____________
<=
ثم قال الشيخ السعودي الوهابي:
((والغريب حقاً أن حديث الثقلين هذا، رغم وروده في صحيح مسلم وفي سنن الترمذي، وحسّنه الحاكم النيسابوري في المستدرك ومسند الإمام أحمد، إلا أنّ معظم المعاصرين من العلماء والخطباء يجهله أو يتجاهله، ويوردون بدلاً عنه حديث ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي)). وهو في موطأ الإمام مالك، وفي سنده ضعف وانقطاع، وإن كان متنه ومعناه صحيحاً. وكان من الواجب إيراد الحديثين كلاهما معاً لاهميتهما في الباب، أما كتمان هذا الحديث الشريف الصحيح فهو مِنْ كتمان العلم الذي هدّد الله ورسولَهُ فاعلَه...)).
وقال العلامة الحافظ محمد ناصر الدين الالباني ـ رحمه الله ـ في (سلسلة الأحاديث الصحيحة):
((حديث العترة وبعض طرقه ـ 1761 ـ: يا أيّها الناس! إني قد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتابَ الله، وعترتي أهل بيتي)).
ثم قال الالباني: (.. الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث زيد بن أرقم... أخرجه مسلم (7 / 122 ـ 123) والطحاوي في (مشكل الآثار) (4 / 368)، وأحمد (4 / 366 ـ 367) وابن أبي عاصم في (السنة) (1550 و1551)، والطبراني (5026) من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه، ثُمّ أخرجه أحمد (4 / 371) والطبراني (5040) والطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال: ((لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي؟ قال: نعم)). واسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، وله طرق أخرى عند الطبراني (4969 ـ 4971 و4980 ـ 4982 و4050) وبعضها عند الحاكم (3 / 109 أو 148 و533)، وصحح هو والذهبي بعضها.
وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: ((إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي؛ الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) أخرجه أحمد (3 / 14 و17 و26 و59)، وابن أبي عاصم (1553 و1555) والطبراني (2678 ـ 2679) والديلمي (2 / 1 / 45)، وهو إسناد حسن في الشواهد، وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني (ص 529) والحاكم (1 / 93) والخطيب في الفقيه (56 / 1) وابن عباس عند الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي).
ثم ذكر الألباني تخريجات كثيرة للحديث وقال: ((بعد تخريج الحديث بزمن بعيد كتب عليّ أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثُمّ أن أسافر منها إلى الإمارات العربية.. فلقيت في قطر بعض الاساتذة والدكاترة الطيبين، فأهدى إليّ أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له:
الأولى: إنّه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة، ولذلك قصر تقصيراً في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلاً عن الشواهد والمتابعات، كما يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا.
=>
الحقيقة السابعة: (حقيقة هوية المذهب الاثني عشري) (1)
ولا بد من التنبيه إلى حقيقة هامة وهي: إنّه لا يمكن معرفة نوع ا لهوية الفكرية لأيّ مذهب من المذاهب قبل الدراسة التحليلية العميقة لمحتويات ومضامين فكر المذهب الذي نريد معرفة هويته الفكرية. ولقد سار منهج أتباع الجماعة الوهابية في طريق يخالف هذه الحقيقة ا لهامة، فقالوا ـ ابتداء من دون بحث في كتب الاثني عشرية ـ: إنّ ا لهوية الفكرية للاثني عشرية مجوسية فارسية.
إننا أخرّنا البحث عن هوية الاثني عشرية في هذا المنهج؛ لأنّ الترتيب العقلي والعلمي يفرض علينا أنْ لا نتحدّث عن هوية المذهب الاثني عشري إلاّ بعد دراسته عبر الحقائق الست السابقة.
والغريب أنّ البعض يقول: إننا نسلّم بأنّ ا لهوية الفكرية للاثني عشرية إسلامية وعربية، لكن نقول إنّ ا لهوية العرقية للاثني عشريين الأوائل كانت فارسية!
____________
<=
الثانية: إنّه لم يلتفتْ إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء، ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في مصطلح الحديث: (إن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق)، فوقع في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح.
وكان قد نمي إليّ قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في الكويت يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك عليَّ إيرادي الحديث في (صحيح الجامع الصغير) بالأرقام (2453 و2454 و2745 و7754)، لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغرب مني تصحيحه! ويرجوا الأخ المشار إليه أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث، وقد فعلت ذلك احتياطاً، فلعله يجد فيه ما يدل على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه، وعدم تنبّهه للفرق بين ناشئ في هذا العلم ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيراً من الناس الذين يتبعون كل مَنْ كتب في هذا المجال، وليستْ له قدم راسخة فيه. والله المستعان)). انتهى كلام الشيخ الإمام الالباني رضوان الله عليه.
وإنما ذكرته بتمامه لأنني رأيت أن الوهابيين ما زالوا يطبعون ويوزعون كتاب الدكتور (علي أحمد السالوس) حول تضعيف حديث الثقلين، وهم يعلمون أنّ هذا الدكتور لا علم له بالحديث ولا برجاله، وهم يعلمون ـ أيضاً ـ أن الألباني لم يذكر هذا الكلام بطوله إلا للردِ على الدكتور علي أحمد السالوس.
(1) هذه الحقيقة تعد الحقيقة الثالثة في مرحلة المعرفة الجذرية للمذهب الاثني عشري.
إنّه ما دام قد ثبت لنا أن (حقيقة الألوهية والنبوة عند المذهب الاثني عشري) تتفق اتفاقاً كاملاً مع الكتاب والسنّة، وثبت لنا بعد الدراسة التحليلية أنّ شرائع وأحكام الاثني عشرية عين شرائع وأحكام القرآن والسنّة، وتبين لنا بالدليل والبرهان بأنّه لا يمكن الفصل بين الأهداف التي رسمها القرآن والسنّة وأهداف الاثني عشرية، وما دام قد ثبت أنّ منابع الاثني عشرية هما الكتاب والسنّة الشريفة، وقد عرفنا أنّه لا يوجد أدنى خلاف بين حقيقة الإمامة في الكتاب والسنّة وحقيقة الامامة عند الاثني عشرية.. بعد أن ثبت كل هذا فستكون النتيجة الضرورية والحتمية بأنّه لا يمكن التفكيك بين ا لهوية الفكرية للإسلام وا لهوية الفكرية للاثني عشرية.
ولعله مما يحتم الوصول إلى هذه النتيجة أنْ نلتفت إلى ضرورة التدرج في دراسة هذه الحقائق حسب الترتيب العلمي والفكري في هذا المنهج، والذين يبحثون عن هذه الحقيقة (هوية الاثني عشرية) قبل البحث عن المرحلة الأولى، وقبل البحث عن الحقائق الست السابقة سوف ينزلقون في مشكلة الخلط بين (هوية الاثني عشرية وبين هوية فرق الغلاة).
ونحن نسلِّم أنّ هوية فرق الغلاة مجوسية وفارسية أما هوية الاثني عشرية فهي إسلامية عربية.
____________
(1) انظر الفصل الثاني من الباب الثالث في كتاب (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية).
الحقيقة الثامنة: (حقيقة نشأة المذهب الاثني عشري وعلل هذه النشأة)(1)
القسم الأول: (حقيقة نشأة المذهب الاثني عشري):
إنّ عملية التوفيق بين نشأة الاثني عشرية ونشأة فِرَق الغلاة عند الوهابية كانت تنم عن سذاجة كبيرة، وجهل بطبيعة فكر الغلاة وعناصره الوثنية العميقة، وعدم استقامته على نظام فكري واحد، وأساس منهجي واحد، مما يخالف الفكر الاثني عشري الذي يتّحد بصورة كاملة مع الفكر الإسلامي.
إنّ حركة الغلو نشأت في وسط ملوث مشحون بالأساطير المجوسية والخرافات اليهودية والمسيحية، واستمدّ الغلو جذوره من هذه الأساطير ومن هذه الخرافات؛ فمن السذاجة والعبث محاولة التوفيق بين نشأة فرق الغلاة وبين نشأة الاثني عشرية، القائمة على أساس النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
لكن أتباع الجماعة الوهابية ـ بسبب فهمهم الخاطئ ـ خلطوا بين أوّل من قال بالغلو في الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ وهو (عبد الله بن سبأ)، وبين أوّل من قال بالولاء للإمام علي وهو (الرسول الأعظم)؛ نتيجة دراستهم السطحية والساذجة لكتب الفرق والمقالات التي كتبها الاثنا عشرية وقدماء أهل السنّة،
____________
(1) هذه الحقيقة تعد الحقيقة الرابعة في المعرفة الجذرية للمذهب الاثني عشري.
إنّ الوهابية خلطت بين مقالتين متباينتين؛ المقالة الأولى تقول: (إنّ أوّل من قال بأنّ علياً ـ كرم الله وجهه ـ كان وصياً للرسول الأكرم هو عبد الله بن سبأ اليهودي). وهذه المقالة الأولى يؤمن بها الوهابية؛ لأنّهم لم يميزوا بين هذه المقالة وبين المقالة الثانية الصحيحة التي أجمع عليها كل المسلمين والتي تقول: (إنّ أول من قال بأنّ علياً كان إ لهاً هو عبد الله بن سبأ)، لكن الوهابية قاموا بعملية تحريف ـ من حيث لا يعلمون ـ للمقولة الثانية، فحذفوا كلمة (اله) ووضعوا بدلاً عنها كلمة (وصي)! وسوف نثبت ذلك بالدليل عند البحث الذي خصصناه لهذه الحقيقة.
وقد أثبتنا في الحقيقة السادسة من كتابنا (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية) بالأدلة القوية من كتب أهل السنَّة أنّ أوّل من قال بالوصية للإمام علي هو الرسول الأعظم؛ فمن السذاجة والعبث هذا الخلط بين هاتين المقالتين المختلفتين؛ بين مقولة (أول من قال بالوصية للإمام علي)، ومقولة (أول من قال بالألوهية للإمام علي)، فالمقولة الأُولى تعتمد على أدلة قوية من القرآن والسنّة، أما المقولة الثانية فتعتمد على عناصر وثنية ملحدة تحاول هدم القرآن والسنّة.
ولقد سار أتباع المنهج الوهابي في دراسة الاثني عشرية ـ أثناء البحث عن حقيقة نشأة الاثني عشرية وعلل هذه النشأة ـ على نفس المنهج الذي اعتمدوا عليه في البحث عن الحقائق السبع السالفة. وهو منهج لا يستقيم على نظام فكري واحد، ولا على أساس منهجي واحد، ولا يعتمد على ملاحظة المرحلة الأُولى من هذا الكتاب، ولا يعتمد على الدراسة التحليلية العميقة لمفاهيم ومحتويات الاثني عشرية قبل البحث عن نشأتها. لكننا لمسنا أنّ المحققين من أهل السنَّة، ومن عقلاء الوهابيين قد أدركوا أنّ أتباع الجماعة الوهابية يخلطون بين نشأة الاثني عشرية ونشأة فِرَق الغلاة.
والقسم الثاني: (علل نشأة المذهب الاثني عشري):
لقد ثبت لنا في الحقيقة السادسة (حقيقة الإمامة في المذهب الاثني عشري) بالأدلة النقلية من الكتاب والسنّة أنّ علل وأسباب تمسك الاثني عشرية بالأئمة الاثني عشر يرجع إلى الأدلة القوية من الكتاب والسنّة، ومن ثَمّ فمن السذاجة أنْ نبحث عن علل ولاء الاثني عشرية للأئمة الاثني عشر قبل دراسة (الحقيقة السادسة). ومشكلة منهج الوهابية في دراسة الاثني عشرية أنّهم يبحثون عن هذه الحقيقة الثامنة قبل البحث عن الحقيقة السادسة.
إنّه إذا ثبت أنّ قضية التشيع والولاء والتمسك بالأئمة الاثني عشر ثابتة بحديث الثقلين وحديث الاثني عشر، وثبت أنّ التمسك بهم يأتي في الدرجة الثانية بعد التمسك بالقرآن والسنة؛ فلا بد من التمييز بين علل تشيع وولاء الاثني عشرية للأئمة الاثني عشر، وبين علل غلو فرق الغلاة في الأئمة الاثني عشر. والذين لا يميزون بين هذين النوعين المختلفين من العلل هم المصابون بـ (مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وبين فرقة الغلاة)، ومن ثمَّ فهم بحاجة إلى
إنّه بعد أنْ ثبت لنا من خلال الحقائق السبع السابقة أنّ أدلة الاثني عشرية ترجع إلى الكتاب و السنّة، ويكفي أنْ نقرأ كتب أُصول الفقه عند الاثني عشرية، حينئذ سوف تجعلنا هذه الأدلة نؤمن بأنّ القرآن الكريم هو الأساس الأوّل في طرح كل تلك الحقائق السبع عند الاثني عشرية، وتأتي بعد القرآن الكريم الأحاديث الصحيحة. وما دام أنّه قد ثبت في الحقيقة الأُولى (حقيقة الالوهية والنبوة) عند الاثني عشرية أنّها مستلهمة من القرآن والسنّة، وهكذا؛ في الحقيقة الثانية ثبت أنّ الشرائع والأحكام مستلهمة من القرآن والسنة، وهكذا؛ إلى الحقيقة السابعة.. بعد أن ثبت كل ذلك فلا بد أنْ يتبين ويتضح لنا نوع (علل ولاء الاثني عشرية للأئمة الاثني عشر) التي تتفق مع سنخية القرآن والسنّة.
____________
(1) درسنا هذه الحقيقة ا لهامة في الفصل الثاني من الباب الثالث في كتاب (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية).
كيف نعرض خصائص الاثني عشرية على الوهابيين؟
وبعد الانتهاء من عرض (منهج البحث في الحقائق الثمان للمذهب الاثني عشري) يبقى علينا أن نعرض (منهج البحث في خصائص المذهب الاثني عشري) لإخواننا الوهابيين.
ولا شك أنّ مقومات هذا المنهج الذي رسمناه تفرض علينا أنْ ندرك ثلاث حقائق هامة مرتبطة بالبحث عن (خصائص المذهب الاثني عشري) وهي:
الأولى: إنّه لا يمكن أنْ ندرك خصائص الاثني عشرية إلاّ إذا أدركنا حقائقها، ومن ثم بحثنا عن حقائق الاثني عشرية قبل البحث عن خصائصها.
والثانية: إنّ مشكلة أتباع الجماعة الوهابية أنّهم لم يميزوا بين الخصائص التي أثبتها للإسلام علماء أهل السنَّة وعلماء الاثني عشرية، وبين الخصائص التي تفردوا بإثباتها للإسلام، مع أنّ الأُولى أجمع عليها كل المسلمين من السنّة والاثني عشرية، أما الثانية فقد تفرّد بإثباتها للإسلام الجماعة الوهابية؛ كما أنهم خلطوا بين مسائل العقيدة الوهابية وبين مسائل أصول الدين الإسلامي، وقد جرّهم هذا الخلط إلى اتهام المذاهب الإسلامية التي لا تلتزم بالخصائص التي نسبوها للإسلام بالانحراف والضلال والغلو، وأحياناً بالكفر.
والثالثة: إنّنا لاحظنا أنّ أتباع الجماعة الوهابية لم يميزوا بين (خصائص الاثني عشرية) وبين (خصائص فرق الغلاة)، ومن ثَمّ نسبوا بعض خصائص فرق الغلاة إلى الاثني عشرية. وهذا كلُّه ناتج عن (مشكلة الخلط بين الاثني عشرية وبين فرق الغلاة عند أتباع الجماعة والوهابية) التي تناولناها في مرحلة المعرفة الانتسابية للاثني عشرية في هذا الكتاب.
ونحن ـ هنا ـ قد قمنا بتقسيم خصائص المذهب الاثني عشري التي يتميز ويتفرد بها عن سائر المذاهب الإسلامية الأُخرى إلى أقسام عديدة، وعرضنا أكثرها عند بحث القسم الثاني في كتابنا (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية)، وتناولنا في ذلك الكتاب أهم ثلاث خاصّيات من خصائص الاثني عشرية. وسنكتفي في هذا الكتاب برسم صورة مختصرة عن هذه الخصائص الثلاث التي تفرّد بالأخذ بها المذهب الاثني عشري وهي:
1 ـ الخاصية الأُولى: خاصية الوسطية(1) الإيجابية في كيفية التعامل مع أهل البيت.
2 ـ الخاصّية الثانية: خاصّية الواقعية في كيفية التعامل مع الصحابة.
3 ـ الخاصّية الثالثة: خاصّية غيبة الإمام الثاني عشر.
وقد بذلنا كل جهدنا لنطرح هذه الخصائص بصورة يقبلها إخواننا الوهابيون.
____________
(1) نحن لن ندرس إلاّ الوسطية في التعامل مع أهل البيت، لأننا نعتقد أنّه من خلال هذه الوسطية في التعامل مع أهل البيت انبثقت وسطيات أُخرى عند الاثني عشرية في كل حقائق وخصائص هذا المذهب. ومن هذه الخاصّية تنشأ خصائص وسطية أُخرى كخاصية (الوسطية أثناء تناول الصفات الإ لهية)، خاصّية (الوسطية في كيفية التعامل مع الصحابة). ومن هنا فالمذهب الاثني عشري هو الوسط من بين المذاهب الإسلامية الأخرى؛ كما أنّ الأُمة الإسلامية هي الوسط من بين الأُمم الأُخرى.
1 ـ الخاصية الأُولى: خاصّية الوسطية الايجابية في كيفية التعامل مع أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ:
والوسطية عند الاثني عشرية في كيفية التعامل مع أهل البيت هي أُولى الخصائص العظيمة التي يتسمون بها، وهي التي بعد أن عرفتها جعلتني أرتحل من الجماعة الوهابية إلى المذهب الاثني عشري. لقد كنت أحسب ـ عندما كنت وهابيّاً ـ أنّ منهج أهل السنَّة في التعامل مع أهل البيت هو المنهج الوسط؛ كما يقول ذلك كل علماء السنّة، لكنني بعد أنْ قرأت كتاب (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل) لإمام أهل السنَّة ابن عقيل الشافعي، وبعد قراءة كتاب (الإمام جعفر الصادق) لإمام أهل السنَّة محمد أبو زهرة؛ تبين لي أنّ أهل السنَّة عدلوا عن الوسطية في كيفية التعامل مع أهل البيت، وتبين لي أنّ الوسطية الواقعية في التعامل مع أهل البيت هي الوسطية التي يقول بها علماء المذهب الاثني عشري.
ولا بد من التنبيه إلى حقيقة هامة وهي: إنّ أهل السنَّة في كيفية تعاملهم مع أهل البيت لم يميزوا بين الوسطية الإيجابية وبين الوسطية السلبية؛ فآمن أهل السنَّة ـ بسبب منهجية خاطئة ـ بأنّ الوسطية في التعامل مع أهل البيت تعني التبرُّؤ من المنهجين المتطرفين في التعامل مع أهل البيت، أي المنهج المعادي لأهل البيت والمنهج المغالي فيهم، ومن ثَمّ أعلنوا البراءة من المنهجين المتطرفين، لكنهم اكتفوا بهذه البراءة، ثُمّ اتخذوا موقفاً ساكناً وسلبياً تجاه أهل البيت.
وعلى الرغم من أنّ أهل السنَّة يقولون بـ: أننا آمنا بما جاء عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ في أهل البيت، ويقولون: نشهد أنّ التمسك بأهل البيت من واجبات الإسلام الضرورية، ويقولون: إنّ التمسك بأهل البيت يأتي في المرتبة الثانية بعد التّمسك بالقرآن والسنة.. على الرغم من كل ذلك تجدهم يرجعون إلى غيرهم ويتمسكون بغير أئمة أهل البيت؛ فكان عندهم مخالفة بين الفعل والقول!
أما الوسطية الإيجابية في التعامل مع أهل البيت عند الاثني عشرية فهي تعني في البداية التبرُّؤ من المنهجين المتطرفين (منهج النواصب والغلاة) في التعامل مع أهل البيت، ثُمّ إتخاذ موقفٍ إيجابي تجاه أهل البيت.
والاثنا عشرية تقول بما قاله أهل السنَّة من وجوب التمسك بأهل البيت، وبالفعل قد عمل الاثنا عشرية بذلك، فرجعوا إلى أهل البيت وتمسكوا بهم، وطبقوا وصية الرسول الأكرم الآمرة بالرجوع إليهم، وبذلك فقد صدَّق فعلُهم قولَهم.
وهذه هي نقطة الافتراق بين منهج أهل السنَّة في التعامل مع أهل البيت ومنهج الاثني عشرية في التعامل مع أهل البيت، إنّهما منهجان متمايزان لا يلتقيان، ولمن شاء أن يختار. ونحن اخترنا منهج الاثني عشرية في التعامل مع أهل البيت، وتركنا منهج السنّة في التعامل معهم، فخرجنا من المذهب الوهابي إلى المذهب الاثني عشري، والله هو ا لهادي إلى سواء السبيل.
وسوف نتحدث عن هذه الخاصّية العظيمة عند الاثني عشرية في القسم الثاني من هذا البحث في كتابنا (رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية).
2 ـ خاصية الواقعية في كيفية التعامل مع الصحابة:
أما الخاصّية الثانية التي سنتحدث عنها بطريقة يستوعبها إخواننا الوهابيون فهي: (خاصّية الواقعية في كيفية التعامل مع الصحابة). ونقصد بالواقعية ـ هنا ـ النظرة الموضوعية للصحابة التي تأخذ طبيعتهم البشرية بعين الاعتبار، وتلاحظ إمكانية أنْ تجري عليهم القوانين والسنن التي تجري على غيرهم من البشر، وأن من الممكن أن يخالفوا ويُخطئوا كما يخالف غيرهم ويخطئ. ونحن نرتئي ـ أثناء الحوار مع إخواننا الوهابيين ـ ألا يطرح هذا الموضوع تحت عنوان