صفحة :   

ظلمنا أنفسنا: كيف؟!

إن الظلم هو تجاوز الحدود.

فيحتمل أن يكون المراد بالظلم في الآية:

1 ـ أن يكون التعدي على حدود المخلوقات الأخرى، كالبشر أو الملائكة، أو الجن، أو غير ذلك. فيكون هذا التعدي عليها ظلماً لهم.

وليس في أكل النبي آدم «عليه السلام» من الشجرة ما يشير إلى شيء من هذا القبيل.

2 ـ ويحتمل أن يكون المراد بالحدود هي حدود الله سبحانه، بحيث يكون التعدي عليها تعدياً عليه، وهتكاً لحرمته، وهو ما يدخل في دائرة العصيان.

وإرادة هذا المعنى من قوله تعالى: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.. تحتاج إلى درجة من العناية والتجوز في التعبير، فكيف إذا كانت الآية قد صرحت بخلافه كما سنرى!!..

3 ـ ويحتمل أن يكون المراد بالحدود التي كان التعدي عليها هي حدود طاقة ووسع النفس، فيكون الظلم للنفس دون سواها، بمعنى أنه يحملها أكثر مما اعتادته فيرهقها بذلك ويتعبها، كمن يشتغل ستة عشر ساعة بدلاً من ثماني ساعات، ليحصل على ما هو أهم بنظره.. وكالتلميذ الذي يدرس في أيام الامتحانات أكثر من سائر الأيام، ليعوض النقص الذي نشأ عن إهماله في الأيام السالفة، أو أنه يبذل جهداً أكثر من رفقائه ليحصل على درجات أعلى ومراتب أرفع، فيكون له بذلك التقدم عليهم، ولا يلومه الناس على تعديه الحدود في معاملته لنفسه، من أجل أن ينجح في الامتحان بتفوق..

وهذا المعنى هو الأقرب، بل هو المتعين في معنى الآية، حيث جاء الإلماح إليه في قوله تعالى: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.. ثم جاء التصريح به في قول آدم وزوجه «عليهما السلام». ﴿ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا.. ولم يقولا: أذنبنا، أو عصينا..

وسيأتي أيضاً أن المقصود بقوله تعالى: ﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا﴾ ليس هو المغفرة بمعناه الذي ألفناه، بل بمعنى المبادرة إلى معونتهما والستر عليهما، وإعادة ما كان خافياً وكافياً إلى حالة من الخفاء والكمون، بنحو يحفظ لهما درجة من الراحة في حياتهما.

 
   
 
 

موقع الميزان