اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في الآداب التي تكون ضرورية في جميع الحالات الصلاتية
بل في جميع العبادات والمناسك
في التوجّه إلى عزّ الربوبية وذلّ العبودية
من الآداب القلبية في العبادات والوظائف الباطنية لسالك طريق الآخرة التوجّه إلى عزّ الربوبية وذلّ العبودية، وهذا التوجّه من المنازل المهمّة في السلوك للسالك بحيث تكون قوّة سلوك كل من السالكين بحسب قوة هذا النظر وبمقدارها، بل الكمال والنقص لإنسانية الإنسان تابع لهذا الأمر، وكلما كان النظر إلى الإنّية والأنانية ورؤية النفس وحبّها في الإنسان غالبا كان بعيدا عن كمال الإنسانية ومهجورا من مقام القرب الربوبي، وأن حجاب رؤية النفس وعبادتها لأضخم الحجب وأظلمها، وخرق هذا الحجاب أصعب من خرق جميع الحجب، وفي نفس الحال مقدمة له بل وخرق هذا الحجاب هو مفتاح مفاتيح الغيب والشهادة وباب أبواب العروج إلى كمال الروحانية، وما دام الإنسان قاصرا على النظر إلى نفسه وكماله المتوهم وجماله الموهوم فهو محجوب ومهجور من الجمال المطلق والكمال الصرف والخروج من هذا المنزل هو أول شرط للسلوك إلى الله بل هو الميزان في حقانية الرياضة وبطلانها. فكل سالك يسلك بخطوة الأنانية ورؤية النفس ويطوي منازل السلوك في حجاب الإنيّة وحب النفس تكون رياضته باطلة ولا يكون سلوكه إلى الله بل إلى النفس (أمّ الأصنام صنم نفسك) (مصراع بيت للعارف الرومي مشهور: مادربت هابت نفس شما است) قال تعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ". (النساء 100)
فالهجرة الصورية وصورة الهجرة عبارة عن هجرة البدن "المنزل الصوري" إلى الكعبة أو إلى مشاهد الأولياء، والهجرة المعنوية هي الخروج من بيت النفس ومنزل الدنيا إلى الله ورسوله، والهجرة إلى الرسول و إلى الوليّ أيضاً هجرة إلى الله، و ما دام للسالك تعلّق ما بنفسانيّته وتوجّه منه إلى إنّيّته فليس هو بمسافر وما دامت البقايا من الأنانية على امتداد نظر السالك وجدران مدينة النفس وأذان أعلام حبّ النفس غير مختفية فهو في حكم الحاضر لا المسافر ولا المهاجر.
وفي مصباح الشريعة قال الصادق (ع): (العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي من الربوبية أصيب في العبودية).
فمن سعى بخطوة العبودية ووسم ناصيته بسمة ذلة العبودية يصل إلى عزّ الربوبية، والطريق للوصول إلى الحقائق الربوبية هو السير في مدارج العبودية فما فقد من الإنّيّة والأنانية في عبوديّته يجده في ظّل الحماية الربوبية حتى يصل إلى مقام يكون الحق تعالى سمعه وبصره ويده ورجله كما في الحديث الصحيح المشهور عند الفريقين. فإذا ترك العبد التصرفات من عنده وسلم حكومة وجوده كلها إلى الحق وخلّى بين البيت وصاحبه وفني في عزّ الربوبية فحينئذ يكون المتصرف في الدار صاحبها فتصير تصرفات العبد تصرّفا إلهيا، فيكون بصره بصراً إلهياً وينظر ببصر الحق ويكون سمعه سمعاً إلهياً فيسمع بسمع الحق، وكلما اكتملت ربوبية النفس وكان عزّها منظورا في نظرها نقص بمقدار من العزّ الربوبي لأن هذين: أي عزّ العبودية وعز الربوبية متقابلان " الدنيا والآخرة ضرتان " فمن الضروري للسالك أن يتفطّن إلى ذلّه ويكون ذلّ العبودية وعزّ الربوبية نصب عينيه.
وكلما قوي هذا النظر زادت روحانيته في العبادة وكانت روح العبادة أقوى، حتى إذا تمكن العبد بنصرة الحق وأوليائه الكُمّل من الوصول إلى حقيقة العبودية، وكنهها فإنه يجد حينئذ لمحة من سرّ العبادة. وهذان المقامان - أعني مقام عزّ الربوبية الذي هو الحقيقة ومقام ذلّ العبودية الذي هو رقيقته - مرموزان في جميع العبادات وبالأخص في الصلاة التي لها مقام الجامعية. ومنزلتها بين العبادات منزلة الإنسان الكامل ومنزلة الإسم الأعظم بل هي عينه، وللقنوت، من الأعمال المستحبة. وللسجدة، من الأعمال الواجبة اختصاص بهذه الخصوصية وسنشير إليها فيما يأتي إن شاء الله.
وليعلم أن العبودية المطلقة من أعلى مراتب الكمال وأرفع مراتب الكمال وأرفع مقامات الإنسانية وليس لأحد فيها نصيب سوى الأكمل من خلق الله محمد وأولياء الله الكمّل، فله هذا المقام بالأصالة وللأولياء الكمّل بالتبعية وأما بقية العباد فهم في طريق العبادة عُرج وعبادتهم وعبوديّتهم معلّلة ولا ينال المعراج الحقيقي المطلق إلا بقدم العبودية ولهذا قال الله سبحانه: { سبحان الذي أسرى بعبده "(الاسراء: 1) فقد أسرى الله سبحانه بتلك الذات المقدسة إلى معراج القرب والوصول بقدم العبودية والجذبة الربوبية.
وفي التشهد الصلاتي هو رجوع من الفناء المطلق الذي حصل للمصلّي في السجدة، التوجّه إلى العبودية أيضاً قبل التوجه بالرسالة ويمكن أن يكون إشارة إلى مقام الرسالة هو أيضا نتيجة لجوهرة العبودية ولهذا المطلب ذيل طويل خارج عن نطاق هذه الأوراق.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في مراتب مقامات أهل السلوك
اعلم أن لاهل السلوك في هذا المقام وسائر المقامات مراتب ومدارج لا تحصى. ونحن نذكر بعض مراتبه على النحو الكلّي، وأما الإحاطة بجميع جوانبه وإحصاء جميع مراتبه فخارج عن عهدتي وفوق طاقتي، فإن " الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ". قال الصادق : " الإيمان درجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص البيّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه ".
وقال الباقر : " إن المؤمنين على منازل، منهم على واحدة ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع ومنهم على خمس ومنهم على ستّ ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة اثنتين لم يقوَ، وعلى صاحب الاثنتين ثلاثا لم يقو " وساق الحديث ثم قال: " وعلى هذه الدرجات ".)
فمن تلك المراتب مرتبة العلم وهي أن يثبت بالسلوك العلمي والبرهان الفلسفي ذلة العبودية وعزة الربوبية، وهذا لبّ من لباب المعارف. فقد اتضح في العلوم العالية والحكمة المتعالية أن جميع دار التحقق وتمام دائرة الوجود إنما هو صرف الربط والتعلّق ومحض الفقر والفاقة أما العزّة والملك والسلطان فمختصة بذاته المقدس الكبريائي وليس لاحد من حظوظ العزة والكبرياء نصيب.
وذل العبودية والفقر ثابت في ناصيتهم وفي حاقّ حقيقتهم، وإنما حقيقة العرفان والشهود ونتيجة الرياضة والسلوك هي رفع الحجاب عن وجه الحقيقة ورؤية ذل العبودية وأصل الفقر والتدلي في نفسه وفي جميع الموجودات، ولعل في الدعاء المنسوب إلى سيّد الكائنات : " اللهم أرني الأشياء كما هي " إشارة إلى هذا المقام بمعنى أنه سأل الله سبحانه أن يشهده ذلة العبودية المستلزمة لشهود عزّ الربوبية.
فسالك طريق الحقيقة ومسافر سبيل العبودية إذا قطع هذا المنزل بالسلوك العلمي وركب مركب السير الفكري يقع في حجاب العلم ويصل إلى المقام الأول للإنسانية، ولكن هذا الحجاب من الحجب الغليظة وقد قالوا: العلم هو الحجاب الأكبر ولا بد ألا يبقى في هذا الحجاب وأن يخرقه ولعله إذا اقتنع بهذا المقام وسجن قلبه في هذا القيد يقع في الاستدراج، والاستدراج في هذا المقام هو أن يشتغل بالتفريعات الكثيرة العلمية ويجوّل فكره في هذا الميدان، فيقيم لهذا المقصد براهين كثيرة فيحرم من المنازل الأخر ويتعلق قلبه بهذا المقام ويغفل عن النتيجة المطلوبة وهي الوصول إلى الفناء في الله ويصرف عمره في حجاب البرهان وشعبه وكلما كثرت الفروع يصير الحجاب والاحتجاب عن الحقيقة أكثر.
فللسالك ألاّ يغتّر بمكايد الشيطان في هذا المقام ولا يحتجب بكثرة العلم وغزارته، ولا بقوة البرهان عن الحق والحقيقة ويتأخر عن السير في الطلب وله أن يشمّر الذيل بهمّته، ولا يغفل عن الجدّ في طلب المطلوب الحقيقي حتى ينال المقام الثاني.
وهو أن كل ما أدركه عقله بقوة البرهان والسلوك العلمي يكتبه بقلم العقل على صحيفة قلبه كي يوصل حقيقة ذل العبودية وعزّ الربوبية إلى القلب ويفرغ من القيود والحجب العلمية، ونحن نشير إلى ذلك المقام عن قريب أن شاء الله، فإذن، فنتيجة المقام الثاني هي حصول الإيمان بالحقائق.
والمقام الثالث هو مقام الاطمئنان والطمأنينة، وهو في الحقيقة المرتبة الكاملة من الإيمان، قال تعالى مخاطبا خليله " أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي "
المرتبة الرابعة هي مقام المشاهدة، وهو نور الهي وتجلّ رحماني يظهر في سرّ السالك تبعا للتجليات الأسمائية والصفاتية وينوّر جميع قلبه بنور شهوديّ ولهذا المقام درجات كثيرة لا تتسع هذه الأوراق لذكرها.
وفي هذه المقام يبرز نموذج من قرب النوافل المعبّر عنه بـ " كنت سمعه وبصره ".
ويرى السالك نفسه مستغرقا في البحر اللامتناهي ومن ورائه بحر عميق في غاية العمق تنكشف له فيه نبذة من أسرار القدر، ولكل من هذه المقامات استدراج يختص به وللسالك فيه هلاك عظيم. ولا بدّ للسالك في جميع هذه المقامات من تخليص نفسه من الأنانية وأن يتخلص من رؤية نفسه وحبّها، فإنه منبع أكثر المفاسد ولا سيّما للسالك وسنشير إلى ذلك المطلب إن شاء الله.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في بيان الخشوع
إن من الأمور اللازمة للسالك في جميع عباداته ولا سيما في الصلاة التي هي رأس العبادات ولها مقام الجامعية، الخشوع. وحقيقته عبارة عن الخضوع التام الممزوج بالحب أو الخوف وهو يحصل من إدراك عظمة الجلال والجمال وسطوتهما وهيبتهما.
وتفصيل هذا الإجمال هو أنّ قلوب أهل السلوك بحسب الجِبِلّة والفطرة مختلفة، فبعض منها عشقّي ومن مظاهر الجمال ومتوجه إلى جمال المحبوب بحسب الفطرة فهؤلاء إذا أدركوا في سلوكهم ظل الجميل، أو شاهدوا أصل الجمال تمحوهم العظمة المختفية في سرّ الجمال فتصعقهم، لأنّ في كل جمال جلالا مختفيا وفي كل جلال جمالا مستورا.
ولعله إلى ذلك أشار مولى العارفين وأمير المؤمنين والسالكين صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين حيث قال:
" سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته، واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته" فتغشاهم هيبة الجمال وعظمته ويأخذهم الخشوع في حيال جمال المحبوب ".
وهذه الحالة في أوائل الأمر توجب تزلزل القلب واضطرابه، وبعد التمكين تحصل للسالك حالة الأنس وتتبدل حالة الوحشة والاضطراب المتولدة من العظمة والسطوة إلى الأنس والسكينة وتجيئه حالة الطمأنينة، كما أن حالة قلب خليل الرحمن كانت كذلك.
وبعض من القلوب خوفّي ومن مظاهر الجلال، وأرباب تلك القلوب يدركون دائماً العظمة والكبرياء والجلال، وخشوعهم يكون من الخوف، ومن تجلي الأسماء القهرية والجلالية لقلوبهم، كما أن يحيى، على نبيّنا وآله و، كان هكذا. فالخشوع يكون ممزوجا تارة بالحب وأخرى بالخوف والوحشة، وان كان في حبّ وحشة، وفي كل خوف حبّ. ومراتب الخشوع على حسب مراتب إدراك العظمة والجلال والحسن والجمال، وحيث أن أمثالنا مع ما لنا من هذه الحالة، من نور المشاهدات محرومون فلا بد أن نكون بصدد تحصيل الخشوع من طريق العلم أو الإيمان. قال تعالى:
{ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون "(1 المؤمنون:1-2) فجعل الخشوع في الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه. فكل من لم يكن خاشعا في الصلاة فهو خارج عن زمرة أهل الإيمان طبقا لما قاله الذات المقدسة الحق تعالى شأنه. (1 قال الصادق " إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على صلاتك فإن الله تعالى يقول: " الذين هم في صلاتهم خاشعون ".
قال المحقق الكاشاني ((* - لقب العالم الفاضل الكامل العارف المحدّث الحكيم المتألّه محمد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن القاشاني صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة كالوافي والصافي والشافي والمفاتيح والنخبة والحقائق وعلم اليقين وعين اليقين وخلاصة الأذكار وبشارة الشيعة والمحجة البيضاء في إحياء الأحياء إلى غير ذلك مما يقرب من مئة تصنيف)).- في المحجة البيضاء ما حاصله: إن الخشوع في الصلاة على قسمين
الأول: الخشوع القلبي وهو أن يكون تمام همّته في الصلاة ومعرضا عما سواها بحيث لا يكون في قلبه سوى المحبوب.
والثاني: الخشوع في الجوارح وهو يحصل بأن يغمض عينيه ولا يلتفت إلى الجوانب ولا يلعب بأعضائه...
وبالجملة لا تصدر منه حركة سوى الحركات الصلاتية، ولا يأتي بشي من المكروهات.. ثم ينقل الروايات المتضمنة للأمور المكروهة في الصلاة.
وأقول: إن حقيقة الخشوع عبارة عن حالة قلبية تحصل للقلب من إدراك الجلال والجمال، وبمقدار ما يدرك القلب منهما تزول عنه الإنّيّة والأنانية فيخضع ويسلّم لصاحب الجلال والجمال.. وبهذه العناية نسب الخشوع إلى الأرض والجبال، فإن الأرض مسلّمة للعوامل الطبيعية وليس لها إرادة في إنبات النبات، بل هي تسليم محض، قال تعالى: "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت "(فصلت 39).
القرآن فإن أنيّة الجبل تندكّ ولا يمكنه المقاومة، قال تعالى: " ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية الله "(الحشر 21).
وبما أن صلواتنا ليست مشفوعة بالخشوع فإن ذلك ناجم إمّا عن نقص الإيمان، أو فقدانه. وإن الاعتقاد والعلم مغايران للإيمان، فالعلم بالله وأسمائه وصفاته وسائر المعارف الإلهية الذي يوجد فينا، مغاير للإيمان وليس بإيمان.
والدليل على ذلك إن الشيطان كما يشهد له الذات المقدسة الحق عالم بالمبدأ والمعاد ومع ذلك فهو كافر، لأنه يقول:
" خلقتني من نار وخلقته من طين " فهو إذاّ يعترف بالحق تعالى وخالقيته، ويقول أيضاً:
" أنظرني إلى يوم يبعثون " فيعتقد بالمعاد وهو كذلك عالم بالكتب والرسل والملائكة، ومع ذلك كله خاطبه الله سبحانه بلفظ الكافر، وأخرجه من زمرة المؤمنين.
فإذاً يمتاز أهل العلم من أهل الإيمان، وليس كل من هو من أهل العلم أهل للإيمان، فيلزم للسالك أن يدخل نفسه في سلك المؤمنين بعد سلوكه العلمي، ويوصل إلى قلبه عظمة الحق وجلاله وبهاءه، وجماله جلّت عظمته كي يخشع قلبه، وإلا فمجرد العلم لا يوجب خشوعا كما ترونه في أنفسكم فإنكم مع كونكم معتقدين بالمبدأ والمعاد، ومع اعتقادكم بعظمة الله وجلاله ليست قلوبكم خاشعة. وأما قوله تعالى:
" ألم يأن للذين آمنوا أن يخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " فلعلّ المراد منه هو الإيمان الصوري أي الإيمان بما جاء به النبي ، وإلا فالإيمان الحقيقي يلازم مرتبة من الخشوع لا محالة أو أن المراد من الخشوع في هذه الآية، هو الخشوع بمراتبه الكاملة، كما أن العالم ربما يطلق على من وصل من حد العلم إلى حد الإيمان، ويحتمل أن تكون الآية الشريفة " إنما يخشى الله من عباده العلماء " إشارة إلى هؤلاء.
وقد أطلق العلم والإيمان والإسلام في الكتاب والسنة على المراتب المختلفة منها وبيانها خارج عن وظيفة هذه الأوراق، وبالجملة على السالك لطريق الآخرة وخصوصا على السالك بالخطوة المعراجية الصلاتية أن يحصّل الخشوع بنور العلم والإيمان وان يمكّن هذه الرقيقة الإلهية، والبارقة الرحمانية في قلبه بمقدار ما يمكنه، فلعله يستطيع أن يحتفظ بهذه الحالة في جميع الصلاة من أولها إلى آخرها.
وحالة التمكّن والاستقرار وان كانت لا تخلو في أول الأمر من صعوبة وأشكال لأمثالنا، ولكنها مع الممارسة والارتياض القلبي أمر ممكن جدّا.
عزيزي، أن تحصيل الكمال وزاد الآخرة يستدعي طلبا وجدا، وكلما كان المطلوب أعظم فهو أحرى بالجدّ.
ومن الواضح أن معراج القرب إلى حضرة الألوهية، ومقام جوار رب العزة، لا يتيسر مع هذه الرخوة والفتور والتسامح، فيلزمك القيام الرجولي حتى تصل إلى المطلوب، وطالما أنك تؤمن بالآخرة وتعلم بأن النشأة الآخرة لا يمكن أن تقاس بهذه النشأة من حيث السعادة والكمال ولا في جانب الشقاوة والوبال، لأن تلك النشأة عالم أبدي دائم لا موت فيه ولا فناء له سعيدة في راحة وعزة ونعمة أبدية وهي راحة لا يوجد لها شبيه في هذا العالم، وعزة وسلطنة الاهيان ليس لهما نظير في هذه النشأة، و نِعَمُ ما خطرت على مخيِّلة أحد وكذلك الأمر في جانب الشقاوة فإن عذابها ونقمتها ووبالها ليس لها في هذا العالم مثيل ولا نظير، وتعلم أن طريق الوصول إلى السعادة إنما هو إطاعة رب العزة، وليس في العبادات ما يضاهي هذه الصلاة فإنها معجون جامع إلهي يتكفل بسعادة البشر (وان قبلت قبلت جميع الأعمال) فلا بدّ لك من الجدّ التام في طلبها ولا تتضايق في السعي إليها ومن تحمل المشاق في سبيلها مع أنه ليس فيها مشقة بل انك إذا واظبت عليها مدة يسيرة، وحصل لقلبك الأنس بها لتجدنَّ في هذا العالم من المناجاة مع الحق تعالى شأنه لَذّات لا يقاس بها لذّة من لذّات هذا العالم كما يظهر ذلك من السير في أحوال أهل المناجاة مع الله سبحانه.
وبالجملة فخلاصة ما ذكرنا أنه إذا علم الإنسان بالبرهان أو ببيان الأنبياء عظمة الله وجماله وجلاله، فلا بدّ إن يذكِّر القلب بها حتى يدخل الخشوع شيئا فشيئا في القلب بواسطة التذكُّر والتوجه القلبي والمداومة على ذكر عظمة الله وجلاله حتى تحصل النتيجة المطلوبة. ولا بد للسالك ألاّ يقنع في حال من الحالات بالمقام الذي هو فيه، فإنه مهما حصلت المقامات لأمثالنا فلا تساوي اصغر نقد في سوق أهل المعرفة، ولا تقابل في سوم أصحاب القلوب حبة خردل.
فليتذكر السالك في جميع حالاته نقائصه ومعايبه، فعلّه ينفتح له طريق إلى السعادة من هذه السبيل والحمد لله
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
آخر تعديل بواسطة سليلة حيدرة الكرار ، 30-Jun-2013 الساعة 01:05 PM.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في بيان الطمأنينة
من الآداب المهمة المهمة القلبية للعبادات - وخصوصا العبادات الذكرية - الطمأنينة. وهذه غير الطمأنينة التي اعتبرها الفقهاء رضوان الله عليهم في خصوص الصلاة، فهذه عبارة عن أن السالك يأتي بالعبادة مع سكون القلب، واطمئنان الخاطر، لأن العبادة إذا أتي بها في حال اضطراب القلب وتزلزله فالقلب لا ينفعل بمثل هذه العبادة ولا يحصل أثر من العبادة في ملكوت القلب ولا تصير حقيقة العبادة صورة باطنية للقلب، والحال إن من إحدى جهات تكرار العبادات وتكثير الأذكار والأوراد أن يتأثر القلب منها وينفعل حتى يتشكل باطن السالك شيئا فشيئا من حقيقة الذكر والعبادة، ويتحد قلبه بروح العبادة، وطالما لم يكن للقلب اطمئنان وسكون وطمأنينة ووقار لم يكن للأذكار والنسك فيه تأثير ولا يسري أثر العبادة في ظاهر البدن وملكه إلى ملكوته وباطنه ولا يؤدي إلى القلب حظوظة من العبادة. وهذا من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى بيان، ويعلم بأدنى تأمّل، وإذا كانت العبادة بهذه الكيفية بحيث لا يشعر القلب بها أصلا ولا يظهر منها أثر في الباطن لا يتحفظ عليها في سائر العوالم ولا تصعد من نشأة الملك إلى نشأة الملكوت، ومن الممكن أن تمحى صورتها بالكلية عن صفحة القلب (ونعوذ بالله) عند شدائد مرض الموت وسكراته المهيبة والأهوال والمصائب التي تكون بعد الموت فيقدم الإنسان على الله وهو صفر اليدين.
ونذكر لذلك مثلا، وهو أن الذكر الشريف: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " إذا قاله أحد من قلبه وبإطمئنان من لبّه وراح يعلّم القلب هذا الذكر الشريف، فيتعلم القلب الذكر ويتكلم به شيئا فشيئا حتى يتبع لسان القلب اللسان الظاهر فيكون القلب ذاكراً أولا ثم يتبعه اللسان الظاهر، ويكون ذاكرا وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق ، على ما في رواية مصباح الشريعة قال:
" فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحركه إلا بإشارة القلب وموافقة العقل ورضى الإيمان ".
ففي أول الأمر ما لم ينطق لسان القلب فلسالك طريق الآخرة إن يعلّمه النطق ويلقي عليه الذكر. مع طمأنينة وسكون، فإذا انفتح لسان القلب بالنطق يكون القلب قبلة للّسان ولسائر الأعضاء. فإذا شرع القلب في ذكر تكون مدينة وجود الإنسان بأسرها ذاكرة، وأما إذا قال هذا الذكر الشريف بلا سكون في القلب ولا طمأنينة منه ومع العجلة والاضطراب واختلال الحواس فلا يكون منه أيّ تأثير في القلب ولا يتجاوز عن حدّ اللسان والسمع الحيواني الظاهري، إلى الباطن والسمع الإنساني ولا تتحقق حقيقته في الباطن ولا يصير صورة كمالية للقلب غير ممكنة الزوال فإن إصابته الأهوال والشدائد وبالخصوص أهوال الموت وسكراته وشدائد نزع الروح الإنساني فينسى الذكر بالمرّة وينمحي الذكر الشريف عن صحيفة قلبه بل اسم الله سبحانه وتعالى واسم الرسول الخاتم والدين الشريف الإسلام، والكتاب المقدس الإلهي والأئمة الهداة وسائر المعارف التي ما أنهاها إلى القلب فينساها كلها وعند السؤال في القبر لا يحير جوابا، والتلقين أيضاً لا يفيد حاله لأنه لا يجد في نفسه من حقيقة الربوبية والرسالة وسائر المعارف أثراً. وما قاله بقلقلة لسانه وما حصلت له صورة في القلب قد انمحى من خاطره ولم يكن له نصيب من الشهادة بالربوبية والرسالة وسائر المعارف.
وفي الحديث أن طائفة من أمة الرسول الأكرم وسلم، إذا أوردوهم في النار ونظروا إلى مالك: خازن جهنم نسوا اسم الرسول وسلم من هيبته مع أنهم من أهل الإيمان كما هو في نفس ذلك الحديث.
قال المحدّث العظيم الشأن المجلسي (1 إذا اطلق، فهو شيخ الإسلام والمسلمين مروّج المذهب والدين الإمام العلامة المحقق المدقق محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي المجلسي قدس الله أرواحهم. قال صاحب المستدرك المحدّث العلامة النوري قدس سرّه لم يوفق أحد في الإسلام مثل ما وفّق هذا الشيخ المعظم والبحر الخضم والطود الاشم من ترويج المذهب واعلاء كلمة الحق وكسر صولة المبتدعين وقمع زخارف الملحدين واحياء دارس سنن الدين المبين ونشر آثار أئمة المسلمين بطرق عديدة وانحاء مختلفة أجلّها وأبقاها التصانيف الرائقة الأنيقة الكثيرة التي شاعت في الأنام وينتفع بها في آناء الليل والأيام العالم والجاهل والخواص والعوام والعجمي والعربي مع ما خرج من مجلسه جماعة كثيرة من الفضلاء وصرّح تلميذه الاجّل الاميرزا عبدالله الاصبهاني في (ض) انهم بلغوا إلى ألف نفس. (انتهى). ومن أجلِّ تأليفاته وأعظمها موسوعة بحار الأنوار وكل مؤلفاته الشريفة على ما وقع عليها التخمين تبلغ ألف ألف بيت وأربعة آلاف بيت وكسرا. توفي سنة 1110 (غقي) في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وعمره إذ ذاك ثلاث وسبعون فانه ولد في سنة 1037 وهو يوافق عدد (جامع كتاب بحار الأنوار) ومرقده الشريف الآن ملجأ الخلائق بأصبهان في الباب القبلي من جامعها العتيق الأعظم ومن المجرّبات استجابة الدعوات عند مضجعة المنيف قدّس الله نفسه الزكيّة.)
رحمه الله في مرآة العقول في شرح الحديث الشريف: (كنت سمعه وبصره) ما حاصله أن من لم يصرف بصره وسمعه وسائر أعضائه في سبيل إطاعة الحق تعالى لم يكن له بصر وسمع روحاني وهذا البصر والسمع الملكي الجسماني لا ينتقل إلى ذاك العالم ويكون الإنسان في عالم القبر والقيامة بلا سمع وبلا بصر، والميزان في السؤال والجواب في القبر تلك الأعضاء الروحانية (انتهى ملخصا).
والأحاديث الشريفة في هذا النحو من الطمأنينة وآثارها، كثيرة، ومن هذه الجهة أمر بترتيل القرآن الشريف، وفي الحديث: عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول: " من نسي سورة من القرآن مُثّلَت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة، فإذا رآها قال من أنت ما أحسنك ليتك لي، فتقول: أما تعرفني، أنا سورة كذا وكذا لو لم تنسني لرفعتك إلى هذا المكان ".
وفي الحديث قال: " من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه ".
والسّر في ذلك أنّ اشتغال القلب وتكدره في أيام الشباب أقل. لذا يتأثر القلب من القرآن أكثر أسرع ويكون أثره أيضاً أبقى. وفي هذا الباب أحاديث كثيرة نذكر منها في باب القراءة إنشاء الله. وفي الحديث الشريف: " ما من شيء أحبّ إلى الله عزّ وجل من عمل يداوم عليه وإن قلّ " ولعل السر العمدة فيه أنه مع المداومة يكون العمل صورة باطنية للقلب كما ذكرنا.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الهدى2
جعلنا الله واياكم من المصلين
بارك الله بك أُخيتي
لا تنسونا من صالح دعائكم
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في بيان الحفاظ على العبادة من تصرف الشيطان
من الآداب المهمة القلبية للصلاة وغيرها من العبادات الحفاظ عليها من التصرفات الشيطانية، وهو في الوقت نفسه من أمهات الآداب القلبية والقيام به من عظائم الأمور ومشكلات الدقائق، ولعل الآية الشريفة في وصف المؤمنين الذين هم على صلواتهم يحافظون إشارة إلى جميع مراتب الحفظ التي تكون أحداها بل أهمها الحفاظ عليها من تصرفات الشيطان.
وتفصيل هذا الإجمال إن من الواضح عند أصحاب المعرفة وأرباب القلوب أنه كما أن للابدان غذاء جسمانيا تتغذى به، ولا بد أن يكون الغذاء مناسبا لحالها وموافقا لشأنها حتى تتيسر لها التربية الجمسانية والنمو النباتي، كذلك فإن للقلوب والأرواح غذاء لا بد أن يكون مناسبا لحال كل منها وموافقا لنشأتها كي تتربى به وتتغذى منه وتنمو نموا معنويا وتترقى ترقيا باطنيا. والغذاء المناسب لنشأة الأرواح هو المعارف الإلهية اعتبارا من مبدأ المبادئ للوجود إلى منتهى النهاية للنظام الوجودي كما قال أعاظم أرباب الصناعة الفلسفية في تعريف الفلسفة " هي صيرورة الإنسان عالما عقليا مضاهيا للعالم العيني في صورته وكماله ". وهذا القول إشارة إلى هذا التغذي من المعارف الإلهية في حين أن تغذي القلوب يستمد من الفضائل والمناسك الإلهية.
وليعلم أن كلا من هذه الأغذية إذا خلص من تصرف الشيطان وأوعدّ على يد الولاية للرسول الخاتم وولي الله الأعظم صلوات الله عليهما وآلهما يتغذى الروح والقلب منه وينالا الكمال اللائق بالإنسانية، ويعرجان معراج القلوب إلى الله، ولا يحصل الخلاص من تصرف الشيطان الذي هو مقدمة للإخلاص بحقيقته إلا أن يكون السالك في سلوكه طالباً لله. ويضع حب النفس وعبادتها الذي هو المنشأ للمفاسد كلها وأمُّ الأمراض الباطنية تحت قدميه، وهذا لا يتيسر بتمام معناه في غير الإنسان الكامل وبتبعية في خُلَّص أوليائه، وأما سائر الناس فغير ميسّر لهم هذا الخلاص، ولكن على السالك إلاّ ييأس من الألطاف الباطنية لله سبحانه فإن اليأس من روح الله رأس كل برودة وفتور ومن أعظم الكبائر. والذي يمكن من الإخلاص لصنف الرعايا هو أيضاً قرّة العين لأهل المعرفة، فعلى سالك طريق الآخرة لزوما حتما أن يخلص معارفه ومناسكه من تصرف الشيطان والنفس الأمارة مهما بلغ من الجهد وان يغوص في حركاته الباطنية، وتغذياته الروحية، ولا يغفل عن حيل النفس والشيطان وحبائل النفس الأمارة وإبليس وان يسوء ظنه سوء الظن الكامل في جميع حركاته وأفعاله، ولا يخلي نفسه على رسلها آنا ما، فربما تتغلب على الإنسان وتصرعه إذا تسامح معها وتوسقه إلى الهلاك والفناء، لأن الأغذية الروحانية إذا لم تكن خالصة من تصرف الشيطان وتدخلت يده في أعدادها فمضافا إلى أنه لا تتربى بها الأرواح والقلوب ولا تصل إلى الكمال اللائق بها، يحصل لها النقصان الفاحش أيضاً، ولعلها تجعل صاحبها منسلكا في سلك الشياطين والبهائم والسباع. وما هو السبب للسعادة ورأس المال لكمال الإنسانية والوصول إلى المدارج العالية ليعطي النتيجة المعكوسة ويسوق الإنسان إلى الهاوية المظلمة للشقاوة كما رأينا في بعض أهل العرفان الاصطلاحي أشخاصا انتهت بهم هذه الاصطلاحات والغور فيها إلى الضلالة وجعلت قلوبهم منكوسة وبواطنهم مظلمة وصارت الممارسة في المعارف موجبة لقوة أنانيتهم وإنيتهم وصدرت منهم الدعاوى غير اللائقة والشطحات غير المناسبة. وكذلك رأينا في أرباب الرياضات والسلوك أفرادا أوجبت رياضتهم واشتغالهم بتصفية النفس جعل قلوبهم أكدر وباطنهم أظلم وما جاءهم ذلك كله إلا من قبل أنهم لم يتحفظوا على سلوكهم المعنوي الإلهي ومهاجرتهم إلى الله وكان سلوكهم العلمي وارتياضهم بتصرف الشيطان والنفس وإلى الشيطان والنفس.
و كذلك رأينا في طلاب العلوم النقلية الشرعية أفراد أثّر فيهم العلم الأثر السيئ وزاد في المفاسد الأخلاقية لهم، والعلم الذي لابد أن يكون موجبا للفلاح والنجاة لهم صار سببا لهلاكهم ودعاهم إلى الجهل والمماراة والاستطالة.
وكذلك في أهل العبادة والمناسك، والمواطنين على الآداب والسنن ربما يكون أشخاص جعلت العبادة والنسك التي هي رأس مال إصلاح الأحوال والنفوس قلوبهم كدرة و مظلمة وحملتهم على العجب ورؤية النفس والكبر والتغمزّ وسوء الظن في عباد الله، وهذا كله أيضاً من عدم المواظبة على هذه المعاجين الإلهية، ومن المعلوم أن معجونا هُيئ وأعدّ بيد العفريت الخبيث وبتصرف النفس الطاغية لا يتولد منه إلا الخلق الشيطاني، وحيث أن القلب يتغذى من تلك الأغذية على أي حال وتصير الأغذية صورة باطنية للنفس، فبعد أن يداوم عليها مدة يصير الإنسان وليدا من مواليد الشيطان قد تربى بيد تربيته، ونشأ ونما تحت تصرفه، فإذا أغمضت عينه الملكية وانفتحت عينه الملكوتية يرى نفسه واحدا من الشياطين، فلا نتيجة في تلك الحال سوى الخسران ولا تغني عنه الحسرات والندامات شيئا.
فسالك طريق الآخرة في كل مسلك من المسالك الدينية، وفي كل طريق من الطرق الاهية عليه:
أولاً - أن يواظب بكمال المواظبة والدقة على حالة كطبيب رفيق ورقيب شفيق، ويفتش بالدقة عن عيوب سيره وسلوكه.
ثانياً - ألا يغفل في خلال هذه المراقبة والتفتيش عن التعوذ بالذات المقدسة الحق جلّ وعلا في خلواته والتضرع والاستكانة إلى جنابه الأقدس ذي الجلال.
اللهم انك تعلم ضعفنا ومسكنتنا، وتعلم أنا لا نستطيع الهرب من هذا العدو القوي القدير الذي قد طمع في السلطة على الأنبياء العظام والكمّل من الأولياء الرفيعي المقام، فإن فقدنا بارقة لطفك ورحمتك أوقعنا هذا العدو القوي في مصارعتنا إيّاه إلى أرض الهلاك والدمار وكنّا تائهين في الظلمة والشقاوة، فأسألك بالخاصة في جنابك والمحارم في حضرتك أن تأخذ بيدنا نحن المتحيرين في وادي الضلالة، والحائرين في صحراء الغواية وان تطهّر قلوبنا من الغلّ والغش والشرك والشك، انك وليّ الهداية.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في بيان النشاط والبهجة في العبادة
ومن الآداب القلبية للصلاة وسائر العبادات وله نتائج حسنة بل هو موجب لفتح بعض الأبواب وكشف بعض أسرار العبادات، أن يجتهد السالك في أن تكون عبادته عن نشاط وبهجة في قلبه وفرح وانبساط في خاطره ويحترز احترازا شديداً أن يأتي بالعبادة مع الكسل وأدبار النفس، فلا يكون لها تعب وفتور لأنه إذا حمل على النفس العبادة في حين الكسل والتعب، يمكن أن تترتب عليه الآثار السيئة ومنها:
أن ينضجر الإنسان من العبادة ويزيد تكلفة وتعسفه، ويوجب ذلك وبالتدريج تنفر طباع النفوس منها، وهذا مضافاً إلى أنه من الممكن أن يصرف الإنسان بالكلية عن ذكر الحق، ويؤذي الروح بالنسبة إلى مقام العبودية التي هي منشأ لجميع السعادات ينتج عنه إلا يحصل للعبادة بهذه الصفة نور في القلب، ولا ينفعل باطن النفس منها ولا تصير صورة العبودية صورة باطنية للقلب، وقد ذكرنا من قبل أن المطلوب في العبادات هو صيرورة باطن النفس صورة عبودية.
والآن نقول:
إن من أسرار العبادات والرياضيات ونتائجهما أن تكون إرادة النفس في ملك البدن نافذة وتكون دولة النفس منقهرة ومضمحلة في كبريائها وتتملك الإرادة القوى المنبثّة والجنود المنتشرة في ملك البدن وتمنعها عن العصيان والتمرد والأنانية والاستقلال وتكون القوى مسلمة لملكوت القلب وباطنه، بل تصير القوى بالتدريج فانية في الملكوت. ويجرى أمر الملكوت في الملك وينفذ فيه وتقوى إرادة النفس وتخلع اليد عن الشيطان والنفس الأمارة في المملكة وتساق جنود النفس من الإيمان إلى التسليم ومن التسليم إلى الرضا ومن الرضا إلى الفناء. وفي هذه الحالة تجد النفس رائحة من أسرار العبادة، ويحصل لها شيء من التجليات الفعلية وما ذكرنا لا يتحقق إلا بأن تكون العبادة عن نشاط وبهجة ويحترز فيها من التكلف والتعسف والكسل احترازا تامّا كي تحصل للعابد حالة المحبة والعشق لذكر الحق ولمقام العبودية ويحصل له الأنس والتمكن.
وان الأنس بالحق وبذكره من أعظم المهمات ولأهل المعرفة بها عناية شديدة وفيها المتنافسون من أصحاب السير والسلوك، وكما أن الأطباء يعتقدون بأن الطعام إذا أكل بالسرور والبهجة يكون أسرع في الهضم، كذلك يقتضي الطب الروحاني بأن الإنسان إذا تغذى بالأغذية الروحانية بالبهجة والاشتياق محترزا من الكسل والتكلف يكون ظهور آثارها في القلب وتصفية باطن القلب بها أسرع.
وقد أشير إلى الأدب في الكتاب الكريم الإلهي والصحيفة القويمة الربوبية حيث يقول في مقام تكذيب الكفار والمنافقين: " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون"(التوبة 45.). وقد فسرت آية " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى "(النساء 43)
في حديث بأن المراد من سكارى كسالى، وأشير في الروايات إلى هذا الأدب ونحن نذكر بعضا منها كي تفخر هذه الأوراق به.
محمد بن يعقوب (هو الشيخ الأجل قدوة الأنام وملاذ المحدثين العظام ومروّج المذهب في غيبة الإمام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي الملقب ثقة الإسلام ألّف الكافي الذي هو من أجلّ الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامة والذي لم يعمل للإمامة مثله. ألّفه في العشرين سنة ومات قدس الله سره ببغداد سنة 329 (شكط) وصلّى عليه محمد بن جعفر الحسني ابو قيراط ودفن بباب الكوفة.)
باسناده عن أبي عبدالله قال: " لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة ".
وعن أبي عبد الله قال: قال رسول الله : " يا عليّ انّ هذا الدين متين فأوغل برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك ".
وفي الحديث عن العسكري (1 هو الإمام الحادي عشر وسبط سيد البشر ووالد الخلف المنتظر السيد الرضيّ الزكي أبو محمد الحسن علي العسكري صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام وخلفه خاتم الأئمة الأعلام. ولد بالمدينة الطيبة يوم العاشر أو الثامن من شهر ربيع الآخر وقيل في رابعه سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، أمّه حُدَيق (مصغّرا) أو سليل ويقال لها الجدّة وكانت من العارفات الصالحات قال القطب الراوندي وأمّا الحسن بن علي العسكري فقد كانت أخلاقه كأخلاق رسول الله وكان رجلا أسمر حسن القامة جميل الوجه جيّد البدن حدث السّن له جلالة وهيبة وهيئة حسنة يُعظَّمه العامة والخاصة اضطرارا ويعظّمونه لفضله ويقدّمونه لعفافه وصيانة وزهده وعبادته وصلاحه واصلاحه وكان جليلا نبيلا فاضلا كريما يحمل الأثقال ولا يتضعضع للنوائب أخلاقه خارقة العادة على طريقة واحدة. (انتهى).
ومناقبه أكثر من أن تحصى وقبض بِسُرّ من رأى يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين (رس) في خلافة المعتمد وهو ابن ثمان وعشرين سنة ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه بِسُرّ من رأى.) : إذا نشطت القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودّعوها.
وهذا دستور جامع منه بأن أودعوا في القلوب في وقت نشاطها وأما في وقت نفارها فخلّوها تستريح، فلا بد في كسب المعارف والعلوم أيضاً من رعاية هذا الأدب وألا يحمل على القلوب اكتسابها مع الكراهة والنفور. (ومن الروايات التي تشير إلى هذا الأدب ما رواه الصدوق عن الصادق قال: قال رسول الله : " أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده وتفرّغ لها فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر ".
وقال الباقر ((* - الإمام الخامس ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب باقر علم النبيين، ولد بالمدينة يوم الاثنين ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة وقيل غرّة رجب، أمّه أم عبدالله فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب وهو هاشمي من هاشميين وعلوي من علويّين، سُمي أبو جعفر باقرا لأنه بَقَرَ العلم بقْراً أي شقّه شقا وأظهره إظهارا وقال السبط ابن جوزي سمي الباقر من كثرة سجوده بَقَرَ السجود جبهته أي فتحها ووسعها. وقال لغزارة علمه، وقال الشيخ المفيد ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الأدب ما ظهر عن أبي جعفر وقال ابن حجر في صواعقه في حقه : هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه صفا قلبه وذكا علمه وعمله وطهرت نفسه وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكلّ عنه السنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة. (انتهى كلام ابن حجر). توفي ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربع عشرة ومئة (قيد) وله سبع وخمسون سنة ودفن في البقيع.))
: " ألا إنّ لكلّ عبادة شرة ثم تصير إلى فترة، فمن صارت شرة عبادته إلى سُنَّتي فقد اهتدى ومن خالف سنّتي فقد ضلّ وكان عمله في النار، أما إني أصلّي وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسُنَّتي فليس مني ".)
ويستفاد من هذه الأحاديث وأحاديث أُخَر أدب آخر وهو أيضاً من المهمات في باب الرياضة وهو أدب الرعاية.
وكيفيته أن يراعي السالك في أي مرتبة هو فيها في الأعم من الرياضات والمجاهدات العلمية أو النفسانية أو العمليّة حاله ويتعامل مع نفسه بالرفق والمداراة ولا يحمّلها أزيد من طاقته وحاله، ورعاية هذا الأدب بالنسبة إلى الشباب وحديثي العهد من المهمات فإنه إذا لم يعامل الشباب أنفسهم بالرفق والمداراة ولم يؤدّوا الحظوظ الطبيعية إلى أنفسهم بمقدار حاجتها من الطرق المحللة يوشك أن يوقعوا في خطر عظيم لا يتيسر لهم جبره، وهو أن النفس ربما تصير بسبب الضغط عليها وكفها عن مشتهياتها بأكثر من العادة مطلقة للعنان في شهواتها ويخرج زمام الاختيار من يد صاحبها، واقتضاءات الطبيعة إذا تراكمت ونار الشهوة الحارّة إذا وقعت تحت ضغط الرياضة خارجة عن الحد لاشتعلت لا محالة واحرقت جميع المملكة، وإذا صار سالك مطلق العنان أو زاهد بلا اختيار فإنه يقع في مهلكة لا يرى وجه النجاة أبداً ولا يعود إلى طريق السعادة والفلاح وقتا ما، فعلى السالك أن يتملك نفسه في أيام سلوكه كطبيب حاذق ويعاملها على حسب اقتضاءات الأحوال وأيام السلوك ولا يمنع نفسه الطبيعة في أيام اشتعال نار الشهوة وغرور الشباب من حظوظها بالكلية. وعليه أن يخمد نار الشهوة بالطرق المشروعة فإن في إطفاء الشهوة بطريق الأمر الإلهي إعانة كاملة على سلوك طريق الحق فلينكح وليتزوج فإنه من السنن الكبيرة الإلهية ومضافا إلى أنه مبدأ البقاء للنوع الإنساني فإنه له دوراً واسعا أيضاً في سلوك طريق الآخرة. ولهذا قال رسول الله " من تزوّج فقد أحرز نصف دينه " وفي حديث آخر: " من أحب أن يلقى الله مطهَّراً فليلقه بزوجة ".
وروي أن رسول الله قال " وأكثر أهل النار العزّاب ".
وعن عليّ قال " إن جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل فأخبرت أم سلمة رسول الله فخرج إلى أصحابه فقال:
(أترغبون عن النساء؟ إني آتي النساء، وآكل بالنهار، وأنام بالليل، فمن رغب عن سنّتي فليس مني. وأنزل الله " لا تحرِّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيّبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ").
وبالجملة يلزم لسالك طريق الآخرة رعاية أحوال إدبار النفس وإقبالها، فكما أنه لا يجوز له الكف عن الحظوظ مطلقا فإنه منشأ لمفاسد عظيمة لا ينبغي له أن يزعج نفسه في العبادات والرياضات العملية وألا يجعلها تحت الضغط خصوصاً في أيام الشباب وابتداء السلوك فإنه أيضاً يكون منشأ لانزعاج النفس ونفورها وربما ينصرف الإنسان به عن ذكر الحق. والإشارة إلى هذا المعنى في أحاديث كثيرة، ففي الكافي الشريف:
عن أبي عبدالله قال: " اجتهدت في العبادة وأنا شابّ فقال لي أبي يا بنيّ دون ما أراك تصنع فإن الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبدا رضي منه باليسير ".
وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبتّ الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى ".
وفي حديث آخر " ولا تبغّض إلى نفسك عبادة الله ".
وبالجملة الميزان في باب المراعاة أن يكون الإنسان ملتفتا إلى أحوال النفس ويسلك معها بنسبة قوتها وضعفها فإذا كانت النفس قوية في العبادات والرياضات وتقدر على المقاومة، فليجدّ ويسعى في العبادة. وأما الذين طووا أيام عنفوان الشباب، وانطفأت نائرة الشهوات شيئا ما لديهم فالمناسب لهم أن يجدّوا في الرياضات النفسانية أكثر ويدخلوا في السلوك والرياضة بخطوة رجولية فكلما عوّدوا النفس على الرياضات فتح لهم باب آخر إلى أن تغلب النفس القوى الطبيعية وتصير القوى الطبيعية مسخّرة تحت كبرياء النفس.
وما ورد في الأحاديث الشريفة: من الأمر بالجدّ والسعي في العبادة، وما ورد فيها من المدح للذين يجتهدون في العبادة والرياضة، وما ورد في عبادات أئمة الهدى ، من جهة وما ورد من هذه الأحاديث الشريفة المادحة للاقتصاد في العبادة من جهة أخرى مبنيّ على اختلاف أهل السلوك ودرجات النفوس وأحوالها، والميزان الكلّي هو نشاط النفس وقوَّتها أو نفور النفس وضعفها.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في بيان التفهيم
ومن الآداب القلبية في العبادات - وخصوصا العبادات الذكرية - التفهيم، وكيفيته:
إن الإنسان يعدّ قلبه في أول الأمر كطفل ما انفتح لسانه وهو يريد أن يعلّمه كلاّ من الأذكار والأوراد والحقائق وأسرار العبادات بكمال الدقة والسعي و يفهّم القلب الحقيقة التي أدركها في أيّ مرتبة هو فيها فإذا لم يكن من أهل فهم معاني القرآن والأذكار وليس له نصيب من أسرار العبادات فيفهّم القلب المعنى الإجمالي وهو أن القرآن كلام إلهي والأذكار مذكرات بالحق تعالى والعبادات والطاعة إطاعة لأمر الربّ ويفهم القلب هذه المعاني الإجمالية. وإن كان أهلا لفهم المعاني الصورية للقرآن والأذكار فيفهّم القلب المعاني الصورية من الوعد والوعيد والأمر والنهي ومن علم المبدأ والمعاد بالمقدار الذي أدركه.
وان كشفت له حقيقة من حقائق المعارف أو كشف له سرّ من أسرار العبادات فيعلّم القلب ذاك المكشوف بجدّ واجتهاد (الظاهر أن مراد الإمام دام ظله من الكشف، هو الكشف العلمي، وإلا، فالكشف الحقيقي لا يكون إلا للقلب، ولا يبقى بعده مجال للتفهيم. فتدبر.)، ونتيجة هذا التفهيم هو أنه بعد المواظبة بمدة ينفتح لسان القلب ويكون القلب ذاكراً ومتذكرا. ففي أول الأمر كان القلب متعلما واللسان كان معلّما والقلب كان ذاكرا بذكر السان وتابعا له في الذكر، وأما بعدما انفتح لسان القلب فيكون الأمر معكوسا فيكون القلب ذاكرا أوّلا ويتبعه اللسان في الذكر والحركة.
بل ربما يتفق أن الإنسان في حالة النوم يكون لسانه ذاكرا تبعا للذكر القلبي لأنّ الذكر القلبي لا يختصّ بحال اليقظة فإذا كان القلب متذكرا يكون اللسان التابع له أيضاً ذاكرا ويسري الذكر من ملكوت القلب إلى الظاهر " قل كلّ يعمل على شاكلته "(الاسراء 84).
وبالجملة ففي أول الأمر لابد أن يلاحظ الإنسان هذا الأدب: أي التفهيم حتى ينفتح لسان القلب الذي هو المطلوب الحقيقي وعلامة انفتاح لسان القلب أن يرتفع تعب الذكر ومشقته ويحصل النشاط والفرح ويرتفع الملل والألم كشأن الإنسان إذا أراد أن يعلّم الطفل الذي لم يشرع في التكلّم، فما دام الطفل لم يتعلم التكلّم فإن المعلم يكون في تعب وملالة فإذا انفتح لسان الطفل وأدّى الكلمة التي علّمها له ارتفعت ملالة المعلم. ويؤدي المعلم الكلمة تبعا لأداء الطفل من دون ألم وتعب.
فالقلب أيضاً في أول الأمر طفل ما انفتح لسانه بالكلام ولابدّ له من التعليم وأن تلقّن له الأذكار والأوراد فإذا انفتح لسان القلب يكون تابعا له وترتفع مشقة الذكر وتعب التعليم وملالة الذكر، وهذا الأدب بالنسبة إلى المبتدئين ضروري.
وليعلم أن من أسرار تكرار الأذكار والأدعية ودوام الذكر والعبادة انفتاح لسان القلب فيكون ذاكراً وداعياً وعابداً وما دام لم يلاحظ الأدب المذكور لا ينفتح لسان القلب، وقد أشير إلى هذا المعنى في الأحاديث الشريفة كما في الكافي الشريف عن الصادق أن عليّاً قال في ضمن بيان بعض آداب القراءة: " ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم لآخر السورة ". وفيه أيضاً أن أبا عبد الله الصادق قال لأبي أسامة: " يا أبا أسامة أوعوا قلوبكم ذكر الله واحذروا النكت ".
وقد كان أولياء الله يلاحظون هذا الأدب حتى الكمّل منهم كما في الحديث أن مولانا جعفر بن محمد الصادق كان في صلاته فغشي عليه فلمّا أفاق سئل عن سببه فقال: مازلت أردد هذه الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته. (والرواية على ما ذكرها العارف الفقيه جمال العارفين السيد بن طاووس ((*- ابن طاووس يطلق غالباً على رضي الدين ابي القاسم على بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحسيني السيد الأجل الاورع الازهد قدوة العرفين الذي ما اتفقت كلمة الأصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم على صدور الكرامات عن أحد ممّن تقدمه أو تأخّر عنه غيره. قال العلامة في إجازته الكبيرة: وكان رضي الدين علي صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي رحمة الله عليه البعض الآخر (انتهى).
قال المحدث النوري في المستدرك، ويظهر في مواضع من كتبه خصوصا (كشف المحجة): " ان باب لقائه الإمام الحجة كان مفتوحا ". وقال رحمه الله: " وكان رحمة الله من عضماء المعظِّمين لشعائر الله تعالى لا يذكر في أحد تصانيفه الاسم المبارك " الله " الاّ يعقبه بقوله جلّ جلاله ". توفي رحمه الله يوم الاثنين خامس ذي العقدة سنة 664 (خسد))) - في كتابه (فلاح السائل): فقد روي " إن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كان يتلو القرآن في صلاة فغشي عليه فلما أفاق سئل ما الذي أوجب ما انتهت حالتك إليه؟ فقال (ما معناه): ما زلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها على المكاشفة والعيان فلم تقم القوة البشرية بمكاشفة الجلالة الإلهية ". ثم يقول العرف المذكور: وإياك يا من لا تعرف حقيقة ذلك أن تستبعده أو يجعل لك الشيطان في تجويز الذي رويناه عندك شكا بل كن مصدقا، أما سمعت الله يقول " فلمّا تجلى ربّه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً " (الاعراف 143) (انتهى))
وروي عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قام رسول الله ليلة يردّد قوله تعالى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ". (المائدة 118).
وبالجملة فحقيقة الذكر والتذكر هي الذكر القلبي. أما الذكر اللساني فهو بدونه ذكر بلا لبّ وساقط عن درجة الاعتبار بالمرة، كما أشير إلى ذلك في الأحاديث الشريفة غير مرة فعن الرسول الأكرم أنه قال لأبي ذرّ: " يا أبا ذرّ ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب لاه (ساه) ".
وروي عنه صلى الله علية وآله أيضاً " أن الله سبحانه لا ينظر إلى صوركم بل ينظر إلى قلوبكم ". وسيأتي في أحاديث حضور القلب أنه يقبل من الصلاة بقدر ما أقبل، وكلما كان القلب غافلا فبمقدار الغفلة كانت الصلاة غير مقبولة، وما لم يلاحظ الأدب المذكور لا يحصل الذكر القلبي ولا يخرج القلب من السهو والغفلة، وفي الحديث أن الصادق قال:
فاجعل قلبك للسانك لا تحركه إلا بإشارة القلب. ولا يتحقق كون القلب قبلة ولا يتحقق تبعية اللسان وسائر الأعضاء له إلا بملاحظة هذا الأدب، وان اتفق في مورد حصول الأمور المذكورة بدون هذا الأدب فهو من النوادر ولا يجوز للإنسان أن يغترّ به.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا وولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الأداب المعنوية للصلاة ..
في بيان حضور القلب
من الآداب القلبية حضور القلب الذي يمكن أن يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات وقلّ ما ذكر في الأحاديث الشريفة شيء بهذه المثابة، وقلّ ما اهتمّ بشيء من الآداب كهذا الأدب، ونحن وان ذكرنا في رسالة سر الصلاة، وهكذا في كتاب الأربعين قدرا مستوفى منه وبيّنا درجاته ومراتبه ولكن نذكر في هذا المقام أيضاً شيئا منه تتميما للفائدة وتحرزا عن الإحالة فنقول:
كما ذكرنا سابقا بأن العبادات والمناسك والأذكار والأوراد إنما تنتج نتيجة كاملة إذا صارت صورة باطنية للقلب وتخمّر باطن ذات الإنسان بها ويتصور قلب الإنسان بصورة العبودية ويخرج عن الهوى والعصيان، وذكرنا أيضاً أن من أسرار العبادات وفوائدها أن تتقوى إرادة النفس وتتغلب النفس على الطبيعة وتكون القوى الطبيعية مسخّرة تحت قدرة النفس وسلطنتها وتكون الإرادة الملكوتية نافذة في ملك البدن بحيث تكون القوى بالنسبة إلى النفس كملائكة الله بالنسبة إلى الحق تعالى " لا يعصون الله ما أمرهم "(التحريم: 6)" وهم بأمره يعملون " (الأنبياء - 27).
ونقول الآن: إن من أسرار العبادات وفوائدها المهمة التي تكون بقية الفوائد مقدمة لها. أن تكون مملكة البدن بجميعها، ظاهرها وباطنها، مسخّرة تحت إرادة الله ومتحركة بتحريك الله تعالى وتكون القوى الملكوتية والملكية للنفس من جنود الله وتكون كلها كملائكة الله بالنسبة إلى الحق تعالى، وهذه من المراتب النازلة لفناء القوى والارادات في إرادة الحق ويترتب على هذا بالتدريج النتائج العظيمة ويكون الإنسان الطبيعي إلهيا وتكون النفس مرتاضة بعبادة الله وتنهزم جنود ابليس بالمرة وتنقرض ويكون القلب مع قواه مسلّما للحق ويبرز الإسلام ببعض مراتبه الباطنية في القلب وتكون نتيجة هذا التسليم لإرادة الحق في الآخرة أن الحق تعالى ينفذ إرادة صاحب هذا القلب في العوالم الغيبية ويجعله مثلا أعلى لنفسه تعالى، فكما أنه تعالى وتقدس يوجد كل ما أراد بمجرد الإرادة يجعل إرادة هذا العبد أيضاً كذلك كما راوه بعض أهل المعرفة عن النبي صلى اله عليه وآله في وصف أهل الجنة (ما معناه) أنه يأتيهم ملك فيستأذن للدخول عليهم وبعد الاستئذان يدخل فيبلّغ السلام من الله تعالى عليهم ويعطيهم رسالة مكتوباً فيها (يخاطب الإنسان الذي هو مخاطب به) من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت أما بعد فإنني أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون، فقال : فلا يقول أحد من أهل الجنة للشيء كن إلا ويكون. (قال الشيخ الاكبر في باب الواحد والستين وثلاثمئة من الفتوحات وورد في الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن عليهم في الدخول فإذا دخل ناولهم كتابا من عند الله بعد أن يسلّم عليهم من الله واذا في الكتاب لكلّ انسان يخاطب به: من الحّي القيوم الذي لا يموت إلى الحّي القيوم الذي لا يموت. أما بعد: فإني أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك... وقال أيضاً في السؤال السابع والاربعين ومئة من الباب ثلاثة وسبعين من الفتوحات، بعد أن نقل القول الشريف بسم الله من??? العبد بمنزلة كن من الحق قال: اليوم تقول للشيء كن فيكون فقال وسلم فلا يقول أحد من??? أهل الجنة لشيء كن إلا ويكون. وقال الشيخ في الفصّ الاسحاقي من فصوص الحِكَم: العارف يخلق بهمته ما يكون له وجود من خارج محل الهمّة ولكن لا تزال الهمّة تحفظه.
تبصرة: الخبر المذكور لو كان صحيحا فليس من مختصات أهل المرتبة العالية من الجنة لان من أهل من يتلقّى السلام والكلام والمقام من الله سبحانه بدون واسطة كما أشير إلى ذلك في بعض الاحاديث والمتناولون الكتاب من الله في هذا الخبر بواسطة الملك فهذا المقام عام لجميع أهل الجنة ومن المقامات العامة، ولذلك قال فلا يقول أحد من أهل الجنة بشيء كن إلا ويكون. فافهم.)
وهذه هي السلطنة الإلهية التي أعطي العبد إياها لأجل تركه إرادة نفسه وتركه سلطنة الهوى النفسانية وتركه إطاعة ابليس وجنوده، ولا تحصل كل من هذه النتائج المذكورة إلا بالحضور الكامل للقلب، وإذا كان القلب في وقت العبادة غافلا وساهيا لا تكون عبادته حقيقية بل تشبيه اللهو واللعب ولا يكون لمثل هذه العبادة أثر في النفس البتة ولا تتجاوز العبادة من الصورة والظاهر إلى الباطن والملكوت كما أشير إلى ذلك في الأحاديث، ولا تكون القوى النفسانية بمثل تلك العبادة مسلمة للنفس ولا تظهر سلطنة النفس لها، كذلك القوى الظاهرية والباطنية لا تكون مستسلمة لإرادة الله ولا تنقهر المملكة تحت كبرياء الحق كما هو واضح جدا، ولذا ترون أنه بعد مضيّ أربعين أو خمسين سنة لا يحصل أثر في أنفسنا بل تزداد يوما فيوما ظلمة القلب وتعصيّ القوى ويزيد اشتياقنا إلى الطبيعة وإطاعتنا الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية آنا فآناً وليس هذا كله إلا من جهة ان عبادتنا قشور بلا لبّ وفاقدة للشرائط الباطنية والآداب القلبية، ولولا هذه الجهة ففي حين أننا نرى أن كتاب الله سبحانه قد نصّ على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا النهي ليس صوريا البتة بل لا بد أن يزهر مصباح في القلب ويضيء نور في الباطن يهدي الإنسان إلى عالم الغيب، ويوجد زاجر إلهي ينهى الإنسان عن العصيان والتمرد، وها نحن أولاء نحسب لأنفسنا في زمرة المصلين وقد مضت علينا سنون ونحن مشتغلون بهذه العبادة العظيمة ومع ذلك لا نرى في أنفسنا هذا النور ولا نجد في باطننا هذا الزاجر والمانع فالويل لنا يوم نعطى صور أعمالنا وصحيفة أفعالنا في ذلك العالم بأيدينا ويقال " كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "(الإسراء - 14) وانظر هل تليق تلك العبادات بالقبول من جنابه، وهل هذه الصلاة مع هذه الصورة المشوّهة الظلمانية مقرّبة لك إلى بساط الحضرة الكبريائية؟ وهل ينبغي لك أن تسلك مع هذه الأمانة الإلهية ووصية الأنبياء هذا السلوك، وهل يجوز أن تسمح للشيطان الرجيم الذي هو عدو الله أن يتدخل فيها بيده الخائنة؟ ولماذا صارت الصلاة التي هي معراج المؤمن وقربان كل تقيّ مبعدة لكم عن
الساحة المقدسة ومهجرة لكم عن جناب القرب الإلهي؟ فهل لنا في ذلك اليوم سوى الحسرة والندامة والشقاوة والخجلة والانفعال نصيب؟ يا لها من حسرة وندامة ليس لها في هذا العالم شبيه، ويا لها من خجلة وانفعال لا نقدر أن نتصور لها نظيرا، فإن الحسرات في هذا العالم مهما بلغت ممزوجة بآلاف من الرجاء، وكذلك الخجلات في هذه النشأة سريعة الزوال وهذا بخلاف ذلك العالم فإنه يوم بروز الحسرة والندامة كما قال تعالى " وأنذروهم يوم الحسرة اذ قضي الآمر "(مريم - 39) فالأمر المنقضي لا يجبر والعمر التالف لا يستعاد فواحسرتاه على ما فرطت في جنب الله
فيا أيها العزيز: اليوم يوم الامهال والعمل وقد جاء الانبياء وأتوا بالكتب ودعوا بدعوات مع هذه التشريفات ومع تحملهم الآلام والشدائد كي يوقظونا من نوم الغفلة وينبهونا من سكر الطبيعة ويوصلونا إلى عالم النور ونشأة البهجة والسرور وإلى الحياة الابدية والنعم السرمدية واللذائذ الدائمة وينجونا من الهلاك والشقاوة والنار والظلمة والحسرة والندامة وكل ذلك لأجل أنفسنا ومن دون أن تعود عليهم - سلام الله عليهم - نتيجة ومن دون أن تكون لتلك الذوات المقدسة حاجة بإيماننا وأعمالنا، ومع ذلك ما أثّرت فينا دعوتهم وقد أخذ الشيطان بمسامع قلوبنا وتسلط على باطننا وظاهرنا بحيث لم يؤثر فينا شيء من مواعظهم أيّ أثر بل لم يصل إلى سمع قلوبنا شيء من الآيات والاخبار وما تجاوز ظاهر السمع الحيواني.
وبالجملة أيها القارئ المحترم الذي تطالع هذه الاوراق لا تكن ككاتبها خاليا من جميع الانوار وصفر اليد عن جميع الاعمال الصالحة ومبتلىً بالاهواء النفسانية وارحم أنت نفسك واكتسب من عمرك نتيجة وانظر بالدّقة في حال الانبياء والاولياء الكمّل وارم الرغبات الكاذبة والوعود الشيطانية ولا تغترّ بغرور الشيطان ولا تنخدع بخدع النفس الأمّارة فإن تدليسات الشيطان والنفس دقيقة وانما ليعمّيان على الانسان كل أمر باطل فيراه بصورة الحق ويغران الانسان حينما يأمل التوبة في آخر العمر وينتهيان بالانسان إلى الشقاوة. ومع أن التوبة في آخر العمر وعند تراكم ظلمات المعاصي وكثرة مظالم العباد وكثرة حقوق الله أمر صعب ومشكل للغاية. فاليوم مع ان الارادة في الانسان قوية والقوى الحيوانية على حالها وشجرة العصيان بعد لم تكبر وسلطنة الشيطان في النفس لم تستحكم والنفس جديدة العهد بالملكوت وقريبة الافق إلى فطرة الله وشرائط حصول التوبة وقبولها سهلة فهما لا يدعان الانسان يقوم بالتوبة ويخلع جذور هذه الشجرة الواهنة ويقضي على هذه السلطنة غير المستقلة ويعدانه بالتوبة في أيام الشيب التي تكون الارادة فيها ضعيفة والقوى نحيفة والاشجار المختلفة للمعاصي ذات جذور عميقة وقوية وسلطنة ابليس في الظاهر والباطن مستقلة ومستقرة وألفة الانسان للطبيعة شديدة والبعد عن الملكوت أزيد ونور الفطرة خافتا وشرائط التوبة صعبة وشديدة وليس هذا إلا الغرور والافتتان.
وحيناً آخر يبعدان الانسان بوعد شفاعة الشافعين عن ساحة قدسهم ويجعلانه عن شفاعتهم مهجورا، فإن الانغمار في المعاصي يجعل القلب بالتدريج مظلما ومنكوسا ويجرّ أمر الانسان إلى سوء العاقبة، وانّ طمع الشيطان في أن يسرق إيمان الانسان وإنما يجعل الدخول في المعاصي مقدمة لها حتى يصل إلى النتيجة المطلوبة. فهذا الانسان إن كان طمعه في شفاعة الشافعين فلا بدّ له أن يسعى ويجتهد في هذا العالم في الحفاظ على الرابطة بينه وبين الشافعين وأن يتفكر في حال شفعاء يوم الحشر كيف كان حالهم في العبادة والرياضة، ولو فرضنا أنكم ترتحلون من هذه الدنيا مع الايمان بالله ولكن إذا كانت أثقال الذنوب والمظالم كثيرة يمكن ألا يشفع فيكم في أنواع الذنوب في البرزخ والقبر، وكما نقل عن الصادق من أن البرزخ على عهدتكم وعذاب البرزخ لا يقاس بعذاب هذه الدنيا وطول مدة البرزخ لا يعلمه إلا الله ولعله يطول ملايين من السنين.
ويمكن أن يكون في القيامة أيضاً بعد مدة طويلة في أنواع العذاب التي لا تطاق، انكم لا تنالون الشفاعة، كما أن هذا المعنى وارد في الاحاديث أيضاً، فهذا الغرور من الشيطان يمسك الانسان عن العمل الصالح و يخرجه من الدنيا، إما بلا إيمان أو مع أثقال ذنوب كثيرة ويبتليه بالشقاوة والخسران.
وربما يعد الشيطان الانسان بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين، وبنفس هذا الوعد يقطع الشيطان يد الانسان عن ذيل الرحمة. وهذا الانسان غافل عن أن بعث الرسل وإرسال الكتب وإنزال الملائكة والوحي والالهام على الانبياء والهداية إلى طريق الحق كل ذلك من شؤون الرحمة لأرحم الراحمين، وقد اتسعت الرحمة الواسعة لجميع العالم ونحن على جانب عين الحياة نهلك من الظمأ، هذا القرآن هو أكبر رحمة الله فان كنت تطمع في رحمة أرحم الراحمين فتأمل رحمته الواسعة واستفد من هذه الرحمة فانه قد فتح طريق الوصول إلى السعادة وبيّن طريق الهداية من الضلالة، وأنت تلقي تفسك في الهلاك وتنحرف عن الطريق المستقيمة. فليس في الرحمة إذن أي نقصان، ولو كان من الممكن أن يُري الله الانسان طريق الخير والسعادة في طور آخر لكان سبحانه أراه إيّاه بمقتضى رحمته، ولو كان من الممكن أن يوصل الانسان إلى السعادة إكراها لكان الانبياء يوصلونه بالاكراه، لكن هيهات، ان طريق الاخرة طريق لا يمكن ان يسعى فيها الا بقدم الاختيار، وان السعادة لا تحصل بالجبر، وان الفضيلة والعمل الصالح بلا اختيار ليسا فضيلة ولا عملا صالحا، ولعل هذا معنى الآية الشريفة " لا إكراه في الدين "(البقرة - 256). نعم ما يمكن أن يعمل فيه الاكراه والاجبار هو صورة الدين الالهية لا حقيقته، وان الانبياء كانوا مأمورين أن يفرضوا على الناس صورة الدين ما أمكنهم، وبأي نحو ممكن حتى صورة العالم صورة العدل الالهي، ولكنهم بالنسبة إلى الباطن فليس لهم إلا مجرّد الارشاد حتى يمشي الناس في هذه الطريق بأنفسهم وينالوا السعادة باختيارهم. وبالجملة، هذا الوعد بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين هو أيضاً من غرور الشيطان ليقطع يد الانسان عن الرحمة بطمع الرحمة.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك