وقد يقال:
إن رواية ابن الجهم المروية عن الإمام الرضا «عليه السلام»، واردة مورد
التقية، لأنها موافقة لمقالة المعتزلة، من حيث تضمنها لفقرة تقول: إنه
يجوز أن يقع من الأنبياء صغائر موهوبة قبل نزول الوحي عليهم..
ونقول:
أولاً:
إنه ليس بالضرورة أن تكون جميع فقرات الرواية صالحة للاعتماد، وقد ذكر
علماؤنا أن لكل فقرة من الرواية حكمها، ولا تطرح الرواية كلها لأجل خلل
في بعض فقراتها..
ثانياً:
إنه صلوات الله وسلامه عليه قد قرر في الفقرة التي استدللنا بها معنى
صحيحاً، ينسجم مع آيات القرآن، ولم يأت بأمر تعبدي، ولا قرر حقيقة تضر
بموضوع العصمة، وليس ما قاله في هذه الفقرة متضمناً لارتكاب النبي آدم
«عليه السلام» لصغيرة موهوبة، أو غير موهوبة..
بل هو «عليه السلام» قد أورد احتمالات لا تأباها الآية،
وهذه الاحتمالات تخرج النبي آدم «عليه السلام» من دائرة المخالفة إلى
دائرة العمل بظهور الكلام الملقى إليه منه تعالى..
ثالثاً:
من الذي قال: إن هذا المورد من موارد التقية؟!، فإن المعتزلة ما كانوا
يعاقبون، ولا يلاحقون خصومهم، ولا يخيفونهم، إذا قالوا بعصمة الأنبياء
المطلقة.
رابعاً:
لنفترض: أن في الرواية تقية بالفعل، فلتكن هذه التقية في خصوص الفقرة
التي صرحت بتجويز الصغائر الموهوبة على الأنبياء قبل نبوتهم.. دون
سواها.
خامساً:
قد يقال: لعل الفقرة التي توافق المعتزلة، من كلام علي بن محمد الجهم،
لا من كلام الإمام، لأنها كلام مستأنف لا يرتبط بما قبله، فلعل ابن
الجهم قد تابع الكلام من عند نفسه، وقرَّره وفق مذهبه الذي يرتأيه..
على أن من الواضح:
أن رواية مطولة قد أشير فيها إلى عدة قضايا وخصوصيات، تحتاج لضبطها إلى
مزيد من الانتباه.. مع ملاحظة أن رواة هذه الرواية ممن لا يعرف عنهم
كبير اهتمام بالتدقيق في نقل الكلام وفي الحفاظ على عين الألفاظ
المنقولة، ولاسيما من أناس قد يهمهم تأييد نحلة أهل الاعتزال، المؤيدة
من الخليفة المأمون، ويهمهم أيضاً أن يأتي التأييد على لسان الإمام
الرضا «عليه السلام» بالذات..
خصوصاً مع كون ذلك الراوي، وهو علي بن محمد بن الجهم،
ممن لا يرى للإمام حرمة، بل كان معلناً بالعداء والنصب لأهل البيت
«عليهم السلام»، فضلاً عن غيره من رواتها الذين يضعفهم علماء الرجال،
مثل حمدان بن سليمان النيسابوري، أو تميم القرشي، وإن كان يمكن توثيق
هذا الأخير..
|