اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الكرم والرحمة الحسينية
في يوم السبت وفي احد مساجد الحي، حيث يقل عدد المصلين بشكل واضح، فيضطروا للرجوع للجدار الخلفي، حتى تتمكن صفوف النساء في الصالة الخارجية، من الارتباط بهم فتقام صلاة الجماعة.
اعتاد الإمام بعد صلاة الظهرين من ذلك اليوم إلقاء درسا تثقيفيا في مختلف ضروب العلوم الدينية والأخلاقية.
لكن مما يثير الانتباه، وجود وجوه غريبة لم يعتد المصلين على وجودها بينهم. يدل منظرها ومظهرها الخارجي على أنها لا تنتمي لأهل هذا الحي، ولا لأحياء القرية الأخرى، ولا للقرى والمدن القريبة، بل أنها قد أتت من مناطق نائية من ارض الوطن.
معا انتهاء صلاة الجماعة، وقبل بدأ الإمام لدرسه، يقوم احد اؤلئك الغرباء وبدون استئذان، وبلهجته الغريبة على أهل المنطقة، بإلقاء كلمة قصيرة ومقتضبة، يطلب فيها المساعدة على أداء دية قتيل.
يجلس بعدها بقرب باب المسجد، حتى ينهي الإمام درسه، بانتظار ما تجود به أيدي المصلين ونفوسهم، وهم يخرجون واحدا تلو الآخر من أمامه. انتظار المزارع حصد ثمره، بعد حرثه لأرضه ونثر لبذوره وسقيه لها.
في هذا السياق نقل إلينا احد الشيوخ الأفاضل قصة من التاريخ الإسلامي، مفادها أن إعرابيا قدم لمسجد رسول الله(ص) طالب المساعدة في أداء دية قتيل كاملة كان قد ضمنها، ثم عجز عن أدائها.
رأى بين الموجودين كل من عتبة بن أبي سفيان وعبدالله بن الزبير، فعرض عليهما مسألته، فأعطاه الأول مائة دينار فردها إليه، وأعطاه الثاني مائتي دينار فردها إليه، لأنها لا تفي بقيمة الدية الكاملة، المطلوبة منه.
تركهما وتوجه للإمام الحسين(ع) فسأله كما سألهما. فقال له: يا أخ العرب اسئلك عن ثلاث مسائل، فان أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وان أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وان أجبت عن الثلاث أعطيتك المال كله. فقال: يا بن رسول الله أمثلك يسأل مثلي. فقال الإمام الحسين(ع): بلى سمعت رسول الله(ص) يقول: المعروف على قدر المعرفة. فقال الإعرابي: سل عما بدا لك، فإن أجبت وإلا تعلمت منك.
قال له الإمام(ع): أي الأعمال أفضل؟
قال: الإيمان بالله.
قال الإمام(ع): فما النجاة من الهلكة:
قال: الثقة بالله.
قال(ع): فما يزين الرجل؟
قال: علم معه حلم.
قال الإمام(ع): فان أخطئه ذلك؟
قال: مال معه مروءة.
قال الإمام(ع): فان أخطأه؟ قال:
فقر معه صبر.
قال الإمام(ع): فان أخطاءه؟
قال: فصاعقة تنـزل عليه من السماء فتحرقه فانه لذلك أهل.
ضحك الإمام(ع) ورمى إليه بصرة فيها ألف دينار، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائة درهم، وقال: أعطي الذهب لغرمائك واصرف الخاتم في نفقتك الخاصة.
قال الأعرابي: الله اعلم حيث يجعل رسالته.
لا يستطيع احد تقييم مقدار الفائدة المادية التي عادت على هذا اﻻعرابي من هذه المحادثة، والزخم العلمي الذي استفاده عامة الناس. ومدى الفرق بين عطاء أئمة أهل البيت(ع)، وعطاء غيرهم، واتساع علمهم واهتمامهم بإفادة الآخرين.
من الواضح من هذه الحادثة أن الإمام(ع) قصد اعطئنا دروسا كثيرة في كيفية التعامل مع المحتاجين. أولها: عدم إذلالهم بالعطية مهما كان انتمائهم. ثانيها: إشعارهم بأهميتهم وكفاءتهم مهما قل قدرهم. ثالثها: عدم الاكتفاء بسد حاجتهم، بل العمل على إعطائهم ما كيفيهم عن مد يد الحاجة للناس مرة أخرى.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
بقلم: حسين نوح مشامع