اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
في آداب قراءة القرآن الشريف المطلقة
الفصل الأول
في آداب القراءة
من أحد الآداب المهمة لقراءة الكتاب الالهي الذي يشترك فيه العارف والعامّي وتحصل منه النتائج الحسنة ويوجب نورانية القلب والحياة الباطنية التعظيم وهو موقوف على فهم عظمته ونبالته وجلالته وكبريائه، وهذا المعنى وان كان بحسب الحقيقة خارجا عن نطاق البيان وزائدا على طاقة البشر لأن فهم عظمة كل شيء بفهم حقيقة وحقيقة القرآن الشريف قبل تنزله إلى المنازل الخلقية وتطوّره بالاطوار الفعلية من الشؤون الذاتية والحقائق العلمية للحضرة الواحدية وهو حقيقة الكلام النفسي الذي هو مقارعة ذاتية في الحضرة الاسمائية، وهذه الحقيقة لا تحصل لاحد لا بالعلوم الرسمية ولا بالمعارف القلبية ولا بالمكاشفة الغيبية الا بالمكاشفة التامة الالهية لذات النبي الخاتم المباركة في محفل انس وقاب قوسين بل في خلوة سرّ مقام أو أدنى، وأيدي آمال العائلة البشرية قاصرة عنها الا الخلّص من أولياء الله الذين اشتركوا في روحانية تلك الذات المقدسة بحسب الانوار المعنوية والحقائق الالهية وفنوا بواسطة التبعية التامة فيه فإنهم يتلقون علوم المكاشفة بالوراثة منه ، وتنعكس حقيقة القرآن في قلوبهم بنفس النورانية والكمال التي تجلّت لقلبه المبارك من دون التنزّل إلى المنازل والتطور بالاطوار وهو القرآن من دون تحريف وتغيير، ومن كتّاب الوحي الالهي من يقدر على تحمّل هذا القرآن هو النفس الشريفة لولي الله المطلق علي بن أبي طالب وأما سائر الخلق فلا يقدرون أخذ هذه الحقيقة الا مع التنزّل عن مقام الغيب إلى موطن الشهادة والتطور بالاطوار الملكية والتكسي بكسوة الالفاظ والحروف الدنياوية، وهذا أحد معاني التحريف الذي وقع في جميع الكتاب الالهي والقرآن الشريف وجميع الآيات الشريفة قد جعلت في تناول يد البشرية بالتحريف بل بالتحريفات الكثيرة على حسب المنازل والمراحل التي طواها من حضرة الاسماء إلى أخيرة عوالم الشهادة، وعدد مراتب التحريف مطابق لعدد مراتب بطون القرآن طباق النعل بالنعل الا أن التحريف عبارة عن التنزّل عن الغيب المطلق إلى الشهادة المطلقة على حسب مراتب العوالم، والبطون عبارة عن الرجوع من الشهادة المطلقة إلى الغيب المطلق، فمبدأ التحريف ومبدأ البطون متعاكسان والسالك إلى الله اذا وصل إلى أي مرتبة من مراتب البطون قد تخلص من مرتبة من مراتب التحريف إلى أن يصل البطون المطلقة وهي البطن السابع على حسب المراتب الكلية يتخلص من التحريف المطلق فعلى هذا يمكن أن يكون القرآن الشريف محرّفا لشخص بجميع أنواع التحريف ولشخص آخر ببعض مراتبه ولا يكون لشخص محرّفا أصلا ويمكن أن يكون محرّفا لشخص في حال وله غير محرف في حال آخر ويكون محرّفا ببعض أنواع التحريف في حال ثالث. ففهم عظمة القرآن خارج عن طوق الادراك كما علمت ولكن الاشارة الاجمالية إلى عظمة هذا الكتاب المتنزل والمتناول لجميع البشر موجبة لفوائد كثيرة.
اعلم أيها العزيز أن عظمة كل كلام وكل كتاب اما بعظمة متكلمه وكاتبه واما بعظمة المرسل اليه وحامله، وإمّا بعظمة حافظه وحارسه، واما بعظمة شارحه ومبيّنه، واما بعظمة وقت ارساله وكيفية ارساله. وبعض هذه الامور دخيل في العظمة ذاتا وجوهرا وبعضها عرضا وبالواسطة وبعضها كاشف عن العظمة وجميع هذه الامور التي ذكرناها موجودة في هذه الصحيفة النورانية بالوجه الاعلى والأوفى بل هي من مختصاته بحيث ان الكتاب الآخر اما ألاّ يشترك معه في شيء منها أصلا، أو لا يشترك معه في جميع المراتب.
أما عظمة متكلمه ومنشئه وصاحبه فهو العظيم المطلق الذي جميع انواع العظمة المتصورة في الملك والملكوت وجميع أنواع القدرة النازلة في الغيب والشهادة رشحة من تجليات عظمة فعل تلك الذات المقدسة ولا يمكن أن يتجلى الحق تعالى بالعظمة لأحد وانما يتجلى بها من وراء آلاف الحجب والسرادقات، كما في الحديث:" ان لله تبارك وتعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه دونه ".
وعند أهل المعرفة قد صدر هذا الكتاب الشريف من الحق تعالى بمبدئّية جميع الشؤون الذاتية والصفاتية والفعلية، وبجميع التجليات الجمالية والجلالية، وليست لسائر الكتب السماوية هذه المرتبة والمنزلة. وأما عظمته بواسطة محتوياته ومقاصده ومطالبه فيستدعي ذلك عقد فصل على حدة، بل فصول وأبواب ورسالة مستقلة وكتاب مستقل حتى يسلك نبذة منها في سلك البيان والتحرير، ونحن نشير بطريق الاجمال بفصل مستقل إلى كلياته، وفي ذلك الفصل نشير إلى عظمته من حيث النتائج والثمرات ان شاء الله.
وأما عظمة رسول الوحي وواسطة الايصال فهو جبرائيل الامين والروح الاعظم الذي يتصل بذاك الروح الاعظم الرسول الاكرم وسلّم بعد خروجه عن الجلباب البشري وتوجيه شطر قلبه إلى حضرة الجبروت وهو أحد أركان دار التحقق الاربعة بل هو أعظم أركانها وأشرف أنواعها لان تلك الذات النورانية ملك موكل للعلم والحكمة وصاحب الارزاق المعنوية والاطعة الروحانية، ويستفاد من كتاب الله والاحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقديمه على سائر الملائكة.
وأما عظمة المرسل إليه ومتحمّـله، فهو القلب التقي النقي الاحمدي الاحدي الجمعي المحمدي الذي تجلى له الحق تعالى بجميع الشؤون الذاتية والصفاتية والاسمائية والافعالية وهو صاحب النبوة الختمية والولاية المطلقة وهو أكرم البرية وأعظم الخليقة وخلاصة الكون وجوهرة الوجود وعصارة دار التحقق واللبنة الاخيرة وصاحب البرزخية الكبرى و الخلافة العظمى.
وأما حافظه وحارسه فهو ذات الحق جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة: " إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون "(الحجر - 9). وأما شارحه ومبينه فالذوات المطهرة المعصومون من رسول الله إلى حجّة العصر عجّل الله فرجه الذين هم مفاتيح الوجود ومخازن الكبرياء ومعادن الحكمة والوحي وأصول المعارف والعوارف وأصحاب مقام الجمع والتفصيل.
وأمّا وقت الوحي فليلة القدر أعظم الليالي وخير من ألف شهر وأنور الازمنة، وهي في الحقيقة وقت وصول الوليّ المطلق والرسول الخاتم .
وأما كيفية الوحي وتشرقاته فهي خارجة عن نطاق البيان في هذا المختصر وتحتاج إلى فصل مستقل قد صرفت النظر عنه لطوله.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
في آداب قراءة القرآن الشريف المطلقة
الفصل الثاني
في بيان مقاصد الكتاب الشريف الالهي
ومطالبه ومشتملاته بطريق الاجمال والاشارة
اعلم أن هذا الكتاب الشريف كما صرّح هو به كتاب الهداية وهادي سلوك الانسانية ومربيّ النفوس وشافي الامراض القلبية ومنير طريق السير إلى الله.
وبالجملة، فإن الله تبارك وتعالى لسعة رحمته إلى عبادة أنزل هذا الكتاب الشريف من مقام قربه وقدسه وتنزل به على حسب تناسب العوالم حتى وصل إلى هذا العالم الظلماني وسجن الطبيعة وصار على كسوة الالفاظ وصورة الحروف لاستخلاص المسجونين في سجن الدنيا المظلم وخلاص المغلولين بأغلال الامال والأماني، وايصالهم من حضيض النفس والضعف والحيوانية إلى أوج الكمال والقوة الانسانية، ومن مجاورة الشيطان إلى مرافقة الملكوتيين بل الوصول إلى مقام القرب وحصول مرتبة لقاء الله التي هي أعظم مقاصد أهل الله ومطالبهم، فمن هذه الجهة ان هذا الكتاب هو كتاب الدعوة إلى الحق والسعادة. وبيان كيفية الوصول إلى هذا المقام ومندرجاته اجمالا ما له دخل في هذا السير والسلوك الالهي أو عين السالك والمسافر إلى الله، وعلى نحو كلّي أحد مقاصده المهمّة الدعوة إلى معرفة الله وبيان المعارف الالهية من الشؤون الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية وأكثرها في هذا المقصود هو توحيد الذات والاسماء والافعال، قد ذكر مستقصي بعضه بالصراحة وبعضه بالاشارة.
وليعلم ان المعارف من معرفة الذات إلى معرفة الافعال قد ذكرت في هذا الكتاب الجامع الالهي على نحو تدركه كل طبقة على قدر استعدادها، كما أن علماء الظاهر والمحدثين والفقهاء رضوان الله عليهم يبيّنون ويفسّرون آيات التوحيد الشريفة وخصوصا توحيد على نحو يخالف ويباين ما يفسّرها أهل المعرفة وعلماء الباطن.
والكاتب يرى كلا التفسيرين صحيحا في محله لان القرآن هو شفاء الامراض الباطنية ويعالج كل مريض على نحو خـاص، كما أن كريمة " هو الاول والآخر والظاهـر والباطن "(الحديد - 3). وكريمة " الله نور السموات والارض ". (النور - 35) وكريمة " هو الذي في السماء وفي الأرض إله "(الزخرف - 84). وكريمة " وهو معكم "(الحديد - 4). وكريمة " أينما تولّوا فثمّ وجه الله "(البقرة - 115). إلى غير ذلك في توحيد الذات والآيات الكريمة في آخر سورة الحشر وغيرها في توحيد الصفات. وكريمة " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى "(الانفال -17). وكريمة " الحمد لله رب العالمين "(الفاتحة - 1). وكريمة " يسبح له ما في السموات والارض ". في توحيد الافعال التي تدل بعضها بوجه دقيق وبعضها بوجه أدقّ عرفاني، شفاء للأمراض عند كل طبقة من طبقات علماء الظاهر والباطن على نحو. وبعض الآيات الشريفة مثل آيات أول الحديد والسورة المباركة التوحيد التي نزلت للمتعمقين، في آخر الزمان حسب الحديث الشريف في الكافي، ففي نفس الحال لاهل الظاهر منها نصيب كاف، وهذا من معجزات هذا الكتاب الشريف ومن جامعيته.
ومن مقاصده الاخر ومطالبه: الدعوة إلى تهذيب النفوس وتطهير البواطن من أرجاس الطبيعة، وتحصيل السعادة.
وبالجملة، كيفية السير والسلوك إلى الله. وهذا المطلب منقسم إلى شعبتين مهمتين.
احداهما: التقوى بجميع مراتبها المندرجة فيها التقوى عن غير الحق والاعراض المطلق عما سوى الله.
وثانيهما: الايمان بتمام المراتب والشؤون المندرج فيه الاقبال إلى الحق، والرجوع والانابة إلى ذاته المقدسة، وهذا من المقاصد المهمة لهذا الكتاب الشريف، وأكثر مطالبه ترجع إلى هذا المقصد إما بلا واسطة أو مع الواسطة.
ومن مقاصد هذا الصحيفة الالهية: قصص الانبياء والاولياء والحكماء وكيفية تربية الحق ايّاهم، وتربيتهم الخلق. فإن في تلك القصص فوائد لا تحصى وتعليمات كثيرة. ومن المعارف الالهية والتعليمات وأنواع التربية الربوبية المذكورة والمرموزة فيها ما يحيّر العقل.
فيا سبحان الله، وله الحمد والمنةّ، ففي قصة خلق آدم والامر بسجود الملائكة وتعليمه الاسماء وقضايا ابليس وآدم التي كرّر ذكرها في كتاب الله في التعليم والتربية والمعارف والمعالم لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ما يحيّر الانسان. ولاجل هذه النكتة كرّرت القصص القرآنية كقصة آدم وموسى وابراهيم وسائر الانبياء فليس هذا الكتاب كتاب قصة وتاريخ بل هو كتاب السير والسلوك إلى الله، وكتاب التوحيد والمعارف والمواعظ والحكم. والمطلوب في هذه الامور هو التكرار كي يؤثّر في القلوب القاسية وتأخذ منها موعظته. وبعبارة أخرى ان من يريد أن يربّي ويعلِّم وينذر ويبشر فلا بدّ له أن يرزق مقصده بالعبارات المختلفة والبيانات المتشتتة، فتارة في ضمن قصة وحكاية وأخرى في ضمن تاريخ ونقل، وحينا بصراحة اللهجة، وحينا بالكناية والامثال والرموز حتى يتمكن كل من النفوس المختلفة والقلوب المتشتتة من الاستفادة منها، وحيث أن هذا الكتاب الشريف لاجل سعادة جميع الطبقات وسلسلة البشر قاطبة، ويختلف هذا النوع الانساني في حالات القلوب والعادات والاخلاق والازمنة والامكنة، ولا يمكن أن تكون دعوته على نحو واحد، فربّ نفوس لا تكون حاضرة لاخذ التعاليم بصراحة اللهجة والقاء أصل المطلوب بنحو ساذج ولا تتأثر بهذا النحو فلا بد أن تكون دعوة هؤلاء وفق كيفية تفكيرهم فيفهم ايّاهم المقصد، ورب نفوس لا شغل لها بالقصص والحكايات والتواريخ وانما علاقتها بلبّ المطالب ولباب المقاصد فلا يوزن هؤلاء مع الطائفة الاولى بميزان واحد، وربّ قلوب تتناسب مع التخويف والانذار وقلوب لها الالفة مع الوعد والتبشير، فلهذه الجهة دعا الناس هذا الكتاب الشريف بالاقسام المختلفة والفنون المتعددة والطرق المتشتتة، والتكرار لمثل هذا الكتاب لازم وحتمي، والدعوة والموعظة من دون تكرار وتفنّن خارجة عن حد البلاغة، وما يتوقّع منها وهو التأثير في النفوس لا يحصل من دون تكرار ومع الوصف.
ففي هذا الكتاب الشريف حلاوة اتفاق القضايا على نحو لا يوجب تكرارها الكسالة في الانسان بل هو في كل دفعة يكرّر أصل المطلب، يذكر فيه خصوصيات ولواحق ليست في غيره، بل في كل مرّة يركز النظر إلى نكتة مهمة عرفانية أو أخلاقية ويطيف المطلب حولها وبيان هذا المطلب يستلزم استقصاءات كاملة في القصص القرآنية، ولا يسع هذا المختصر، وفي أمل هذا الضعيف بلا مؤونة أن أؤلف بالتوفيق الالهي وبالمقدار الميسور كتابا في خصوص القصص القرآنية وحلّ رموزها وكيفية التعليم والتربية فيها، وان كان القيام بهذا الامر من مثل الكاتب أمل لا ينال، وخيال باطل في الغاية.
وبالجملة، ذكر قصص الانبياء وكيفية سيرهم وسلوكهم وكيفية تربيتهم عباد الله ومواعظهم ومجادلاتهم الحسنة من أعظم أبواب المعارف والحكم، وأعلى أبواب السعادة والتعاليم قد فتحها الحق تعالى وجلّ مجده على عباده، فكما أن لارباب المعرفة وأصحاب السلوك منها حظا وافرا ونصيبا كافيا كذلك لسواهم ايضا نصيب واف وسهم غير محدود. فمثلا أهل المعرفة يدركون من الكريمة الشريفة " فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبا "(الأنعام - 76) إلى آخر الآيات كيفية سلوك ابراهيم ، وسيره المعنوي، ويعلمون طريق السلوك إلى الله والسير إلى جنابة وحقيقة سير الانفس والسلوك المعنوي من منتهى ظلمة الطبيعة التي عبّر عنها في ذلك المسلك ب (جنَّ عليه الليل) إلى القاء مطلق الانّيّة والانانية وترك النفسانية وعبادة النفس والوصول إلى مقام القدس والدخول في محفل الانس. ووجهت وجهي للذي فطر السموات والارض. إلى آخر اشارة إلى ذلك في هذا المسلك، والسائرون يدركون منها السير الافاقي وكيفية تربية خليل الرحمن أمّته وتعليمه ايّاهم. وعلى هذا المنوال سائر القصص والحكايات، مثل قصة آدم وابراهيم وموسى ويوسف وعيسى وعلامات موسى مع الخضر، فإن استفادات أهل المعارف والرياضات والمجاهدات مع غيرهم متفاوتة.
ويدخل في هذا القسم، أو هو مقصد مستقل الحكم والمواعظ لذات الحق المقدسة حيث أنه بنفسه دعا العباد بلسان قدرته فيما يناسب الدعوة، اما إلى المعارف الالهية والتوحيد والتنزيه كالسورة المباركة التوحيد أو أواخر سورة الحشر وأوائل الحديد وسائر موارد الكتاب الشريف الالهي، ولاصحاب القلوب والسوابق الحسنى من هذه القسمة حظوظ لا تحصى. فمثلا أصحاب المعارف يستفيدون من الكريمة المقدسة " ومن يخرج من بينه مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله "(النساء - 100). قرب النافلة والفريضة، وفي نفس الحال يستفيد السائرون الخروج بالبدن والهجرة مثلا إلى مكة أو إلى المدينة او أن الحق تعالى دعا إلى تهذيب النفوس والرياضات الباطنية كالكريمة الشريفة " قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها "(الشمس - 10) إلى غير ذلك.. أو الدعوة إلى العمل الصالح كما هو معلوم، أو التحذير عن مقابلات كل من ذلك ويدخل في هذا القسم أيضا الحكم اللقمانية وحكم سائر الاجلّة والمؤمنين المذكورة في الموارد المختلفة في هذه الصحيفة الالهية كقضايا أصحاب الكهف.
ومن مطالب هذه الصحيفة النورانية أحوال الكفار والجاحدين والمخالفين للحق والحقيقة والمعاندين للانبياء والاولياء وبيان كيفية عواقب أمورهم وكيفية بوارهم وهلاكهم كقضايا فرعون وقارون ونمرود وشدّاد وأصحاب الفيل وغيرهم من الكفرة والفجرة، ففي كل واحدة منها مواعظ وحكم بل معارف لاهله، وداخل في هذه القسمة أو أنها قسمة مستقلة قضايا غزوات رسول الله فإن فيها ايضا مطالب شريفة مذكورة، منها كيفية مجاهدات أصحاب رسول الله لايقاظ المسلمين من نوم الغفلة وبعثهم للمجاهدة في سبيل الله وتنفيذ كلمة الحق وإماتة الباطل.
ومن مطالب القرآن الشريف بيان قوانين ظاهر الشريعة والاداب والسنن الالهية، وقد ذكرت كلّيّاتها ومهماتها في هذا الكتاب النوراني والعمدة في هذا القسم الدعوة إلى اصول المطالب وضوابطها مثل باب الصلاة والزكاة والخمس والحج والصوم والجهاد والنكاح والارث والقصاص والحدود والتجارة وأمثالها , وحيث أن هذا القسم علم ظاهر الشريعة وعامّ المنفعة ومجعول لجميع الطبقات من حيث تعمير الدنيا والاخرة، وتستفيد كل طبقات الناس منه بمقداره. فالدعوة اليها كثيرة لهذه الجهة، وفي الاحاديث الشريفة والاخبار ايضا خصوصياتها وتفاصيلها إلى حدّ وافر وتصانيف علماء الشريعة في هذه القسمة أكثر وأعلى من سائر القسمات.
ومن مطالب القرآن الشريف: أحوال المعاد والبراهين لاثباته وكيفية العذاب والعقاب والجزاء والثواب وتفاصيل الجنة والنار والتعذيب والتنعيم. وقد ذكرت في هذه القسمة حالات أهل السعادة ودرجاتهم من أهل المعرفة والمقرّبين ومن أهل الرياضة والسالكين ومن أهل العبادة والناسكين. وكذلك حالات أهل الشقاوة ودرجاتهم من الكفار والمحجوبين والمنافقين والجاحدين وأهل المعصية والفاسقين. ولكن ما كان أكثر فائدة لحال العامة كان أكثر ذكرا وبصراحة اللهجة وما كان مفيدا لطبقة خاصة فقد ذكر بطريق الرمز والاشارة مثل رضوان الله الاكبر، وآيات لقاء الله لتلك الطائفة، ومثل: " كلاّ انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "(المطففين - 15) للطائفة الأخرى. وقد ذكر هذا القسم أي في قسم تفصيل المعاد والرجوع إلى الله معارف لاتحصى وأسرار صعبة مستصعبة لا يمكن الاطّلاع على كيفيّتها الا بالسلوك البرهاني أو النور العرفاني.
ومن مطالب هذه الصحيفة الالهية كيفية الاحتجاجات والبراهين التي أقامتها الذات المقدسة الحق تعالى بنفسه لاثبات المطالب الحقة والمعارف الالهية مثل الاحتجاج على اثبات الحق والتوحيد والتنزيه والعلم
والقدرة وسائر الاوصاف الكمالية، وقد توجد في هذه القسمة براهين دقيقة يستفيد أهل المعرفة منها استفادة كاملة مثل: " شهد الله أنه لا اله الا هو "(آل عمران - 18). وقد توجد براهين يستفيد الحكماء والعلماء منها على نحو ويستفيد أهل الظاهر وعامة الناس على نحو آخر، ككريمة " لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا "(الأنبياء - 22) ومثل كريمة " إذاً لذهب كل اله بما خلق "(المؤمنون - 91). ومثل آيات أول سورة الحديد والسورة المباركة التوحيد وغيرها، والاحتجاج على اثبات ملائكة الله والانبياء العظام الموجودة في موارد مختلفة من هذا الكتاب الشريف.
هذه حال احتجاجات نفس الذات المقدسة وإما أن الحق تعالى نقل براهين الانبياء والعلماء على اثبات المعارف مثل احتجاجات خليل الرحمن سلام الله عليه وغيره.
هذه مهمّات مطالب هذا الكتاب.. والا فالمطالب المتفرقة الاخرى ايضا موجودة ويستلزم احصاؤها وقتا كافيا.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
في آداب قراءة القرآن الشريف المطلقة
الفصل الثالث
في بيان طريق الاستفادة من القرآن الكريم
فاذا علمت الان مقاصد هذه الصحيفة الالهية ومطالبها فلا بد لك أن تلفت النظر إلى مطلب مهم يكشف لك بالتوجّه اليه طريق الاستفادة من الكتاب الشريف، وتنفتح على قلبك أبواب المعارف والحكم وهو أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الالهي نظر التعليم، وتراه كتاب التعليم والافادة وترى نفسك موظفة على التعلّم والافادة والاستفادة، وليس مقصودنا من التعليم والتعلم والافادة والاستفادة أن تتعلم منه الجهات الادبية والنحو والصرف أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية، أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي والاطّلاع على الامم السالفة، فانه ليس شيء من هذه داخلا في مقاصد القرآن، وهو بعيد عن المنظور الاصلي للكتاب الالهي بمراحل والذي أوجب ان تكون استفادتنا من هذا الكتاب العظيم بأقل من القليل هو هذا المعنى. فأما الا ننظر اليه نظر التعليم والتعلّم كما هو الغالب علينا، ونقرأ القرآن للثواب والاجر فقط ولهذا لا نعتني بغير جهة تجويده، ونريد أن نقرأه صحيحا حتى يعطي لنا الثواب ونحن واقفون في هذا الحد وقانعون بهذا الامر، ولذا نقرأ القرآن اربعين سنة ولا تحصل الاستفادة منه بوجه الا الاجر وثواب القراءة. وأما أن نشتغل ان كان نظرنا التعليم والتعلّم بالنكات البديعيّة والبيانية ووجوه اعجازه، وأعلى من هذا بقليل فإلى الجهات التاريخية وسبب نزول الآيات وأوقات النزول، وكون الآيات والسور مكية أو مدنية، واختلاف القراءات واختلاف المفسرين من العامة والخاصة وسائر الامور العرضية الخارجة عن المقصد بحيث تكون هذه الامور نفسها موجبة للاحتجاب عن القرآن والغفلة عن الذكر الالهي بل ان مفسّرينا العظام ايضا صرفوا عمدة همّهم في احدى هذه الجهات أو أكثر ولم يفتحوا باب التعليمات على الناس. وبعقيدتي أنا الكاتب لم يُكتب إلى الان التفسير لكتاب الله لان معنى التفسير على نحو كلّي هو أن يكون شارحا لمقاصد الكتاب المفسّر ويكون مهمّ النظر إلى بيان منظور صاحب الكتاب. فهذا الكتاب الشريف الذي هو بشهادة من الله تعالى كتاب الهداية والتعليم ونور طريق سلوك الانسانية، يلزم للمفسّر أن يعلّم للمتعلم في كل قصّة من قصصه بل في كل آية من آياته جهة الاهتداء إلى عالم الغيب وحيثية الهداية إلى طريق السعادة، وسلوك طريق المعرفة والانسانية.
فالمفسر اذا فهّم لنا المقصد من النزول فهو مفسّر سبب النزول كما هو في التفاسير، ففي قصة آدم وحواء أو قضاياهما مع ابليس من ابتداء خلقهما إلى ورودهما في الارض، وقد ذكرها الحق تعالى مكررة في كتابه. كم من المعارف والمواعظ مذكورة فيها ومرموز اليها. وكم فيها من معايب النفس وكمالاتها ومعارفها وأخلاق ابليس موجودة فيها نتعرف عليها ونحن عنه غافلون.
وبالجملة، كتاب الله هو كتاب المعرفة والاخلاق والدعوة إلى السعادة والكمال، فكتاب التفسير ايضا لا بد وأن يكون كتابا عرفانيا وأخلاقيا ومبيّنا للجهات العرفانية والاخلاقية وسائر جهات الدعوة إلى السعادة التي في القرآن. فالمفسّر الذي يغفل عن هذه الجهة أو يصرف عنها النظر أو لايهتم بها فقد غفل عن مقصود القرآن والمنظور الاصلي لإنزال الكتب وارسال الرسل. وهذا هو الخطأ الذي حرم الملّة الاسلامية منذ قرون من الاستفادة من القرآن الشريف وسدّ طريق الهداية على الناس، فلا بد لنا أن نأخذ المقصود من تنزيل هذا الكتاب من نفس هذا الكتاب مع قطع النظر عن الجهات العقلية البرهانية التي تفهمنا المقصد، فمصنف الكتاب أعرَف بمقصده. فالان اذا نظرنا إلى ما قال هذا المصنف فيما يرجع إلى شؤون القرآن، نرى أنه يقول " ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين "(البقرة - 2). فعرّف هذا الكتاب كتاب الهداية، نرى أنه في سورة قصيرة كرّر مرّات عديدة " "ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر "(القمر - 17). نرى أنه يقول " وأنزلنا إلى الذكر لتبين للناس ما نزّل اليهم ولعلهم يتفكرون "(النحل - 44). ونرى أنه يقول " كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكّر أولو الالباب "(ص - 29)، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول ذكرها.
وبالجملة، ليس مقصودنا من هذا البيان الانتقاد للتفاسير فإن كل واحد من المفسرين تحمّل المشاق الكثيرة والاتعاب التي لا نهاية لها حتى صنف كتابا شريفا، فلله درّهم وعلى الله أجرهم، بل مقصودنا هو أنه لا بد وأن يفتح للناس طريق الاستفادة من هذا الكتاب الشريف الذي هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله والكتاب الاحدي في تهذيب النفوس والآداب والسنن الالهية، وأعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق والعروة الوثقى والحبل المتين للتمسّك بعزّ الربوبية فعلى العلماء والمفسرين أن يكتبوا التفاسير فارسية وعربية وليكن مقصودهم وليكن مقصودهم بيان التعاليم والمقررات العرفانية والاخلاقية وبيان كيفية ربط المخلوق بالخالق، وبيان الهجرة من دار الغرور إلى دار السرور والخلود على نحو ما أودعت في هذا الكتاب الشريف، فصاحب هذا الكتاب ليس هو السكاكي (هو ابو يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد الخوارزمي المعتزلي الحنفي الملقب سراج الدين السكاكي صاحب كتاب مفتاح العلوم الذي لخّص القسم الثالث منه خطيب دمشق وشرحه التفتازاني بالمطوّل والمختصر توفي سنة 726 (خكو) والشيخ (والشيخ هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي عماد الشيعة ورافع أعلام الشريعة شيخ الطائفة على الاطلاق ورئيسها الذي تلوى اليه الاعناق صنّف في جميع علوم الاسلام وكان القدوة في ذلك والامام تتلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وكان فضلاء تلامذته الذين كانوا مجتهدين وأهل الاقتداء يزيدون على ثلاثمئـة من الخاصـة والعامة ولـد (ره) في شهر رمضان سنة 385 بعد وفاة السيد الرضى بسنتين وكان ببغداد ثم هاجر إلى مشهد أمير المؤمنين خوفا من الفتنة التي تجدّدت ببغداد واحرقت كتبه وكرسي كان يجلس عليه للكلام فيكلم عليه الخاص والعام وكان ذلك الكرسي ممّا أعطته الخلفاء وكان ذلك لوحيد العصر فكان مقامه في بغداد مع الشيخ المفيد (ره) نحوا من خمس سنين ومع السيد المرتضى نحوا من ثمان وعشرين سنة وبقي بعد السيد اربعا وعشرين سنة، اثنتا عشرة سنة منها في بغداد ثم انتقل إلى النجف الاشرف وبقي هناك إلى أن توفي ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شهر المحرم سنة 460 (تس) وكان مدة عمره الشريف خمسا وسبعين سنة ودفن في داره وقبره الان معروف في المسجد الموسوم بالمسجد الطوسي.
وأمّا مصنفاته الشريفة في علوم الاسلام فهي لشهرتها تغنينا عن إيرادها والتفسير الذي أشار إليه الامام الخميني هو البيان الجامع لعلوم القرآن وهو كتاب جليل عديم النظير في التفاسير وشيخنا الطبرسي في تفسيره من بحره يغترف وفي صدر كتابه بذلك يعترف فعليه رضوان الله الخبير اللطيف) فيكون مقصده جهات البلاغة والفصاحة وليس هو سيبوية (وسيبويه هو أبو الحسن أو ابو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي البيضاوي العراقي البصري النحوي المشتهر كلامه وكتابه في الآفاق الذي قال في حقه العلامة الطباطبائي بحر العلوم رحمه الله تعالى ان المتقدمين والمتأخرين وجميع الناس في النحو عيال عليه أخذ عن الخليل بن أحمد النحوي المعروف الذي ذكره الامام في المتن ويونس والاخفش وعيسى بن عمر ولكن جميع حكاياته عن الخليل وقد كثرت كلمات علماء النحو في مدح كتابه المسمى الكتاب ولهم عليه شروح وتعليقات وردود نشأت من اعتنائهم واشتغالهم به وقصة وروده بغداد ومناظرته مع الكسائي معروفة قالوا توفى حدود سنة 180 (قف) وقبره في شيراز، وقال ابن شحنة الحنفي في روضة المناظر قال ابو الفرج ابن الجوزي توفي سيبويه سنة 194 (قصد) وعمره اثنان وثلاثون عاما بمدينة ساوة وذكر خطيب بغداد عن ابن دريد ان سيبويه توفي بشيراز بمدينة ساوة وقبره بها. (انتهي). وكان شابا نظيفا جميلا ابيض مشربا بحمرة كأن خدوده لون التفاح ولذلك يقال سيبويه لأن التفاح بالفارسية سيب أو لانه كان يعتاد شم التفاح أو كان يشم منه رائحته أقول وعلى الوجهين الأخيرين فالانسب أن يكون اسمه سيبويه بضم الباء وسكون الواو وفتح الياء) والخليل حتى يكون منظوره جهات النحو والصرف، وليس المسعودي (شيخ المؤرخين وعمادهم ابو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي العالم الجليل الالمعي ذكره العلامة وقال له كتاب في الامامة وغيرها منها كتاب اثبات الوصية لعلي بن ابي طالب (ع) وهو صاحب مروج الذهب (انتهى).
حكى أنه نشأ في بغداد وساح في البلاد فطاف فارس وكرمان سنة 309 وقصد الهند إلى ملتان وعطف إلى كنباية فسرنديب ثم ركب البحر إلى بلاد الصين وطاف البحر الهندي وعاد إلى عمّان ورحل رحلة أخرى سنة 314 إلى ما وراء اذربيجان وجرجان ثم إلى الشام وفلسطين وكان يسكن مصر تارة والشام اخرى ومن سنة 336 إلى 344 أقام بالفسطاط له كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان في ثلاثين مجلّدا لا يوجد منه الا جزء واحد وله أيضا ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور وكتاب في أخبار الامم من العرب والعجم وكتاب المقالات في أصول الديانات وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر وقيل انه بقي إلى سنة 345 (شمه)) وابن خلكان (ابن خلِّكان هو ابو العباس احمد بن محمد بن ابراهيم بن ابي بكر بن خلّكان الاربلي البرمكي الشافعي صاحب كتاب التاريخ المشهور الموسوم بوفيات الاعيان وأنباء ابناء الزمان الذي تعرض فيه لذكر المشاهير من التابعين ومن بعدهم إلى زمان نفسه يشتمل على 864 ترجمة ولم يذكر فيه الصحابة وقد ذيّله صلاح الدين الصفدي بمجلّدات تدارك فيها ما قد فاته من الوفيات سمّاها الوافي بالوفيات قيل في وجه تسمية جدّ بن خلكان بخلكان انه كان يوما يفاخر اقرانه ويفتخر بآبائه من آل برمك فقيل له خلّ كان أبي كذا ودع جدّي كذا ونسبي كذا وحدّثنا عمّا يكون في نفسك الان كما قال الشاعر:
ان الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
فعلى هذا يكون خلِّكان بفتح الخاء وتشديد الّلام المكسورة) حتى يبحث حول تاريخ العالم. هذا الكتاب ليس كعصا موسى ويده البيضاء أو نفس عيسى الذي يحيي الموتى فيكون للاعجاز فقط وللدّلالة على صدق النبي الاكرم بل هذه الصحيفة الالهية كتاب احياء القلوب بالحياة الابدية العلمية والمعارف الالهية، هذا كتاب الله ويدعو إلى الشؤون الالهية جلّ وعلا. فالمفسّر لابد وأن يعلم الشؤون الالهية ويرجع الناس إلى تفسيره لتعلّم الشؤون الالهية حتى تتحصل الاستفادة منه " وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا "(الاسراء - 82). فأي خسران أعظم من أن نقرأ الكتاب الالهي منذ ثلاثين أو أربعين سنة ونراجع التفاسير ونحرم مقاصده، " ربّنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين " (الأعراف - 23).
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الفصل الرابع
في بيان رفع الموانع والحجب
بين المستفيد والقرآن
فاذا علمت الان عظمة كتاب الله من جميع الجهات المقتضية للعظمة وانفتح طريق استفادة المطالب منه فاللازم على المتعلم والمستفيد من كتاب الله ان يجزي أدبا آخر من الاداب المهمة حتى تحصل الاستفادة وهو رفع موانع الاستفادة، ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:
من الحجب العظيمة حجاب رؤية النفس، فيرى المتعلم نفسه بواسطة هذا الحجاب مستغنية أو غير محتاجة للاستفادة وهذا من المكائد الاصلية المهمة للشيطان حيث أنه يزيّن للانسان دائما الكمالات الموهومة ويرضي الانسان ويقنعه بما فيه ويسقط من عينه كل شيء سوى ماعنده، مثلا يقنّع أهل التجويد بذاك العلم الجزئي ويزيّنه في أعينهم إلى حدّ يسقط سائر العلوم عن أعينهم ويطبّق في نظرهم حملة القرآن عليهم ويحرمهم من فهم الكتاب النوراني الالهي والاستفادة منه، ويرضي أصحاب الادب بتلك الصورة بلا لبّ ويمثّل جميع شؤون القرآن فيما هو عندهم، ويشغل أهل التفاسير المتعارفة بوجوه القراءات والآراء المختلفة لارباب اللغة ووقت النزول وشأن النزول وكون الآيات مكية أو مدنية وتعدادها وتعداد الحروف وأمثال تلك الامور. ويقنع أهل العلوم أيضا بعلم فنون الدلالات فقط ووجوه الاحتجاجات وأمثالها حتى أنه يحبس الفيلسوف والحكيم والعارف الاصطلاحي في الغليظ من حجاب الاصطلاحات والمفاهيم وأمثال ذلك. فعلى المستفيد أن يخرق جميع الحجب هذه وينظر إلى القرآن من ورائها، ولا يتوقف في شيء من هذه الحجب ولا يتأخر عن قافلة السالكين ولا يحرم من الدعوات الحلوة الالهية، ويستفاد عدم الوقوف وعدم القناعة إلى حدّ معين من نفس القرآن.
والاشارة إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنية، فموسى الكليم مع ما له من المقام العظيم في النبوّة ما اقتنع بذلك المقام وما توقف في مقام علمه الشامخ، وبمجرد أن لاقى شخصا كاملا كالخضر قال له بكل تواضع وخضوع: " هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا "(الكهف - 66) وصار ملازما لخدمته حتى أخذ منه العلوم التي لابد من أخذها.
وابراهيم لم يقتنع بمقام شامخ الايمان والعلم الخاص للانبياء فقال: " ربّ أرني كيف تحيي الموتى "(البقرة - 260). فأراد أن يرتقي من الايمان القلبي إلى مقام الاطمئنان الشهودي وأعظم من ذلك ان الله تبارك وتعالى يأمر نبيّه الخاتم وهو أعرف خلق الله بالكريمة الشريفة " وقل ربّ زدني علما "(طه - 114). فهذه الاوامر في الكتاب الالهي ونقل هذه القصص لان نتنبّه ونستيقظ من نوم الغفلة.
ومن الحجب: حجاب الآراء الفاسدة والمسالك والمذاهب الباطلة، وهذا قد يكون من سوء استعداد الشخص والاغلب انه يوجد من التبعية والتقليد. وهذا من الحجب التي حجبتنا بالاخص عن معارف القرآن مثلا اذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الاب أو الام أو من بعض جهلة أهل المنبر تكون هذه العقيدة حاجبة بيننا وبين الآيات الشريفة الالهية. فإن وردت آلاف من الآيات والروايات تخالف تلك العقيدة، فامّا أن نصرفها عن ظاهرها أو أن الا ننظر فيها نظر الفهم والامثال لذلك فيما يرجع إلى العقائد والمعارف كثيرة ولكنّي أكفّ نفسي عن عدّها لاني أعلم بأن هذا الحجاب لا يخترق بكلام مثلي، ولكن أشير إلى واحد منها حيث أنه سهل المأخذ في الجملة.
قد وردت الآيات الكثيرة الراجعة إلى لقاء الله ومعرفة الله، ووردت روايات كثيرة في هذا الموضوع مع كثير من الاشارات والكنايات والصراحات في الادعية والمناجاة للائمة . فبمجرّد ما نشأت عقيدة في هذا الميدان من العوام وانتشرت بأن طريق معرفة الله مسدود بالكلّية فيقيسون باب معرفة الله ومشاهدة جماله على باب التفكر في الذات على الوجه الممنوع بل الممتنع، فأمّا أن يؤوّلوا ويوجّهوا تلك الآيات والروايات، وكذلك الاشارات والكنايات والصراحات في أدعية الائمة ومناجاتهم، وأمّا الاّ يدخلوا في هذا الميدان أصلا ولا يعرّفوا أنفسهم بالمعارف التي هي قرّة العين للانبياء والاولياء، فممّا يوجب الاسف الشديد لاهل الله أن بابا من المعرفة الذي يمكن أن يقال أنه غاية بعثة الانبياء ومنتهى مطلوب الاولياء قد سدّوه على الناس بحيث يعدّ التفوّه به محض الكفر وصرف الزندقة إنّ هؤلاء يرون معارف الانبياء والاولياء في ما يختص بذات الحق تعالى وأسمائه وصفاته مساوية لمعارف العوام والنساء فيه، بل يظهر من هؤلاء أحيانا ما هو أعظم من ذلك فيقول أحدهم: ان لفلان عقائد عامية حسنة فيا ليت لنا مثلما له من العقيدة العامية.. وهذا الكلام منه صحيح لان هذا المسكين الذي يتفوّه بهذا الكلام قد أخرج من يده العقائد العامية ويرى معارف الخواص وأهل الله باطلة، فهذا التمنّي منه عينا كتمني الكفار. وقد نقل عنهم في الكريمة الالهية " ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا "(النبأ - 40). ونحن ان أردنا أن نذكر الآيات والاخبار في لقاء الله بتفاصيلها حتى تتضح فضاحة هذه العقيدة الفاسدة الناشئة عن الجهل والغرور الشيطاني، فيستلزم ذلك كتابا على حدة فضلا من أن نذكر المعارف التي وقعت وراء ستر النسيان بواسطة هذا الحجاب الغليظ حتى يعلم أن أحد مراتب المهجورية من القرآن. ومهجورية القرآن ولعلّ الاسف عليها أشدّ هو هذه كما يقول تعالى في الكريمة الشريفة: " وقال الرسول يا ربِّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا "(الفرقان - 30).
ان مهجورية القرآن لها مراتب كثيرة ومنازل لا تحصى، ولعلنا متصفون بالعمدة منها. أترى أننا اذا جلّدنا هذه الصحيفة الالهية جلدا نظيفا وقيّما وعند قراءتها او الاستخارة بها قبّلناها ووضعناها على أعيننا ما اتخذناه مهجورا؟ أترى اذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده وجاته اللغوية والبيانية والبديعية قد أخرجنا هذا الكتاب الشريف عن المهجورية؟ هل اننا اذا تعلّمنا القراءات المختلفة وأمثالها قد تخلّصنا من عار هجران القرآن؟ هل اننا اذا تعلمنا وجوه إعجاز القرآن وفنون محسّناته قد تخلّصنا عن شكوى رسول الله؟ هيهات.. فإنه ليس شيء من هذه الامور موردا لنظر القرآن ومنزّلها العظيم الشأن، ان القرآن كتاب إلهي وفيه الشؤون الالهية. القرآن هو الحبل المتصل بين الخالق والمخلوق ولا بد ان يوجد الربط المعنوي والارتباط الغيبي بتعليماته بين عباد الله ومربّيهم، ولا بد أن يحصل من القرآن العلوم الالهية والمعارف اللدنيّة، ان رسول قال حسب ما رواه الكافي " انما العلم ثلاثة: آية محكمة وفريضة عادلة وسنّة قائمة ". فالقرآن الشريف حامل لهذه العلوم فإن تعلمنا من القرآن هذه العلوم فما اتّخذناه مهجورا، واذا قبلنا دعوات القرآن وأخذنا التعليمات من قصص الانبياء المشحونة بالمواعظ والمعارف والحكم، اذا اتعظنا نحن من مواعظ الله تعالى ومواعظ الانبياء والحكماء المذكورة في القرآن فما اتّخذناه مهجورا، والا فالغور في الصورة الظاهرية للقرآن ايضا إخلاد إلى الارض ومن وساوس الشيطان ولا بد من الاستعاذة بالله منها.
ومن الحجب المانعة من الاستفادة من هذه الصحيفة النورانية: الاعتقاد بأنه ليس لاحد حق الاستفادة من القرآن الشريف الا بما كتبه المفسّرون أو فهموه. وقد اشتبه على الناس التفكر والتدبّر في الآيات الشريفة بالتفسير بالرأي الممنوع، وبواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيدة الباطلة جعلوا القرأن عاريا من جميع فنون الاستفادة واتخذوه مهجورا بالكلية في حال ان الاستفادات الاخلاقية والايمانية والعرفانية لا ربط لها بالتفسير، فكيف بالتفسير بالرأي، فمثلا اذا استفاد احد من كيفية مذاكرات موسى مع الخضر وكيفية معاشرتهما وشدّ موسى رحاله اليه مع ما له من عظمة مقام النبوّة لاخذ العلم الذي ليس موجودا عنده وكيفية عرض حاجته إلى الخضر كما ذكرت في الكريمة الشريفة: " هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا "(الكهف - 66). وكيفية جواب الخضر والاعتذارات التي وقعت من موسى عظمة مقام العلم وآداب سلوك المتعلم، مع المعلّم ولعلها تبلغ من الآيات المذكورة إلى عشرين أدبا فأي ربط لهذه الاستفادات بالتفسير فضلا من أن تكون تفسيرا بالرأي والاستفادة من هذا القبيل في القرآن كثيرة، ففي المعارف مثلا اذا استفاد أحد من قوله تعالى " الحمد لله رب العالمين "(الفاتحة - 1) الذي حصر جميع المحامد لله، وخصّ جميع الاثنية للحق تعالى التوحيد الافعالي وقال بأنه يستفاد من الآية الشريفة ان كل كمال وجمال وكلّ عزّة وجلال الموجودة في العالم وتنسبها العين الحولاء والقلب المحجوب إلى الموجودات من الحق تعالى وليس لموجود من قبل نفسه شيء، ولذا المحمدة والثناء خاص بالحق ولا يشاركه فيها أحد، فأيّ ربط لهذا إلى التفسير حتى يسمّى بالتفسير بالرأي أو لا يسمى؟ إلى غير ذلك من الامور التي تستفاد من لوازم الكلام ولا ربط لها بوجه إلى التفسير، مضافا إلى أن في التفسير بالرأي ايضا كلاما لعلة غير مربوط بآيات المعارف والعلوم العقلية التي توافق الموازين البرهانية وبالآيات الاخلاقية التي فيها للعقل دخل، لان التفاسير التي من هذا القبيل مطابقة للبرهان المتين العقلي أو الاعتبارات العقلية الواضحة، فإذا كان ظاهر الكلام على خلافها فاللازم أن يصرف الكلام من ظاهره، مثلا في كريمة " وجاء ربك "(الفجر - 22) و" الرحمن على العرش استوى "(طه - 5). التي يكون الفهم العرفي فيها مخالفا للبرهان ليس تفسيرا بالرأي ولا يكون ممنوعا بوجه فمن المحتمل بل من المظنون أن التفسير بالرأي راجع إلى آيات الاحكام التي تقصر عنها أيدي الآراء والعقول، ولابد وأن تؤخذ بصرف التعبّد والانقياد من خزّان الوحي ومهابط ملائكة الله، كما أن أكثر الروايات في هذا الباب وردت في مقابل علماء العامة الذين كانوا يريدون أن يفهموا دين الله بعقولهم ومقايساتهم، وما في بعض الروايات الشريفة من أنه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن..وكذلك الرواية الشريفة" ان دين الله لا يصاب بالعقول " تشهد بأن المقصود من دين الله الاحكام التعبّديّة للدين والا فباب اثبات الصانع والتوحيد والتقديس واثبات المعاد والنبوّة بل مطلق المعارف حقٌ طلق للعقول، ومن مختصاتها وان ورد في كلام بعض المحدثين من ذوي المقام العالي ان الاعتماد في اثبات التوحيد على الدليل النقلي، فمن غرائب الامور بل من المصيبات التي لابد أن يستعاذ بالله منها. ولا يحتاج هذا الكلام إلى التهجين والتوهين و إلى الله المشتكى.
ومن الحجب المانعة من فهم القرآن الشريف، ومن الاستفادة من معارف هذا الكتاب السماوي وموعظه حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الطغيان والعصيان بالنسبة إلى ساحة رب العالمين المقدسة فتحجب القلب عن إدراك الحقائق.
وليعلم كما أن لكل عمل من الاعمال الصالحة أو السيئة كما أن له صورة في عالم الملكوت تتناسب معه فله صورة أيضا في ملكوت النفس، فتحصل بواسطتها في ملكوت النفس: امّا النورانية ويكون القلب مطهّرا ومنوّرا وفي هذه الحالة تكون النفس كالمرآة المصقولة صافية، ويليق للتجليات الغيبية وظهور الحقائق والمعارف فيه، واما ان يصير ملكوت النفس به ظلمانياً وخبيثاً، وفي هذه الصورة يكون القلب كالمرآة المريّنة والمدنّسة لا تنعكس فيها المعارف الالهية ولا الحقائق الغيبية، وحيث أن القلب في هذه الحالة يقع بالتدريج تحت سلطة الشيطان ويكون المتصرف في مملكة الروح ابليس فيقع السمع والبصر وسائر القوى ايضا في تصرف ذاك الخبيث، وينسد السمع بالكلية عن المعارف والمواعظ الالهية، ولا ترى العين الآيات الباهرة الالهية وتعمى عن الحق وآثاره وآياته ولا يتفقّه القلب في الدين ويحرم من التفكر في الآيات والبيّنات وتذكر الحق والاسماء والصفات، كما قال الحق تعالى " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضلّ "(الأعراف - 179). فيكون نظرهم إلى العالم كنظر الانعام والحيوانات الخالية عن الاعتبار والتدبّر، وقلوبهم كقلوب الحيوانات لا نصيب لها من التفكر والتذكّر، بل تكون حالة الغفلة والاستكبار تزداد فيهم يوما فيوم من النظر في الآيات واستماع المواعظ، فهم أرذل وأضّل من الحيوان.
ومن الحجب الغليظة التي هي ستر صفيق بيننا وبين معارف القرآن ومواعظه: حجاب حبّ الدنيا، فيصرف القلب بواسطة تمام همّته في الدنيا وتكون وجهة القلب تماما إلى الدنيا ويفغل القلب بواسطة هذه المحبة عن ذكر الله، ويعرض عن الذكر والمذكور، وكلما ازدادت العلاقة بالدنيا وأوضاعها ازداد حجاب القلب وساتر ضخامة، وربما تغلب هذه العلاقة على القلب ويتسلّط سلطان حب الجاه والشرف على القلب بحيث يطفىء نور فطرة الله بالكليّة وتغلق ابواب السعادة على الانسان، ولعل المراد من اقفال القلوب المذكورة في الآية الشريفة " أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها "(محمد - 24). هذه الاقفال واغلال العلائق الدنيوية، ومن أراد أن يستفيد من القرآن ويأخذ نصيبه من المواعظ الالهية لابدّ وأن يطهّر القلب من هذه الارجاس، ويزيل لوث المعاصي القلبية وهي الاشتغال بالغير عن القلب لان غير المطهّر ليس محرما لهذا الاسرار قال تعالى: " انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه الا المطهّرون "(الواقعة - 78). فكما أن غير المطهّر الظاهري ممنوع عن ظاهر هذا الكتاب ومسّه في العالم الظاهر تشريعا وتكليفا، كذلك ممنوع من معارفه ومواعظه وباطنه وسرّه من كان قلبه متلوثا بأرجاس التعلّقات الدنيوية، وقال تعالى: " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "(البقرة - 2) إلى آخر الآية. فغير المتقي بحسب تقوى العامة وغير المؤمن بحسب ايمان العامة محروم من الانوار الصورية لمواعظه وعقائده الحقة، وغير المتقي وغير المؤمن بحسب سائر مراتب التقوى الخاص وتقوى خاص الخاص وتقوى أخصّ الخواص محروم من سائر مراتبها. والتفصيل حول تلك المراتب وذكر سائر الآيات الدالة على المقصود موجب للتطويل، ولكن نختتم هذا الفصل بذكر آية شريفة الهية تكفي لاهل اليقظة بشرط التدبّر، قال تبارك وتعالى: " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " (المائدة - 16).
فخصوصيات هذه الآية الشريفة كثيرة، والبيان حول نكاتها يستلزم رسالة على حدة ليس الان مجالها.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الفصل الخامس
في التفكّر
من آداب قراءة القرآن حضور القلب، وقد ذكرناه في الآداب المطلقة للعبادات في هذه الرسالة ولا يلزم اعادته، ومن الآداب المهمة لها: التفكر، والمقصود من التفكر أن يتجسس من الآيات الشريفة المقصد والمقصود، وحيث أن مقصد القرآن كما تقوله نفس الصحيفة النورانية هو الهداية إلى سبل السلام والخروج من جميع مراتب الظلمات إلى عالم النور، والهداية إلى طريق مستقيم فلا بد أن يحصّل الانسان بالتفكر في الآيات الشريفة مراتب السلامة من المرتبة الدانية والراجعة إلى القوى الملكية إلى منتهى النهاية فيها وهي حقيقة القلب السليم على ما ورد تفسيره عن أهل البيت وهو أن يلاقي الحق وليس فيه غيره وتكون سلامة القوى الملكية والملكوتية ضالة قارئ القرآن فإنها موجودة في هذا الكتاب السماوي ولا بد أن يستخرجها بالتفكر، واذا صارت القوى الانسانية سالمة عن التصرّف الشيطاني وتحصّل طرق السلامة وعمل بها ففي كل مرتبة من السلامة تحصل له ينجو من ظلمة ويتجلى فيه النور الساطع الالهي قهرا حتى اذا خلص عن جميع أنواع الظلمات التي أولها ظلمات عالم الطبيعة بجميع شؤونها وآخرها ظلمة التوجّه إلى الكثرة بتمام شؤونها يتجلى النور المطلق في قلبه ويهديه إلى طريق الانسانية المستقيم وهو في هذا المقام طريق الربّ " ان ربي على صراط مستقيم "(هود - 56).
وقد كثرت الدعوة إلى التفكر وتمجيده وتحسينه في القرآن الشريف قال تعالى: " وأنزلنا اليك الذكر لنبّين للناس ما نزّل اليهم لعلّهم يتفكرون "(النحل - 44). وفي هذه الآية مدح عظيم للتفكر، لان غاية انزال الكتاب العظيم السماوي والصحيفة العظيمة النورانية قد جعلت احتمال التفكر وهذا من شدّة الاعتناء به حيث أن مجرد احتماله صار موجبا لهذه الكرامة العظيمة، وقال تعالى في الآية الاخرى: " فاقصص القصص لعلّهم يتفكرون "(الأعراف - 176).
والآيات من هذا القبيل أوما يقرب منه كثيرة والروايات ايضا في التفكر كثيرة. فقد نقل عن الرسول الخاتم وسلم انه لما نزلت الآية الشريفة " إنّ في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات "(آل عمران - 190) إلى آخرها.. قال : " ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ".
والعمدة في هذا الباب ان يفهم الانسان ما هو التفكر الممدوح، والا لا شك في أن التفكر ممدوح في القرآن والحديث، فأحسن التعبير فيه ما عبّر به الخواجة عبدالله الانصاري قال: اعلم ان التفكّر تلمّس البصيرة لاستدراك البغية، يعني أن التفكر هو تجسّس البصيرة وهي بصر القلب للوصول إلى المقصود والمقصود هو السعادة المطلقة التي تحصل بالكمال العلمي أو العملي فلا بد للانسان أن يتحصل على المقصود والنتيجة الانسانية وهي السعادة في الآيات الشريفة للكتاب الالهي وفي قصصه وحكاياته وحيث أن السعادة هي الوصول إلى السلامة المطلقة وعالم النور والطريق المستقيم فلا بد للانسان أن يطلب من القرآن المجيد الشريف سبل السلامة ومعدن النور المطلق والطريق المستقيمة كما أشير اليها في الآية الشريفة السابقة، فاذا وجد القارئ المقصد وتبصّر في تحصيله وانفتح له طريق الاستفادة من القرآن الشريف وفتحت له أبواب رحمة الحق فإنه لا يصرف عمره القصير العزيز ورأس مال تحصيل سعادته على أمور ليست مقصودة لرسالة الرسول ويكف عن فضول البحث وفضول الكلام، في مثل هذا الامر المهم فاذا أشخص بصيرته مدّة إلى هذا المقصود وصرف نظره عن سائر الامور تتبصّر عين قلبه ويكون بصره حديدا ويكون التفكر في القرآن للنفس أمرا عاديا وتنفتح طرق الاستفاد وتفتح له أبواب ليست مفتوحة له إلى الان، ويستفيد مطالب ومعارف من القرآن ما كان يستفيدها إلى الان بوجه، فحين ذاك يفهم كون القرآن شفاء للامراض القلبية، ويدرك مفاد الآية الشريفة " وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا "(الإسراء - 82) ومعنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه " وتعلموا القرآن فانه ربيع القلوب واستشفعوا بنوره فإنه شفاء الصدور " ولا يطلب من القرآن شفاء الامراض الجسمانية فقط بل يجعل عمدة المقصد شفاء الامراض الروحانية الذي هو مقصد القرآن بل القرآن ما نزل لشفاء الامراض الجسمانية وان كان يحصل به كما أن الانياء لم يبعثوا للشفاء الجسماني وان كانوا يشفون فهم أطباء النفوس والشافين للقلوب والارواح.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على جوهرة العصمة وفريدة الرحمة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بظهور قائمهم والعن أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين
الفصل السادس
في التطبيق
من الاداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الانسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق.
وكيفيّتة انه حينما يتفكر في كل آية من الآيات الشريفة يطبق مفادها في حاله ويرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ويشفي أمراضه به، مثلا في قصة آدم الشريفة يتفكر أن مطرودية الشيطان عن جناب القدس مع تلك السجدات والعبادات الطويلة لماذا؟ فيطهّر نفسه منه لان مقام القرب الالهي مقام المطهّرين، فمع الاوصاف والاخلاق الشيطانية لا يمكن القدوم إلى ذلك الجناب الرفيع. ويستفاد من الآيات الشريفة أن مبدأ عدم سجود ابليس هو رؤية النفس العجب فطبّل أنا خير منه حلقتني من نار وخلقته من طين.. فهذا العجب صار سببا لحب النفس والاستكبار، وصار سببا للاستقلال والاستكبار، وعصيان الامر فصار مطرودا عن الجناب ونحن خطبنا الشيطان من أول عمرنا ملعونا ومطرودا واتصفنا باوصافه الخبيثة ولم نتفكر في أن ما هو سبب المطرودية عن جناب القدس اذا كان موجودا في أي شخص، فهو مطرود وليس للشيطان خصوصية، فما كان سببا لطرده عن جناب القدس يكون مانعا من أن نتطّرق اليه، وأنا أخاف من أن نكون شركاء ابليس في اللعن الذي نلعنه.
ونتفكر أيضا في هذه القضية الشريفة ونرى ما هو السبّب لمزيّة آدم وأفضليته على الملائكة، فنتصف نحن أيضا بمقدار الطاقة بذاك السبب فنرى أن سبب التفضيل هو تعليم الاسماء كما قال تعالى: " وعلّم آدم الاسماء كلّها "(البقرة - 31) والمرتبة العالية من تعليم الاسماء هو التحقق بمقام اسماء الله. كما أن المرتبة العالية من الاحصاء الذي هو في الرواية الشريفة أن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، هو التحقق بحقيقتها التي تنيل الانسان إلى جنة الاسماء.
الانسان يستطيع أن يكون مظهرا لاسماء الله، والآية الكبرى الالهية بالارتياضات القلبية ويكون وجوده وجودا ربّانيا ويكون المتصرّف في مملكته يدا الجمال والجلال الالهي. وفي الحديث ما يقرب من هذا المعنى من أن" روح المؤمن أشدّ اتصالا بالله تعالى من اتصال شعاع الشمس بها أو بنورها ".
وفي الحديث الصحيح " لايزال يتقرّب اليّ عبدي بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يأخذ بها ". وفي الحديث " عليٌ عين الله ويد الله " إلى غير ذلك.. وفي الحديث " نحن أسماؤه الحسنى " والشواهد العقلية والنقلية في هذا بخصوصه كثيرة.
وبالجملة، من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر والنصيب الكافي فلا له أن يطبّق كل آية شريفة من الآيات على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة، مثلا يقول الله تعالى في سورة الانفال في الآية الشريفة: " انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربّهم يتوكّلون "(الانفال - 2). فلا بد للسالك من أن يلاحظ هل هذه الاوصاف الثلاثة منطبقة عليه، وهل قلبه يجِلُ اذا ذكر الله ويخاف؟ واذا تليت عليه الآيات الشريفة الالهية يزداد نور الايمان في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكله على الحق تعالى؟ أو أنه في كل من هذه المراحل راجل ومن كل هذه الخواص محروم؟ فإن أراد أن يفهم أنه من الحق تعالى خائف وقلبه من خوفه وجل فلينظر إلى أعماله.
الانسان الخائف لا يتجاسر في محضر الكبرياء إلى مقامه المقدس ولا يهتك الحرمات الالهية في حضور الحق، واذا قوي الايمان بتلاوة الآيات الالهية يسري نور الايمان إلى المملكة الظاهرية ايضا، فغير ممكن أن يكون القلب نورانيا ولا يكون اللسان والكلام والعين والنظر والسمع والاستماع نورانيا. فالبشر النوراني هو الذي تكون جميع قواه الملكية والملكوتية منيرة، فمضافا إلى هداية نفسه إلى السعادة و الطريق المستقيم يكون مضيئا لسائر الخلق ايضا ويهديهم إلى طريق الانسانية كما أنه اذا توكل أحد على الله تعالى و اعتمد عليه فيقطع الطمع عمّا في أيدي سائر الخلق ويحط رحل حاجته وفقره إلى باب الغنى المطلق ولا يرى سائر الذين هم مثله فقراء ومساكين حلاّلين لمشاكله. فوظيفة السالك إلى الله هي أن يعرض نفسه على القرآن الشريف، فكما أن الميزان في صحة الحديث وعدم صحته واعتباره وعدم اعتباره ان يعرض على كتاب الله فما خالف كتاب الله فهو باطل وزخرف. كذلك الميزان في الاستقامة والاعوجاج والشقاوة والسعادة هو أن يكون مستقيما وصحيحا في ميزان كتاب الله، وكما أن خلق رسول الله هو القرآن فاللازم له أن يجعل خلقه موافقا للقرآن حتى يكون مطابقا لخلق الوليّ الكامل ايضا، والخلق يكون مخالفا لكتاب الله فهو زخرف وباطل.
وكذلك جميع المعارف وأحوال قلبه وأعمال الباطن والظاهر له لابد أن يطبّقها على كتاب الله ويعرضها عليه حتى يتحقق بحقيقة القرآن ويكون القرآن له صورة باطنية.
وانت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر
وفي هذا المقام آداب أخر قد ذكرنا بعضها في أول هذه الرسالة في آداب مطلق العبادات وبعضها مندرج في هذا الآداب، وذكر بعضها ينجّر إلى التطويل، فلهذه الجملة صرفنا النظر عنه والله العالم.
خاتمة الفصل
في ذكر ترجمة (ما ذكرناه نص الروايات لا ترجمتها، وانما ذكرنا كلمة ترجمة لاداء الامانة في الترجمة، حيث أتى المصنف، أدام الله ظلّه بترجمة الروايات في الاصل.) نبذة من الروايات الشريفة لتتميم الفائدة والتبرّك بكلام العترة الطاهرة.
ففي الكافي الشريف باسناده إلى سعد الخفّاف عن أبي جعفر قال: " يا سعد تعلّموا القرآن فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر اليها الخلق والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ثمانون ألف صفّ أمّة محمد وأربعون أل صف من سائر الامم، فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلّم فينظرون اليه ثم يقولون لا إله الا الله الحليم الكريم ان هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته وصفته غير أنه كان أشدّ اجتهادا منا في القرآن فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم يُعطَه، ثم يجاوز حتى يأتي على صف الشهداء فينظرون اليه ثم يقولون: لا اله الا الله الرب الرحيم ان هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته غير أنه من شهداء البحر فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نُعطه. قال: فيتجاوز حتى يأتي صف شهداء البحر في صورة شهيد.. ثم ذكر الحديث اتيانه صفوف النبيين والمرسلين إلى أن يعرّفه رسول الله " الحديث بطوله.
وقال أبو عبدالله عليه السلام: " اذا جمع الله عزّ وجلّ الاولين والاخرين اذا هم بشخص قد أقبل لم ير قطّ أحسن صورة منه فاذا نظر اليه المؤمنون وهو القرآن قالوا هذا منّا هذا أحسن شيء رأينا، فاذا انتهى اليهم جازهم " إلى آخر الحديث.
والاحاديث بهذا المضمون كثيرة وهي دليل واضح على ما يقوله أهل المعرفة بأن الموجودات في هذا العالم لها صور أخروية، ومن أحاديث هذا الباب يستفاد أن للاعمال أيضا صورا أخروية.
وفي الكافي الشريف باسناده إلى باقر العلوم قال رسول الله صلى الله عليه وآله " أنا أول وافد على العزيز الجبّار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمّتي ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي ". وفي حديث آخر: " فيقول الجبار: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لاكرمنّ اليوم من أكرمك ولاهيننّ من أهانك " وليعلم أنه لو لم نكن نحيي أحكام القرآن ومعارفه بالعمل بها والتحقق بحقيقتها لا نستطيع أن نجيب رسول الله في ذلك اليوم فأي إهانة أعظم من أن تنبذ مقاصد القرآن ودعواته وراء الظهر، فليس إكرام القرآن وأهله وهم أهل بيت العصمة بتقبيل جلد القرآن او الضرائح المقدسة لهم فقط بل التقبيل هذا مرتبة ضعيفة من الاحترام و التكريم، واذا عملنا بأوامره وأوامرهم فهذا الاحترام مقبول والا فهو يشبّه بالاستهزاء واللعب وقد حذر تحذيرا شديدا في الاحاديث الشريفة من قارئ القرآن الذي لا يعمل به كما نقل عن عقاب الاعمال للشيخ الصدوق رضوان الله عليه باسناده عن رسول الله أنه قال في حديث " من تعلّم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها استوجب سخط الله وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذي ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم " (أقول: الرواية بهذه الصورة ليست في النسخة المطبوعة في بيروت والموجودة عندي بل ما ذكر ما بين القوسين تحت رقم (5) لم يكن موجودا في نسختنا وانما ترجمة المؤلف دام ظله وما ذكر منها تحت رقم (6) قد ذكر في نسختنا في باب عقاب من تعلم القرآن فلم يعمل به تحت رقم (3) وما ذكرناه تحت رقم (7) قد ذكر في نسختنا في باب ثواب قراءة تحت (6) وأقول: السمعة من أقسام الريا ومعناها انه يسمع العابد للناس بعبادته ليجلب قلوبهم إلى نفسه.)." ومن قرأ القرآن وأراد به السمعة و الوصول إلى الدنيا لقي الله ووجهه عظم لا لحم فيه والقرآن يضرب على قفاه حتى يدخل النار ويسقط في النار مع الذين سقطوا "." ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول ربّ لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتي فنسيتها وكذلك اليوم تنسى فيؤمر به إلى النار "." ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقها في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما يعطى الملائكة والانبياء والمرسلون، ومن تعلّم القرآن يريده رياء وسمعة ليماري به السفهاء ويباهي به العلماء ويطلب به الدنيا بدّد الله عزّ وجل عظامه يوم القيامة ولم يكن في النار أشدّ عذابا منه وليس نوع من أنواع العذاب الا ويعذب من شدّة غضب الله عليه وسخطه، ومن تعلّم القرآن وتواضع في العلم وعلّم عباد الله يريد ما عند الله لم يكن في الجنة أعظم ثوابا منه ولا أعظم منزلة منه ولم يكن في الجنة منزلة ولا درجة رفيعة ولا نفيسة الا كان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل ".
وقد وردت روايات كثيرة في خصوص التفكر في معاني القرآن والاتعاظ به والتأثر منه. كما في الكافي الشريف عن أبي عبدالله قال: " ان هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدّجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فإن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ".. ومقصوده أنه كما أن الانسان لا بد له من النور الظاهري اذا هو يمشي في الظلمات حتى يصان من خطر السقوط في المزلات، كذلك لابدّ له أن يمشي في ظلمات طريق السير إلى الاخرة و إلى الله بالقرآن الذي هو نور الهداية والمصباح المنير في طريق العرفان والايمان كي لا يقع في المزلاّت المهلكة.
وفي معاني الاخبار، في حديث عن أمير المؤمنين أنه قال: " الفقيه من لا يترك القرآن رغبة عنه ويتوجّه إلى غيره، الا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقّه ".
وروي في الخصال ومعاني الاخبار عن رسول الله وسلم أنه قال: " حملة القرآن عرفاء أهل الجنة ". ومن المعلوم أن المراد من هذا الحمل هو حمل معارف القرآن وعلومه وتكون نتيجته في الاخرة ان الحامل يكون في عداد اهل المعرفة وأصحاب القلوب، كما أنه لو حمل سورة القرآن من دون الاتعاظ بمواعظه وتحمّل معارفه وحكمه والعمل بأحكامه وسننه، فهو كما قال تعالى: " مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا "(الجمعة - 5). والاحاديث الشريفة في شؤون القرآن الشريف وآدابه أكثر من أن تسع في هذا المختصر. والسلام على محمد وآله.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا
توقيع سليلة حيدرة الكرار
تركت الخلق طـراً في هـواك
وأيتمت العيــال لــكي أراك
فلـو قطعتني في الحب إربــا
لمـا مـال الفــؤاد إلى سواك