وإن عظمة هذه الكلمات، ثم تفريع التوبة على تلقيها يشير إلى أن دورها
في حياة آدم «عليه السلام»، من حيث كونها "كلمات"، تدخل في دائرة
التلفظ المستتبع للتوبة.
وذلك يشير إلى أنها كانت مادة أساسية ومحورية في دعائه «عليه السلام»..
فهي إذن ليست مجرد قراءة دعاء،
حتى لو كان هذا الدعاء هو:
«لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر
لي، وأنت خير الغافرين.
لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فارحمني،
وأنت خير الراحمين.
لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر
لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم»([1]).
لا، ليس المقصود بها خصوص هذا الدعاء، بل هي
كلمات
أخرى
تحتاج إلى تعليم..
وهي كلمات لها شرف ومقام كريم عند الله،
تحتاج إلى استعداد وتهيؤ لاستقبالها ولتلقيها.
أما
مجرد
التجاء المحتاج والمنكوب إلى الله سبحانه، والإعتراف أمامه بالقصور،
وبالتقصير، وطلب العون،
والستر، والمغفرة
منه،
كما تضمنته فقرات هذا الدعاء،
فلا يحتاج إلى التعليم الإلهي، إذ
إن
ذلك هو ما تسوق إليه طبيعة الإنسان العارف بالله، الواقف أمام جلاله
وعظمته، المدرك لمدى عجزه في مقابل قدرته تعالى، وضعفه مقابل قوته
تعالى، وفقره وحاجته أمام غناه وكرمه سبحانه..
فليس هذا الدعاء إلا ذلك الخطاب المألوف، والواقعي، والطبيعي جداً، ولا
يحتاج إلى تعليم. وليس هو بالأمر المغفول عنه، بل ينساق إليه
المحتاج إلى الله في مواقع الشدة،
خصوصاً من هو مثل
النبي
آدم «عليه السلام»،
في معرفته بالله سبحانه، بفطرته وسجيته..
وذلك كله يجعلنا لا
نقتنع بقول من يقول:
إن الكلمات هي خصوص هذا الدعاء، بل لا بد أن يكون معه أيضاً ـ أو
بالاستقلال عنه،
ما هو أعظم وأهم وهي ـ أسماء أهل البيت
«عليهم السلام»،
وهم محمد، وعلي، وفاطمة، والحسنان صلوات الله عليهم أجمعين، ليكونوا
شفعاءه ووسيلته، كما دلت عليه الروايات الشريفة،
فراجع([2]).
وهذه الأسماء هي التي كان الله قد علمه إياها، في وقت سابق وذلك حينما
أمر الملائكة بالسجود له، وأراد تعالى أن يظهر لهم عظمة آدم، وأنه لابد
أن يوصل الكون إلى كماله من خلال معرفة خاصة تتناسب مع حقيقة تلك
الموجودات العالية..
وليس للملائكة مثل هذه القدرات ـ نعم لقد علمه الله هذه الأسماء ـ ثم
عرضهم على الملائكة، ورأى أنوارهم وشاهد مقاماتهم، وعرف أنهم هم
الشفعاء الكرماء، الذين لا بد أن ينتظر مساعدتهم، فتهيأ واستعد
لاستقبال الكلمات الدالة على عظيم شأنهم من ربه تبارك وتعالى..
([1])
الكافي وتفسير الميزان ج1 ص147 و148 عنه وعن الصدوق والعياشي
والقمي وغيرهم.
|