لقد وردت روايات صحيحة تبين مدى رأفته الكاملة وشفقته التامة على أمته، بأنه صلى الله عليه و آله وسلم يدعو يوم الحشر الأعظم بـ: (أمّتي أمّتي ) في الوقت الذي يدعو كلُ أحد، بل حتى الأنبياء
بـ:نفسي نفسي من هول ذلك اليوم ورهبته. فكما تبين هذه الروايات عظيم شفقته على أمته فقد سمعتْ والدتُه منه عند ولادته أنه يناجي: أمتي أمتي كما هو مصدَّق لدى أهل الكشف من الأولياء الصالحين. وكذا إن سيرته العطرة كلها، وما نشره في الآفاق من مكارم الأخلاق المكللة بالشفقة والرحمة، تبين كمال رأفته وشفقته،كما أنه أظهر عظيم شفقته على أمته بإظهار حاجته التي لاتحد إلى صلوات أمته عليه تلك الصلوات التي تبين مدى علاقته الرؤوفة بجميع سعادات أمته.
إن إظهار الرسول صلى الله عليه وسلم شفقة فائقة وأهمية بالغة للحسن والحسين رضي الله عنهما في صباهما، ليست هي شفقة فطرية ومحبة نابعة من الإحساس بصلة القربى وحدها، بل نابعة أيضاً من أنهما بدايةُ سلسلةٍ نورانيةٍ تتولى مهمة من مهمات النبوة العظيمة، وأن كلاً منهما منشأ جماعة عظيمة من وارثي النبوة، وممثل عنها وقدوة لها.
نعم! إن حمل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم الحسن رضي الله عنه في حضنه وتقبيله رأسَه بكمال الشفقة والرحمة هو لأجل الكثيرين من ورثة النبوة الشبيهين بالمهدي الحاملين للشريعة الغراء المتسلسلين من سلالة الحسن المنحدرين من نسله النوراني المبارك. فلقد شاهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ببصيرة النبوة ما يضطلع به هؤلاء الأكارم في المستقبل من مهام مقدسة جليلة، فاستحسن خدماتهم وقدّر أعمالهم، فقبّل رأسَ الحسن رضي الله عنه علامة على التقدير والحث. ثم إن الاهتمام العظيم الذي أولاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالحسين رضي الله عنه وعطفه الشديد نحوه إنما هو للذين يتسلسلون من نسله النوراني من أئمة عظام وارثي النبوة الحقيقيين الشبيهين بالمهدي من أمثال زين العابدين وجعفر الصادق.
نعم، فقد قبّل صلى الله عليه وسلم عنق الحسين رضي الله عنه، وأظهر له بالغ شفقته [COLOR="Red"]وكمال اهتمامه لأجل أولئك الذين سيرفعون شأن الإسلام ويؤدون وظيفة الرسالة من بعده.[/color]
إن الرسول وسلم قد شاهد بنظر النبوة الأنيس بالغيب أن آل بيته سيكونون بمثابة شجرة نورانية عظيمة تمتد أغصانُها وفروعها في العالم الإسلامي، فالذين يرشدون مختلف طبقات العالم الإسلامي إلى الهدى والخير، ويكونون نماذج شاخصة للكمالات الإنسانية جمعاء،سيظهرون بأكثريتهم المطلقة من آل البيت.
وقد كشف عن قبول دعاء أمته بحق آل البيت الوارد في التشهد وهو اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. أي كما أن معظم المرشدين الهادين النورانيين من ملة إبراهيم -
- هم أنبياء من نسله وآله، كذلك رأى صلى الله عليه وسلم أن أقطاب آل بيته يكونون كأنبياء بني إسرائيل في الأمة المحمدية يؤدون وظيفة خدمة الإسلام العظيمة في شتى طرقها ومسالكها. ولأجل هذا أُمر صلى الله عليه وسلم أن يقول: (قُل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى) وطلب مودّة أمته لآل بيته. والذي يؤيد هذه الحقيقة هو ما جاء في روايات أخرى أنه صلى الله عليه و أله و سلم وسلم قال: (يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) حديث صحيح أخرجه الترمذي والطبراني ذلك لأن آل البيت هم منبع السنة الشريفة والمحافظون عليها والمكلفون أولاً بالالتزام بها.
ثم إن الحكمة في إرادته صلى الله عليه وسلم في جمع الأمة حول آل البيت هي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد علم بإذن إلهي أن آل البيت سيكثر نسلهم بمرور الزمن بينما الإسلام سيؤول إلى الضعف. فيلزم والحالة هذه وجود جماعة مترابطة متساندة في منتهى القوة والكثرة لتكون مركزاً ومحوراً لرقي العالم الإسلامي المعنوي. وقد علم صلى الله عليه وسلم بهذا بإذن إلهي فرغّب في جمع أمته حول آل بيته.
نعم إن أفراد آل البيت وإن لم يكونوا سابقين ومتقدمين على غيرهم في الإيمان والاعتقاد إلاّ أنهم يسبقونهم كثيراً في التسليم والالتزام والولاء للإسلام، لأنهم يوالون الإسلام فطرة وطبعاً ونسلاً. فالموالاة الطبعية لاتُترك ولو كانت في ضعف وعدم شهرة أو حتى على باطل، فكيف بالموالاة لحقيقة ارتبطت بها سلسلة أجداده الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة في سبيلها فنالوا الشرف بها، فتلك الحقيقة هي في منتهى القوة وذروة الشرف وعلى الحق المبين، أفيستطيع من يشعر بداهة بمدى أصالة هذه الموالاة الفطرية أن يتركها؟
[color="Red"]
فأهل البيت بهذا الالتزام الشديد للإسلام وهو التزام فطري يرون الأمارة البسيطة بجانب الإسلام برهاناً قوياً لأنهم يوالون الإسلام فطرة بينما غيرهم لايلتزم إلاّ بعد اقتناعه بالبرهان القوي.[/COLOR