اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
غثاء السيل
يحلو لنا أن نوصم اهل الكوفة بالغدر والنفاق، لتخليهم عن نصرة مسلم بن عقيل، وقتل الامام الحسين(ع) من بعده. متناسين ان منهم شيعة الامام علي(ع) مثل الاشتر، وشيعة الامام الحسن(ع) مثل عدي بن حاتم، وشهداء كربلاء امثال زهير والحر. متناسين أن الكوفة كانت عاصمة الدولة الاسلامية، فلذا هي تضم مختلف المذاهب والاطياف والتوجهات.
وقد شجع نمو مثل هذه التجمعات - وهذه المذاهب، سماحة الاسلام التي تجلت في ابو الحسن(ع). والتي لم يبتلى بها معاوية، لانه يعطي الامان ثم يغدر - ويضرب الوعد ثم يخلف. ولا يتهاون عن التخلص من مناوئيه، بالحبس والتشريد والقتل. ولم يسمح لوجود لتلك التوجهات المختلفة - والمصالح المتباينة، التي مل منها الامام علي(ع)، بعد ان ملأت قلبه قيحا.
ولولا وجود تلك الفآت التي لا يرجى ان تلتقي على هدف واحد، لم يستطع عبيدالله بن زياد من قتل مسلم بن عقيل(ع)، أو التمكن من امارة الكوفة. بل لم يكن ليستطيع التخلص من كبار رجالاتها، امثال المختار الثقفي - وهاني بن عروة. ولكن بتفرقهم وتشتتهم وركونهم الى الدنيا، مكنوا اعدائهم من رقابهم.
ولسنا منهم ببعيد، اذا لم نبدأ في تغير انفسنا. وأن لا نكون كما قال الشاعر: قومي رؤس كلهم، هل رأيت مزرعة البصل. ولكن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بانفسهم. فالنبدأ باخذ الدرس والعظة ليس من التاريخ فحسب، بل من الدول العربية وما جنته من تفرق كلمتها. حتى تمكنت منهم دويلة لقيطة، شتت شملهم ومزقتهم كل ممزق.
فهناك امور كثيرة يجب علينا تداركها، والعمل على تصحيحها. ومنها ما جاء في القرآن الكريم وعلى لسان فرعون يصف به بني اسرائيل "إن هؤلاء لشرذمة قليلون". فقد كانوا مجموعة قليلة في التأثير، لا وزن لها يذكر. وهذا ما نحن عليه، مما يجعل الا خرون يتطاولون وعلينا، وعلى رموزنا الدينية.
ونحن لسنا قليلوا العدد، ولا ضعيفوا الحجة. فلم يعد يخفى على احد، قوة مذهبنا ومصداقيته. حتى بات الاخرون يخشون من افتضاحهم، وانقلاب المجن عليهم. على اثر ما تقوم به بعض الفضائيات الشريفة، التي خرجت من تحت ركام الموت بعد سقوط طاغية العراق. والتي لن نستطيع ايفائها حقها، مهما قدمنا لها.
ولكن كما قال رسول (ص)، لا زلنا غثاء كغثاء السيل. او كما قال امير المؤمنين(ع) "صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله وترضون". لاننا لم نعد نأمر بالمعروف وننهى عن منكر، فكان كما قال ابوالقاسم (ص) فسلط علينا شرارنا. فكثرة السرقة بيننا، وتفشى قتل وخطف الابرياء فينا، وأصبح مألوفا ترويع الامنين في اوساطنا. كل ذلك بايدي ابنائنا وتحت اعيننا، وليس بايدي غريبة كما كنا ندعي سابقا.
فنحن لسنا قلة في العدد، ولسنا فقراء في الاقتصاد، ولا ضعفاء في العقيدة. ولدينا الكثير من رجال المال ورجال الدين، الذين لو اتحدوا وتعاونوا، في سبيل رفع شأن المذهب، وفي سبيل النهوض بالمجتمع، لوقف سائر الناس خلفهم وساندوهم.
فالمجتمع بحاجة الى قيادة تديره وتوجهه، ومن دونها يكون كقطيع اغنام ترعى فيه الذئاب. وبهذا تمكن من تغير الكثير من المواقف المأخوذة - وتبديل الكثير من المفاهيم السائدة. فحتى متى لا يستجاب لدعاء خيارنا؟! ولكن قل عملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.