صفحة :   

ناداهما.. تلكما:

ويلاحظ أيضاً: أنه سبحانه حين حدث لآدم «عليه السلام» ما حدث لم يقل: «قال لهما ربهما»، بل قال: ﴿نَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾.

ولعل ذلك يشير إلى أن ثمة حالة من البعد قد حصلت لآدم «عليه السلام»، لأن النداء إنما يكون من بعيد، والخطاب يكون للقريب.

ولعل سبب ذلك هو أن نفس الأكل من الشجرة قد جعله في موقع آخر، ليس هو الموقع الذي يفترض أن يكون فيه، ولأجل ذلك فقد أصبح بعيداً عن الشجرة أيضاً، وتبدل الخطاب منه تعالى من: ﴿لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾.. وكلمة ﴿هَذِهِ﴾.. تستعمل للقريب، إلى قوله: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَة.. و ﴿تِلْكُمَا﴾.. تستعمل للبعيد، منسوباً إليه وإلى زوجه..

فهذا البعد قد كان هو الأثر الطبيعي التكويني لذلك الأكل. وقد حصل ذلك قبل أن تصدر عن الله سبحانه أية إشارة تحكي حالة الرضا على النبي آدم، أو حالة الغضب، أو تشير إلى الأسف لما أصابه، أو تلومه على ما صدر منه.

فلما حصل الاصطفاء، والاجتباء، عاد النبي آدم ليحتل أقرب مواقع الرضا، واللطف الإلهي، كما أشرنا إليه أكثر من مرة..

 
   
 
 

موقع الميزان