بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وأما عن إجابتك.. فنقول:
أولاً:
ما هو ميزان التواتر عندك؟!
ثانياً:
بأي ميزان أخذت، فإن تواتر أحاديث الإمام المهدي «عجل
الله تعالى فرجه» ثابت بلا ريب ويمكن إثبات ذلك.. بأبسط طريق وأيسره..
ونكتفي هنا ـ الآن ـ بالإشارة إلى ما يلي:
ألف ـ
إن ابن خلدون، ولعله أول من شكك في هذا الأمر، قد ذكر في مقدمته ثمانية
وثلاثين حديثاً.
ومحاولته التشكيك في أسانيدها لا قيمة لها، بعد أن كان
هذا العدد يكفي لتحقيق التواتر.. إذ لا يشترط صحة الأسانيد في تواتر
الأحاديث؛ لأن اليقين بالصدور يحصل من الكثرة، لا من وثاقة الرواة. ولا
سيما إذا كان يراد إثبات التواتر الإجمالي، فان اختلاف النصوص يصبح
قرينة أخرى على الصدور، إذا كان القاسم المشترك متوفراً، ولم تكن هناك
علة أخرى للرد..
كما أن صاحب منتخب الأثر قد ذكر أكثر من ستة آلاف حديث
وثلاثمائة وخمسين حديثاً. من طرق الشيعة والسنة، فلو أسقطنا منها ستة
آلاف ومئتين وخمسين حديثاً وبقي لنا مئة حديث بل لو بقي لنا خمسون
حديثاً لكفى ذلك في الحكم بالتواتر..
مع العلم بأن كثيراً من هذه الأحاديث صحيح أو معتبر
سنداً عند أهل السنة أيضاً..
ب ـ
لقد بدأ ادعاء المهدية في وقت مبكر في الإسلام، بل لقد قال البعض: إن
خالد بن يزيد بن معاوية المتوفى سنة 85 هجرية هو الذي وضع حديث
السفياني، ليقابل به حديث المهدي([1]).
ولا نريد أن نذكر لك مقالات بعض الفرق بمهدية:
1 ـ
محمد بن الحنفية،
2 ـ
وابنه أبي هاشم،
3 ـ
وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر،
4 ـ
والإمام الباقر،
5 ـ
وإسماعيل بن الإمام الصادق،
6 ـ
والإمام الصادق نفسه،
7 ـ
والإمام الكاظم،
8 ـ
ومحمد بن إسماعيل بن جعفر،
9 ـ
ومحمد بن جعفر،
10 ـ
ومحمد بن القاسم،
11 ـ
ويحيى بن عمر،
12 ـ
والحسن بن القاسم، وغيرهم..
بل نقتصر على القول:
إن الناس كانوا يرون:
أن موسى بن طلحة بن عبيد الله هو المهدي([2]).
ثم ادعيت المهدية لعمر بن عبد
العزيز، قال ابن كثير: إن قتادة، وابن المسيب، ووهب بن منبه قالوا: إن
كان مهدي في هذه الأمة فهو عمر بن عبد العزيز..([3])،
وذكر ابن سعد روايات عن عمر، وابن عمر، وغيرهما تؤيد مهدويته.
بل ذكر: أن ابن المسيب قد قبل
بمهدوية عمر بن عبد العزيز وقال بها([4]).
لكن طاووس قال: هو مهدي (أي المعنى
اللغوي) وليس به، إنه لم يستكمل العدل كله([5]).
بل لقد رووا ذلك عن فاطمة بنت
الإمام الكاظم «عليه السلام»، وعن الإمام الباقر «عليه السلام»([6]).
ثم ادعيت المهدية لمحمد بن عبد الله بن الحسن المولود
سنة مئة. وقد قبل أكثر علماء الأمة بمهديته، وبايعه كبار العلماء،
ودعوا إلى بيعته. وعلى رأسهم شيوخ الاعتزال مثل عمرو بن عبيد، وواصل بن
عطاء، وحفص بن سالم.
بل لقد قال أبو الفرج الأصفهاني
«لم يشك أحد أنه المهدي»([7]).
وقد بايعه المنصور، والسفاح،
وإبراهيم الإمام، وصالح بن علي. وكان المنصور يفتخر بمهدية محمد هذا
ويتبجح بها([8]).
وكان فقيه أهل المدينة وعابدهم محمد بن عجلان قد خرج
معه، ظناً منه أنه المهدي الذي جاءت به الرواية، وكان الأعمش، وشعبة،
وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، ومالك بن أنس، يحثون الناس على الخروج معه.
ولا تكاد تعثر على منكر من أعلام الأمة لمهدية محمد بن
عبد الله بن الحسن إلا الإمام جعفر الصادق «عليه السلام».
بل إن المنصور قد لقب ولده
بالمهدي، سعياً لصرف الناس عن محمد بن عبد الله بن الحسن. وقد وجد من
يضع له الأحاديث في ذلك([9]).
وقد اعتقد السيد الحميري وسلم الخاسر بمهدية المهدي
العباسي.
والحديث حول ذلك يطول([10]).
وبعدما تقدم نقول:
إن هذا القبول الواسع جداً في الأمة لمهدية محمد بن عبد
الله بن الحسن، حتى اضطر المنصور لمقابلة ذلك بادعاء المهدية لولده
يشير إلى أن أصل وجود المهدي كان من المسلمات عند الناس، وإنما كان
الخلاف والاختلاف في التطبيق.
وقد ظهر قبول هذا الاعتقاد في الأمة قبل ذلك حيث قبل
الناس مهدية موسى بن طلحة، وقبل فرقاء آخرون بمهدويات أخرى..
بل لقد قبل بعض كبار علماء الأمة بمهدية رجل أموي.. ولم
يناقش أحد، ولا أشار أي من الناس إلى كذب أصل حديث المهدية..
بل لقد اضطر خالد بن يزيد إلى وضع حديث السفياني،
ليقابل به حديث المهدي، حيث لم يمكنه تكذيبه من الأساس..
فكل ذلك يشير إلى التسالم المبكر، وفي عهد الصحابة،
والتابعين، وتابعي التابعين، على هذا الأمر.
ونحن نعلم: أن هذا الأمر إنما يعلم بالتوقيف عن رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، فمع اختلاف مشارب الناس، ومذاهبهم،
وسياساتهم.. لم يختلفوا على هذا الأمر..
فهل يبقى بعد من شك في أخذهم ذلك من رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، وعنه؟!
ج ـ
إن رؤساء المعتزلة قد ناصروا محمد بن عبد الله بن الحسن، وكانوا من
دعاته، وكانت البيعة تؤخذ له بهذا العنوان. وذلك يدل على أن المهدية
كانت من الوضوح والقوة بحيث لا مجال لإنكارها، حتى إن أكثر الناس
اعتماداً على العقل، وهم يقيسون النصوص الدينية على ما تحكم به عقولهم،
لم يمكنهم تسجيل أي تحفظ على هذا الأمر، بل هم قد تجاوزوا مرحلة الترقب
والسكوت إلى مرحلة التأييد والدعم والمشاركة..
د ـ
ولو كان يمكن للسياسيين التشكيك بهذه العقيدة، فإنهم لن يقصروا في ذلك.
فقد كانوا يحكمون الناس باسم خلافة الرسول، ويدعون أنهم يحكمون بما
أنزل الله، والاعتقاد بالمهدي لا ينسجم مع هذا.. فإنه:
أولاً:
يعطي الحق في الحكم والسلطة لغيرهم..
ثانياً:
هو يشير بأصابع الاتهام إليهم بأنهم غاصبون ظالمون..
ثالثاً:
هو يشير إلى أنهم ليسوا على هدي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا
يطبقون شرائع الله سبحانه..
هـ ـ
أما بالنسبة للزيدية، فقد ادعى أحمد أمين المصري: أنهم كانوا ينكرون
المهدي إنكاراً شديداً([11]).
ولكن ذلك غير دقيق. فإن محمد بن عبد الله بن الحسن
المدعي للمهدية، وقد قبل ذلك منه على أوسع نطاق، كان زعيم الزيدية في
زمانه، ومقدمهم.
ولو أغمضنا النظر عن ذلك باعتبار:
أن مذهب الزيدية لم يكن قد ظهر ولا تحددت معالمه، وأن زيدية بني الحسن
إنما هي سياسية أكثر منها فكرية وعقائدية،
فإننا نقول:
إن المذهب الكلامي الشائع في الزيدية هو مذهب الجارودية
ـ قال نشوان الحميري:
«ليس باليمن من فرق الزيدية غير
الجارودية، وهم بصنعاء وصعدة، وما يليهما»([12]).
والجارودية يعتقدون بالمهدية ـ كما
يظهر من كتب الفرق ـ ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن، ومنهم
من ينتظر محمد بن القاسم، ومنهم من ينتظر يحيى بن عمر([13]).
وأما غير الجارودية فلا تكاد تجد لهم تصريحاً بنفي
المهدية.. فراجع..
و ـ
ويبقى خيار التأكيد على تواتر أحاديث المهدية قائما. وذلك باعتماد
طريقة جمع الأحاديث.. وبيان اختلاف طرقها، وكثرتها إلى حد إفادتها
لليقين.. وذلك أمر يسير. فمن أحب أن يطمئن إلى هذا الأمر فما عليه إلا
أن يطرق الباب ليسمع الجواب بكل وضوح وقوة..
([1])
النجوم الزاهرة ج1 ص221.
([2])
طبقات ابن سعد ج1 ص120 و121.
([3])
راجع: البداية والنهاية ج9 ص200 وتاريخ الخلفاء ص233.
([4])
راجع: تاريخ الخلفاء ص234 و235.
([5])
البداية والنهاية ج9 ص200 وتاريخ الخلفاء ص235.
([6])
طبقات ابن سعد ج5 ص243و245.
([7])
مقاتل الطالبيين ص256.
([8])
راجع: الحياة السياسية للإمام الرضا «عليه السلام».
([9])
راجع: البداية والنهاية ج6 ص246 و247 وتاريخ الخلفاء للسيوطي
ص259 و260 و272 والصواعق المحرقة ص98و99 وغير ذلك.
([10])
راجع: كتاب دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج1 بحث: (المهدية
بنظرة جديدة).
وراجع
أيضاً: الحياة السياسية للإمام الرضا «عليه السلام». القسم
الأول من الكتاب.
([11])
ضحى الإسلام ج3 ص243.
([13])
راجع: الفصل لابن حزم ج4 ص179 والفرق بين الفرق للبغدادي ص31
و32 وراجع: الملل والنحل ج1 ص159 والحور العين ص156 و157.
|