صفحة : 5   

باهتوهم!!

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

فقد كان العزم منعقداً على أن يكون عنوان واسم هذا الكتاب، هو «باهتوهم!».

لكنني عدلت عن ذلك في اللحظة الأخيرة، أي في الوقت الذي كان فيه الكتاب يأخذ طريقه إلى المطبعة.. وذلك لكي لا يساء فهم ما أرمي إليه، أو يجعل ذلك ذريعة للطعن في النوايا، الأمر الذي قد يؤثر على كثير من الإخوة الأعزاء، ويصرفهم عن السعي للاطلاع على مجريات هذا الحوار، وعلى المفردات التي طرحت فيه، وعلى الطريقة التي تعاطى بها الطرف الآخر مع محاوريه، ومع أسئلتهم ومع أدلتهم.

وأما لماذا كنا عازمين على تسميته باسم: «باهتوهم» وهو اسم ينضح بالتحدي؟!، فهو أمران:

أحدهما: أنه هو الاسم المعبر عن الحقيقة بدقة وأمانة.. حيث قد ظهر: أن الطرف الآخر في هذا الحوار، وهو حسن بن فرحان المالكي، يصر على تسويق مقولة جارحة وخطيرة، وهي: ادعاء وجود غلو وأكاذيب في التسنن وفي التشيع، ولدى أهل السنة والشيعة على حد سواء..

بل إن المراجع لمجمل طروحاته وكلماته يشعر: أنه ليس لهذا الرجل همٌّ وشغل إلا متابعة ونشر وإلقاء هذا النوع من المقولات في أذهان الناس وعقولهم، مشفوعاً ذلك منه بسعي آخر هادف إلى تشكيك الناس في عقائدهم، سنة كانوا أو شيعة، وإن كان ضغطه على الطرف الشيعي أشد وأعنف!!..

وفي ظل تلك الادعاءات وهاتيكم الاتهامات، وفي أجواء هذا التشكيك، والعمل على إحداث خلل ووهن وضعف في عقائد الناس، وزعزعة ثقتهم بما لديهم، بل بكل ما يحيط بهم، تجده يطرح البديل على شكل شعار مثير، وغائم، ومطاط، هو شعار «الاعتدال»، ليكون هو المرجع بعد إسقاط ما يزعم أنه حالات غلو، وبعد نبذ الأكاذيب من الطرفين، كما يحلو له أن يقول..

وحين تطالبه بتحديد المفردات التي يعتبرها أكاذيب، وبيان الضابطة التي تحدد ما هو الغلو، وما فيه اعتدال وتميزه عن غيره، فإنه يحاول التملص والتخلص بشتى الوسائل، ولكنه لما أعيته الحيلة، اعترف في رسالته الأخيرة بعجزه عن تحديد ذلك..

وعلى كل حال، فإن أسلوبه هذا يشير إلى: أن وراء الأكمة ما وراءها.. وأن فسح المجال للدعوة لنبذ ما في التسنن والتشيع معاً، ثم الإتيان بدين جديد، مما لا مجال للسماح به، في أي ظرف، ومهما رفعوا لنا من شعارات غائمة ومطاطة، ليس لها معيار، ولا ضابطة لها، سوى أذواق هذا النوع من الأشخاص، وآرائهم واستحساناتهم.

إن هذه المحاولات لا بد من التصدي لها، والوقوف بوجهها، وفضح أساليب وطرائق المتصدين لها، وتحذير الناس من الوقوع في حبائلهم.

هذا، وقد واجه الشيعة حالة من هذا القبيل في السنوات الأخيرة، حيث ظهر شخص ما فتئ يرفع شعار التجديد والاعتدال، ويدعو إلى نبذ التخلف، و التعصب، والغلو..

ثم بدأ يطرح أموراً غريبة عن التشيع، وكثير منها غريب عن التسنن أيضاً.. وهي بمجموعها تؤسس لدين جديد..

فتصدى له علماء الشيعة ومراجعهم، وفندوا آراءه، وفضحوا أهدافه، وأسقطوا مقولاته بالأدلة العلمية، وبالبراهين الصحيحة والقاطعة، وأعلنوا عن فسادها بصراحة وقوة ومسؤولية.

فمني المشروع الكبير الذي كان يحلم به هذا الشخص، ويخطط له، بالفشل الذريع، وبالسقوط المحتم، بعد أن سقطت المقولات التي تؤسس له، ويراد له أن يقوم عليها.

ولذا فقد ازداد عطف واهتمام أركان هذا التيار المتستر بشعارات التجديد والإعتدال عليه، ومنهم حسن بن فرحان المالكي في رسالته الأخيرة، وما زالوا يظهرون سخطهم على علماء الشيعة، لأنهم واجهوا ذلك الرجل بالحق الصريح، وبالكلمة المسؤولة والواعية.

وقد لوحظ أيضاً أن من أنصاره المتحمسين له، والمدافعين، عنه دعاة التغريب والعلمنة، الذين يريدون إسلاماً يفسح لهم المجال لممارسة كل رغباتهم، ويريدون أن يحملوا هوية الإسلام، ليستفيدوا من خيراته، ويضعوا أنفسهم على قمة الهرم في المجتمع الإسلامي، مع احتفاظهم بكل ملذات وشهوات، وطريقة وأسلوب حياة، وارتكاب موبقات المدنية المادية الحاضرة، والحصول على كل ما هو حسن وسيء، وصالح وفاسد فيها..

ومهما يكن من أمر، فإن ما يدعو إليه حسن بن فرحان المالكي تقريباً هو نفس ما يدعو إليه هذا الرجل الذي تحدثنا عنه، ويصب في نفس الاتجاه، ويتابع نفس المشروع.

وسيظهر هذا الحوار: أننا قد سعينا إلى طرح القضايا التفصيلية على بساط البحث، وفقاً للمناهج العلمية الصحيحة التي يرضاها العقل والوجدان، ولا يشذ عنها باحث، يعيش روح المسؤولية والالتزام..

وإذا به وقد أحرجه ذلك، ولم يجد في من حوله من يستطيع أن يسعفه بشيء.. وواجه أنوار الحقائق الساطعة، وأدلتها القاطعة، قد

«بهت»

وسكت، وأسقط في يده، ولم يجد سبيلاً للتغطية على عجزه الظاهر، سوى معاودة كيل الشتائم، والإصرار على الاتهام الباطل، واللجوء إلى التعريضات المؤذية، والكلمات الجارحة، وإطلاق الادعاءات الفارغة من جديد، مع تجاهل فاضح لكل ما قيل له وما يمكن أن يقال فيه، وعنه.

فظهر مما قدمناه: أن مقصودنا بكلمة «باهتوهم» هو التعبير عن حالة هذا الرجل حينما واجهته الأدلة، ووضعت له النقاط على الحروف، حيث بهت، ولجأ إلى الاتهام والتجريح.

الثاني:

إن كلمة «باهتوهم» قد وردت في الروايات الشريفة، التي تحث على التصدي لمن يسعى للابتداع في الدين، ومواجهته بالحقائق ليبهت، ويسقط ما في يده، فقد روي بسند صحيح عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

«إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم، والقول فيهم، وباهتوهم، كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام. ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم يكتب لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة»([1]).

فقوله «باهتوهم» إنما يقصد به إلزامهم بالحجج القاطعة، وجعلهم متحيرين، لا يحيرون جواباً كما قال الله تعالى: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾([2]) وهذا هو ما استظهره المجلسي «رحمه الله» أيضاً([3]).

وهذا بالذات هو ما جرى لحسن بن فرحان المالكي، الذي ظهر في بادئ الأمر يوزع التهم يميناً وشمالاً، ويصنف الناس وينال من المذاهب الإسلامية المختلفة، وخصوصاً الشيعة والتشيع..

مع أن محاوريه وهم يكلمونه بأدب وبموضوعية، وهو يمعن في توجيه الإهانات، بالكناية تارة وبالتصريح أخرى، حتى لقد وصف الشيعة بأنهم أكذب الفرق، واعتبر قوله هذا مستنداً إلى مراجعة علمية، جعلته يتيقن بصحة قوله هذا.

ووصفهم بالغلو أيضاً تارة، وبأن عندهم مشكلة في التوحيد أخرى، إلى غير ذلك مما يجده المتتبع في كلماته المختلفة.

ولكنه حين واجه الرد العلمي الحازم والصريح، صعق أمام الحقائق الدامغة، وانتهى به الأمر إلى الإحجام عن الإجابة على أي مناقشة علمية صريحة، وإذا بذلك الرجل المنافق، الذي يتكلم بفوقية ظاهرة، وبزهوٍ مثير، ينكمش على نفسه، ويتضاءل، ويتضاءل، ثم ينسحب من ساحة البحث العلمي، بصورة لا يحسد عليها. وقد بخل حتى بإبلاغ المحاورين عن أسباب انسحابه، ربما لأن يصعب عليه أن يظهر بمظهر الضعيف المتهالك.. فيا سبحان الله.. كيف كانت البداية.. ثم كيف جاءت النهاية..

نعم.. وهذا مصير من يتجرأ على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، صلوات الله وسلامه عليها.. ويسعى إلى المساس بحقائق الدين، تحت شعار الاعتدال.

والحمد لله رب العالمين. 


 

([1]) الكافي ج2 ص375 والبحار ج71 ص202 وج72 ص161 و235 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص264.

([2]) سورة البقرة / 258.

([3]) بحار الأنوار ج71 ص204.

 
   
 
 

موقع الميزان