اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ثورة اجتماعية (12) متى ينبعث اشقاها؟!
قال الله تعالى: (وللاخرة خير لك من الاولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى)،
وقال الامام علي(ع): (اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني).
كنا على استعداد لمغادرة منزلنا متجهين لاستلام شهادة انهاء ابنتنا الحبيبة مرحلة الثانية المتوسطة بتفوق، وكانت الفرحة والبهجة والبشر تملىء صفحة وجهها، كأنها وردة تفتحت بعد سقوط الندى عليها، وزدانت بعد لمس النسيم لها. لكن هالني وانا ادير محرك السيارة صوت طرق شديد على زجاج السيارة الخلفي، كانما حجارة قد وقعت علينا من السماء. واذا نحن بالعزيزة ام الاولاد قد خرجت مسرعة مهتاجة تحاول اللحاق بنا.
فسألتها: الم يكن في مقدورنا ان نكفيك المشقة!!
فردت قائلة: لم اطق البقاء خلفكم، واردت الذهاب بنفسي لاطمأن على مستوى ابنتنا الحبيبة. فركبت فتوجهنا من فورنا للمدرسة.
في الطريق خذ كل منا ينظر الى صاحبه ونحن نبتسم، بانتظار ان يبدأ الحديث بيننا.
فتوجست زوجتي في نفسها خيفة، حيث ظهر ذلك جليا على محياها لكثرة نقل ناظريها بيننا، فقالت: ارجو ان لا يكون مجيأي غير مناسبا، او انني قد قطعت عليكم حبل افكاركم؟!
قلت اطمأنها: ليس هناك ما يقلق، ولكننا تعودنا ان تبدأ ابنتنا حديثنا اليومي، ولكن وجودك جعلها تتردد ويعمها الحياء، فاطرقت ابنتنا برأسها.
فقالت زوجتي اذا كان هكذا فانا ابدأ الحديث: لقد كنت اتابع باستمرار ما يدور بينكم من حديث عبر ما تكتبه على الشبكة العنكبوتية، وهالني الوضع الذي وصل اليه جيش امير المؤمنين(ع)، كما هالني ان الخوارج كانوا من جيشه، ولم يكونوا من جيش بني امية. لكن سؤالي هو: ماذا حدث بعد قضاء الامام على(ع) على جيش الخوارج ومزقهم شر ممزق؟!
هذا هو مدار حديثنا لهذا اليوم، احسنت. من الطبيعي بعد القضاء على المتمردين داخل جيش الدولة الاسلامية، ان يستعد امير المؤمنين(ع) لجولة جديدة مع جيش بني امية، اما ان يسلموا امارة الشام لقيادة الدولة الاسلامية، ويعين الامام(ع) من يراه اهلا لادارتها، او يأذنوا بحرب من الله ورسوله.
عندها وصلنا الى المدرسة فودعنا زوجتي عند بابها، ووقفنا ننتظرها داخل السيارة لحين عودتها، متابعين حديثنا.
قالت ابنتي: لا اظن ان بني امية يتنازلون عن دولة اخذوا في تشيدها قبل دخول الاسلام اليها، من ايام جدهم امية، الذي هرب اليها من مكة المكرمة بعد ان استولى على زعامتها هاشم بن عبدمناف جد رسول الله(ص)، وتوالا وصولهم اليها اما مهاجرين او متاجرين، ثم وليها يزيد ابن ابي سفيان ايام الخليفة ابوبكر، وبعده اخوه معاوية ايام الخليفة عمر، واستمر ممسكا بزمام الامور فيها حتى خلافة الامام علي(ع)، حتى غدت قلعة منيعة حصينة.
اخذ امير المؤمنين(ع) يعد العدة لمتابعة حربهم، بعد أن اخذوا بالغزو والاغارة على بعض المناطق البعيدة عن مقر الخلافة، والتي لم يتمكن الامام(ع) من اسعافها، مثل اليمن ومصر وبعض مناطق العراق.
ماذا كانت ردود افعال افراد جيشه الذين كانوا تواقين متحمسين لانهاء ما بدؤوه!!
على العكس من ذلك، فلقد اخذ بعضهم يحتج بقلة الافراد وقلة العتاد، فطلبوا الرجوع الى الكوفة ليتجهزوا بالعدة والعتاد، ولعل امير المؤمنين(ع) يعوضهم عن ما فقد منهم.
والبقية من الافراد؟!
بقيتهم بل اكثرهم وصل الحال بهم الى الهروب والالتحاق ببني امية. كما قال هو عنهم: (لقد هربوا الى الاثرة).
وما الذي اوصلهم الى هذه النتيجة؟!
الواقع ان الامام ابتلى بجند لا يسمع اذا دعي ولا يستنصح اذا نصح. واذا كانوا في فصل الصيف قالوا انظرنا حتى ينقشع عنا الحر، واذا كانوا في فصل الشتاء، قالوا انظرنا حتى ينسلخ عنا البرد.
ما هي تركيبة هذا الجيش المجتمعة ابدانهم المتفرقة اهوائم؟!
يتكون جيش الامام من تركيبة عجيبة غريبة من الناس. منهم من هو طالب للدنيا متطلع للامارة والحكم، ولكن لا يجد في نفسه القوة على البوح بذلك، او لا يجد من يعينه عليها، او هو خائف من البوح بها مخافة ان يسبقه غيره اليها. بل وصل الحال بالبعض ان يقول لامير المؤمنين(ع): نبايعك على شرط ان نكون شركائك في الحكم.
والنوع الاخر؟!
هناك من كان يحارب الخليفة عثمان ايام حياته، وبعد ان قتل وولي الامام(ع) الخلافة صار يحاربه باسم عثمان.
وهل هناك غيرهم؟!
وهناك العبيد والاعراب والموالي الذين كانوا محرومين مقهورين، وقد علمهم الاسلام معنى المساواة في الحقوق والعدالة في المعاملة، فلا يقنعون بالقليل، ولا يركنون الى البديل، فهم دائما قلقون متحفزون.
وهل هناك نوع اخر ايضا؟!!
هناك الولاة الذين كانوا ممسكين بزمام الامور من قبل، ولما تولى الامام(ع) الامارة، سلبهم كل ما كانوا يستأثرون به هم وحاشيتهم، فهم ينتظرون الفرصة للانقلاب.
ومن بعد هؤلاء؟!
وهناك الخونة والمندسون الذين لا يمكن تعيينهم، لعدم اتفاق الجيش على رأي واحد، فهم ينتظرون الفرصة للخذلان لحظة انتصار جيش الدولة الاسلامية ليقلبوا الموازين، او يلتحقوا بجيش بني امية عند غلبته، مقابل وعود ومزايا متفق عليها سابقا.
وهل بقي احد لم تذكره تسبب في وصول هذا الجيش الى الهاوية؟!
هناك نوع اخطر من السابقين، ومن هذا القسم خرج جيش الحرورية(الخوارج). فهو يدعي التدين والدفاع عن الاسلام ومحاربة الظلم، لكن مصيبته انه يفسر الدين والقرأن حسب تفكيره، وحسب رأيه. فيرمي عرض الجدار ما لم يوافق هواه. فكما ترين فهم قوم متهورون متسرعون، لا يعرفون الاناة وحسن التصرف، ولا يعرفون معنى للانتظار حتى تحين الفرصة المناسبة للقيام بالعمل المناسب.
نظرت الى ابنتي بتعجب وعينيها قد وصلتا الى ام رأسها، وهي تقول: كل هؤلاء كانوا حول الامام(ع)، لا عجب ان يفشل في مساعيه، واكملت تسأل: اين شيعة الامام(ع) مثل الاشتر النخعي رضي الله عنه، اين ابناء الامام مثل الحسن والحسين عليما السلام، الم يكونوا موجودين معه؟!
كل هؤلاء القوم المجتمعة ابدانهم المتفرقة اهوائهم كانوا حوله، وما ان يستعد فريق ويندفع للهجوم، الا ويقوم فريق اخر يحرمه ويحارب رفيقه في الدرب. حتى رأى الامام(ع) جيشه يقتل بعضه بعضا.
ما هو رأي امير المؤمنين(ع)؟!
كان يقول : (فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا ناصر و لا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية).
الم يكن مع الامام(ع) غير الكوفة يحارب بها، اين بقية المناطق، اين رجالها؟! اين خراجها؟!
اما مكة والمدينة فإنهما لم تقبلا به، لكراهة قريش للامام(ع)، بسبب قتله ابنائهم وابائهم واخوانهم واعمامهم الكفار. وكانتا منقسمتين بين امويين هواهم مع اهل الشام، ومنهم من هواه مع عبدالرحمن بن عوف قريب الخليفة الراحل ابوبكر، او مع عبدالله بن عمر ابن الخليفة الراحل عمر.
اين اموال الخراج؟! اين جباية الاموال؟! الم تكن تحت يده؟!
كانت اكثر الاموال بعيده عنه، اما في الحجاز او اليمن او مصر، وكلها بعيدة عن متناول يده. وحتى ما كان قريب منه فمناطقها لا تهدأ ولا تستقر ويكثر فيها الاضطرابات والقلاقل. كما ان هذه الاموال كانت تصرف في المناطق التي تؤخذ منها حسب سياسته في العمارة واستصلاح الاراضي.
الم يكن الامام(ع) ينفق على جيشه ويعطيهم ما يكفيهم؟!
لا تعتقدي ذلك فهذا ما كان يعجب منه الامام(ع) نفسه، حيث ان افراد جيش الشام يخرجون مقدمين اعناقهم وارواحهم مقابل قيادتهم، دون مقابل ودون كراء. وكان الامام(ع) كان ينفق على افراد جيشه ولكنهم لا يطيعوه. فكان مستعدا اعطاء عشرة من افراد جيشه مقابل واحد من جيش الشام.
ماذا كان موقف الامام(ع) وسط هذا التيار المتلاطم من المطامح والمطامع؟!
كان يطلب من الله ان يبدله خيرا منهم، وان يبدلهم شرا منه. وكان يردد دائما: متى يخرج اشقاها فيخضب هذه من هذه.
ما الذي يرمي اليه الامام(ع) من كلامه هذا، فلقد اقشعر بدني ووقف شعر رأسي؟!!
افتحي الباب فلقد خرجت امكي من المدرسة حاملة شهادتك بين يديها، كانها جندي حاملا رايته في ساحة المعركة يستنهظ افراد جيشه.
هل بقي شيء من حديثكم لم تنهوه؟!
لقد تأخرتي كثيرا فاكملنا حديثنا، فعليك الانتظار حتى تقرأينه على الشبكة العنكبوتية، فنحن عائدون الى البيت.
بقلم: حسين نوح مشامع