قصيدة للشاعر المسيحي ، والوزير اللبناني سابقاً ( جوزيف الهاشم) في حق الإمام علي
نِعْمَ العليُّ، ونعمَ الاسمُ واللقبُ * يا منْ بهِ يشرئبُّ الأصلُ والنسَبُ
الباذخانِ: جَناحُ الشمس ظِلُّهما * والهاشميّان: أمُّ حرّةٌ وأَبُ
لا قبلُ، لا بعدُ، في "بيت الحرام"، شَدَا * طِفلُ، ولا اعتزَّ إلاَّ باسْمِهِ رجَبُ
يومَ الفسادُ طغى، والكُفْرُ منتشرٌ * وغطْرسَ الشِرْكُ، والأوثانُ تنتصبُ
أَللهُ كرَّمهُ، لا "للسجود" لها * ولا بمكّة أصنامٌ ولا نُصُبُ
منذورةٌ نفسهُ للهِ، ما سجَدَتْ * إلاّ لربّكَ هامٌ، وانطَوْتْ رُكَب
هو الإمامُ، فتى الإسلام توأَمُهُ * منذُ الولادة، أينَ الشكُّ والرِيَبُ؟
تلقَّفَ الدينَ سبّاقاً يؤرّجُهُ * صدرُ النبي، وبَوْحَ الوحيِ يكتسبُ
عشيرٌه، ورفيق الدرب، "كاتُبه" * في الحرب والسلم، فهو الساطعُ الشُهُبُ
بديلُهُ، في "فراش الدرب"، فارسُه * وليثُ غزوتِه، والجحْفلُ اللَّجِبُ
سيفُ الجهاد، فتىً، لولاه ما خفقَتْ * لدعوةِ اللهِ، راياتٌ ولا قُطُبٌ
إنْ برَّدَتْ هُدْنةُ "التنزيلِ" ساعدَهُ * كان القتالُ على "التأويل"، والغَلَبُ
أيامَ "بدرٍ" "حُنينٍ" "خنَدقٍ" "أُحُدٍ" * والليلُ تحتَ صليلِ الزحْفِ ينسحبُ
والخيلُ تنهلُ في حربِ اليهودِ دماً * ويومَ "خيبر" كاد الموتُ يرتعِبُ
ولوْ كان عاصَرَ عيسى في مسيرتهِ * ومريمٌ في خطى الآلامِ تنتحبُ
لثارَ كالرعد يهوي ذو الفقار على * أعناقِ "بيلاطُس البُنْطي"، ومَنْ صلَبِوا
ما كان دربٌ، ولا جَلْدٌ وجُلْجُلةٌ * ولا صليبٌ، ولا صَلْبٌ ولا خشبُ
تجسّدَتْ كلُ أوصافِ الكمال بهِ * في ومْضِ ساعدهِ الإعصارُ والعطَبُ
الصفحُ والعفوُ بعضٌ من شمائِله * وبعضُه البِرُّ، أمْ من بعضِه الأدبُ
مّحجةُ الناس، أقضاهُمْ وأعدلُهمْ * أدقُّ، أنصفُ، أدعى، فوقَ ما يجبُ
يصومُ، يطوي، وزُهْدُ الأرضِ مطْمَحُهُ * والخَلُّ مأكَلُه، والجوعُ والعُشُبُ
يخْتَالُ في ثوبهِ المرقوعِ، مرتدياً * عباءَةَ الله، فهْيَ الغايةُ الأرَبُ
مَنْ رضَّع الهامَ بالتقوى، فإِنَّ علي * أقدامِهِ، يُسفَحُ الإبريزُ والذهَبُ..
على منابرهِ، أشذَاءُ خاطرِه * ومن جواهرِه، الصدَّاحةُ الخُطَبُ
ومِنْ مآثره، أحْجى أوامرِه * ومن منائرِه، تَستمْطِرُ الكتُبُ
إنْ غرَّدَ الصوتُ هدّاراً "بقاصعةٍ" * كالبحرِ هاج، وهلَّتْ ماءَها السُحُبُ
أوِ استغاثَتْ به الآياتُ كان لها * روحاً على الراح، يا أسخاهُ ما يهبُ...
يَذُودُ عن هادياتِ الشرعِ، يَعْضُدُها * والحقُّ كالصبحِ، لا تلهو بهِ الحجُبُ
هو الوصيُّ على الميثاق، مؤتَمنٌ * على تراثِ نبيَّ الله، منتَدبُ
هو الخليفةُ، ما شأْنُ "السقيفة" إنْ * طغَتْ على إهلها الأهواء والرِتَبُ
"أْنذِرْ عشيرَتَك القُرَبى" فأنذَرَها * وقالَ ربُّك قولاً فوقَ ما طلَبُوا
ما غرَّهُ الغُنْمَ، فاغتابوا تفجّعَهُ * على الرسول، ودمعُ القلبِ ينسكبُ
شّتانَ بين لظى المفجوع، يُرهُبه * هولُ الفراغ، وذاك المشهدُ العجَبُ
وبين مَنْ هَامَ في أحلامهِ شغفاً * فراحَ يلعبُ فيه العرضُ والطلبُ...
ما همَّ أن يستحقَّ الغَبْنَ، ما سلِمَتْ * للمسلمين أمورٌ، وانجلتْ نُوَبُ
فكان للخلفاءِ، الدرعَ واقيةً * وللخلافةِ ظلاً، ليس يحْتجبُ
لولا عليُّ، لما استقوى بها عمَرٌ * يوم "النفير" ولولا المرشِدُ النَجِبُ
وكان من خطر "الإقطاع"، أنْ هُتِكَتْ * أركانُ أُمَّتهِ، والشعبُ منشَعِبُ
قفْ... هل تساءلتَ كيف المسلمون غدَوْا * مِنْ بعدِ بُعْدِكَ...؟ فاسأَلْ ما هو السببُ
ما سرُّ عثمان..؟ كيف الغدرُ حوُّلهُ * إلى قميصٍ، بهدر الدم يختَضِبُ
وكيف زلَّتْ خطى الإسلام، وانحرَفَتْ * عمّا وقَتْهُ رموشُ العينِ والهُدُبُ
أين التعاليم..؟ والقرآنُ مندثرٌ * والشرعُ يحكمُ فيه الطيشُ واللَّعِبُ
والدينُ تاهتْ أحاديثُ النبيَّ بهِ * فحرَّفوها خِداعاً، كيفما رغبوا
والجور سادَ، وضلَّتْ أمةٌ، وبَغَتْ * على بنيها، وطَيْفَ الله ما رَهِبوا
ومُزَّقَتْ فِرَقٌ، إنْ خفَّ رَكْبُهمُ * تلقَّفتْهُمْ جذوعُ النخْلِ والكُثُبُ
سيفُ الإمامِ حَبَا الإسلامَ عِزَّتهُ * بأيَّ سيفٍ همُ أشياعَه ضربوا...!
لم يسْتَسِغْ بَيْعةً إلاّ ليكْلأَها * نهجُ الرسول، وبالآياتِ تعتَصِبُ
فقاوموه.. لأنَّ الشرَّ ما خمدَتْ * أدراُنهُ، وجنودُ الشرّ ما احْتَجَبُوا...
بأيَّ روحٍ إلهيَّ يمدُّ يداً * "لإِبْنِ مُلجَمَ"، وهو النازفُ التَّعِبُ
فسطّرَ النبلَ دستوراً وعمَّمَهُ * كالنور في الأرض، تستهدي به النُجُبُ
وكَّبلَ الزمنَ المرصودَ في يدِه * كأنَّهُ، مَلِكَ الإيحاءِ يصْطَحِبُ
هو الخلودُ، ومصباحُ السماءِ فلا * يغيبُ... ما غابَ، إلاّ وهو يقتربُ
إنَّ الإمامَ هنا، سيفُ الإمام هنا * صوتُ الصهيل هنا، والوقْعُ والخبَبُ
كالنجم تلتقطُ الأفلاكَ جبهتُهُ * إنْ غرَّبَ الضوء، ليس النجم يغتَربُ..
قمْ يا إمامُ، فإنَّ الليل معتكرٌ * "والحِصنُ" مرتفعٌ والأُفقُ مضطَرِبُ
همُ اليهودُ، وما نَفْعُ "المسارِ" إذا * سالَمْتُهمْ غدروا، هادَنْتَهُمْ وَثَبوا
يدورُ في عصرنا التاريخُ دورتَهُ * كمِثْل عهدِكَ، أينَ العهدُ يا عرَبُ؟
تَبَدَّدَت ريحُهُمْ في كلَّ عاصفةٍ * وفي الوقيعةِ، عذرُ الهاربِ الهربُ
ما بين منكفيءٍ في زهْوِ نَشْوتَهِ * وهائمٍ، دأْبُهُ العُنقودُ والعِنَبُ
وآفَةُ الشرْقِ، سفّاحٌ بمَقْبضِها * وليس يردَعُها شرَعٌ ولا رَهَبُ
راحَتْ تُصَهْيِنُ اسمَ الله فاسقةً * يا.. إنها شعبُهُ المختارُ والعَصَبُ
تُدَنَّسُ الطُهْرَ، والإيمانُ في دَجَلٍ * حتى على الله، كَمْ يحلو لها الكَذِبُ
فَجْلَجَلْ المسجِدُ الأقصى، يثورُ على * كُفْرٍ، وكبَّرتِ الأجراسُ والصُلُبُ.
داَنتْ لها جَبَهاتُ السّاحِ صاغرةً * وانشَلَّتِ الخيلُ، حتى استَسْلَمَ الغَضَبُ
وَرُوَّعتْ هِمَمٌ، واستَكْبَرَتْ أُمَمٌ * واستُقْطِبَتْ قِمَمٌ، واستُهْبِطَتْ قُبَبُ
حتى دَوَتْ وَثْبَةٌ ضجَّ الزمانُ بها * كأنها السيفُ فوقَ "الطُوْرِ" مُنْتَصِبُ
لجَّتْ بزأْرَةِ ليثِ الشامِ زمْجَرَةٌ * كأنَّ "قانا" على راحاتِهِ حلَبُ
يَشِدُّ أَزْرَ جنوبٍ، لمْ يمرَّ بهِ * رَكْبُ الفتوحاتِ، حتى قُطّعتْ رَقَبُ
فخاضَ عنْ أمَّةٍ حربَ الجهادِ فدىً * عنْ كلِ مَنْ غُلِبوا غدراً، ومَنْ نُكِبُوا.
هِيَ المقاومةُ السمراءُ هازجةٌ * رَجَّ الوطيسُ بِها، واهتزَّتِ الهُضُبُ
فكانَتِ الكربلائياتُ، صوتَ ردىً * "للخَيَبْريّين"، لا رِفْقٌ ولا حَدَبُ
هذي فلولُهُمُ، هذي جماجِمُهُمْ * كالرِجْسِ، تلفِظُها مِنْ أرضِنا التُرَبُ
إذا قضىَ منْ قضَى منهُمْ، قضَوْا أَلَماً * يا بئْسَهُمْ مَنْ بكَوْا حُزْناً، ومَنْ نَدَبُوا
وإِنْ شهيدٌ هوى مِنْ عندِنا صدَحَتْ * بلابلٌ، وتعالى الزهْوُ والطرَبُ.
هذا الجنوب دمٌ، والماءُ فيه دمٌ * ونَهْرنُا النهرُ سُمُّ إنْ هُمُ شَرِبوا
مِنَ الجنوبِ رَذَاذَاتُ الدماءِ سَرَتْ * إلى فلسطينَ، فاهتاجَ الدَمُ السَرِبُ
واستَبْسَلَتْ انتفاضاتٌ مُخضَّبةٌ * مَنْ قال: قَدْ ضاعَ حقٌ وهو مغتَصَبُ
مَنْ أوقدوها لظىً كانوا لها حطباً * والنارُ إنْ أُجّجَتْ، فَلْيُحْرَقِ الحَطَبُ
قمْ يا إمامُ وسُنَّ العدلَ في زمَنٍ * خرَّتْ رؤوسٌ بهِ، حتى علا الذَنَبُ
وسُنَّهُ السيفَ، يأبى ذو الفقارِ ونىً * إنْ حَمْحَمَ السيفُ عضَّتْ غِمْدَها القُضُبُ
سادَتْ جبابرةُ الإرهابِ ظالمةً * فهي العدالةُ، والمظلومُ مُرتَكِبُ
الأقوياءُ على خير الضعيفِ سَطَوْا * مَنْ يسْلُبِ الخيرَ، غيرَ الشرَّ لا يَهِبُ
فارْدَعْ بزَنْدِكَ وإِليهُمْ وعامِلَهُمْ * فأْنتَ مثلُكَ مَنْ يُخْشىَ ويُرْتَقَبُ
وازْجُرْ بأمْرِك وإِلينا وعاملَنا * مالُ اليتامى حرامٌ، كَيفَ يُسْتَلَبُ
ما جاعَ منّا فقيرٌ طوْعَ ساعدِه * إلاَّ بما مُتَّعَتْ أشداقُ من نَهَبُوا
رجوتكَ أغْضَبْ، على الأخلاقِ حُضَّهُم * "لأنَّ مَنْ ذهبَتْ أخلاُقهمْ ذهبَوا"