اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
التوقيع المفقود
في اليوم المحدد، كان من أول المراجعين، وفي مقدمة المناضلين لتقديم مستنداته. وكان الفرح والبشر - وهو متوجه إلى المصرف - يرسم على وجهه ابتسامة عريضة. كانت تجاهد للخروج من بين شفتيه، وهو يحاول إخمادها بكل مؤتي من قوة.
طال انتظاره، وقارب صبره على النفاذ. فكان بين الخوف من عدم قبول طلبه، فيرجع خائبا خاسرا. والرجاء في أن يتم له ما أراد، فيمضي قدما لما قدم له.
عرض أوراقه وقلبه يرجف بعنف، كأنما سعفة نخيل في يوم عاصف. ويزداد دماغه ألما، مع كل ورقة يقلبها الموظف، كأنما مطارق تهوي بشدة على أم رأسه. يدعو ويتوسل مع كل طرفة عين، متمنيا أن لا تنقصه ورقة، ولا يسقط منه توقيع.
ذلك لم يكن وعدا بحصوله على القرض، بل أملا غير محدد المدة. مع ذلك فهو يعرف كم سيكلفه ذلك من تأخير، وكم سيبذله من جهد وإرهاق. فهو ينتظر هذا القرض، ليبتاع بقية أثاثه - ويقيم زفافه - ويستقبل عروسه في بيت الزوجية.
حدث ما كان يتوقاه، ونزل ما كان يهرب منه. سقط توقيع مأذون الأنكحة من عقده، وعليه تداركه. فعاد من حيث بدأ، وليبدأ من حيث انتهى. وليزداد ألمه - ولتكبر محنته - وينفجر غضبه، استبدل القاضي.
لم يستطع التنفيس عن ما بداخله، مخافة أن يجابه بما لا يحمد عقباه. فكتم أنفاسه، وراح يتعقب القاضي السابق، من مسجده والى بيته.
أتضح له بعد ما بذل من جهد، ومر به من محنة، أن التوقيع المفقود قد أقر في الأيام الأخيرة. فراح يخبط سادرا في مشوار طويل مسابقا الريح، من شارع إلى آخر - ومن زقاق إلى آخر. عائدا إلى ذلك الموظف، قبل نهاية الدوام.