صفحة : 126  

وأجاب المالكي:

لا أعرف بالضبط كيف كان النبي «صلى الله عليه وآله» يتعبد قبل النبوة، وما هي هيئة التعبد عند الحنيفيين ربما كانت سجوداً ودعاء.. الخ..

أما الحديث الذي ذكرت أن محاورك أخبرك به (وهو أن النبي «صلى الله عليه وآله» ومعه أسامة بن زيد ذهبا ليقدما نصب من الأنصاب فلقيا زيد بن عمرو بن نفيل فدعاه الرسول «صلى الله عليه وآله» إلى الأكل منها فرفض.. الحديث.

«ليس دقيقا وأسامة بن زيد لم يولد يومئذ بعد، وإنما كان مع النبي «صلى الله عليه وآله» والد أسامة: زيد بن حارثة ولفظ البخاري يختلف فهو كالتالي: (النبي «صلى الله عليه وآله» لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح (قرب التنعيم) قبل أن ينزل على النبي «صلى الله عليه وآله» الوحي فَقُدِّمت (بالبناء للمجهول) إلى النبي «صلى الله عليه وآله» سفرة فأبى أن يأكل منها ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه..) وقد ذكره البخاري في موضعين (كتاب مناقب الأنصار الباب 24 حديث زيد بن عمرو بن نفيل، وكتاب الذبائح الباب 16 باب ما ذبح على النصب والأنصاب). وكلا الموضعين من طريق موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر..

أقول: وابن عمر لم يكن مولوداً يومئذ فالخبر من مراسيل الصحابة، فلعله رواه مما استفاض بين المشركين وقد يتحدث الصحابة فضلاً عن غيرهم بناءً على استفاضة خاطئة مثلما تحدثوا أن النبي «صلى الله عليه وآله» طلق نساءه حتى صدق هذا بعض الصحابة ومثلما تحدث بعض البدريين في الإفك لأنه استفاض بين الجيش وهو باطل، فما كل مرسلات الصحابة تكون صحيحة خاصة صغار السن كابن عمر وابن عباس ونحوهم وهذا مما قصر أهل الحديث في تتبعه وبيانه لانشغالهم بالخصومة مع أهل الرأي والمعتزلة.

ثم في أثر البخاري أن السفرة قدمت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بالبناء للمجهول، وليس فيه أنه «صلى الله عليه وآله» قدم تلك الصفرة ولا ذبح عند الأنصاب ولا أكل مما ذبح عند الأنصاب، ولو كان شيء من ذلك فهذا قبل النبوة.. أورد الذهبي في تاريخ الإسلام (السيرة النبوية 87) من طريق أسامة بن زيد عن أبيه (زيد بن حارثة) ما يفيد أن النبي «صلى الله عليه وآله» خرج مع زيد في يوم حار إلى نصب من الأنصاب وذبحوا عنده شاة وأنضجوها ولقيهم زيد بن عمرو بن نفيل فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية.. الحديث.

وهذا يخالف حديث البخاري فلعله مروي بالمعنى، وفي بعض رجال الإسناد كلام ليس هنا موضع بيانه.

وعلى كل حال: لو صح فأنا أستبعد أن يكون الذبح عند الأنصاب من شعائر الحنيفية وكون النبي على الحنيفية لا يعني أن الحنيفية عند قريش قبل النبوة لم تتلوث ببعض الأخطاء والمخالفات، ولهذا كان القرآن الكريم صريحا بأن الجميع كانوا على ضلال ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى﴾ لكن الضلال نسبي بين حنيفي تلبس ببعض الممارسات الخاطئة ومشرك يعبد الأصنام.

 
   
 
 

موقع الميزان