إن هناك من يريد أن يقول: إن النبي آدم قد اجتهد فأخطأ،
وللمجتهد أجر واحد، وكان أجره هو الاجتباء الإلهي الذي حصل عليه..
واجتهاده «عليه السلام» يتمثل في ترجيحه كون المنهي عنه
هو شخص الشجرة لا سنخها، وقد أخطأ في ترجيحه هذا، ثم أكل منها بعد
وسوسة الشيطان له، وبعد تصديقه في قسمه، كما بينته رواية الإمام الرضا
«عليه السلام»..
وهذا هو نفس ما يقوله المعتزلة من اجتهاد النبي آدم في
المراد من الشجرة، وفي استجابته لتدليس إبليس..
ونقول:
إننا نعود فنكرر رفضنا لهذا الكلام، وذلك للأمور
التالية:
أولاً:
إن النبي آدم «عليه السلام» لم يجتهد، بل أخذ بالظهورات الواجب عليه
الأخذ بها، إذ إن هناك إشارة حسية إلى شخص شجرة بعينها، وليس ثمة ما
يدل على إرادة ما عداها، فلم يكن هناك أي مانع من الأكل مما يسانخها،
وليس هذا من قبيل الاجتهاد، بل هو أخذ بظاهر الكلام..
ثانياً:
إن النبي آدم لم يخطئ في التطبيق أيضاً، بل عمل أولاً بمقتضى ما حملته
له قوالب الألفاظ من أوامر أو نواهي إلهية.. وطبقها هو حرفياً..
وترجيحه لأحد الاحتمالين، إنما هو بالاستناد إلى الحجج،
والدلائل، والوسائل التي جعلها الله تعالى له، والتي لو لم يأخذ بها،
لكان مؤاخذاً عند الله، ولربما استحق الحرمان من بعض الحقوق، ومن هذه
الوسائل والدلائل: القسم، ومنها الإشارة الحسية، فإذا كان هناك خطأ في
الترجيح، فليس هو خطأ النبي آدم، وإنما هو خطأ الوسيلة المطالب بالعمل
بها..
تماماً كما تخطئ البينة في إثبات الحق لفلان من الناس،
وفي حرمانه منه..
ثالثاً:
إن مقولة: إذا أصاب المجتهد فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد، ليس
لها أصل، وإنما هي من روايات غير الشيعة، وقد تحدثنا عن ذلك في كتابنا
«مأساة الزهراء»
وغيره..
رابعاً:
قول المعتزلة إن النبي آدم «عليه السلام» قد اجتهد وأخطأ في التطبيق،
معناه أن النبي آدم لم يذنب، لكي يهبه الله عقوبة ذنبه.
والقول بأنه قد ارتكب ذنباً صغيراً موهوباً، معناه أنه
لم يجتهد، بل هو قد تعمد الجرأة على الله وهتك حرمته.. فلماذا يهبه
الله، ولماذا يعفو عنه؟!
وكونه موهوباً معناه ثبوت العقوبة، ثم العفو عنها، فما
معنى قولهم بثبوت المثوبة على ذنب صغير إلى حد نيل درجة الإجتباء
والاصطفاء؟!..
وكيف يمكن الجمع بين الاجتهاد، وبين كونه ذنباً؟!، ثم
الجمع بين كونه قد وهبت عقوبته، وبين إعطاء المثوبة عليه؟!.
خامساً:
إن الاجتهاد الذي مارسه النبي آدم إنما هو في تعيين المنهي عنه، فإذا
أخطأ في معرفة المراد، فلماذا يعاقب؟!..
وموضع وسوسة الشيطان هو بيان سر النهي، وقد سد الطريق
على النبي آدم بالقسم الذي كان النبي آدم مكلفاً بالعمل بمقتضاه، فأين
الخطأ من النبي آدم؟! وأين الاجتهاد؟!.. وأين الذنب؟!.. وأين هبة
عقوبته؟!..
|