اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من الواضح : أن موضوع قتل المحسن سيحرج علماء وأعلام طائفة عظيمة من المسلمين تدين بالولاء لأولئك الذين كان لهم دور في ما جرى على الزهراء . نعم سيحرجهم ذلك مع أتباعهم ومؤيديهم أولا وسيحرجهم - ثانيا - في مجالات الحجاج والاستدلال مع غيرهم . فكان لا بد من أن يجدوا حلا لهذه المعضلة التي تواجههم . فحاول بعضهم إنكار وجود المحسن من الأساس ، قال عمر أبو النصر : " اختلف المؤرخون في وجوده كما قدمنا - وإن كان اليعقوبي والمسعودي وغيرهما يؤكدون وجوده " ( 1 ) .
ثم يقول : " ينكر بعض المؤرخين وجود المحسن . ولكن غيرهم يثبته ، كالمسعودي وأبو الفداء ( 2 ) .
وقد تجد لذلك تلميحات قليلة ونادرة أخرى ، لسنا في مجال ملاحقتها . وحيث أن هذا الإنكار يعتبر مجازفة خطيرة ، ولا يجد مبررات تكفي للإصرار عليه ، كما أنه لا مجال لإنكار الهجوم على بيت
( 1 ) فاطمة بنت رسول الله محمد ( ص ) : ص 94 ( ط بيروت ) . ( 2 ) المصدر السابق : هامش ص 93 . ( * )
الزهراء ، ثم إخراج علي أمير المؤمنين من ذلك البيت بالعنف . لذا ، فقد اتجهت الأنظار إلى محاولات من نوع آخر تهدف إلى إبعاد شبح العنف أو وسائله عن أن تنالها ذهنية الناس العاديين . وكان من مفردات هذا الاتجاه سكوت فريق من الناس عن ذكر المحسن ، مع إمكان الاعتذار عن هذا السكوت بأنه إنما يتصدى للحديث عمن عاش من أبناء علي وفاطمة ( ع ) .
ولكن ذلك كله لما لم يكن كافيا في تحقيق النتائج المرجوة . فإن وجود محسن في جملة أولاد الزهراء ( ع ) ، كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار . وليس من السهل تجاهله ، أو إنكاره ، فقد لجأ البعض إلى إبعاد الشبهة عن أولئك الذين تسببوا في قتل هذا الجنين المظلوم . وتجرؤا على سيدة نساء العالمين . ولكن بطريقة ذكية ، تحمل في طياتها إنكارا مبطنا ، وإبطالا لمقولة حصول الإسقاط ، من حيث نفي موضوعه . فادعوا : أن محسنا قد ولد في عهد النبي ( ص ) ، فسماه النبي ( ص ) " محسنا " .
ويذكرون في كيفية ذلك ما من شأنه أن يلحق الاهانة بعلي ( ع ) حيث تظهر الرواية : إصرار علي ( ع ) ثلاث مرات على أن يسمي المولود حربا ، وإصرار الرسول ( ص ) على خلافه . . حيث يراد الإيحاء بأن عليا ( ع ) كان يعيش خلقية الرجل المحارب ، فلا يفكر بما سوى ذلك . وتكون نتيجة ذلك بصورة ظاهرها العفوية هي أنه ( ع ) كان يقتل الناس في الحروب ، لأن لديه شهوة قتل الناس .
فلم تكن القضية إذن ، قضية تضحية ، وفداء ، واندفاع ديني ، من منطق الإحساس بالتكليف الشرعي الإلهي ، فحقد الناس على علي ( ع ) يصبح وجيها وفي محله . . ومهما يكن من أمر ، فإن ابن شهر آشوب المازندراني اعتبر دعوى ولادة المحسن في زمان النبي ( ص ) - سقطا - صادرة من جماعة من السفساف حملهم على ابتكارها العناد ، فهو يقول : " وجماعة : من السفساف ( 1 ) ، حملهم العناد على أن قالوا : كان أبو بكر أشجع من علي . وإن مرحبا قتله محمد بن مسلمة . وإن ذا الثدية قتل بمصر . وأن في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميرا على علي ، وربما قالوا : قرأها أنس بن مالك . وأن " محسنا " ولدته فاطمة في زمن النبي سقطا . . وإن النبي . . إلى أن قال : ومن ركب الباطل زلت قدمه : * ( وزين لهم الشيطان أعمالهم ، فصدهم عن السبيل ، وكانوا مستبصرين . . ) * ( 2 ) وجماعة جاهروهم بالعداوة . . . ( 3 ) " .
( 1 ) السفاسف جمع سفساف ، وهو الردئ . ( 2 ) سورة العنكبوت ، آية 38 . ( 3 ) مناقب آل أبي طالب : ج 1 ص 16 . ( * )
وهكذا . . . يتضح : أن هؤلاء قد حاولوا أن يجمعوا بين مقولة كون المحسن سقطا ، وبين كون الآخرين فوق الشبهات ، وأتقى وأجل من أن يرتكبوا جريمة كهذه .
فقرروا : أن هذا المولود سقط بلا شك ، ولكنه سقط في زمن رسول الله ( ص ) . . ثم جاءت الرواية الصحيحة السند - عندهم - لتؤكد هذا المعنى ، وتقول : روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، ورواه غيره بسند صحيح ( 1 ) ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هاني بن هاني ، عن علي ، قال : " لما ولد الحسن سميته حربا ، فجاء رسول الله ( ص ) ، فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قال : قلت : حربا . قال : بل هو حسن . فلما ولد الحسين سميته حربا ، فجاء رسول الله ( ص ) ، فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قال : قلت : حربا . قال : بل هو حسين .
( 1 ) أي صحيح وفق معايير أهل السنة . راجع : شرح المواهب للزرقاني ج 4 ص 239 . ( * )
فلما ولد الثالث سميته حربا . فجاء النبي ( ص ) ، فقال : أروني ابني ، ما سميتموه ؟ قلت : حربا . قال : بل هو محسن . ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون : شبر : وشبير ، ومشبر ( 1 ) .
( 1 ) مسند الإمام أحمد ج 1 ص 98 ، و 118 وتاريخ دمشق : ( ترجمة الإمام الحسين بتحقيق المحمودي ) ص 18 ، والسنن الكبرى : ج 6 ص 166 ، و ج 7 ص 63 ، وتهذيب تاريخ دمشق : ج 4 ص 204 ، عن أحمد ، والطبراني ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن حبان ، والحاكم ، والدولابي ، والأدب المفرد : ص 121 ، وأسد الغابة : ج 2 ص 18 ، و ج 4 ص 308 ، والإصابة : ج 3 ص 471 ، والمعجم الكبير للطبراني : ج 3 ص 28 و 96 و 97 والذرية الطاهرة : ص 97 ، والاستيعاب : ( مطبوع بهامش الإصابة ) ، ج 1 ص 369 . ونهاية الإرب : 18 ص 213 ، والرياض المستطابة : ص 293 ، وتاريخ الخميس : ج 1 ص 418 ، ومنتخب كنز العمال ( مطبوع بهامش مسند أحمد ) ، ج 5 ص 108 ، ومختصر تاريخ دمشق : ج 7 ص 7 و 117 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 165 و 166 ، ومجمع الزوائد : ج 8 ص 52 ، عن البزار والطبراني ، في الكبير وأحمد ، وقال : رجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هاني بن هاني ، وهو ثقة . وتلخيص المستدرك للذهبي ( مطبوع بهامش المستدرك ) وصححه وذخائر العقبى : ص 119 عن أحمد ، وأبي حاتم ، وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 144 ، وراجع هوامشه ، والتبيين في أنساب القرشيين : ص 133 ، و 192 ، وكفاية الطالب : ص 208 ، وتذكرة الخواص : ص 193 ، وشرح المواهب للزرقاني : ج 4 ص 339 ، والبداية والنهاية : ج 7 ص 332 وتاج العروس : ج 3 ص 389 ، وعن كنز العمال : ج 6 ص 221 . وترجمة الإمام الحسن ( ع ) " من القسم غير المطبوع من الطبقات الكبرى لابن سعد " : ص 34 ، والاحسان في تقريب صحيح ابن حبان : ج 15 ص 410 ، وكشف الأستار عن مسند البزار : ج 2 ص 216 ، وموارد الظمآن : ص 551 ، عن السيرة الحلبية : ج 3 ص 292 . ( * )