صفحة :   

السؤال ما قبل الأخير:

وبعد.. فإن هناك من يقول: لو كان الاستدلال بالآيات على صدور الذنب متعسراً، بل متعذراً، ولم يكن الأكل من الشجرة خلاف الأولى، لكان ينبغي على الله تعالى أن يأمر النبي آدم بالأكل من الشجرة، لا أن ينهاه عنها..

وإن كان إبليس قد حقق طموحات النبي آدم الإلهية، حينما أطاعه وخالف نهي الله، لوجب أن يستحق إبليس كل تقدير، وليس الطرد والإبعاد!!

ونقول في الجواب:

أولاً: إن إبليس كان يسعى لإيقاع النبي آدم «عليه السلام» في المشكلة، ولم يكن يدري أنه سيكون لذلك نتيجة يتمنى أن لا تكون، بل هي تأتي في سياق معاكس لما يسعى لوضع آدم فيه..

وكأن هذا نظير ما جرى لفرعون، فإنه جاء بالسحرة، ليتغلب بهم على النبي موسى «عليه السلام»، فكانت النتيجة هي إيمان السحرة، وخيبة فرعون فيما خطط له.

ثانياً: إن الله يعلم: أن النبي آدم لا يملك القدرات التي تمكنه من نيل مقامات أهل البيت «عليهم السلام»، وقد أمره بما يعلم أنه قادر عليه، لكنه لم يمنعه من أن يفكر ويسعى لتلك المقامات، ليثبت بذلك حسنه الفاعلي.. أي أنه تعالى قد أمره بما يطيق، وبين له الحد الذي يطيقه، وهو أن لا يصل إلى تلك الشجرة، وبين له أيضاً: أن التفكير في تلك الشجرة معناه: أن يحمل نفسه أموراً صعبة، ويتعرض لمشاق هائلة.. ولم يمنعه منها منعاً مولوياً تترتب عليه العقوبة، بل نهاه نهياً إشفاقياً، ولو كان يعلم منه القدرة على الوصول لكان أمره له أمر جزم وحتم، ولم يعذره بالتخلف عن تلك الغاية، فالمانع من الأمر هو علم الله بعجز النبي آدم..

ولكن على النبي آدم أن يظهر شدة حرصه على نيل تلك المقامات، وأن يعرض نفسه لأعظم البلاءات، لينال بذلك الجائزة الكبرى، وهو مقام الإجتباء والاصطفاء.. ولم يتمن النبي آدم زوال النعمة عن أحد، ليكون قد مارس الحسد المذموم..

فاتضح: أن الله تعالى إنما لم يأمر النبي آدم لآجل عدم توفر القدرة على الامتثال.. وكان على النبي آدم أن يسعى لنيل ذلك المقام، ولا منافاة بين الأمرين..

 
   
 
 

موقع الميزان