اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
على غير العادة
نقل لي احدهم ما يلي: على غير العادة ذهبت ذات ليلة لشراء بعض الحاجيات، من احد الباعة المتجولين، والمفترشين الأرصفة والشوارع، والذين يمتد دوام عملهم حتى تنفذ الكمية. ذهبت فشاهدت ذات الوجوه التي الفت وجودها حول البائع في كل مرة، والتي لا تثير فضولي عادة.
لكن هذه المرة ولقلة الموجودين، لفت نظري احدهم، فتوجهت إليه محاولا التودد إليه. فبعد أن عرفت نفسي له، أخذ هو بدوره يعرف عن نفسه، ويذكرني بأفراد عائلته ويعدد لي أقاربه واحدا... واحدا.
بهذا الوقت كان صاحب المحل يجهز حاجياتي، وكنت على استعداد للذهاب إلى زوجتي التي كانت تنتظرني في سيارتي التي كانت في الجوار.
وقبل أن أخطو إليها خطوة واحدة، قام صاحبنا من كرسيه، وتوجه إلي وهو يقول: هل تعرف قريبي فلان؟
لم يترك لي وقتا للإجابة أو الاستفسار، فواصل قائلا: هذا المتقاعد، وأنت تعرف كم هو راتبه! ولكن ذلك لم يمنعه من السفر هنا وهناك، لإحضار البضائع والمقتنيات لمحله ودكانه.
فقاطعته مستغربا متطلعا إلى من حولي، محاولا استدراجهم لمساعدتي لإيقاف هذا الافتراء وان صح. قائلا له وقلبي يعتصره الألم، كأن الكلام موجها لي شخصيا: اتقي الله هذا قريبك، والله يعطيه من خيره ويزيده من نعيمه.
لم يوقفه كلامي هذا، بل زاده إصرارا وعنادا، وكنت أتمنى أني لم أره في ذلك الوقت، ولم استفزه ليلج هذا السبيل.
تابع كلامه كأنما جرحا قديما نتأت قشرته، فأخذ ينزف دما عبيطا: عندما كان عندي الرزق الوفير، كنت أوزع من بعض ما احصل عليه على أخوتي وأقاربي. فكانوا يستقبلونني عندها بكل ترحاب، ويأخذوا كدي وتعبي فرحين مستبشرين، دون مقابل. الآن وبعد أن فقدت ما املك، لا أجد أحدا منهم من يقف إلى جانبي، ولا من يسلم علي.
كأني رأيت الدموع تسيل من بين مقلتيه حمراء تترقرق، وهو يحاول سترها عني، واستبدالها بابتسامة لم يستطع إكمال لوحتها.
وقبل أن يهرب مني مودعا، واعتقد حينها أنه لم يستطع مقاومة البكاء، قال بعض كلمات لا يزال أثرها كالجرح الدامي في قلبي، وهي التي دفعني لكتابة هذه السطور: إني لا أقبل ولا اطلب منهم مد يد المساعدة والعون لي، حتى ولو قدموها. كل ما أريده فقط السؤال عني، ومعرفة حالي.
لكن الله قد أبدلني بمن هو خيرا منهم، بمن يعرف كيف يداوي جراحي، ويبعث في الأمل، ويبعد عني الهم والغم!! إنها الوحيدة من بين شقيقاتي!!
ذهب وهو يلوح لي بيديه، موجها وجهه تجاه سيارته دون أن ينظر إلي!!!
بقلم: حسين نوح مشامع