فنذكر على سبيل المثال:
1 ـ
إن رجلاً سأل ابن عمر فقال: «أدفع
الزكاة إلى الأمراء؟ فقال ابن عمر: ضعها في الفقراء والمساكين. قال:
فقال لي الحسن: ألم أقل لك: إن ابن عمر إذا أمن الرجل قال: ضعها في
الفقراء والمساكين؟؟»([1]).
2 ـ
وقد ادعوا: أن أنس بن مالك قد روى حديث القنوت قبل الركوع تقية من بعض
أمراء عصره([2]).
3 ـ
وحين شاور العباس بن الحسن كتابه وخواصه فيمن يولون الخلافة بعد موت
المكتفي، أشار عليه ابن الفرات بأن ينفرد بكل واحد منهم فيعرف رأيه وما
عنده فإما أن يقول كل واحد رأيه بحضرة الباقين.
فربما كان عنده ما يسلك سبيل التقية في كتمانه وطيه.
قال: صدقت. ثم فعل ما أشار به
عليه([3]).
4 ـ
تقية النبي «صلى الله عليه وآله» والحمزة في بيعة
العقبة. وستأتي نصوصها في فصل مستقل.
5 ـ
عن أيوب قال: ما سألت الحسن عن شيء قط ما سألته عنها (أي عن الزكاة).
قال: فيقول لي مرة: أدها إليهم. ويقول لي مرة: لا تؤدها إليهم([4])
أي للأمراء.
إلا أن يقال:
إن هذا التردد من الحسن، إنما هو لأجل عدم وضوح الحكم الشرعي له،
جوازاً أو منعاً.
6 ـ
وفي خطبة لمحمد بن الحنفية: «لا تفارق الأمة، اتق هؤلاء القوم (يعني
الأمويين) بتقيتهم. ولا تقاتل معهم. قال: قلت: وما تقيتهم؟ قال: تحضرهم
وجهك عند دعوتهم؟ فيدفع الله بذلك عنك، وعن دمك ودينك وتصيب من مال
الله الذي أنت أحق به»([5]).
7 ـ
استفتي مالك بالخروج مع محمد بن عبد الله بن الحسن، وقيل له: في
أعناقنا بيعة لأبي جعفر المنصور. فقال: إنما بايعتم مكرهين. وليس على
مكره يمين([6]).
8 ـ
ونقل القرطبي، عن الشافعي، والكوفيين: القول بالتقية عند الخوف من
القتل، وقال: «أجمع أهل العلم على ذلك»([7]).
9 ـ
عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: أحصوا لي
كم يلفظ الإسلام. قال: فقلنا: يا رسول الله، أتخاف علينا ونحن ما بين
الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا.
قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا
لا يصلي إلا سراً([8]).
وحذيفة قد مات بعد البيعة لعلي «عليه السلام» بأربعين
يوما، فهذا النص يدل على أن الناس المؤمنين كانوا قبل ذلك يعيشون في
ضغط شديد، وأن الذين يسيطرون على الشارع هم الناس الذين كانوا يحقدون
على الدين والمتدينين، ويهزؤون ويحاربون كل شيء يمت إلى الدين بصلة.
10 ـ
لقد اتقى عامة أهل الحديث، وكبار العلماء وأجابوا إلى القول بخلق
القرآن، وهم يعتقدون بقدمه، ولم يمتنع منهم إلا أحمد بن حنبل، ومحمد بن
نوح([9]).
وحتى أحمد؟ فإنه قد تاقى في ذلك،
فكان إذا وصل إلى المخنق قال: ليس أنا بمتكلم. كما أنه حين قال له
الوالي: ما تقول في القرآن أجاب: هو كلام الله، قال: أمخلوق هو؟ قال:
هو كلام الله لا أزيد عليها([10]).
بل قال اليعقوبي: إنه لما سئل أحمد عن ذلك قال: «أنا
رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا. وبعد المناظرة وضربه عدة سياط، عاد
إليه إسحاق بن إبراهيم فناظره، فقال له: فيبقى عليك شيء لم تعلمه.
قال: بقي علي.
قال: فهذا مما لم تعلمه؟ وقد علمكه أمير المؤمنين.
قال: فإني أقول بقول أمير المؤمنين.
قال: في خلق القرآن؟
قال: في خلق القرآن.
قال: فأشهد عليه، وخلع عليه،
وأطلقه إلى منزله»([11]).
مع أنه هو نفسه يقول: إن من قال:
القرآن كلام الله، ووقف؟ فهو من الواقفة الملعونة([12]).
وقد عمل ابن الزبير بالتقية في
مواجهة الخوارج([13]).
واتقى أيضاً الشعبي ومطرف بن عبد الله من الحجاج.
واتقى عرباض بن سارية ومؤمن الطاق
من الخوارج وصعصعة بن صوحان من معاوية([14]).
وممن استعمل التقية في قضية خلق
القرآن إسماعيل بن حماد، وابن المديني، وكان ابن المديني يلزم مجلس
القاضي أبي دؤاد المعتزلي، ويقتدي به في الصلاة، ويجانب أحمد بن حنبل
وأصحابه([15]).
11 ـ
ويقولون: إن إبراهيم «عليه السلام» عندما سأله ذلك الحاكم
الجبار
عن امرأته قال: «هذه أختي» وذلك في الله([16]).
فراجع.
12 ـ
وعن عبيد الله بن معاذ العنبري، عن أبيه قال: «كتبت إلى شعبة أسأله عن
أبي شيبة، قاضي واسط، فكتب إلي: لا تكتب عنه، ومزق كتابي»([17]).
13 ـ
وقد عمل صعصعة بالتقية في خطبته في قصة خروج المستورد أيام معاوية([18]).
14 ـ
وفي غارة بسر بن أبي أرطاة على المدينة، وشكوى جابر بن عبد الله
الأنصاري لأم سلمة زوج النبي: أنه خشي أن يقتل، وهذه بيعة ضلال، قالت:
إذن، فبايع؟ فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب
ويحضرون الأعياد مع قومهم([19]).
15 ـ
وقد خطب الإمام الحسين «عليه السلام» مؤبناً أخاه الحسن السبط «عليه
السلام» حينما توفي، فكان مما تمدحه به: أنه قد آثر الله عند مداحض
الباطل، في مكان التقية بحسن الروية([20]).
16 ـ
والإمام الحسين «عليه السلام» لم يستجب لأهل الكوفة حينما طلبوا منه
القيام ضد معاوية بعد سم الإمام الحسن «عليه السلام».
وله موقف آخر «عليه السلام» يؤيد
فيه موقف أخيه القاضي بعدم الثورة على معاوية ما دام حيا. فراجع([21]).
17 ـ
قال الحسن (البصري): «التقية إلى يوم القيامة»([22]).
18 ـ
وقال البخاري: «وقال ابن عباس: في من يكرهه اللصوص، فيطلق، ليس بشيء.
وبه قال ابن عمر، وابن الزبير، والشعبي، والحسن»([23]).
19 ـ
وقال البخاري أيضاً: «يمين الرجل لصاحبه: أنه أخوه، إذا خاف عليه القتل
أو نحوه، وكذلك كل مكروه يخاف، فإنه يذب عنه الظالم، ويقاتل دونه ولا
يخذله، وإن قاتل دون المظلوم فلا قود عليه ولا قصاص. وإن قيل له:
لتشربن الخمر، أو لتأكلن الميتة، أو لتبيعن عبدك، أو تقر بدين، أو تهب
هبة أو تحل عقدة، أو لتقتلن أباك، أو أخاك في الإسلام وسعه ذلك إلى أن
قال: قال النخعي: إذا كان المستحلف ظالماً فنية الحالف، وإن كان
مظلوماً؟ فنية المستحلف»([24]).
ولا بأس بمراجعة الشروح على صحيح
البخاري على كتاب الإكراه، ففيها توضيحات ومطالب مفيدة في هذا المجال([25]).
20 ـ
حتى المغيرة بن شعبة فإنه يدعي أنه في عيبه علياً يعمل بالتقية فهو
يقول لصعصعة: «هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن
ندع كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بداً ندفع به
هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين
أصحابك وفي منازلكم سراً. الخ..»([26]).
21 ـ
وفي حرب الجمل حمل محمد بن الحنفية على رجل من أهل البصرة، قال: فلما
غشيته قال: أنا على دين أبي طالب فلما عرفت الذي أراد كففت عنه([27]).
22 ـ
ويقول ابن سلام: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمره أن يصلي
الصلاة لوقتها ثم يصلي مع الأمراء الذين يؤخرون الصلاة نافلة([28]).
23 ـ
وقد صرح الخدري بأنه يعمل بالتقية في ما يرتبط بموقفه من علي «عليه
السلام» ليحقن دمه من بني أمية واستدل بآية ادفع بالتي هي أحسن السيئة([29]).
وقد ذكر في الصراط المستقيم للبياضي ج 3 ص 72 ـ 73
موارد عديدة أخرى فراجع.
([1])
المصنف للصنعاني ج4 ص48.
([2])
راجع: المحلى ج4 ص141.
([3])
الوزراء للصابي ص130.
([4])
الوزراء للصابي ص130.
([5])
طبقات ابن سعد ج5 ص7.
([6])
مقاتل الطالبيين ص283، والطبري ط أورپا ج3 ص200.
([7])
تفسير القرطبي ج10 ص181.
([8])
صحيح مسلم: ج1 ص91، وصحيح البخاري ط سنة 1309 هـ.. ق: ج2 ص116
ومسند أحمد ج5 ص384.
([9])
تجارب الأمم المطبوع مع العيون والحدائق ص465.
([10])
تاريخ الطبري ج7 ص201 وراجع: آثار الجاحظ ص274، ومذكرات
الرماني ص47.
([11])
تاريخ اليعقوبي ج2 ص472.
([12])
بحوث مع أهل السنة والسلفية ص183 و184 عن: الرد على الجهمية
لابن حنبل في كتاب الدومي ص82 .
([13])
راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص393.
([14])
العقد الفريد ج2 ص464 ـ 465.
([15])
راجع لسان الميزان ج1 ص339 ـ 340 متناً وهامشاً.
([16])
صحيح البخاري ط الميمنية: ج4 ص291 ومسند أحمد ج2 ص304 وأخرجه
أبو داود والترمذي، وقصص الأنبياء للنجار: ص98 ـ 99 ومسند أبي
يعلى ج10 ص427.
([17])
صحيح مسلم: ج1 ص18 ومعرفة علوم الحديث ص136.
([18])
راجع: بهج الصباغة: ج7 ص121.
([19])
تاريخ اليعقوبي: ج2 ص198.
([20])
راجع: تهذيب تاريخ دمشق: ج4 ص230 وعيون الأخبار لابن قتيبة: ج2
ص314، وحياة الإمام الحسن«عليه السلام» للقرشي: ج1 ص439.
([21])
راجع: الأخبار الطوال: ص220 و221 و222.
([22])
صحيح البخاري: ج4 ص128/ ط الميمنية.
([23])
صحيح البخاري: ج4 ص128.
([24])
صحيح البخاري: ج4 ص128.
([25])
راجع: عمدة القاري: ج24 ص95 ـ 108، وفتح الباري ج13 ص277 ـ
289، وإرشاد الساري: ج10 ص93 ـ 102.
([26])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص12.
([27])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص67.
([28])
تهذيب تاريخ دمشق ج6 ص205.
([29])
سليم بن قيس ص53، مؤسسة البعثة ـ قم ـ إيران.
|