اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الإمام والعلم اللدنّي:
إنَّ الله تبارك وتعالىٰ زوَّد الإمام المهدي بالعلم اللدنّي كما زوَّد الخضـر به, قال تعالىٰ: (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف: 65)، وبواسطة هذا العلم اللدنّي تصـرَّف الخضـر تصرّفات لم يكن نبيّ الله موسىٰ يعرفها.
قال تعالىٰ: (قالَ لَهُ مُوسىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (الكهف: 66)، إذن يوجد عند الخضـر علم لا يوجد عند نبيّ الله موسىٰ ، وليس ذلك العلم إلَّا العلم اللدنّي، نحن لا نعرف كيفيته ولا نعرف ماهيَّته، ولكن نعرف بأنَّ الخضـر استند إلىٰ هذا العلم وخرق السفينة وقتل الغلام قبل أن يبدر من الغلام شـيء، ولهذا استنكر نبيّ الله موسىٰ عليه، لأنَّ موسىٰ عنده الشـريعة الظاهرية وبحسب موازين الشـريعة الظاهرية لا يجوز قتل الغلام، ولكن الخضـر لا يعمل بموازين الشـريعة الظاهرية وإنَّما يعمل بموازين العلم اللدنّي، والعلم اللدنّي له مقتضيات وآثار غير آثار العلم الظاهري المستند إلىٰ الشريعة الظاهرة.
ثمّ إنَّ الخضـر بيَّن لنبيّ الله موسىٰ تأويل ما فعله، (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: 78)، يقول الخضـر: عندي تأويل وتفسير لأفعالي توافق مع العلم اللدنّي، قال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً 79 وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً 80 فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً 81) (الكهف: 79 _ 81)، فلو بقت السفينة لأخذها الملك، وهكذا لو بقي الغلام لجرَّ والديه إلىٰ الكفر ومنع من وجود سبعين نبيّاً، فقد ورد أنَّ الله تعالىٰ أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيّا.
إذن نظر الخضـر بواسطة العلم اللدنّي نظرة مستقبلية لما يحتاج إليه العالَم وشخَّص أنَّه لا بدَّ من قتل الغلام، لأنَّ مصلحة العالَم تتوقَّف علىٰ قتله الآن، والنظرة للتغيّرات وما يجري وما يحتاج إليه الناس في المستقبل حصل عليه الخضر من العلم الخاصّ.
المصدر
راجع: تفسير القمّي 1: 165؛ الكافي 8: 121/ ح 93؛ كمال الدين: 161/ باب 9/ ح 20، و227/ باب 22/ ح 20.