صفحة :11   

تقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين.. واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين..

وبعد..

فإن للحوار العلمي والموضوعي الهادف أثراً عظيماً في تجلي الحقائق وبلورتها، وإزالة الشوائب، التي تعلق بها، مما تنسجه حولها الأوهام القاصرة حيناً، أو المتغافلة عن تقصير أخرى، فلا تقوم بما يفرضه عليها الواجب من رصد دقيق للحيثيات والجوانب التي لا بد من الإحاطة بها، ليمكن حصحصة الحق بصورة قاطعة للعذر، ومرضية للوجدان، وللضمير.

وربما تكون الشبهات، والشوائب قد علقت بتلك الحقائق، نتيجة عمل غير أخلاقي، يمارسه ثلة من الناس عن سابق عمد وإصرار، خضوعاً منهم لبعض العصبيات، أو انسياقاً مع مشاعر أفقدتهم حالة التوازن، وأبعدتهم عن جادة التعقل والإنصاف.

وربما يكون لحالات خوف من متسلط، أو طمع بمقام أو نوال، ما يحفزهم للعمل على طمس معالم الحق، واتخاذ سبيل الباطل.

وعلى كل حال، فإنه بمقدار ما يكون الحوار جاداً، ومخلصاً، وأخلاقياً ومسؤولاً، وخاضعاً للرقابة الشرعية، والوجدانية، والإنسانية، وملتزماً بالضوابط العلمية بدقة، فإنه يكون حواراً كثير الفوائد، جم العوائد، من شأنه أن يغني الفكر، ويعمق الإيمان، ويقوي العقيدة، ويصونها.

بل إنه حتى لو تجلى هذا الإخلاص والجدية في طرف دون طرف، فإنه سيكون أيضاً حواراً مباركاً، يحبه الله تعالى، ويوفق من أخلص لله فيه في الدنيا والآخرة, لأنه سيسهم في ظهور الحق، بمقدار ما يبذله ذلك الطرف من جهد، وما يتعرض له هذا الجهد من نفحات إخلاص وتقوى..

وهذا الحوار الذي بين يدي القارئ، قد جاء ليعبر عن هذه الحقيقة بالذات، فلا غرو أن يجد قارئه فيه الكثير الكثير من الأمور التي تفيد في فتح نوافذ متنوعة، ستعطي الإطلالة منها استشرافاً لآفاق جديدة ورحبة، فيها الكثير مما يلذ لكل أحد أن يلم به، ويتعرف عن كثب عليه.

كما أن في هذا الحوار الكثير مما يفيد في إيجاد منافذ، سيجد المتعمق فيها نفسه أمام الكثير من الكنوز التي طالما تشوق للوصول إليها، وسعى للحصول عليها.

وإنها، أعني هذه المنافذ وتلك النوافذ، لتخاطب اللبيب الأريب بألف لسان، وتغنيه عن كل بيان.

ولن يعكر عليه صفو هذا المعين الزلال إلا شيء واحد، وهو ما سيلمسه من عدم وجود تكافؤ في صراحة الكلمة، والاستسلام للحق، والبخوع له، حيث سيلمس جرأة ظاهرة وإصراراً قوياً على قول الحق وفي البخوع له لدى طرف، وإحجاماً وتردداً، بل وغمغمة، ولجلجة، تصل إلى درجة التعمية العمدية، والتجاهل السافر للحق الصراح، وللأدلة الواضحة لدى الطرف المقابل..

وفي جميع الأحوال، فإنه قد جاء حواراً قوياً، ومؤثراً، وحماسياً. ولكن جاءت هذه القوة موزعة في اتجاهين متقابلين:

أحدهما: اتجاه تجلت فيه الجرأة على قول الحق، مع قوة حجاج واحتجاج، وإصرار، والتزام، وملاحقة لكل صغيرة وكبيرة. ومتابعة لأدق التفاصيل.

والثاني: ذلك الاتجاه الآخر الذي ظهر فيه الإصرار والحرص على حشد واستنفار كل القوى للحفاظ على موروث أظهرت الدراسات العلمية المنصفة أنه بات عبئاً، لا يجد أية مبررات مقبولة أو معقولة لحمل ثقله، إلا تحمل الضنا والتعب بلا سبب، وهذا هو السفه الظاهر، الذي لا يرضى أحد أن يتهم به، أو أن ينسب إليه..

بل إن ما أظهره هذا الحوار من جنوح ظاهر لدى طرف بعينه، للإيغال في تأويلات وتبريرات تذهب بماء الوجه، وتسقط الشعارات المرفوعة التي تدعي العلمية والإنصاف و.. و.. إلخ.. لهو أمر يزيد الإنسان العاقل حيرة، وعجباً !

وهو يرى أن هذا الثمن الباهظ الذي يدفع لحفظ بعض اللمعان لصورة ذلك الموروث التي مزقتها التشوهات القبيحة، سيكون أغلى بكثير من القيمة الحاضرة لذلك الموروث نفسه، الذي كان حتى وهو في أفضل حالاته، وأرضى صفاته، مجرد تشوهات حزينة وقاسية، قد ظهرت في شنٍّ بالي، أو خيال ساري، فكيف.. وقد بادت معالمه تحت ظلال مرهفات السيوف، وفي معترك حداد الأسنة عبر الأحقاب الخالية، و الأجيال المتمادية..

ولكن رغم هذا وذاك نقول: رب ضارة نافعة، ورب خافضة رافعة، فهناك من يرى أن هذا التناقض في الاتجاهين هو الذي يعطي لهذا الحوار قيمته، ويزيده حيوية وبهجة، ويجعله أكثر إثارة.. وأعظم إسهاماً في إظهار الحق لمن أراد الحق..

فإلى القارئ الكريم نقدم هذا الحوار وقد كان على الإنترنت، وبالتحديد على موقع «شبكة الميزان» المباركة، وكان أحد طرفي الحوار هو «الشيخ حسن بن فرحان المالكي».

وفقنا الله جميعاً لكل خير وسداد، وأخذ بأيدي الجميع في طريق الهدى والرشاد.

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.

 

27/3/1423 هجرية

عيثا الجبل ـ عيثا الزط سابقاً

جعفر مرتضى العاملي

 
   
 
 

موقع الميزان