خيارات هذا الحدث
بناء الشباب ضمانة المستقبل (8)
نزار حيدر
لقد ابتلي المجتمع العراقي بأمراض عدة جراء تراكم السياسات الخاطئة التي دفع ثمنها غاليا، وإن تصحيحها، لينهض من جديد، بحاجة الى جيل او اكثر، ربما، ولذلك ينبغي على جيل الشباب، على اعتباره رجال المستقبل وقادته، الانتباه اليها ليبدأ عملية الإصلاح والتصحيح منذ الان لتثمر تغييرا في البنية التحتية للمجتمع، بعيدا عن التغيير بالرتوش والمساحيق والألوان والعناوين والمسميات، وبالتالي ليشهد العراق، من جديد، نهضة شاملة تمس كل جوانب الحياة.
وان من بين هذه الأمراض التي يجب ان يعالجها جيل الشباب في واقعه: الفردية والنزوع الى الاستبداد والديكتاتورية، سواء في الاسرة او في سوق العمل او في المدرسة والجامعة او على مستوى السلطة والعمل السياسي والحزبي، ولذلك نلاحظ ان الفرد العراقي يصعب عليه العمل والتعاون مع الاخر، مهما اقترب منه لُحمة سواء في الدين او المذهب او المنطقة او الحزب او ما الى ذلك.
ان طبيعة الفرد العراقي نزوعه الى الفردية، وان من اصعب القرارات التي يتخذها هو ان يعمل كفريق مع مجموعة.
وان نزوع الفرد العراقي الى الفردية سبب الكثير من المشاكل، ربما على رأسها، حالات الخلاف والاختلاف والتمزق والانشقاق التي تصيب حياة العراقيين، فضلا عن ذلك فإنها تسببت بغياب الحالة المؤسساتية في المجتمع، لدرجة ان السياسيين فشلوا، لحد الان، في بناء مؤسسات الدولة يشكل سليم ومستقر.
كما ان الفردية أضاعت على المجتمع الخبرة وتراكم التجربة، وكذلك تراكم العمل وانتقاله من جيل الى آخر.
قد يبدع الفرد العراقي اذا تصدى بمفرده لعمل او مهمة ما، ولكنه يفشل فشلا ذريعا اذا تصدى للمهمة مع مجموعة، لان عقليته إبتُنيت على الفردية، فهو قوي التفكير بمفرده ولكنه يفشل اذا فكر بطريقة جماعية، ولهذا السبب نرى ان اكثر مشاريعه تنتهي بموته لانها فردية وليست مؤسساتية، فتتلاشى جهوده وتضحياته والوقت المصروف عليها بتلاشي وجود الفرد.
ان الفردية مقبرة العمل، ولذلك لا تجد عندنا مؤسسات عريقة،
ان على الشباب تقع مسؤولية عظمى في محاربة هذه الظاهرة في المجتمع العراقي، كونهم عقلية بِكْر لم تتلوث بأسباب الفردية والاستبداد في التفكير والعلاقات.
يجب ان يعمل الشباب على خلق حالة العقل الجمعي فيما بينهم، وان عليهم ان يخلقوا في انفسهم روح العمل الجماعي وروح العمل كفريق واحد، من اجل ان يضعوا حدا لظاهرة الفردية.
عليهم ان لا يعيروا لواقع الفردية وأسبابه أهمية تذكر فيتمثلوا بالقول المشهور (حشر مع الناس عيد) ابدا، بل ان عليهم ان يخطّوا لأنفسهم طريقا جديدا يعتمد على العقل الجمعي، فيتواصلوا فيما بينهم ولا يتقاطعوا، ويتعاونوا ولا يتدابروا، ويقبل بعضهم بالبعض الاخر فلا يلغي بعضهم البعض الاخر.
ان العقلية الجمعية واحترام الاخر والاعتراف بالفضل لكل من يعمل وينجح ويحقق شيئا مفيدا، ان كل ذلك هو الذي يساهم في بناء المؤسسات التي تعتبر أمرا ضروريا جدا في عملية التغيير، فالفردية وعقلية المستبد لا تنتج تنمية او تغييرا نحو الأفضل ابدا، وإنما يتحقق ذلك بالعقل الجمعي القائم على أساس روح التعاون والانسجام والاعتراف بالآخر، ولقد أوصانا القران الكريم بهذا الصدد بقوله {ولا تنسوا الفضل بينكم} وقوله {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}.
ان واحدة من اهم أسباب الفردية، الظن بان النجاح لا يتحمل اكثر من فرد، فأما ان اكون انا الذي ينجح او لا احد يمكن ان ينجح، أمّا ان انجح وينجح معي صديقي او زميلي في العمل او المدرسة او المؤسسة مثلا، فلا يمكن ذلك، ولهذا السبب تراني أسعى لاحتكار أدوات العمل او وسائل النجاح لاضمنه بنفسي ولنفسي فقط وليذهب الآخرون الى الجحيم.
ان هذه الطريقة من التفكير خطا كبير فالنجاح يستوعب أمة بكاملها وليس زميلين فقط او صديقين.
ولذلك، فان على الشباب ان يخلقوا في ذهنهم عقلية النجاح الجمعي الذي يقوم على أساس ان ننجح سوية وان نتقدم وننجز سوية.
ان نجاح المجتمع هو مجموع نجاحات أفراده، بالضبط كفريق كرة القدم، فالهدف الذي يحققه اللاعب لا يأتي بجهده الفردي ابدا وإنما هو نتاج تعاون الجميع وانسجامهم، ولذلك يسجل الهدف باسم الفريق، وان الجائزة التي يحصل عليها إنما تسجل لصالح كل الفريق وليس لصالح لاعب ما.
نعم، ان في المجتمع متميزون، كفريق كرة القدم، لا إشكال في ذلك، ولكن هذا لا يعني ان يلغي الآخرون انفسهم لصالح متميز واحد او عدة متميزين، ابدا.
أيها الشباب، تعلموا كيف تفكرون سوية، وكيف تخططون سوية، وكيف تعملون سوية، وكيف تنجحون سوية، وكيف تتجاوزون أسباب الفشل سوية، فالبلد لا ينهض بأفراد وإنما بجماعات، وهو لا ينهض بالعقلية الفردية وإنما بالعقلية الجماعية، أرأيتم فريقا رياضيا يحقق فوزه بلاعب واحد؟.
14 كانون الثاني
آخر تعديل بواسطة بنت الهدى2 ، 15-Jan-2014 الساعة 11:34 AM.
سبب آخر: حذف كلمات