اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -26-
سفر جماعي
لطالما تنقل مبتعثنا سياحة في أنحاء البلاد التي يعيش فيها، إذا قرر المكوث حيث هو، ولم ينوي العودة إلى بلاده. وقد يكون احد أسباب بقاءه بعيدا عن أهله، قصر الإجازة الجامعية أو الحر الشديد الذي يجتاح بلاده في تلك الفترة من السنة. فيسيح في بلاد الله الواسعة، مع ما لا يزيد على واحد أو اثنين من أصحابه أو بني وطنه، تفاديا للزحام والمضايقات، وطلبا لخفة الحركة وسرعة التنقل.
لكن هذه المرة تغير نظامه وتبدلت عادته، بعد أن أقنعه احد الأصحاب بالسفر مع بعض العوائل والقليل من العزاب بدعوى:
- سوف تحصل على إجازة مدفوعة الأجر، وأضاف: تعلم ما للتنقل مع العوائل من الفوائد مع وجود النساء، فيمكنك الحصول على وجبة صحية مغذية، من بين أيديهن.
ولكنه لم يتطرق معه للعوائق والمضايقات مع وجود الكثير من الأطفال والصغار، ولم يتكلم عن الانتظار الطويل في طوابير، لشراء الوجبات الغذائية أو لاستعمال المراحيض.
لكن لم ينسى مبتعثنا ذلك الطابور الطويل، الذي التقطهم فيه احد أفراد مرور الطرقات السريعة، وهم عدة سيارات تتابع كأنها عربات قطار يجر بعضه بعضا. فأجبرهم على الخروج من مسارهم والوقوف جانبا، ليلتقطهم سيارة بعد سيارة، كما يلتقط البحار أسماكه من شبكة الصيد، وهي تتقافز محاولة الخروج خوفا على أرواحها من الهلاك. واخذ يلقي عليهم تلك المحاضرة الطويلة العريضة، كأنه خطيب مفوه و مرشد متمكن، ليعلمهم أصول السلامة، ويبين لهم أهمية الخوف على أنفسهم وعلى نسائهم وعلى أطفالهم، من تلك السرعة العالية، المتجاوزة للحد المسموح به.
ويهددهم وهو يزبد ويرعد، كأنه ثور أرعن تمت أثارته، فأخذ ينفخ الهواء من بين منخريه، ويثير الغبار ويحجب الرؤية بقائمتيه، ليحيل جمال ذلك اليوم جحيما احمرا:
- انتم تحت المراقبة والمتابعة الجوية، حتى تخرجوا من هذه الولاية.
والسبب في ذلك، أنهم لم يفطنوا له، أو لم يديروا له بال، رغم مرورهم بسيارته وهي واقفة في احد المقاهي على جانب الطريق، وبعد أن أقنعهم واحد منهم قائلا:
- انه مشغول يملئ بطنه، فانطلقوا مكملين دربكم.
فاخذوا يجدون السير محاولين قطع المسافات التي أمامهم، متجاوزين السهول والجبال والشوارع السريعة، في اقصر وقت ممكن.
هنا التفت مبتعثنا إلى نفسه، وتذكر الغلطة التي ما كان ليرتكبها، لولا الضغط الشديد الذي مورس عليه.
بقلم: حسين نوح مشامع