: 357 / الإصابة 6: 623 في ترجمة وهب بن حمزة / الرياض النضرة 2: 187 / تاريخ دمشق 42: 189 في ترجمة علي بن أبي طالب / فضائل الصحابة لابن حنبل 2: 688 / البداية والنهاية 7: 344، 346 أحداث سنة أربعين من الهجرة: تزويجه فاطمة الزهراء (رضي الله عنه).
-[ 332 ]-
والناصر ونحوهما، إلا أنه لابد مِن حَمْلِه(وتفسيره) هنا على ولاية الأمْر التي هي بمعنى الإمْرَة..
أولاً: لأنّ ظاهر الإضافة هو الحَصْر بمعنى أنه لا وليَّ غيره، وذلك لا يكون في الوليّ بالمعنى الأوّل، لظهور أنّ المؤمنين جميعاً بعضهم أولياء بعض بالمعنى المذكور، كما تقدم نظيره.
وثانياً: لأن تقييد ولايته المذكورة بكونها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مُلْزِمٌ بحَمْلها على ولاية الأمر، كما هو ظاهر. ولعله لذا ورد في بعض الطرق: "فهو أولى الناس بكم بعدي" (1).

حديث الغَدِير

8 ـ ومنها: حديث الغدير المشهور، بل المتواتر إجمالاً. وهو يمتاز عن غيره بأمرين:
الأول: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قاله بعد أن آذن بقرب رحيله عن الدنيا، بنحوٍ يناسب كونه في مقام الاستخلاف مِن بعده.
الثاني: إعلان التبليغ به في خطبة خطبها أمام جمع غفير كان معه في طريقه إلى المدينة المنورة راجعاً من حجة الوداع، حيث يناسب تعميمُ الإعلان أهميةَ الأمر المُعْلَن في الدين وفي شؤون المسلمين، وأن الغرض من ذلك تبليغ جميع المسلمين به من أجل إقامة الحجة عليهم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد 9: 109 كتاب المناقب: باب قوله (صلى الله عليه وسلم) : من كنت مولاه فعلي مولاه / المعجم الكبير 22: 135 فيما رواه وهب بن حمزة / فيض القدير 4: 357 / كنز العمال 11: 612 رقم الحديث: 32961.
-[ 333 ]-
وقد روى الشيعة خطبة طويلة جدّاً فيها كثير من تفاصيل الإمامة (1)، وهي المناسبة للمقام، إلا أنّ كثيراً مِن الروايات - خصوصاً روايات الجمهور - قد اقتصرت على القليل على اختلاف بينها في مقداره، وهو مع ذلك فيه كفاية.
ولا بأس أن نثبت ما روي عن حذيفة بن أسيد، قال: "لَمّا صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهن، فقُمَّ(كُنِس) ما تحتهن من الشوك، وعهد إليهن فصلى تحتهن.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 37: 131، 204.
-[ 334 ]-
ثم قام فقال: أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلا نصف الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت. فجزاك الله خيرًا.
قال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال: اللهم اشهد. ثم قال: أيها الناس إنّ الله مَوْلاي، وأنا مَوْلَى المؤمنين، وأنا أَوْلَى بهم مِن أنفسهم، فمَن كنتُ مَوْلاه فهذا مولاه- يعني: عليًّا- اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه.
ثم قال: أيها الناس إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان فضة، وإني سائلكم حين تَرِدُون عليّ عن الثَّقَلَيْن، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ، سبب طرفه بيد الله، وطرفه الآخر بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علَيّ الحوض" (1).
وقد اختلفت النصوص في مقدار ما ينْقل من الخطبة، إلا أنّ ما تَكَاد تُجْمِع عليه الطُّرُق هو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
"مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه"
أو: "مَن كنتُ وَلِيَّه فعليٌّ وَلِيُّه".
وقد صرَّح بصحة هذا المقدار جماعة كثيرون من الجمهور. بل صرح غير واحد منهم بتواتره.
وهو كافٍ في الاستدلال، فإنّ سياق ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) مساق ولاية الله تعالى وولاية رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقتضي حَمْلَ الولاية فيه على ولاية الأمر الراجعة للإمامة والسلطنة. ولاسيما مع ظهور إضافة المولى أو الولي للمؤمنين في الحَصْر، كما تقدم نظيره.
ويؤكد ذلك أمور:
الأول: ظروف الخطبة الشريفة التي أشرنا إليها، وما تضمنتها من التأكيد على تبليغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدين وإقامة الحجة فيه، وعلى أخذ إقرار الحضور بأصوله ومقوّماته، حيث يناسب ذلك أن يكون الأمْرُ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الكبير 3: 180 حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري: فيما رواه أبو الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد، واللفظ له / مجمع الزوائد 9: 164ـ165 كتاب المناقب: باب في فضل أهل البيت (رضي الله عنهم) / تاريخ دمشق 42: 219 في ترجمة علي بن أبي طالب.
-[ 335 ]-
المُسْتَجِدّ المُبَيَّن في الخطبة أمْراً مهمّاً في الدِّين.
الثاني: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الفقرة المذكورة: "أنا موْلى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم مِن أنفسهم" وما يرجع إلى ذلك مع اختلاف ألفاظه باختلاف طُرُق الحديث بسبب النَّقْل بالمعنى. فقد ذكر ذلك في كثير مِن طُرق الحديث قد تبلغ حدّ التواتر أو تزيد عليه. وهو صريح في أن المراد بالمولى أو الولي هو الأولى.
الثالث: التذكير بالثقلين الذي تضمنته كثير من طرق الحديث، حيث يناسب ذلك سوق الفقرة المذكورة لبيان وجوب طاعة أمير المؤمنين، لأنه سيد العترة التي هي أحد الثقلين.
الرابع: ما ذكره جماعة من أهل الحديث وغيرهم من استئذان حسان ابن ثابت من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينشد أبياتاً في المناسبة المذكورة، فأذن له، فأنشد أبياته المشهورة:
يُناديهِمُ يَومَ الغَديرِ نَبِيُّهُم *** بِخُمٍّ وَأَسْمِع بِالنَبيّ مُنادِيا
يَقولُ فَمَن مَوْلاكُمُ وَوَليُّكُم***فَقالُوا وَلم يُبدو هُناك التَعامِيا
إلهُكَ مَولانا وَأنتَ وَليُّنا *** وَلم تَرَ مِنّا فِي الولايةِ عاصِيا
فَقالَ لَهُ قُمْ يا عَليُّ فَإنّني *** رَضِيتُكَ مِن بَعدِي إماماً وَهادِيا
فَمَنْ كُنتُ مَولاهُ فَهذا وَليُّه *** فَكونُوا لَهُ أنصارَ صِدْقٍ مَوَالِيا
هُناك دَعا: اللهُمّ والِ وَليَّه *** وَكنْ لِلّذي عَادى عَليّاً مُعادِيا (1)
كما أنه تعرَّض للواقعة وللاحتجاج بها شعراءُ الشيعة الأوائل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المناقب للخوارزمي: 136 حديث:152 / نظم درر السمطين: 112، 113 / ونقله في الغدير عن الحافظ المرزباني والحافظ السيوطي والحافظ أبي نعيم الأصفهاني 2: 34ـ36، 1: 232.
-[ 336 ]-
-كالسيّد الحميري والكميت - بنحْوٍ يناسب المفروغية عن كوْن الأمر الذي بيَّنه النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها ما ذكرناه.
الخامس: تهنئة الحضور لأمير المؤمنين بأنه قد أصبح مولاهم ومولى المؤمنين، كما تضمنه كثير من طرق الحديث (1). حيث يدل على أنه (عليه السلام) قد تميز عنهم بذلك. بينما الولاية بلحاظ النصرة والمحبة أمْرٌ مشترك بين جميع المسلمين.
السادس: ما ذكره جماعة (2) مِن أنه لَمّا شاع ذلك أتى الحارث بن النعمان الفهري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فشهدنا، وأمرتنا أن نصلي خمسًا، فقبلنا منك، وأمرتنا بالزكاة، فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصوم شهرًا، فقبلنا منك، وأمرتنا بالحج، فقبلنا منك. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا منك أم من الله؟
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : والله الذي لا إله إلا هو إنّ هذا مِن الله.
فولّى الحارث بن النعمان، وهو يريد راحلته ويقول: اللهم إنْ كان ما يقول محمد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المصنف لابن أبي شيبة 6: 372 كتاب الفضائل: فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / مسند أحمد 4: 281 حديث البراء بن عازب (رضي الله عنه) / البداية والنهاية 5: 229 فصل في إيراد الحديث الدال على أنه (عليه السلام) خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه.. / التفسير الكبير 12: 49ـ50 / تاريخ بغداد 8: 290 في ترجمة حبشون بن موسى بن أيوب / الصواعق المحرقة: 42 في ثالث الأوجه في جواب الشبهة الحادية عشر.
(2) تفسير القرطبي 18: 278ـ279 في قوله عز اسمه: ((سأل سائل...)) من سورة المعارج / السيرة الحلبية 3: 308ـ309 في حجة الوداع / فيض القدير شرح الجامع الصغير 6: 282 في شرح حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) حديث:9000 / السراج المنير 4: 364 في تفسير الآية / تفسير أبي السعود 9: 29 في تفسير الآية / شواهد التنزيل للحسكاني 2: 286ـ289 في تفسير الآية / نظم درر السمطين: 93 / ينابيع المودة 2: 368ـ369.
-[ 337 ]-
حَقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل راحلتَه حتى رماه الله تعالى بحجر، فسقط على هامته وخرج مِن دبره، وأنزل الله: ((سَألَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِلكَافِرينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ)) (1).
السابع: الاحتجاج به من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من أولاده (عليهم السلام) وأوليائهم لبيان تقدُّم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على غيره، وأنه المؤهَّل للمنصب دونهم.
والحديث في ذلك وفي حديث الغدير عموماً طويل جدًّا، وقد ذكرنا نبذة عنه في جواب السؤال السابع من الجزء الأول وفي أول الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة). وأطال فيه علماؤنا الأعلام (رضوان الله تعالى عليهم). وفيما ذكرناه كفاية للمنصف. ومن أراد التفصيل فليرجع للمطولات.

اسْتِفَاضة النصوص وشهادة القرائن بصدقها

وهذه النصوص الكثيرة عدداً وإسناداً عند الجمهور تزيد بمجموعها على التواتر الإجمالي بمراتب، بل بعضها يزيد نفسه على التواتر. كما يظهر مما تقدم.
ولاسيما أن هذه النصوص لا تناسب موقف الجمهور من أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومن خصومهم ومَن تقدم عليهم، فروايتهم لها شاهد بأنها من الوضوح بحدٍّ فرضت نفسها على الكل.
على أن رواية الشيعة لها ولأمثالها بطرقهم الكثيرة صالح لدعم هذه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المعارج آية: 1، 2.
-[ 338 ]-
النصوص، بحيث يصبح مضمونها من البديهيات غير القابلة للتشكيك.
بل الإنصاف أن في روايات الشيعة وحدها كفاية للمنصف، فإنهم الأحرى بالتصديق بعد أن تأدّبوا عموماً بآداب أئمتهم (صلوات الله عليهم) وتأثروا بأخلاقهم العالية في الصدق والأمانة وغيرهما من مكارم الأخلاق - كما لا يخفى على مَن خالطهم وعاشرهم - ولزموا نهجهم (عليهم السلام) ونهج القرآن المجيد مِن قبلهم في الاستدلال وقوة الحجة وسلامة البرهان، بعيداً عن التناقض والثغرات، كما يتضح ذلك بمحاورتهم والإطلاع على تراثهم.
ولاسيما أنهم قد تحملوا في سبيل عقيدتهم الأمرّين وثبتوا عليها مع ذلك في عصورهم الطويلة، حيث لا يُعِينُهم على ذلك إلا تناسق عقيدتهم وقوة بصيرتهم وإخلاصهم وواقعيتهم.

ثبوت المَنْصِب لعموم أهل البيت (عليهم السلام)

ثم إن النصوص السابقة وإن اختصت بأمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، إلا أن الظاهر أن اختصاص النص به لأنه سيد أهل البيت ومقدمهم، مع المفروغية عن أن الأمر في ذريته من بعده، كما يناسب ذلك ما في جملة من طرق حديث الغدير - ومنها ما تقدم - مِن التذكير بالثقلين والسؤال عنهم. بل في بعض روايات الشيعة لحديث الغدير التصريح ببقاء الإمامة في ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
هذا مضافاً إلى أمرين:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 37: 132، 208 وما بعده.
-[ 339 ]-
الأمر الأول: طائفتان من النصوص:
الطائفة الأولى: بعض النصوص المتقدمة عند الاستدلال على إمامتهم في الدِّين..
1ـ منها: حديث الثقلين، لظهوره في لزوم طاعتهم، لأنها مقتضى التمسك بهم. ولاسيما بملاحظة ما تقدم في بعض طرقه من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا...". وقد سبق أن وجوب الطاعة مُلازِمٌ للإمامة.
2ـ ومنها: حديث السفينة، لدلالته على وجوب الطاعة أيضًا.
3ـ ومنها: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "مَن أحبّ أن يحيى حياتي... فليتولَّ عليّاً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة"، فإن الظاهر أن المراد الحث على الإذعان بولايتهم (عليهم السلام)، كما يناسبه ما سبق من قوله تعالى: ((إنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزبَ اللهِ هُم الغَالِبُونَ))، حيث فَرَّعَ التوَلِّي في الآية الثانية على جَعْل الولاية في الآية الأولى. فراجع ما سبق.
بل في بعض طرق الحديث: "فليتولَّ عليّاً وذرّيّتَه الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الدجى مِن بعده..." (1)، وفي بعضها: "فليوالِ عليّاً مِن بعدي وليوالِ وليَّه وليقْتَدِ بالأئمة مِن بعدي فإنهم عترتي خُلِقوا مِن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودة 1: 383.
-[ 340 ]-
طِينتي..." (1).
4ـ ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "في كل خَلَف مِن أمتي عُدول من أهل بيتي... ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى فانظروا مَن تُوفدون" (2).
فإن ذيله كالصريح في أن هؤلاء العدول من أهل البيت (صلوات الله عليهم) هم الأئمة منهم. ومقتضى إطلاق الإمامة إرادة الإمامة في الدين والدنيا معًا، كإمامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ولاسيما مع عدم الالتفات للفصل بينهما إلا متأخرًا، كما تقدم.
الطائفة الثانية: أحاديث أُخرى -لم تتقدم- صريحة في الإمامة..
1ـ منها: حديث جابر: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا سيد النبيين وعليٌّ سيد الوصيين وإنّ أوصيائي من بعدي اثنا عشر أولهم علي، وآخرهم القائم المهدي" (3).
2ـ ومنها: حديث ابن عباس: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر، أولهم علي، وآخرهم ولدي المهدي" (4).
3 ـ ومنها: حديثه الآخر: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) حلية الأولياء 1: 86 في ترجمة علي بن أبي طالب، واللفظ له / وذكر باختصار في التدوين في أخبار قزوين 2: 485.
(2) تقدمت مصادره في هامش رقم (2) ص: 255.
(3) ينابيع المودة 3: 291.
(4) ينابيع المودة 3: 295واللفظ له / ورواه عن فرائد السمطين 383.
-[ 341 ]-
وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون" (1). فإن ذلك يناسب إمامتهم (عليهم السلام).
4 ـ ومنها: حديثه الثالث: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن تُؤْتَى المدينة إلا مِن قِبَل الباب... وأنت إمام أمتي وخليفتي عليها من بعدي، سعد مَن أطاعك، وشقي مَن عصاك، وربح مَن تولّاك، وخسر مَن عاداك، وفاز مَن لزمك وهلك مَن فارقك. مثلك ومثل الأئمة مِن ولدك مثل سفينة نوح مَن ركبها نجا، ومَن تخلف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم، كلما غاب نجم طلع نجم، إلى يوم القيامة" (2).
5 ـ ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته: "يا أيها الناس إن الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريته، فلا تذهبن بكم الأباطيل" (3).
6 ـ ومنها: حديث سلمان الفارسي (رضي الله عنه) عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "يا عليّ تختَّم باليمين تكن مِن المقربين... قال: فبم أتختم؟ قال: بالعقيق الأحمر، فإنه جبل أقرّ لله بالوحدانية ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولمحبيك بالجنة، ولشيعة ولدك بالفردوس" (4).
7ـ ومنها: حديثه الآخر قال: "دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا الحسين بن علي على فخذه، وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، ويقول: أنت سيد،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودة 2: 316، 3: 291.
(2) ينابيع المودة 1: 95، 390ـ391.
(3) ينابيع المودة 2: 45 / نظم درر السمطين: 208 / الصواعق المحرقة 2: 512 الآية الرابعة عشرة قوله تعالى: ((قل لا أسألكم عليه أجرًا...)) : المقصد الرابع.
(4) المناقب للخوارزمي: 326.
-[ 342 ]-
ابن سيد، أخو سيد. أنت إمام، ابن إمام، أخو إمام. أنت حجة، ابن حجة، أخو حجة. وأنت أبو حجج تسع تاسعهم قائمهم" (1).
8ـ ومنها: حديث أبي ذر مرفوعًا، قال: "عليٌّ وذريته يَخْتمُون الأوصياءَ إلى يوم القيامة" (2).
ذكره الذهبي بانفعال ظاهِر وقَطَع بكذب راويه وإنْ ذكره بإسناد كالشمس. وهو ديدنه في مثل هذه الأحاديث التي لا تناسب مذهبه، ولم نذكره هنا للاحتجاج به وحده، بل ليكون في جملة الأحاديث الكثيرة، التي يؤيد بعضها بعضًا.
الأمر الثاني: أنه حيث ثبتت من النصوص السابقة إمامة أمير المؤمنين في الدين والدنيا فمن المعلوم أنه (صلوات الله عليه) كان يرى أن الإمامة باقية في أهل البيت (صلوات الله عليهم). ومن أجل ذلك أوصى لولده الإمام أبي محمد الحسن (صلوات الله عليه).
وتقدم عنه (عليه السلام) عند الكلام في نصوص إمامة أهل البيت (عليهم السلام) في الدين ما يقتضي ذلك.
بل الإنصاف أن جميع ما سبق منه (عليه السلام) هناك وارد لبيان تقدُّمهم على الناس بالنحو المناسب لعموم إمامتهم، لأنّ التفريق بين إمامة الدين وإمامة الدنيا لم يظهر إلا متأخرًا.
ولذا يظهر منهم (عليهم السلام) ومن غيرهم الاستدلال بما يناسب إحداهما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينابيع المودة 3: 394.
(2) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 2: 272، 273 في ترجمة الحسن بن محمد بن محمد بن يحيى.
-[ 343 ]-
للأخرى. وإنْ كان ذلك غير مهمّ في المطلوب بعد نهوض ما سبق بإثبات أن إمامة الدنيا في أهل البيت (صلوات الله عليهم).
وذلك هو المناسب للكمّ الهائل من المناقب والفضائل التي اشتهرت في الآفاق، وأخذت بالأعناق، وامتلأت بها الطروس، وبخعت لها النفوس، سواء ما كان منها راجعاً إلى سيرتهم الذاتية في العبادة والجهاد والتضحية ومكارم الأخلاق والفناء في ذات الله تعالى، أم ما كان راجعاً إلى مسانختهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اصطفاء الله تعالى لهم وتميزهم عن عامة الخلق، حتى ورد أنهم مِن شجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، وقد خُلِقوا مِن نُوره (2) وفاضِل طِينَتِه (3)، أم ما كان منها راجعاً إلى فضل الله تعالى عليهم وتخصيصهم بفيوضاته، كالعلم ومودة المؤمنين والسيطرة على نواميس التكوين بما ظهر على أيديهم من المعاجز والكرامات وغير ذلك، أم ما كان منها راجعاً إلى الإنعام بهم على الخلق رحمةً لهم، حيث يناسب ذلك تقدّمهم على الناس وتأهّلهم لإمامتهم عليهم ووجوب طاعة الناس لهم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي 9: 283 / المستدرك على الصحيحين 2: 263 كتاب التفسير / مجمع الزوائد 9: 100 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب نسبه / المعجم الأوسط 4: 263. تاريخ دمشق 42: 64 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / سبل الهدى والرشاد 11: 296 / الفردوس بمأثور الخطاب 4: 303 / كنز العمال 11: 608 رقم الحديث: 32944 / ميزان الاعتدال 3: 420 في ترجمة صباح بن يحيى / ضعفاء العقيلي 2: 212 في ترجمة صباح بن يحيى / الكشف الحثيث 1: 135. وغيرها من المصادر.
(2) ينابيع المودة 1: 46، 3: 366 / المناقب للخوارزمي: 78.
(3) حلية الأولياء 1: 86 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / التدوين في أخبار قزوين 2: 485 في ترجمة الحسن بن حمزة العلوي / مجمع الزوائد 9: 128 كتاب المناقب: باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه / المعجم الأوسط 6: 163 / تاريخ دمشق 36: 313 في ترجمة عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر، 42: 240 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / شرح نهج البلاغة 9: 170 / كنز العمال 12: 98 رقم الحديث: 34168. وغيرها من المصادر.
-[ 344 ]-
وكذا ما استفاض مِن فضْل شيعتهم وكرامتهم على الله تعالى، وظهور وجود شيعة لهم مِن خواص الصحابة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يناسب ذلك كوْنهم حَمَلة للدعوة الحقة في الإسلام وأئمة للفرقة المحقة مِن المسلمين.
ولعله لذلك كله ونحوه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : "كنتُ في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كجزء مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يَنظر الناس إليَّ كما يُنظر إلى الكواكب في جوّ السماء..." (1).
وقال معاوية في كتابه جواباً لمحمد بن أبي بكر: "وقد كنا - وأبوك معنا - في حياة نبينا صلى الله عليه نرى حقَّ ابنِ أبي طالب لازماً لنا، وفضْلَه مبرزاً علينا... ولولا ما سَبَقنا إليه أبوك ما خالفنا ابنَ أبي طالب، وأسلمنا له..." (2). وذكروا أن المهاجرين والأنصار، أو عامتهم كانوا يرون أنّ الأمر يصير إلى أمير المؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). (3).
وكيف كان ففيما سبق من النصوص - فضلاً عن بقية الوجوه المتقدمة - كفاية. ومَن أراد المزيد فليرجع للمطولات.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 2: 326.
(2) وقعة صفين: 118ـ121 / وتوجد في مصادر أخرى مثل: شرح نهج البلاغة 3: 188 / وأنساب الأشراف 3: 165ـ167 في أمر مصر في خلافة علي ومقتل محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة (رضي الله عنهم) / ومروج الذهب 3: 20ـ22 في ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ذكر لمع من أخباره وسيره ونوادر من بعض أفعاله بين معاوية ومحمد بن أبي بكر / وأشار للكتاب المذكور الطبري في تاريخه 3: 68 في ولاية محمد بن أبي بكر مصر / وكذا ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ 3: 157 في ذكر ولاية قيس بن سعد بمصر.
(3) تاريخ اليعقوبي 2: 124 في خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر / وشرح نهج البلاغة 6: 21.
-[ 345 ]-
ومن جميع ما سبق يظهر أنه لابد من الخروج بهذه النصوص عن إطلاق النصوص الكثيرة المتضمنة أنّ الأئمة مِن قريش (1)، وما في بعضها مِن أنهم مِن بَنِي هاشم (2)، فتُحْمَل على أنهم مِن خصوص أهل البيت مِن قريش وبني هاشم، ولا تَخْرُج عنهم لغيرهم من بني هاشم، فضلاً عن عموم قريش.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) السنن الكبرى للبيهقي 3: 121 باب من قال يؤمهم ذو نسب إذا استووا في القراءة والفقه، 8: 143، 144 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب الأئمة من قريش / السنن الكبرى للنسائي 3: 467 كتاب القضاء: الأئمة من قريش / الأحاديث المختارة 4: 403 فيما رواه بكير بن وهب الجزري عن أنس، 6: 143 فيما رواه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أنس / المستدرك على الصحيحين 4: 85 كتاب معرفة الصحابة: ذكر فضائل القبائل / المصنف لابن أبي شيبة 6: 402، 403 كتاب الفضائل: ما ذكر في فضل قريش / مسند أحمد 3: 129، 183 في مسند أنس بن مالك (رضي الله عنه) 4: 421 في أول مسند البصريين: حديث أبي برزة الأسلمي (رضي الله عنه) / المعجم الأوسط 4: 26 / المعجم الصغير 1: 260 / مسند الطيالسي 1: 125، 284 / مسند أبي يعلى 6: 321 فيما رواه سعد بن إبراهيم عن أنس، 7: 94 فيما رواه سهل أبو الأسود عن أنس / المعجم الكبير 1: 252 ومما أسند أنس بن مالك (رضي الله عنه). وغيرها من المصادر الكثيرة.
(2) ينابيع المودة 2: 315، و3: 290، 292.
-[ 346 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-Apr-2013 الساعة : 07:01 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 346 ]-
المقام الثاني
في نصوص إمامة الأئمة بأشخاصهم
وقد تقدم أنه لا يلزم هنا التَّقَيُّد بالنصوص المُلْزِمَة لعموم المسلمين، بل يكفي النصوص التي هي حجة وفْقَ الضوابط الملزمة للقائلين بالنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) عموماً في إمامة الدين والدنيا.
كما أنه سبق أنْ أشرنا للنصوص المستفيضة بل المتواترة التي أطبق على روايتها الفريقان، وهي التي تضمَّنت أنّ الأئمة اثنا عشر، وذكرنا أنها لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية في أنّ الإمامة بالنص الإلهي، وفي عدد الأئمة وفي مواصفاتهم.
وقد ظهر مما سبق في المقام الأول أنّ أولهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
كما أنّ الإمام مِن بعده هو الإمام الحسن (عليه السلام)، ومِن بعده الإمام الحسين (عليه السلام)، لأنهما الموجودان مع أمير المؤمنين في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أهل البيت، ومِن الذرية الطاهرة، فلا يُحتمَل إرادة غيرهما دُونَهما. ولاسيما مع النص عليهما في بعض النصوص التي تقدمت رواية الجمهور لها، وفي النصوص المستفيضة، بل المتواترة، التي رواها الشيعة، ولا مجال لاستقصائها.
-[ 347 ]-
بل يبدو أنّ إمامتهما ليست مورداً للإشكال عند كل مَن يقول بالنص، أو بأنّ الإمامة في أهل البيت (صلوات الله عليهم)، غاية الأمر أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) هو المُقدَّم، لأنه الأكبر، ولتقديمه في جملة مِن النصوص، ولأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أوصى إليه مِن بعده. بل فَرْض إمامته مُسْتَلْزِمٌ لتقدُّمه على الإمام الحسين (عليه السلام)، لأنه مات قبله.

لابد مِن قَصْر الإمامة على الفاطميين

هذا ولا ينبغي التأمل في أنّ الإمامة مِن بعد الإمام الحسين (عليه السلام) لابد أن تكون في العلويين مِن بني هاشم، وفي خصوص الفاطميين منهم..
أولاً: لأنهم مِن أهل البيت، ولو بلحاظ كوْنهم مِن ذريتهم، بخلاف غيرهم مِن العلويين والهاشميين.
وثانياً: للنصوص المتضمنة أنهم مِن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمتضمنة أنهم مِن ذرية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وهي نصوص كثيرة جدّاً رواها الشيعة، ولا يسعنا استقصاؤها، فلتُطلب مِن المطولات، وقد تقدم نظيرها من رواية الجمهور.

الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) في ذرّيته وفي الأَعْقَاب

كما أنه قد استفاضت النصوص، بل تواترت وزادت على التواتر في أنّ الإمامة في ذرية الإمام الحسين (صلوات الله عليه). وقد تقدم في أحاديث الجمهور بعض منها.
كما استفاضت في أنها تكون بعد الحسن والحسين (عليهم السلام) في الأعقاب
-[ 348 ]-
مِن الأب لولده، ولا تكون في أخ ولا عم ولا خال. وكثرة هذه النصوص تمنعنا عن التعرض لها.

آية أُولُو الأرْحام

إلا أنه يحسن التنبيه إلى ما في جملة منها (1) مِن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)) (2) وأنها تَجْرِي في الحسين (عليه السلام) ومَن بعده مِن الأئمة، دُونَ مَن قَبْلَه.
وحاصل الاستدلال المذكور: أنّ الله سبحانه أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الولاية في أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام)، فبلغ بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهم شركاء فيها، وإنما تقدم بعضهم على بعض لمُرَجِّحات بينهم، فلم يكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ يَصْرِفها عن الحسن والحسين (عليهم السلام) لغيرهما مِن ولده، لأنهما شريكاه في تبليغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالولاية في حقّهم. كما لم يكن للحسن (عليه السلام) أن يصرفها عن الحسين (عليه السلام) لولده، لأنه شريكه في ذلك. أما الحسين (عليه السلام) فلم يكن له حين وفاته أحد يَشْركُه في الإمامة، ومِن هنا جَرَت في حَقِّه الآية الشريفة، فلم يكن له أنْ يصرفها إلى غير ولده. وكذا حال الأئمة مِن ذرّيته (صلوات الله عليهم)، فهي تجري في الأعقاب مِن الأب لولده.
وبهذا يظهر الوجه في استدلال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالآية الشريفة في كتابه إلى معاوية، حيث قال فيه:
"وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنا، وهو قوله: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الكافي 1: 286ـ292 / وبحار الأنوار 25: 249ـ261.
(2) سورة الأنفال آية: 75 / سورة الأحزاب آية: 6.
-[ 349 ]-
أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللهِ))، وقوله تعالى: ((إنَّ أولَى النَّاسِ بِإبرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤمِنِينَ)). فنحن مَرَّةً أَوْلَى بالقَرَابة، وتارة أولى بالطاعة. ولَمّا احْتَجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فَلَجوا عليهم، فإنْ يكن الفلجُ به فالحقُّ لنا دُونَكم، وإنْ يكن بغيره فالأنصارُ على دَعْوَاهم" (1).
فإنّ الرَّحِم وإنْ كان مُوجِباً لوراثة المَنْصِب وغيره، إلا أنه لا يُنَافِي الترجيحَ بين الأرحام لأمْرٍ خارِجٍ عن الرحمية، كالطاعة والجهاد والسبق للإيمان، كما يشير له استدلاله (عليه السلام) بالآية الأخرى.
وما ورَد مِن أنه (عليه السلام) سُئِل: بِمَ ورثتَ ابنَ عمك دُونَ عمك؟ فذكر حديث الدار المتقدم في جملة من النصوص الواردة في حقه (2)، ونحوه روي عن قثم بن عباس (3).
وما سبق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد يُناسِب سياق الآية الشريفة في سورة الأحزاب، قال الله عز وجل: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 3: 32، 33.
(2) السنن الكبرى للنسائي 5: 125 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (رضي الله عنه) : ذكر الأخوة / تاريخ الطبري 1: 543 ذكر الخبر عما كان من أمر نبي الله (صلى الله عليه وسلم) ثم ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل (عليه السلام) إليه بوحيه / شرح نهج البلاغة 13: 212 / كنز العمال 13: 174 رقم الحديث: 36520.
(3) السنن الكبرى للنسائي 5: 139 كتاب الخصائص: ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ذكر منزلة علي بن أبي طالب وقربه من النبي (صلى الله عليه وسلم) به وحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له / المستدرك على الصحيحين 3: 136 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه: ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) / المصنف لابن أبي شيبة 7: 266 كتاب الأوائل: باب أول ما فعل ومن فعل / الآحاد والمثاني 1: 294 / المعجم الكبير 19: 40 فيما أسند قثم. وغيرها من المصادر.
-[ 350 ]-
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ الله...)) (1). فإنّ ذِكْرَ أَوْلَوِيَّة أولي الأرحام بعد التعرُّض لأولوية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين قد يُناسِب عمومَ أولوية أولي الأرحام لأولوية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المذكورة، وأنّ أولويته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين تكون مِن بعده لأرحامه.
بل يبدو مِن بعض النصوص التاريخية الواردة فيما يُسمَّى بحروب الردة مع كندة أنّ عامة الناس كانت تفهم مِن الآية الشريفة العموم للإمامة والولاية على الناس.
ففي حديث طويل بين الحارث بن معاوية مِن كندة وزياد بن لبيد عامل أبي بكر: "فقال له الحارث: أخبرني لم نَحَّيْتم عنها أهلَ بيته وهم أحق الناس به، لأن الله عزوجل يقول: ((وَأُولُو الأرحَامِ بَعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ الله)) ؟
فقال له زياد بن لبيد: إن المهاجرين والأنصار أنظر لأنفسهم منك.
فقال له الحارث بن معاوية: لا والله ما أزلتموها عن أهلها إلا حسداً منكم لهم..." (2).
وفي حديث عبد الله بن جعفر مع معاوية حين تحدث معه ومع العبادلة عن البيعة بولاية العهد ليزيد، قال عبد الله: "...فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخِذ فيها بالقرآن، فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإنْ أُخِذ فيها بسنة رسول الله، فأولو رسول الله..." (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية:6.
(2) الفتوح لابن أعثم المجلد الأول: 49 ـ 57 في ذكر ارتداد أهل حضرموت من كندة ومحاربة المسلمين إياهم، وفي ذكر كتاب أبي بكر إلى الأشعث بن قيس ومن معه من قبائل كندة.
(3) الإمامة والسياسة 1: 149، ما تكلم به عبد الله بن جعفر / جمهرة خطب العرب 2: 234.
-[ 351 ]-

بقي في المقام أمران:

الأمر الأول: أنّ الاستدلال بالآية الشريفة لا يُراد به أنّ الرحمية هي السبب الوحيد لانتقال هذا المنصب العظيم مِن الميت للحي، كما هي السبب لانتقال المال، بل مَرْجِعَ ذلك إلى أنّ هذا المنصب الرفيع وإنْ كان تابعاً للنص مِن الله تعالى على شخص الإمام، لمؤهلاته الذاتية، وبلوغه الدرجة العليا في الكمال النفسي والسلوكي، إلا أنّ الله عز وجل يصطفي بتقديره وسابق عِلْمه مِن أرحام صاحب المنصب السابق مَن هو أهل له نتيجة المؤهلات المذكورة، وينص سبحانه عليه تبعاً لذلك.
فالمنصب المذكور وإنْ كان ينتقل مِن الميت للحي بالنص من الله عز وجل، إلا أنه وفق ضوابط الرحمية المعهودة. وبذلك تكون أولوية الحي بالميت نَسَباً مُلازِمَة للنص الإلهي ودليلاً عليه.
ولعل حكمة مراعاة ضوابط الرحمية في هذا المنصب العظيم مِن وجهين:
أحدهما: أنه أَدْعَى لانشداد الأتباع بآباء المنصوص عليه من الأئمة (صلوات الله عليهم) بما في ذلك صاحب الدعوة ومؤسسها، وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأَحْرَى بتعلقهم بهم واحترامهم وتقديسهم لهم، ما بقيت الدعوة فاعلة لها أتباع يحملونها، لأنّ المفروض فيمَن يتسنّم هذا المنصب العظيم أن يكون المثل الأعلى لرعيته في جهات الكمال النفسي والسلوكي، فشعور الرعية بأنه امتداد طبيعي لمَن سبقه - لأنه من عترتهم وذريتهم -
-[ 352 ]-
يزيد مِن تعلقها بهم (صلوات الله عليهم) وتقديسها لهم وتفاعلها بهم وبتعاليمهم السامية.
فهو نظير ما ورد مِن أنّ الأنبياء يكونون أوسط قومهم نسباً (1)، وما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه قال في حديث له: "ألا إنّ الله عز وجل خَلَق خلقَه فجعلني مِن خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتًا، وأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً" (2).
فإن الله سبحانه وإن كان قادراً على أن يجعل أفضل الأنبياء من أرذل البيوت والقبائل، إلا أن رفعة قبيلته وبيته أَدْعَى لاحترام الناس له وقبولهم دعوته وتفاعلهم به وبتعاليمه.
ثانيهما: أنّ ذلك أَحْرَى بتقبُّل النص على الإمام اللاحق والانصياع له بالنظر لأعراف المجتمع الإنساني، وأبعد للتنافس والتسابق عليه، لأنّ أولوية أولي الأرحام مِن الارتكازيات العامة. وقد أشرنا لما يناسب ذلك في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة).
كما أنه أدعى لاحترام الإمام المنصوص عليه والقبول منه والتفاعل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكامل في التاريخ 2: 212. ذكر مكاتبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الملوك / بحار الأنوار 20: 379، 385.
(2) مسند أحمد 4: 165 في (ذكر حديث عبدالمطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبدالمطلب (رضي الله عنه)) واللفظ له. مصنف ابن أبي شيبة 6: 303 كتاب الفضائل: باب ما أعطى الله تعالى محمداً (صلى الله عليه وسلم). السنة لابن أبي عاصم 2: 632ـ 633 باب في ذكر (فضل قريش ومعرفة حقها وفي ذكر بني هاشم على سائر قريش). المعجم الكبير 20: 286 في (حديث مطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب بن هشام ابن عبد مناف). مجمع الزوائد 8: 215ـ 216 كتاب علامات النبوة: باب في كرامة أصله (صلى الله عليه وسلم).
-[ 353 ]-
معه مهما طالت سلسلة النسب بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن سلسلة النسب الشريف تكتسب من السابق ومن اللاحق احتراماً مضاعفاً وقدسية مؤكدة ((نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)) (1). ولذا صار لحديث سلسلة الذهب المشهور الشأن العظيم عند المسلمين من غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فضلاً عن شيعتهم.
هذا وقد يحاول بعض الناس نقْدَ ذلك بأنه نحْوٌ مِن الاسْتِئْثار العائلي والاستغلال النسَبي، الذي لا يناسب مقام النبوة الرفيع وخلافتها المباركة.
لكن ذلك إنما يتَّجه إذا ابتنت الإمامة والخلافة على التعالي والتجبر والاستغلال والاستئثار، كما حصل على أرض الواقع في القبائل التي حكمت بالقوة باسم الدين أو غيره.
أما إذا ابتنت على التحلي بمكارم الأخلاق، ومواساة الرعية وخدمتهم، والإحسان للعامة والتواضع لهم والتعايش معهم - كما هو المفروض في الإمام المنصوص عليه - فلا استغلال ولا استئثار، بل هو توفيق من الله تعالى وفضل منه يخص به من يشاء من عباده، يكون سبباً لتعلق الرعية بأئمتها وخلفاء الله تعالى فيها، وتفاعلها بهم وبتعاليمهم الإلهية المقدسة.
غاية الأمر أنّ ذوي النفوس المريضة والحسد القاتل، الذين يصعب عليهم الاعتراف لذي الفضل بفضله، ويريدون أن يتقدموا من دون أن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النور آية:35.
-[ 354 ]-
يقدموا شيئًا، هؤلاء هم الذين يضيقون بذلك ذرعًا،
وهي سنّة الله تعالى في خلقه. قال عزّ من قائل: ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) (1).
وقال جلّ شأنه: ((وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)) (2).
الأمر الثاني: أن الاستدلال بآية (أولوا الأرحام) لحَصْر الإمامة في ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنها تجري في الأعقاب من الأب لولده إنما يحتاج إليه في حق صنفين من الناس:
الأول: مَن لم تبْلغه النصوص الخاصة بأسماء بقية الأئمة (عليهم السلام)، لعدم كون تلك النصوص من الظهور والانتشار كالنصوص الواردة في حق أمير المؤمنين والحسنين (صلوات الله عليهم). وهو الحال فيما تقدم من استدلال الحارث بن معاوية في حروب كندة، لعدم اطلاعه على النصوص الصريحة الخاصة، لبُعْده عن المدينة المنورة التي هي مركز التشريع والثقافة الدينية.
الثاني: مَن لا يذعن لهذه النصوص، لأنها تنافي دعوته أو انتماءه، بخلاف النصوص الواردة في حق أمير المؤمنين والحسنين (صلوات الله عليهم)، فإنها لا تنافي دعوته وانتماءه، كما هو الحال في مثل الكيسانية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء آية:54.
(2) سورة الأنعام آية:53.
-[ 355 ]-
والزيدية والفطحية وغيرهم. وهو الحال في استدلال أمير المؤمنين (عليه السلام) بالآية الكريمة في كتابه المتقدم لمعاوية، وغيره ممّن تقدم.

نصوص إمامةِ الأئمة مِن ذرّيّة الحسين (عليه السلام)

وبعد ذلك علينا أن نتعرض للنصوص المتضمنة لتعيين الأئمة التسعة مِن ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) بأشخاصهم، سواء كانت تلك النصوص واردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم كانت واردة عن أمير المؤمنين أو الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهم). إذ بعد ثُبُوت إمامتهم يتعيَّن قبول ما ورد عنهم.
بل يكفي في إثبات إمامة كلّ إمام النصوص الواردة عن الإمام السابق عليه، لأنّ الكلام في إمامة اللاحق إنما يكون بعد ثبوت إمامة السابق والفراغ عنه.
إذا عرفت هذا فنقول: النصوص طائفتان:

الأحاديث المُتضمِّنة ذِكْرَ الأئمة (عليهم السلام)

الطائفة الأولى: ما تضمن ذكْرَ الأئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد بأشخاصهم، كنُصُوص اللَّوْح والأنوار وغيرها،
وهي كثيرة جدًّا، وأغلبها طويل. وقد استعرضناها باختصار في الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة)،
وهي تَقْرُب مِن خمسين حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث عن
-[ 356 ]-
الإمام الحسين (عليه السلام) مُفَسِّراً لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) في بيان الأنوار التي رآها إبراهيم (عليه السلام)، ومن المعلوم أنه لا يخبر بذلك إلا عن آبائه (صلوات الله عليهم) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث عن الخضر (عليه السلام) مَرْويّ بطرق متعددة عن البرقي الثقة عن الإمام الجواد (عليه السلام) في محاورة للخضر مع أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليهم السلام).
كما أنه في تلك النصوص حديثان عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تعداد الأئمة، وسبعة أحاديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، وحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام).
وهي إنْ لم تنفع على الإطلاق - بلحاظ العلم بأنهم (عليهم السلام) لا يُخْبِرون في مثل هذا الأمر الغيبي إلا بعد أخذه عن آبائهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - فلا أقلّ مِن أن تنفع بعد ثبوت إمامتهم في إثبات إمامة مَن بعدهم مِن الأئمة (عليهم السلام).

النَّصُّ على كلّ إمامٍ مِمَّن قَبْلَه مِن آبائه (عليهم السلام)

الطائفة الثانية: ما تضمَّن نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمة (عليه السلام) على إمامةِ بعضِ مَن بعدهم مِن الأئمة بأشخاصهم.
وهي نصوص كثيرة أيضًا. وقد ذكرناها أيضاً في الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة). ونحن نقتصر هنا - تجنباً عن التطويل - على ذكر أعدادها، وبعض المؤيدات لها في حق كلٍّ إمام إمام..



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 17-Apr-2013 الساعة : 03:44 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 357 ]-

الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)

1ـ الإمام أبو محمد علي بن الحسين السجاد زين العابدين (صلوات الله عليه)، وقد يكنى بأبي الحسن. والأحاديث في حقه تقارب الثلاثين. وهي بضميمة ما سبق في الطائفة الأولى تبلغ الثمانين أو أكثر.
ويضاف لها النصوص المستفيضة المتضمنة أن الأئمة مِن ذرية الحسين (عليه السلام) مِن دون تعيين لهم، ومنها ما تضمن الاستدلال بآية أولو الأرحام كما سبق، لِمَا هو المعلوم مِن انْحِصَار ذرية الحسين (عليه السلام) بعد مقتله بالإمام زين العابدين (عليه السلام).

الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

2ـ الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه). والأحاديث في حقه أكثر من ثلاثين. وهي بضميمة ما سبق في الطائفة الأولى تزيد على الثمانين.
ويضاف إلى ذلك ما تضمَّن أنّ الإمامة في ذرية الحسين (عليه السلام)، لانحصار ذرية الحسين (عليه السلام) بعد الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالإمام الباقر (عليه السلام) وإخوته، ولا يَظْهَر مِن إخوته مَن تُدْعَى له الإمامة بالنَّص، فإنّ الزَّيْدِيَّة وإنْ قالوا بإمامة أخيه زيد، إلا أنّ مَنْشَأ إمامته عندهم خُرُوجُه بالسيْف، مِن دُون أنْ يُدَّعَى النص عليه مِن الله تعالى، فيَخْرُج عن محلّ الكلام.
-[ 358 ]-

ما يَشْهَد بعدم إمامة زيد الشهيد

مضافاً إلى أمرين:
الأول: أنه قد وردت نصوص كثيرة عن زيد نفسه وعن أولاده وعن الأئمة (صلوات الله عليهم) بأنه لم يَدَّعِ الإمامةَ لنفسه، وأنه كان مُقِرّاً بإمامة الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام)، وإنما دعا للرضا مِن آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه لو ظَفرَ لَوَفى.
الثاني: أنه إنما خرج بعد سنة مائة وعشرين، بعد وفاة الإمام زين العابدين (عليه السلام) بمدة طويلة، بل حتى بعد وفاة الإمام الباقر (عليه السلام) بمدة أيضًا، فلو كان خُروجُه سَبَبَ إمامتِه بعد أبيه لَزِمَ خُلُوُّ الأرض مِن الإمام. وقد سبق إجماع الشيعة على امتناع ذلك، وأنه يُستفاد أيضاً من النصوص التي رواها الفريقان.

الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

3ـ الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه). وقد ورد عن آبائه (عليهم السلام) النص على إمامته فيما يقرب من عشرين حديثًا، وهي بضميمة ما سبق في الطائفة الأولى تزيد على سبعين حديثًا.
ويضاف إلى ذلك طائفتان من الأحاديث..
-[ 359 ]-

سِلاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكون إلا عند الإمام

الأولى: الأحاديث الكثيرة المتضمنة أنّ سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكون إلا عند الإمام (1)، وفيها ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)، كحديث بريد عنه (عليه السلام) : "في قول الله تبارك وتعالى: ((إنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلَى أهلِهَا...)) قال: إيّانا عنى، أنْ يؤدّي الأولُ منّا إلى الإمام الذي يكون بعده السلاحَ والعلْمَ والكتبَ" (2).
وحديث الحسن بن أبي سارة عنه (عليه السلام) قال: "السلاح فينا بمنزلة التابوت، إذا وُضِع التابوت على باب رجلٍ مِن بني إسرائيل عَلِم بنو إسرائيل أنه قد أُوتي الملك. وكذلك السلاح حيثما دارت دارت الإمامة" (3). ونحوهما غيرهما، بل يظهر ذلك مما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته حين حضرته الوفاة (4).
حيث تصلح هذه الأحاديث لإثبات إمامة الإمام الصادق (عليه السلام) بضميمة النصوص الكثيرة المتضمنة أن السلاح كان عنده (عليه السلام) (5)، كحديث عبد الأعلى بن أعين قال: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عندي سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أُنازَع فيه" (6).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الأحاديث المذكورة في الكافي 1: 232ـ238 / وبحار الأنوار 26: 201ـ222.
(2) بحار الأنوار 26: 220.
(3) بحار الأنوار 26: 221.
(4) الكافي 1: 298.
(5) راجع هذه النصوص في الكافي 1: 232ـ237 / وبحار الأنوار 26: 201ـ222.
(6) الكافي 1: 234 / وبحار الأنوار 26: 209، 210.
-[ 360 ]-
وفي حديث سعيد السمان أنه (عليه السلام) قال: "وإنّ عندي لسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودرعه ولامته ومغفره... وإنّ عندي لراية رسول الله..." (1). ونحوهما غيرهما.

جَرَيَان الإمامة في الأعقاب مِن الوالد لولده

الثانية: ما أشرنا إليه آنفاً من الأحاديث المتضمنة أنّ الإمامة بعد الحسن والحسين (عليهم السلام) تجْري في الأعقاب من الأب لولده، ولا تكون في أخ ولا عم ولا خال، وفي بعضها الاستدلال بآية أولى الأرحام. وقد ورد بعض هذه الأحاديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) الذي ثبتت إمامته بما سبق.
ففي حديث أبي حمزة عنه: "قال: يا أبا حمزة إنّ الأرض لن تخلو إلا وفيها عالم منّا، فإنْ زاد الناس قال: قد زادوا، وإن نقصوا قال: قد نقصوا، ولن يخرج الله ذلك العالم حتى يرى في ولده مَن يعلم مثْلَ علْمه أو ما شاء الله" (2).
وفي حديث أبي بصير عنه (عليه السلام) : "في قوله عزّ وجلّ: ((وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)) إنها في الحسين (عليه السلام) ينتقل من ولد إلى ولد، ولا ترجع إلى أخ ولا عم" (3).
وإذا كانت الإمامة في أولاد الإمام الباقر (عليه السلام) بمقتضى هذه النصوص فلابد أن تكون في الإمام الصادق (عليه السلام)، لعدم ظهور المُنازِع له مِن إخوته. ولو فُرِض وجوده في وقْته فقد انْقَرَض وماتت دعوته، ولا ناطق بها الآن.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 233. واللفظ له / وبحار الأنوار 26: 201، 202.
(2) بحار الأنوار 25: 250، 251 / والغيبة للطوسي: 222ـ223.
(3) بحار الأنوار 25: 253.
-[ 361 ]-
وقد سبق أنّ ذلك مِن شواهد بطلان الدعوة، كما ذكرناه غير مرة وفصلنا الكلام فيه في الحديث حول الشورى.

ظُهُور تميُّز الإمام الصادق (عليه السلام) في عصره

ويبدو من بعض الأخبار أن الإمام الصادق (عليه السلام) قد عُرف عند بعض الخاصة من غير الشيعة بأنه الشخص المتميز عن أهل بيته، وأنه لو كان هناك نَصٌّ فهو مُنْحصِر به لا يتجاوزه لغيره..
1ـ يقول المنصور الدوانيقي: "إنّ جعفراً كان ممّن قال الله فيه: ((ثُمَّ أورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا)) وكان ممّن اصطفاه الله وكان مِن السابقين بالخيرات" (1).
2ـ ويقول المنصور أيضاً لابن مهاجر - بعد أن نقل له ابنُ مهاجر كرامةً للإمام الصادق (عليه السلام) ـ: "يا ابن مهاجر اعْلَم أنه ليس مِن أهلِ بيتِ نبوةٍ إلا وفيه مُحَدَّث، وإنّ جعفر بن محمد مُحَدّثنا اليوم" (2).
3ـ ويقول موسى بن المهدي العباسي في أعقاب واقعة فخّ: "ولولا ما سمعتُ مِن المهدي فيما أخْبَر به المنصور، بما كان به جعفر مِن الفضل المبرز عن أهله في دِينه وعلْمه وفضله، وما بلغني عن السفاح مِن تقريظه وتفضيله، لنبشْتُ قبرَه وأحرقتُه بالنار إحراقاً" (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ اليعقوبي 2: 383 وفاة أبي عبد الله جعفر بن محمد وآدابه.
(2) الكافي 1: 475 باب: مولد جعفر بن محمد (عليهم السلام).
(3) بحار الأنوار 48: 151.
-[ 362 ]-

الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)

4ـ الإمام أبو إبراهيم موسى بن جعفر (صلوات الله عليه). وقد يكنى بأبي الحسن، أو أبي الحسن الأول، وقد يُلقَّب بالعبد الصالح. وقد ورد في النص على إمامته مِن آبائه (عليهم السلام) ما يقرب مِن أربعين حديثًا. وإذا أُضِيف إليها ما سبق في الطائفة الأولى تجاوزت النصوص على إمامته المائة حديث.
هذا مضافاً إلى المجموعتين من النصوص التي تقدم التعرض لهما عند التعرض لنصوص إمامة الإمام الصادق (عليه السلام).

نصوص سلاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

الأولى: النصوص الكثيرة المشار إليها آنفاً المتضمّنة أنّ سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكون إلا عند الإمام، والكثير منها قد ورد عن الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام)، فيصحّ الاحتجاج به لإمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) بضميمة ما تضمّن أنّ السلاح عنده، كحديث محمد بن حكيم عنه (عليه السلام) : "قال: السلاح عندنا مدفوع عنه..." (1). ويظهر من غيره.
وكذا النصوص المتضمنة وجود السلاح عند الأئمة مِن ولده (عليه السلام)، كما يأتي إن شاء الله تعالى، ضَرُورَةَ انْتِقَاله إليهم منه (عليه السلام).

نصوص جريان الإمامة في الأعقاب

الثانية: نصوص جريان الإمامة بعد الحسن والحسين (عليهم السلام) في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 235 / وبصائر الدرجات: 1ـ2.
-[ 363 ]-
الأعقاب من الأب لولده ولا تنتقل في أخ ولا عم. وإذا كان ما ينهض بالاحتجاج منها في حقّ الإمام الصادق (عليه السلام) خُصُوصَ ما ورد منها عن الإمام الباقر (عليه السلام)، فإنّ ما ينهض بالاحتجاج في حق الإمام الكاظم (عليه السلام) هو تلك النصوص مع ما ورد منها عن الإمام الصادق (عليه السلام) التي هي كثيرة جدًّا، بل لعلّ هذه القضية بَلَغت مِن الظهور بعد الإمام الصادق (عليه السلام) حَدّاً جعلها أمراً متسالماً عليه بين الشيعة وحقيقة ثابتة عندهم، كما يظهر مما يأتي في بقية الأئمة (صلوات الله عليهم).
وإذا كانت الإمامة بمقتضى هذه النصوص تنحصر بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بأولاده فلم يَدَّعِ أحدٌ الإمامةَ لغير الإمام الكاظم (عليه السلام) إلا الإسماعيلية القائلين بانتقال الإمامة في عقب إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام) والفطحية القائلين بإمامة عبد الله الأفطح ابنه أيضًا.

بطلان دعوى الإسماعيلية

لكن إسماعيل قد مات في حياة الإمام الصادق (عليه السلام) قطعًا، فإنْ رَجَعَت دعوى الإسماعيلية إلى ثُبُوت الإمامة له في حياته وانتقالها منه لعقبه بعد وفاته فيبطله..
أولاً: النصوص الكثيرة النافية لإمامته سواءً تضمَّنت نفْيَها صريحًا، أم بالملازمة، كنصوص الطائفة الأولى، حيث لم تذكره في جملة الأئمة، والنصوص المصرحة بإمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد الإمام الصادق (عليه السلام).
وثانياً: بأنه لا يمكن اجتماع إمامين في زمان واحد إلا بمعنى أن يكون
-[ 364 ]-
أحدهما بمرتبة الإمامة، ليكون مُهَيَّأً لانْتِقالها إليه بعد موت الإمام السابق، وهذا لا يكون مع موْته قبْله.
وإنْ رَجَعَت دعوى الإسماعيلية إلى انتقال الإمامة مِن الإمام الصادق (عليه السلام) إلى عقب إسماعيل مِن دُون توَسُّط إمامة إسماعيل، فيُبْطِلُه..
أولاً: النصوص الكثيرة - من الطائفتين الأولى والثانية - المُتضمِّنة انْتِقالَ الإمامة من الإمام الصادق (عليه السلام) للإمام الكاظم (عليه السلام).
وثانياً: نصوص جريان الإمامة في الأعقاب من الأب لولده لظُهُورها في الولد دُونَ ولد الولد.
ويزيد في وضوح بطلان دعوى الإسماعيلية كيفما كانت أمران:
الأول: أنه لم يُعْرَف عن أولاد إسماعيل أنهم ادَّعَوا الإمامةَ أو تَصَدَّوا لها بعد الإمام الصادق (عليه السلام)، وإنّما ظهرت هذه الدعوة بعد مدة طويلة لتصحيح خلافة الفاطميين.
الثاني: أنهم يزيدون في عدد الأئمة على الاثني عشر، فيُبْطِل قوْلَهم النصوصُ الكثيرة بل المتواترة المتضمنة أن الأئمة اثنا عشر.

بطلان دعوى الفطحية

وأما الفطحية فيُبْطِل دعْواهم..
أولاً: النصوص الكثيرة المتضمنة انتقالَ الإمامة من الإمام الصادق (عليه السلام) للإمام الكاظم (عليه السلام).
-[ 365 ]-
وثانياً: أن عبد الله الأفطح مات بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بقليل مِن دون أن يُعَقّب.
فإنْ قِيل بتوقُّف الإمامة عنده، فذلك مُخالِف للنصوص المتضمنة أن الأئمة اثنا عشر، والنصوص الكثيرة المتضمنة أنّ الأرض لا تخلو مِن إمام.
وإنْ قِيل بانتقال الإمامة منه إلى أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) - كما جرى عليه بعضهم - تُبْطِل دعْواهم أمورٌ:
الأول: نصوص جريان الإمامة في الأعقاب.
الثاني: أن الإمام الكاظم (عليه السلام) ومَن بعده مِن الأئمة مُجْمِعُون على عدم إمامته، كما يشهد بذلك النصوص الواردة عنهم في تعداد الأئمة (عليهم السلام) وغيرها مِن أحاديثهم، وإجْماع شيعتِهم.
الثالث: أن عبد الله لو كان إماماً متوسِّطاً بين أبيه وأخيه لَزِم كوْن الإمام الثاني عشر هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وحيث إنه قد توفي، فإنْ قِيل بتوقُّف الإمامة عنده مَنَعَت مِن ذلك النصوصُ الكثيرة
جدّاً - المُشار إليها آنفاً - الحاكِمَة بعدم خلوّ الأرض عن الإمام، والنصوص الكثيرة بل المتواترة المتضمِّنة أنّ خاتم الأئمة هو الإمام المهدي الذي اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي يظهر الله تعالى به الحق ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورًا.
وإنْ قِيل بانتقال الإمامة من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لولده الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه) لَزِم كوْن الأئمة ثلاثة عشر، وهو مُخالِف
-[ 366 ]-
للنصوص المشار إليها آنفًا.
الرابع: أن هذه الطائفة قد انقرضت ولم يبْقَ مَن يَحْمِل دعْوتَها ويدعو إليها، وهو شاهِدٌ بمخالفتها للحق، وإلا لزم اجتماع الأمة على ضلال، كما سبق نظيره.

تميُّز الإمام الكاظم (عليه السلام) بالوصية

هذا ويظهر مِن بعض الأخبار أنّ تميُّز الإمام الكاظم (عليه السلام) بالوصية وبالنص كان معروفاً عند بعض الخاصة مِن غير الشيعة..
1ـ فهذا موسى بن المهدي حينما أُدْخِل عليه أسرى واقعة الحسين شهيد فخّ ذَكَر الإمام الكاظم (عليه السلام) فنال منه، وقال: "والله ما خرج حسين إلا عن أمره، ولا اتبع إلا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت. قتلني الله إنْ أبْقيتُ عليه" (1).
2ـ وروي عن المأمون في حديث له مع الرشيد حول الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: "فلما خلا المجلس قلت له: يا أمير المؤمنين، مَن هذا الرجل الذي قد عظمتَه وأجللتَه...؟
قال: هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده.
فقلت: يا أمير المؤمنين أَلَيْسَت هذه الصفات كلها لك وفيك؟!
فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 48: 151.
-[ 367 ]-
حق. والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مني ومن الخلق جميعًا. ووالله لو نازعتني هذا الأمرَ لأخذتُ الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم" (1).

الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

5ـ الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه). وقد ورد النص على إمامته في ستة وأربعين حديث. وإذا أضيف إليها نصوص الطائفة الأولى قاربت النصوص عليه مائة وعشرة أحاديث.
مضافاً إلى المجموعتين المتقدمتين عند التعرض لنصوص إمامة الإمام الصادق (عليه السلام)،(والآتيتين)، وهما(هاتان المجموعتان) كلّما تعاقَبَ الأئمة (عليهم السلام) زادَا كَثْرَةً، وزاد مضمونهما وضوحاً عند الشيعة، بسبب تعرُّض الأئمة المتأخرين له وتأكيدهم عليه..

أحاديث سلاح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)

الأولى: الأحاديث المتضمنة أن سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكون إلا عند الإمام، بضميمة ما تضمن أنه كان عند الإمام الرضا (عليه السلام)، كحديث سليمان بن جعفر: "كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : عندك سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فكتب بخطه الذي أعرفه: هو عندي" (2).
وحديث أحمد بن أبي عبد الله عنه (عليه السلام) : "سألته عن سيف ذي الفقار سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أين هو؟
قال: هبط به جبرئيل (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 48: 131.
(2) بحار الأنوار 26: 211 / وبصائر الدرجات: 205.
-[ 368 ]-
من السماء، وكانت حليته من فضة. وهو عندي" (1)، ويظهر ذلك من غيرهما أيضًا.

أحاديث جريان الإمامة في الأعقاب

الثانية: ما تضمن أن الإمامة بعد الحسن والحسين (عليهم السلام) تجري في الأعقاب ولا تنتقل إلى أخ أو عم. وحيث لم يَدَّعِ ولم يُدَّعَ لأحدٍ مِن إخوته الإمامة بالنَّص فهي تنحصر به.
ولعله لذا انحصر الخلاف في إمامته بالواقفة الذين أنكروا موتَ الإمام الكاظم (عليه السلام)، وادّعوا ختمَ الإمامة به، وأنه الإمام المنتظر، وأنّ غيبته في سجنه، لكن يُبْطِل دعْواهم أمورٌ..

بطلان دعوى الواقفة

الأول: القطع بموت الإمام الكاظم (عليه السلام) بنحْوٍ يُلْحَق بالبديهيات.
الثاني: النصوص الكثيرة التي هي مورد الكلام، حيث تشهد بأنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) يموت، وأنّ الإمام مِن بعده ولده الإمام الرضا (عليه السلام).
الثالث: النصوص الكثيرة المتضمنة أنّ الأئمة اثنا عشر، والمتضمنة أنّ تسعة مِن الأئمة مِن ذرية الحسين (عليه السلام)، وأنّ المهدي (عجّل الله فرجه) هو الثاني عشر منهم، والتاسع مِن ذرية الحسين (عليه السلام).
الرابع: النصوص المستفيضة، بل المتواترة التي رواها الفريقان المتضمنة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 234 / وبحار الأنوار 42: 65.
-[ 369 ]-
أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) اسْمُه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
الخامس: أنّ هذه الفرقة قد انقرضت، ولم يبق منها مَن يَحْمِل دعْوتَها ويدعو إليها، وذلك دليلٌ على بطلانها وضلالها، كما سبق.

الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)

6ـ الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد (صلوات الله عليه). وقد يلقب بالتقي. وقد ورد النص عليه في سبعة وعشرين حديثًا. وإذا أضيف إليها نصوص الطائفة الأولى بلغت النصوص الدالة على إمامته التسعين.
ويضاف إلى ذلك المجموعتان المشار إليهما عند الكلام في نصوص إمامة آبائه (صلوات الله عليهم). وهي في دَوْره (عليه السلام) أكثر عدداً ومضمونها أشدّ ظهوراً بين الشيعة، وأقوى تركُّزاً في نفوسهم..

أحاديث سلاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

الأولى: النصوص المتضمنة أن سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكون إلا عند الإمام بضميمة بعض النصوص الظاهرة في أنه كان عنده، كحديث إبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر (عليه السلام) : "قال: إنّ السلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور الملك حيث دار السلاح، كما كان يدور حيث دار التابوت" (1)، وغيره.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 26: 206.
-[ 370 ]-

نصوص جريان الإمامة في الأعقاب

الثانية: نصوص جريان الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) في الأعقاب من الأب لولده، دون الأخ والعم.
ولذا يظهر من بعض النصوص تَحَيُّر بعض الشيعة لتأَخُّر ولادة الإمام الجواد، كحديث محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الإمام الرضا (عليه السلام) : "أنه سُئل أتكون الإمامة في عمّ أو خال؟
فقال: لا.
فقلت: ففي أخ؟
قال: لا.
قلت: ففي مَن؟
قال: في ولدي.
وهو يومئذ لا ولد له" (1).
كما يظهر مِن بعضها أنّ ذلك أمرٌ كان يستغلّه خصومُ الإمام الرضا (عليه السلام)، كحديث الحسين بن بشار [يسار]: "كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (عليه السلام) كتاباً يقول فيه:
كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟
فأجابه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) : وما عِلْمُك أنْ لا يكون لي ولد؟! والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يُفَرّق به بين الحق والباطل" (2)، وغيره.
وعلى ذلك يتعيّن أنْ تكون الإمامة للإمام الجواد (عليه السلام)، لانْحِصار عَقِب الإمام الرضا (عليه السلام) به. ولاسيما مع عدم ظُهُور دعوى الإمامة لغيره بالنّص، فضلاً عن كونه خَلَفاً للإمام الرضا (عليه السلام).
ومِن هنا كان الظاهِر مَفْرُوغِيّة الشيعة عن إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) بعد أبيه (عليه السلام)، وإنما كان السؤال مِن بعضهم إمّا قبْل ولادته لتحيُّرهم في أمْرِ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 286. واللفظ له / وبحار الأنوار 50: 35.
(2) الكافي 1: 320 / وبحار الأنوار 50: 22.
-[ 371 ]-
الإمامة بمقتضى الضوابط التي يعرفونها، أو بعد ولادته للتأكُّد والتثبُّت أو الجمود على سُمَاع النَّص.
وقد روى أحمد بن محمد بن عيسى عن الإمام الجواد (صلوات الله عليه) حديثاً طويلاً، وفي آخره:
"فقال لي أبو جعفر (عليه السلام) ابتداءً منه:
ذهَبَت الشُّبْهَةُ، مَا لأَبِي ولدٌ غَيْري.
قلت: صَدَقْتَ جُعلتُ فداك" (1).

صِغَر سِنّ الإمام الجواد (عليه السلام) مِن شواهد التسديد الإلهي

ويؤكد ذلك ما هو المعلوم مِن أهمية الإمامة عند الشيعة وقدسيتها ورفعة شأنها بمقاييسهم، فهي امْتِدَاد للنبوة، وهم يَدَّعُون في الإمام دعاوى عريضة جدّاً - تَبَعاً لِمَا ورد عن أئمتهم (صلوات الله عليهم) - مِن تميُّزه بالعصمة والكرامة على الله تعالى ومنه عز وجل، فهو مِن خاصّته وخالصته، قد مَكَّنَه مِن مفاتيح علمه، وأَوْرَثه مواريثَ الأنبياء (صلوات الله عليهم)، وأَقْدَرَه على التصرُّف في الكون وخَرْق نواميسه الطبيعية بصدور المعجز على يديه، وفرض على الناس طاعته والتسليم له.
كما أنّ ثبوت الإمامة لأهل البيت (صلوات الله عليهم) أمْرٌ يَضِيق منه الجمهور الذين هم على خلاف خطّهم، ولاسيما السلطان الذي يرى في الإمامة إنكاراً لشرعيته، والعلماء الذين يرون فيها استهواناً بعلمهم وكسراً لكبريائهم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 50: 67، 68 / وروى الذيل المذكور باختلاف يسير في الكافي، لكن عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى 1: 320.
-[ 372 ]-
ومِن الظاهِر أنّ الإمام الجواد (صلوات الله عليه) قد تَقَلَّد هذا المنصب العظيم في الثامنة من عمره الشريف، وهو عُمْرٌ لا يؤهّل الإنسان العادي لتحمُّل مسؤولية بيت واحد، بل ولا لتحمُّل مسؤولية شخصه وحده.
كما أنه لم يكن مَحْجوباً عن الناس، ليتسنى لأتباعه أن يُحِيطُوه بهالة أسطورية، وينسجوا حوله دعاوى تقديسية لا سبيل لكشف حقيقتها، بل كان منفتحاً على الناس يخالطهم ويحتك بهم، فيتيسر لهم الإطلاع على واقعه في علمه وعمله وأفكاره وسلوكه.
فلو لم يكن (صلوات الله عليه) حقيقاً بهذا المنصب العظيم، ومورداً لرعاية الله تعالى وعنايته وتأييده وتسديده بالنحو المناسب له، لانْهَار أمام هذه المسؤولية العظمى، وفُضح أمام الناس خاصتهم وعامتهم.
ولاسيما مع ما يملكه خصومه مِن قوة إعلامية هائلة قادرة على تتبع الثغرات والسلبيات وتضخيمها وتهويلها ونشرها بين الناس وإلفات أنظارهم إليها، وبذلك يَقْضُون على منصب الإمامة مِن أقصر الطرق وأيسرها.
لكنه (صلوات الله عليه) فَرَض شخصيته واحترامه على القريب والبعيد والعدو والصديق، وكان له كيانه المعتد به عند السلطة والجمهور، فضلاً عن شيعته ومواليه. وبذلك حفظ للإمامة هيبتها وبهاءها وقدسيتها وجلالها.
ومما يزيد الأمر وضوحاً وجلاءً بُخُوع بعض مشايخ الطالبيين له،
-[ 373 ]-
ممّن يشاركونه في النسب ويتقدمون عليه في الطبقة، حيث لا يظهر له مبرّرٌ معقول إلا الإذعان لأمْرِ الله تعالى فيه والتسليم لحكمه، لقوة بصيرتهم في إمامته (عليه السلام)، كعمه الحسين بن موسى بن جعفر، وعم أبيه السيد الجليل علي بن جعفر (رضي الله عنهم).
يقول الحسين بن موسى: "كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) بالمدينة، وعنده علي بن جعفر، وأعرابيّ مِن أهل المدينة جالس، فقال لي الأعرابي:
مَن هذا الفتى؟ وأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام).
قلت: هذا وَصِيُّ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: يا سبحان الله رسول الله قد مات منذ مائتي سنة، وهذا حَدَثٌ، كيف يكون هذا وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
قلت: هذا وصيُّ عليِّ بن موسى، وعلي وصي موسى بن جعفر، وموسى وصي جعفر بن محمد، وجعفر وصي محمد بن علي، ومحمد وصي علي بن الحسين، وعلي وصي الحسين، والحسين وصي الحسن، والحسن وصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: ودَنَا لِطبيبٍ ليقطع له العِرْقَ، فقام علي بن جعفر، فقال:
يا سيدي يبدؤني، لتكون حِدّة الحديد فيّ قبلك.
قال: قلت [يعني: للأعرابي]: يهنك، هذا عمّ أبيه.
قال: فقطع له العرق. ثم أراد أبو جعفر (عليه السلام) النهوض، فقام علي بن جعفر، فسوَّى له نعليه حتى يلبسهما" (1).
وعن محمد بن الحسن بن عمار قال: "كنتُ عند علي بن جعفر بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) معجم رجال الحديث 12: 316، 317 / واختيار معرفة الرجال 2: 729.
-[ 374 ]-
محمد جالساً بالمدينة - وكنتُ أقمتُ عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع مِن أخيه، يعني: أبا الحسن (عليه السلام) - إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي
الرضا (عليه السلام) المسجدَ، مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوثَبَ علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبَّل يده وعظمه، فقال له أبو جعفر:
يا عم اجلس رحمك الله.
فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم؟
فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جَعَل أصحابُه يوبّخونه، ويقولون:
أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل!
فقال: اسكتوا. إذا كان الله عزّ وجلّ - وقبَضَ على لحيته - لم يؤهّل هذه الشيبة، وأهّلَ هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، أُنْكِر فضْلَه؟! نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أنا له عبد" (1).
وعن علي بن جعفر أنه قال: "قال لي رجل مِن الواقفة:
ما فَعَل أخوك أبو الحسن(الإمام الكاظم)؟
قلت: قد مات.
قال: وما يدريك بذاك؟
قال: قلت: قُسِّمت أمواله، وأنكحت نساؤه، ونطق الناطِقُ بعْده.
قال: ومَن الناطِق مِن بعده؟
قلت: ابنه علي.
قال: فما فعل؟
قلت له: مات.
قال: وما يدريك أنه مات؟
قلت: قسِّمت أمواله، ونكحت نساؤه، ونطق الناطِق بعده.
قال: ومَن الناطِق مِن بعده؟
قلت: أبو جعفر ابنه.
قال: فقال لي: أنت في سِنِّك وقدرك، وأبوك جعفر بن محمد، تقول هذا القول في هذا الغلام.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 322 / ومعجم رجال الحديث 12: 317 في ترجمة علي بن جعفر.
-[ 375 ]-
قال: قلت: ما أراك إلا شيطانًا. قال: ثم أخذ بلحيته فرفعها إلى السماء، ثم قال: فمَا حِيلتي إنْ كان اللهُ رآه أهلاً لهذا ولم يكن هذه الشيبةُ لِهذا أَهْلاً" (1).
والإنصافُ أنّ ذلك بمَجْمُوعه مِن أقوى الأدلة على إمامته وإمامة آبائه (عليهم السلام) مِن قبله - لأنّ إمامته فَرْعُ إمامتِهم - وأصدق الشواهد على حقية دعوة الإمامة، وسلامة مسيرتها الظافرة، وعلى عناية الله تعالى بها ورعايته لها، و ((إن يَنصُركُم اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم)) (2).
ويجري هذا بعَيْنه في ولده الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، الذي تسنَّم هذا المنصب الرفيع في مثْل سِنّ الإمام الجواد (عليه السلام).
بل ذكرنا في الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة) عند التعرض للقرائن المُؤَيِّدة للنَّص أنّ ذلك يجري في الأئمة بمجموعهم، إلا أنّ للإمامين الجواد والهادي (عليهم السلام) تميُّزهما بسبب صغر السِّنّ. ومِن أجل ذلك خصصناهما بهذا الحديث.

الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

7ـ الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي (صلوات الله عليه). وقد يلقب بالنقي.
وقد ورد في النص على إمامته أحد عشر حديثًا، وإذا أُضِيف إليها ما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اختيار معرفة الرجال 2: 728 واللفظ له / ومعجم رجال الحديث 12: 316 في ترجمة علي بن جعفر.
(2) سورة آل عمران آية: 160.
-[ 376 ]-
سبق في الطائفة الأولى زادت نصوص إمامته على سبعين حديثًا. ويضاف إليها أحاديث جريان الإمامة في الأعقاب من الأب لولده، ولا تكون في أخ ولا عم ولا خال.
والإمام الجواد (عليه السلام) وإنْ كان له ولد آخر، وهو موسى المبرقع، إلا أنه لم يُعرَف عنه ولا عن غيره دعوى الإمامة له. فانْحَصَر الأمْرُ بالإمام الهادي (عليه السلام).
كما يؤيَّد ذلك بنظير ما تقدَّم في الإمام الجواد (عليه السلام) مِن تسديد الله تعالى له، لمشاركته له في تَسَنُّم منصب الإمامة وهو صغير السن، كما تقدم.
(ولا ننسى أحاديث سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه لا يكون إلا عند الإمام).



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 19-Apr-2013 الساعة : 05:07 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)

8ـ الإمام أبو محمد الحسن العسكري (صلوات الله عليه). وقد ورد النص على إمامته في أربعة وعشرين حديثًا. وإذا أضيف إليها نصوص الطائفة الأولى تقارب نصوص إمامته التسعين حديثًا. (ولا ننسى أحاديث سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه لا يكون إلا عند الإمام) ويضاف إليها نصوص جريان الإمامة في الأعقاب، حيث لم يُنْقَل عن أحد دعوى الإمامة عند مُضِيّ الإمام الهادي (عليه السلام) لغير الإمام العسكري (عليه السلام)، بل ادُّعِيَت له (عليه السلام) لا غيْر، وادّعاها هو وزاوَل نشاطها.
نعم ادّعاها أخوه جعفر وادُّعِيَت له بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، لدعوى: أنّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لم يُعَقِّب، لتكون الإمامة في عقِبِه.
وافترق القائلون بإمامته فرقتين:
-[ 377 ]-
الفرقة الأولى: تدَّعي أنه الإمام الثاني عشر بعد أخيه الإمام العسكري (عليه السلام) مِن دُون أن تمْنع مِن إمامة الإمام العسكري (عليه السلام). وهي لا تختلف مع الإمامية في إمامته (عليه السلام).
مع أنه يُبْطِل قَوْلَها..
أولاً: نصوص جريان الإمامة في الأعقاب، وعدم انتقالها إلى أخ أو عم أو خال.
وثانياً: ما تضمَّن مِن النصوص الكثيرة جدّاً أنّ الإمام الثاني عشر هو المهدي، وأنّ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه هو الذي يُظهِر الله على يديه الحق، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجورًا، ومِن الظاهِر عدم انطباق ذلك على جعفر.
الفرقة الثانية: تدَّعي أنّ جعفر هو الإمام الحادي عشر بدلاً عن الإمام العسكري (عليه السلام)، لانْكِشَاف بطلان إمامة الإمام العسكري (عليه السلام) بمَوْته مِن دُون عقب، لجريان الإمامة في الأعقاب.
ويُبْطِل قَوْلَها أنّ جعفراً لم يُنازِع أخاه الإمامَ الحسن العسكري (عليه السلام) الإمامةَ، إمّا عن جَهْلٍ بإمامته أو عن تَفْرِيطٍ بها، وكلاهما مُبْطِلٌ لإمامته.
مضافاً إلى أنه يُبْطِل دعْوى الفرقتين أمورٌ:
الأول: الأدلة القاطعة بوجود الخلف للإمام العسكري (عليه السلام)، كما سيأتي.
الثاني: ما ثبَتَ مِن عدم أهليّة شخص جعفر للإمامة، لِسُلُوكه المشين إلى حين وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
-[ 378 ]-
الثالث: ما ورد مِن توبته بعد ذلك، وتراجُعه عن دعوى الإمامة. وفي التوقيع الشريف عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) : "وأمّا سَبِيلُ عمّي جعفر وولده فسبيلُ إخوةِ يوسف على نبينا وآله وعليه السلام" (1).
الرابع: النصوص الكثيرة جدّاً المتضمنة أنّ الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي وأنّ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ له غيبة يظهر بعدها، ويظهر الحق على يديه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورًا، وهو لا ينطبق على جعفر، ولا على أحد مِن ولده.
الخامس: أنّ القائلين بإمامته قد انقرضوا، ولم يبق لهذه الدعوة مَن يحملها ويدعو لها، وقد سبق أنّ ذلك دليلُ بطلانِها وضلالها. ومِن هنا لا مخرج عن أدلة إمامة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

خاتم الأئمة الحجة بن الحسن (عليه السلام) المنتظر

9ـ خاتم الأئمة الإمام المنتظر قائم آل محمد الحجة بن الحسن المهدي صاحب الزمان، عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وصلى عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين، وسلّم تسليماً كثيرًا.
وقد ورد في النص عليه ما يقرب مِن ثلاثين حديثًا. وإذا أضيف إليها أحاديث الطائفة الأولى زادت النصوص عليه على تسعين حديثًا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الغيبة للشيخ الطوسي: 290.
-[ 379 ]-

طوائِف النصوص الشاهِدة بإمامته (عليه السلام)

مضافاً إلى النصوص الكثيرة التي سبق التعرض لها المُتَضمِّنة أنّ الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) تجري في الأعقاب من الأب لولده، ولا تكون في أخ ولا عمّ ولا خال، فإنه بملاحظتها يتجه الاستدلال على إمامته بطوائف مِن النصوص:
الأولى: الأحاديث المستفيضة بل المتواترة التي رواها الفريقان المتضمنة أنّ الأئمة اثنا عشر. ضَرُورَةَ أنه إذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) هو الإمام الحادي عشر - بمقتضى النصوص المتقدمة - فلابد أنْ يكون الإمام الثاني عشر هو ولده القائم (عجّل الله فرجه).
الثانية: الأحاديث المستفيضة المتضمنة أنّ مِن ذرّيّة الإمام الحسين (عليه السلام) تسعة مِن الأئمة، فإنه إذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) هو الثامن منهم تعيَّنَ كوْن الإمام التاسع هو ابنه الحجة (عجّل الله فرجه).
الثالثة: الأحاديث المستفيضة بل المتواترة التي رواها الفريقان المتضمنة أنّ الإمام المهدي مِن ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو مِن ذرية أمير المؤمنين (عليه السلام) أو مِن ذرية الحسين (عليه السلام) أو مِن ذرية بقية الأئمة المتقدمين (عليهم السلام). لِوُضُوح أنه ليس في الأئمة الأحد عشر مَن هو المهدي، فلابد أنْ يكون المهدي هو ابن الإمام العسكري (عليه السلام).
الرابعة: الأحاديث المستفيضة التي رواها الفريقان المتضمنة أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) آخر الأئمة الاثني عشر، أو آخر الأئمة مِن ذرية الحسين (عليه السلام)،
-[ 380 ]-
أو التاسع منهم (صلوات الله عليهم). لِظُهُور أنه إذا كان الإمام العسكري (عليه السلام) بمقتضى النصوص المتقدمة هو الحادي عشر مِن الأئمة والثامن مِن ذرية الحسين (عليه السلام)، تعيَّنَ كوْنُ ابنه الحجة المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو الثاني عشر مِن الأئمة والتاسع مِن الأئمة الذين هم مِن ذرية الحسين (عليه السلام).
الخامسة: ما تضمَّن تحديدَ طَبَقَة الإمام المهدي (عليه السلام) في النَّسَب..
1ـ كحديث أبي حمزة الثمالي قال: "كنتُ عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ذات يوم، فلمّا تفرّق مَن كان عنده قال لي:
يا أبا حمزة مِن المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمِنا... ثم قال: بأبي وأمي المسمّى باسمي المُكنّى بكنيتي السابع مِن ولدي. بأبي مَن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلمًا..." (1).
2ـ وحديث صفوان بن مهران عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه أنه قيل له:
فمَن المهدي مِن ولدك؟
فقال: "الخامس مِن ولد السابع، يغيب عنكم شخصه..." (2).
والمراد بالسابع هو سابع الأئمة (عليهم السلام) الإمام موسى بن جعفر الكاظم، وليس الخامس مِن ولده في أعقاب الأئمة (عليهم السلام) إلا الإمام المهدي الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه الشريف).
3ـ ونحوه حديث عبد الله بن أبي يعفور (3).
4ـ وحديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: "إذا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 7: 64 واللفظ له / وبحار الأنوار 24: 241، و36: 393، 394.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 333 / وبحار الأنوار 51: 32.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: 338 / وبحار الأنوار 51: 32.
-[ 381 ]-
فُقِد الخامس مِن ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنّكم عنها أحدٌ" (1).
5ـ وحديث يونس بن عبد الرحمن: "دخلت على الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحق؟
قال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض... هو الخامس مِن ولدي. له غيبة يطول أمدها" (2).
6ـ وحديث السيد الحميري الشاعر عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيه: "فقلت له: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمَن تقع؟
فقال (عليه السلام) : ستقع بالسادس مِن ولدي، وهو الثاني عشر مِن الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)..." (3).
7ـ وحديث سليمان الديلمي في قصة واقعة القادسية، وأن يزدجرد خرج هارباً في أهل بيته، فوقف بباب الإيوان، فقال: "السلام عليك أيها الإيوان. ها أنا ذا منصرف عنك، وراجع إليك أنا أو رجل مِن ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه".
قال سليمان: "فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته عن ذلك، وقلت له: ما قوله: رجل مِن ولدي؟ فقال: ذاك صاحبكم القائم بأمر الله عزّ وجلّ السادس من ولدي، قد ولده يزدجرد، فهو ولده" (4).
8ـ وحديث أبي الهيثم بن أبي حبة عنه (عليه السلام) أنه قال: "إذا اجتمعت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 336 / وكمال الدين وتمام النعمة: 359، 360.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 361 / وبحار الأنوار 51: 151.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: 342 / وبحار الأنوار 47: 317.
(4) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 7: 218 / وبحار الأنوار 51: 163، 164.
-[ 382 ]-
ثلاثة أسماء متوالية: محمد وعلي والحسن، فالرابع القائم" (1).
وقريب منه أو عَيْنه حديث أبي الهيثم التميمي (2).
9ـ وحديث الحسين بن خالد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وفيه: "فقيل له: يا ابن رسول الله، ومَن القائم منكم أهل البيت؟
قال: الرابع مِن ولدي..." (3).
10ـ وحديث الريان بن الصلت عنه (عليه السلام) في وصف القائم (عليه السلام)، وفيه:
"ذاك الرابع مِن ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله" (4).
11ـ وحديث عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد (عليه السلام)، وفيه: "إنّ القائم منّا هو المهدي، الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث مِن ولدي..." (5).
12ـ وأوضحها في ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفيه: "أنه كان إذا أقبل إليه الحسن قال: مرحباً يا ابن رسول الله، وإذا أقبل الحسين يقول:
بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خير الإماء.
فقيل له: يا أمير المؤمنين وما بالك تقول هذا للحسن وتقول هذا للحسين؟ ومَن ابن خيرة الإماء؟
فقال: ذاك الفقيد الطريد الشريد محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هذا. ووضع يده على
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كمال الدين وتمام النعمة: 333، 334.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 334 / وبحار الأنوار 51: 143.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: 371 / وبحار الأنوار 52: 321، 322.
(4) كمال الدين وتمام النعمة: 376 / وبحار الأنوار 52: 322.
(5) كمال الدين وتمام النعمة: 377 / وبحار الأنوار 51: 156.
-[ 383 ]-
رأس الحسين (عليه السلام) (1) ".
السادسة: ما تضمَّن أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يظهر في آخر الزمان، أو بعد غيبة طويلة ويأس، وهرج ومرج، وامتلاء الأرض جوراً وظلمًا، ونحو ذلك مما استفاض في نصوص الفريقين.
لِظُهُور أنه بعد فَرْض جريان الإمامة في الأعقاب، مِن الوالد لولده، فلابد مِن اتصال نسبه الشريف بالأئمة الذين مِن قبْله (صلوات الله عليهم)، بأنْ يكون ولداً للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي هو آخرهم بمقتضى نصوص إمامتهم المتقدمة.
السابعة: النصوص المستفيضة المتضمنة أنّ الأرض لا تخلو عن إمام وحجة، ومنها ما رواه الفريقان مِن أنّ مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، أو ليس عليه إمام، أو نحو ذلك، مات ميتة جاهلية، على ما تقدم في الوجه الثاني للاستدلال على أنّ الإمامة بالنص. فراجع.
وإليه يرجع قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إنّ في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي، ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وإنّ أئمتكم قادتكم إلى الله عزّ وجلّ، فانظروا بمَن تقتدون في دينكم وصلاتكم" (2). ورواه الجمهور بالنحو الذي تقدم في نصوص
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مقتضب الأثر: 31 / وبحار الأنوار 51: 110، 111.
(2) كمال الدين وتمام النعمة: 221، واللفظ له / قرب الإسناد: 77 / الكافي 1: 32 / مقتضب الأثر: 16 / الفصول المختارة: 325.
وروي عند الجمهور بألفاظ مقاربة في كل من ينابيع المودة 2: 114، ص: 366، ص: 439 / الصواعق المحرقة 2: 441، 442، 676 / ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 17 ذكر إخباره أنهم سيلقون بعده أثرة والحث على نصرتهم وموالاتهم / جواهر العقدين في فضل الشرفين: القسم الثاني 1: 91 الرابع: ذكر حثه (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة على التمسك بعده بكتاب ربهم وأهل بيت نبيهم.
-[ 384 ]-
مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في الدِّين.
فإنه إذا كانت الإمامة تجري في الأعقاب، وكان أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) بمقتضى النصوص السابقة إمامًا، ومِن المعلوم أنه قد توفي، تعيَّنَ أنْ يكون قد أعْقَب ولداً مِن بعده هو إمام العصر وصاحب الزمان.
وبعد ذلك كله لا يُظن بالمنصف الشك في إمامة الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن المنتظر، صلى الله عليه، وعلى آبائه مِن قبْل وعجّل فرجه الشريف.
ولذا يظهر مِن بعض النصوص أنه يكفي في ثبوت إمامته (عجّل الله فرجه) عند السائل العلْم بولادته (عليه السلام) ووجوده، بسبب التكتُّم في ذلك، حذراً من إحراجات السلطة ومضايقاتها. ولذا اقتصر في كثير من الأحاديث والنصوص التاريخية على بيان ولادته ووجوده، وعلى إخبار جماعة برؤيتهم له (صلوات الله عليه).
بل النصوص السابقة وحدها - على اختلاف مضامينها - كما تنهض بإثبات إمامته تنهض بإثبات وجوده وولادته، وهي كافية في قيام الحجة على ذلك.
ولعل ذلك هو السبب في تشديد السلطة والرقابة على دار الإمام العسكري (عليه السلام)، والفحص بعد وفاته عن وجود ولد له، إذْ مِن القريب جدّاً تسرُّب كثيرٍ مِن هذه الأحاديث لها، أو تسرب مضامينها، بسبب تسالُم الشيعة عليها، مع قناعة السلطة بأنهم قد أخذوها مِن عَيْن صافية، لعلمها
-[ 385 ]-
بواقع الأئمة (صلوات الله عليهم)، وبحقيقة علمهم، وبأنّ شيعتهم يأخذون منهم وينطقون عنهم.

حَيْرَة الشيعة بعد الإمام العسكري (عليه السلام)

وأما حيرة الشيعة بعد الإمام العسكري (صلوات الله عليه)، واختلاف كلمتهم، فهو طبيعي جدًّا، لعدم سهولة الإذعان بالأمور الغيبية عند الاصطدام بها لأول وهلة.
ولاسيما مع كون المفاجآت والتحولات المستجدة، مرتعاً خصباً للشبهات التي يثيرها الجهلة والمنتفعون، ومع أنّ النصوص بالمضامين المتقدمة وإنْ كانت كثيرة جدّاً - كما سبق، بل نكاد نقطع بأنها أكثر بكثير ممّا وصل إلينا، لعدم تسجيل بعضها، ولتلف أو ضياع كثير من مصادر الشيعة وكتبهم - إلا أنها لم تكن بمتناول عامة الناس وكثير مِن خاصّتهم، لأنّ التثقيف والنشر والإعلام كانت محدودة في تلك العصور، وخصوصاً بالإضافة للثقافة الشيعية، وبالأخص ما يتعلق بالإمامة التي هي الوتر الحساس عند الجمهور والسلطة.
وقد استقرت الأمور بعد ذلك تدريجًا، واتضحت معالم مدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم) نتيجة وجود القاعدة البرهانية الصلبة والثقافة السليمة المكثفة، ووجود الحَمَلة الواعين المخلصين الحافظين لها والمدافعين عنها والمثقِّفين بها.
وكيف كان، فقد يكون العلْم بمُلازمة ولادته (عليه السلام) لإمامته أحد
-[ 386 ]-
أسباب ما سبق مِن كثرة الحديث في تلك الفترة عن وجود الخلف للإمام العسكري (عليه السلام)، وعدم الاكتفاء بالنصوص المتقدمة القاضية بوجوده (عليه السلام).
كما قد يكون السبب لها طلب المزيد من الأدلة، تأكيداً للحجة ودفْعاً للشبهة، أو لأنّ الطرق الحسّية أوقع في النفس من الحسابات العقلية والقضايا الغيبية.
قال عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من مشايخ الطائفة ووجوهها: "اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أنْ أسأله عن الخلف، فقلتُ له:
يا أبا عمرو إني أريد أنْ أسألك عن شيء، وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو مِن حجة، إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يومًا، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، فأولئك أشرار خلق الله عزّ وجلّ الذين تقوم عليهم القيامة.
ولكني أحببتُ أنْ أزداد يقينًا، وإنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزّ وجلّ أن يريه كيف يحيي الموتى ((قَالَ أوَلَم تُؤمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِيَطمَئِنَّ قَلبِي)).
وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: مَن أُعامِل، أو عمَّن آخُذ وقوْلَ مَن أَقْبَل؟
فقال له: العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون.
-[ 387 ]-
وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان.
فهذا قول إمامين قد مضيا فيك.
قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى، ثم قال: سَل حاجتك.
فقلت له: أنتَ رأيتَ الخَلَفَ مِن بعد أبي محمد؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل ذا، وأومأ بيده.
فقلت له: فبقِيَت واحدة.
فقال لي: هات.
قلت: فالاسم؟
قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك.ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل وأحرم، ولكن عنه (عليه السلام) فإنّ الأمْرَ عند السلطان أنّ أبا محمد مضى ولم يُخَلّف ولدًا، وقُسِّم ميراثه، وأخذه مَن لا حقَّ له فيه. وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئًا، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك" (1).
وأبو عمرو هذا هو الشيخ الجليل عثمان بن سعيد، السفير الأول للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، كما كان وكيلاً عن جده وأبيه الإمامين العسكريين (صلوات الله عليهم).
هذا ما تيسر لنا العثور عليه من النصوص الدالة على إمامة الأئمة الاثني عشر (صلوات الله عليهم). وهي بنفسها تكفي في إثبات إمامتهم وخلافتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شؤون الدين والدنيا، فضلاً عما إذا انضم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 329ـ330 / والغيبة للطوسي: 243ـ244 / وبحار الأنوار 51: 347ـ348.
-[ 388 ]-
إليها الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في أول المبحث الثاني في إثبات النص على إمامة الأئمة الاثني عشر السياسية، وما سبق في الفصل الأول من الدليل على إمامتهم في الدين.


إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc