اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ثعابين الكفالات السامة
أحد الموظفين القطاع العام، ممن يطلق عليهم ذوي الدخل المحدود. يستلم راتباً عادياً، حال بقية الموظفين حوله. ولكنه مختلف عنهم، لمظاهر البذخ والرفاهية، الواضحة على ملابسه. التي تتغير بشكل يومي، وبمختلف الالوان - والاشكال - والتصاميم. وظاهرة على سيارته، التي كانت تتبدل مع مطلع كل سنة. ومع خروج نوعية جديدة، يختبر قوة تصميمها، وحسن ادائها. كأنما يحاكي أصحاب الملايين، وذوي الثروات الطائلة، في تبذيرهم.
أخذت عيون الحسد تتجه إليه، وقلوب الطمع ترفرف وتهفو إلى ملقاه. والثعابين السامة، تدور حوله في الظلام الدامس. وحبال الشياطين والعفاريت، ترمى في طريقه من خلف الاستار الداكنة، في محاولة لسحبه نحوها. واستمرت المكائد تدور فوق رأسه، كأنها غيوم سوداء يخبط بعضها بعضاً، منذرة بعواصف وبروق.
عرف أخوان أبليس، وسليل العفاريت، مواطن ضعفه – ودواخل نفسه. فدخلوا عليه من حيث يخاف عليه، وفتحوا عليه ما كان يحذر عليه منه. لوحوا له بما تهفوا إليه نفسه الضعيفة، وزينوا له ما يودون القيام به. قربوا عليه البعيد، وهونوا له العظيم الشديد. منوه بالاموال وبالثروات الطائلة، حتى سقط على حر وجهه مستسلماً.
وضع رجله على مدخل دهاليز الكفالات – والضمانات - وتوقيع الكمبيالات. هم يأخذون ما يحتاجون اليه، وهو يكفلهم مقابل ثمن بخس ود راهم معدودة. فصار خبير كفالات، يلجأ إليه القريب والبعيد. ومن يعرفه، ومن لا يعرفه. وصاروا يقبلون الايدي، ويتمسحون بالاقدام. فانزلق إلى قاع الديون، لا يستطيع التمسك بمن يحوطه ويعينه على التوقف. فلقد غشيته غمامة، تمنع من رؤية من ينصحه. وفيه أذنيه وقراً، يمنعه من سماع من يهديه إلى الصواب.
كثرت الديون التي ضمنها، وامتنع أهلها عن السداد. وعندما وقع عليه سقف المطالبات، افاق من غشوته. ولكن حين لا تنفعه الموعظة، ولا تعينه الهداية. فلقد كثر الدائنون حوله، كل يطالب بحقه. وهرب المدينون، تاركيه يصارع وحده. وسدوا عليه النور، فلم يستطع أن يبصر أمامه. وسدوا عليه الطريق، فلم يستطيع أن يتقدم برجله. كأنه في ظلمات بحر لجي، يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها.
وعندما كثر زائروه، وتأثر عمله، وقل عطائه. فانزعج زملائه في العمل، ووصلت أخبار مغامراته إلى رؤسائه. فصار لزاماً عليه، حل مشاكله، أوإبقائها خارج نطاق العمل. لكنه لم يستطع أيقاف سيل الزوار، ولم يستطع تسديد الديون لكثرتها. تلك التي إشتراها عندما إرتفعت السوق، وحاول بيعها عندما هبط المؤشر.
أخذت ادارته المبادرة، بتسديدها بعد أن لبسها مقلوبة. ولكن من راتبه، الذي أخذ يتقلص شيئاً - فشيئاً. ووقعت عليه الطامة، عندما طلب منه الاستقالة. فضاقت عليه الدنيا بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، واستسلم للامراض النفسية. التي أعتادت أن تهاجمه وتزعجه، كلما حاول الخلود إلى الراحة والنوم.
حاول من بقي من أصدقائه، مساعدته للحصول على ما يسد رمقه. ولم يكن هناك الا راتب تقاعدي زهيد، كان من الممكن أن يخسره. فكان وضعه النفسي السيء، سبباً ومدخلاً في حصوله عليه، عندما فر معظم المنتفعون والوصوليون. فانتهى به الحال، طارقاً مختلف الابواب الرسمية منها والاجتماعية، في محاولة يائسة - بائسة لتحسين وضعه المادي.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية