والاجتباء كما قاله الراغب هو:
«الجمع
على طريق الاصطفاء»..
وقال أيضاً:
«اجتباء
الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي،
ليتحصل منه أنواع من النعم، بلا سعي من العبد. وذلك للأنبياء، وبعض من
يقاربهم من الصديقين والشهداء»..([1]).
وليتأمل المتأمل هنا كيف جاء التعبير
في الآية المباركة
بكلمة
«اجْتَبَاهُ»،
وكأنها تريد أن تلمح إلى ما كان يعاني منه آدم «عليه السلام» من توزع
مضنٍ، وانتشار وامتداد من موقع الحاجة والعجز، والضعف، في مختلف جهات
حياته،
فأصبح يجوع، ويعرى، ويمرض، ويعاني من الحر والبرد، ويضعف ويقوى، و..
و..
وأصبح
بحاجة إلى من يساعده على جمع ذلك الشتات، ولملمة ذلك الانتشار، وسد
هاتيكم الثغرات، وتقوية ضعفه، ورفع عجزه بما يناسب ذلك كله، وبما
يتطلبه من
تهيئة
حاجات ومرافق، وما يفرضه من هدايات ودلالات.
كما أن بعض الأعلام قد ألمح إلى أن
المراد:
أن الله قد اجتبى آدم «عليه السلام»،
أي جمعه إليه سبحانه([2])
وسلك به إلى نفسه، لا يشاركه فيه غيره، بما أعطاه من هدايات تيسّر له
ذلك، من حيث أنه تعالى هو الرحيم بعباده، العائد
عليهم
بألطافه وعناياته..
وخلاصة القول:
إن النبي آدم «عليه السلام» قد بادر إلى التضحية الحسية
والواقعية بكل ما لديه في سبيل الوصول إلى مقامات جليلة وعظيمة عند
الله، وقد ظهرت آثار هذه التضحية في البلاء الذي واجهه..
وبذلك يكون قد أثبت خلوصه، وكونه صفوة الله، فاستحق أن
يجمعه الله إليه، وأن يصطفيه لنفسه، وأن يمنحه وسام الإجتباء لنجاحه في
الإمتحان.. الذي لا ينجح فيه إلا صفوة الخلق..
فما صنعه الله له، ليس مجرد معونة لمن احتاج إلى
المعونة، بل الموضوع موضوع مكافأة، وإعلان لمقام الاجتباء الرفيع، الذي
يحتاج إلى أسباب كامنة في ذات الشخص المجتبى..
([1])
المفردات في غريب القرآن ص87 و88.
([2])
تفسير الميزان ج14 ص 223.
|