اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الرياءالرياء : طلب المنزلة في قلوب الناس بخصال الخير أو ما يدلّ من الآثار عليها باللباس والهيئة والحركات والسكنات ونحوها.
وهو من الكبائر الموبقة والمعاصي المهلكة، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه. وقد ورد عن الصادق الكثير من الأحاديث في ذمّه وتنقص صاحبه، فقال مرّة :
كلّ رياء شرك(1) إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل للّه كان ثوابه على اللّه(2).
وقال اُخرى في قوله تعالى : «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً»(3) : الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يريد به وجه اللّه، إِنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن تسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه. ثمّ قال : ما من عبد أسرّ خيراً فذهبت الأيام حتّى يظهر اللّه له خيراً، وما من عبد يسرّ شرّاً فذهبت به الأيام حتّى يظهر اللّه له شرّاً»(4).
وقال طوراً : «ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً ويسرّ سيّئاً، أليس يرجع الى نفسه فيعلم أن ليس كذلك، واللّه عزّ وجلّ يقول : «بل الانسان على نفسه بصيرة»(5) إِن السريرة اذا صحّت قويت العلانية»(6).
أقول : ما أغلاها كلمة، لأن المرائي يرجع الى نفسه فيعرف أنه يُظهر غير ما يُضمر، فيظهر ذلك على أعماله من حيث يدري ولا يدري، لأنه بالرجوع الى نفسه يشعر بهذا الضعف والخداع ولا بدّ أن يبدو الضعف على عمله فيختلج فيه.
أمّا الذي توافق عنده السرّ والعلن في الصلاح فإنه يكون قويّاً في عمله لأنه مطمئنّ من نفسه شاعر بقوّتها، والشعور بالقوَّة يسيطر على أقوال الإنسان وأفعاله.
وقال أيضاً عليه السّلام : من أراد اللّه بالقليل من عمله أظهر اللّه له اكثر ممّا أراد، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه، وسهر من ليله، أبى اللّه عزّ وجلّ إِلا أن يقلّله في عين مَن سمَعه.
وقال أيضاً : ما يصنع الانسان أن يعتذر بخلاف ما يعلم اللّه منه، إِن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يقول : من أسرّ سريرة ألبسه اللّه رداها إِن خيراً فخيراً، وإِن شرّاً فشرّاً.
وقال : إِيّاك والرّياء، فإنه مَن عمل لغير اللّه وكّله اللّه الى مَن عمل له(7).
أقول : هذه شذرات من كلامه في الرياء، أبان فيها عن سوء هذه النيّة الفاشلة، وخيبة من يريد منها رضى الناس، فتفضحه الأيام فلا عمله زكّاه ولا حصل على ما راءت لأجله.
______________________________
(1) إِذ أن من قصد بعبادة اللّه التقرّب الى الناس فلا يقصد ذلك إِلا حيث يظن أن من قصد التقرّب اليه له الحول والقوّة والنفع والضرّ من دون اللّه تعالى، وهذا هو الشرك بعينه.
(2) الكافي، باب الرياء : 2/293/3.
(3) الكهف : 110.
(4) الكافي : 2/295/12.
(5) القيامة : 14.
(6) الكافي : 2/295/11.
(7) الكافي : 2/293/1.
الورع والتقوى
إِن من آثار معرفته تعالى والخوف منه تقواه والورع عن محارمه، ولذلك حذَّرَ أبو عبد اللّه عليه السّلام من التورّط في المخالفة ورَغّبَ في الإحاطة بالتقوى، والورع في الدين.
فيقول مرّة : «اتقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع» واُخرى بعد أن رَغَّب في الزُّهد : «عليكم بالورع»(1) وثالثة : «من أشدّ ما فرضَ على خلقه ذكر اللّه كثيراً، ولا أعني سبحان اللّه والحمد للّه ولا إِله إِلا اللّه واللّه اكبر، وإِن كان منه، ولكن ذكر اللّه عند ما أحلَّ وحرَّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإِن كان معصية تركها»(2).
أقول : حقّاً أنّ موقف الإنسان لشديد أمام الواجب والمحرّم، بأن يجعل اللّه نصب عينيه عندهما، فيعمل ما يجب، ويرفض ما حرّم، وان الورع ليعلم في هذه المواقف حين لم يكن القاهر غير النفس والدين.
وسُئل مرَّة عن تعريف الورع من الناس ليعرفوا بذلك حقيقة الورع فقال عليه السّلام : الذي يتورّع عن محارم اللّه عزّ وجل(3).
وسُئلَ عن قوله اللّه عزّ شأنه : «وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً(4)» فقال : أما واللّه إِن كانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي(5) ولكن اذا عرض لهم حرام لم يَدعوه(6).
وقال المفضّل بن عمر(7) يوماً : أنا ما أضعف عملي، فقال عليه السّلام له : مَه إِستغفر اللّه، إِن قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى، فقال له : كيف يكون كثيراً بلا تقوى ؟ قال : نعم مثل الرجل يطعم طعامه، ويرفق جيرانه، ويوطئ رحله(8) فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخله(9).
وهذا نظير قول النبي صلّى اللّه عليه وآله : إِن من قال لا إِله إِلا اللّه غرست له شجرة في الجنّة، فقال له بعض أصحابه : إِذن إن شجرنا في الجنّة لكثير، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : ولكن لا ترسلوا عليها ناراً فتحرقوها.
______________________________
(1) الكافي، باب الورع : 2/76/3.
(2) الكافي، باب اجتناب المحارم : 2/80/4.
(3) الكافي، باب الورع : 2/77/8.
(4) الفرقان : 23.
(5) الثياب المنسوبة الى قبط مصر.
(6) الكافي، باب اجتناب المحارم : 2/81/5.
(7) الجعفي الكوفي ممّن أخذ عن الصادق والكاظم عليهما السلام وكان من وكلاء الصادق في الكوفة وسنذكره في ثقات المشاهير من رواته.
(8) كناية عن استعداده لقبول الأضياف وغشيانهم داره.
(9) الكافي، باب الطاعة : 2/76/7.