وأما الحديث عن أن مخطط إبليس قد نجح، حيث خالف النبي
آدم النهي المتوجه إليه.. فهو غير صحيح، فإن ما جرى إنما كان نجاحاً
للنبي آدم كأعظم ما يكون النجاح، حتى استحق مقام الإجتباء الإلهي..
ولعلك تقول:
كيف يكون النبي آدم «عليه السلام» هو الناجح؟!.. ونحن نرى:
1 ـ
أنه «عليه السلام» قد أهبط من الجنة: «اهْبِطَا»،
و«اهْبِطُواْ»..
2 ـ
أنه قد عوتب من قبل الله على أكله من الشجرة، قال تعالى: ﴿أَلَمْ
أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾..
3 ـ
أنه عوتب على إطاعة إبليس: ﴿وَأَقُل
لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾..
ونقول في الجواب:
أولاً:
لو كان ما عمله النبي آدم «عليه السلام» أمراً مرجوحاً، لم يستحق جائزة
عليه، بحيث يمنحه الله تعالى مقام الاجتباء والاصطفاء مباشرة، والذي
ذكر في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ
اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾..
وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ
اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ﴾..([1]).
ثانياً:
إن ما جرى للنبي آدم من هبوط، إنما هو من آثار سعيه لنيل أعلى مقامات
الرضا والكرامة الإلهية، وأن يكون مع الأنوار التي رآها عند العرش، ولم
يكن يعلم أنه عاجز عن الوصول إليها، وأن لسعيه هذا آثاراً طبيعية، وقد
حصلت له فعلاً، وهذا نظير من يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فإن من
الطبيعي أن تتورم قدماه، وأن تصبح له ثفنات من أثر السجود، وغير ذلك..
كما نأن من يسافر
إلى الحج مشياً على الأقدام، فمن الطبيعي أن يأخذ منه التعب أي مأخذ،
وأن تتشقق قدماه.. ولا يعني ذلك أنه مخطئ فيما فعل، بل هو مطيع لله
تعالى، عابد له، يستحق المثوبة.
وحين ابتلي النبي آدم بآثار طاعته، كان الله هو الذي
تولى إزالة تلك الآثار، وجمعه إليه على سبيل الاجتباء، ورفع درجته،
وشرَّفه، وكرَّمه، وأعلى مقامه..
ثالثاً:
إن قوله تعالى: ﴿وَنَادَاهُمَا
رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾..
إنما هو إعلام لهما بحقيقة ما جرى لهما، وأن سببه هو الأكل من تلك
الشجرة، إذ ليس ثمة ما يدل النبي آدم على أن الأكل من الشجرة كان هو
السبب فيما عرض لهما من حالات الجوع، والعري، والحر، والبرد، وغير ذلك
مما يعرض لأهل الدنيا..
ولعل الحيرة أخذتهما بعد أن كان لديهما وعد إلهي يقول:
﴿إِنَّ لَكَ أَلا
تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا
تَضْحَى﴾..
كما أنه قد قال للنبي آدم: ﴿اسْكُنْ
أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾..
فلماذا يخرجهما منها؟.. ولماذا يحصل لهما جوع، وعري؟! و.. و..؟!
فأراد الله تعالى أن يعرِّفهما:
أن الأكل من الشجرة هو الذي جعلهما غير قادرين على البقاء في الجنة
تكويناً، وأن ما يجري عليهما من جوع، وعري، وحر، وبرد.. إنما هو نتيجة
أكلهما منها.
فكلام الله تعالى لهما:
ليس عتاباً، بل هو تطمين إلى أن الله لا يزال معهما يرعاهما، ويلطف
بهما، وأن ما جرى لهما لم يوجب بعدهما عنه، بل هو قد أوجب قربهما منه،
ولذلك اجتباهما، وجمعهما إليه على سبيل الاصطفاء..
([1])
الآية
33 من سورة آل عمران.
|