نعم..
وهذا هو الأوفق بالسياق القرآني، ولأجل ذلك فنحن لا نرتضي ما ذكره
العلامة الطباطبائي (قده) في تفسيره؛ حيث يقول:
«..
وآدم «عليه السلام» وزوجته، وإن كانا قد سواهما الله تعالى تسوية أرضية
بشرية، ثم أدخلهما الجنة لم يمكثا بعد التسوية، ولم يمهلا كثيراً، ليتم
في الدنيا إدراكهما لسوءاتهما، ولا لغيرها من لوازم الحياة الدنيا،
واحتياجاتها حتى أدخلهما الله الجنة.
وأنه إنما أدخلهما الله الجنة حين أدخلهما، ولما
ينفصلا، ولما ينقطع إدراكهما عن عالم الروح والملائكة.
والدليل على ذلك قوله: ﴿لِيُبْدِيَ
لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا﴾،
ولم يقل: ما كان ووري عنهما، وهو مشعر بأن مواراة السوأة ما كانت ممكنة
في الحياة الدنيا استدامة، وإنما تمشت دفعة ما، واستعقب ذلك بإسكان
الجنة، فإظهار السوءات كان مقضياً محتوماً في الحياة الأرضية، ومع أكل
الشجرة الخ..»([1]).
وقد ذكرنا فيما تقدم ما يشير إلى عدم إمكان قبول هذا
السياق التفسيري من العلامة الطباطبائي «رحمه الله».
ونضيف إلى ما قدمناه ما يلي:
أولاً:
إنه لا دليل على ما ذكره «رحمه الله» من أن آدم «عليه السلام» وزوجه لم
يمكثا بعد التسوية، ولم يمهلا كثيراً..
ثانياً:
قوله: إنهما لم يمهلا كثيراً ليدركا في الدنيا سوآتهما
غير مقبول، إذ إنه
لا دليل على أنهما لم يدركا في
جنة
الدنيا سوءاتهما، كما لم يدركا غيرها من لوازم الحياة الدنيا.. وأن عدم
الإدراك هذا قد استمر إلى أن دخلا الجنة.
ثالثاً:
قوله: إنهما حين أدخلهما الله الجنة لما ينفصلا، ولما ينقطع إدراكهما
عن عالم الروح والملائكة.
غير ظاهر المراد..
فإنه إذا كان
«قد
سواهما الله تعالى تسوية أرضية بشرية»
على حد تعبيره، فما هو الدليل على أن إدراكهما كان متصلاً بعالم الروح
والملائكة..
رابعاً:
سلمنا اتصال إدراكهما بعالم الروح والملائكة، لكن كيف يثبت أن هذا
الاتصال بقي مستمراً إلى حين دخولهما الجنة؟!..
خامساً:
إنه حين خاطبهما بأن الأكل من الشجرة يستلزم الشقاء، ووعدهما بعدم
الجوع،
والعري، والظمأ، والضحى. هل فهما أقواله هذه؟ أم لم يفهماها؟. فإن كانا
قد فهماها،
وعرفا معانيها، فإنه يكون قد عرفهما
بوجود
عري، وجوع، وظمأ، ونحوها.. ووجود ما يستر العري، ويشبع الجوع، ويروي
الظمأ، ويقي من حر الشمس في الضحى..
سادساً:
قوله: إن مواراة السوأة ما كانت ممكنة في الحياة الدنيا استدامة، وإنما
تمشت دفعة ما، ثم أعقب ذلك سكناه الجنة..
لا مجال لتأكيده، فإنه إذا أمكن ستر السوأة مقداراً ما
فإنه يمكن سترها مقداراً أطول.. خصوصاً إذا لم يأكلا من الشجرة.. فإن
إظهارها مشروط بذلك، فإذا أمكن أن يعيش في الحياة الدنيا من دون أن
يأكل من الشجرة التي تظهر كوامن وجوده، فإنه سيبقى مستوراً.
([1])
تفسير الميزان ج1 ص127.
|