بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
إلى الأخ حسن بن فرحان المالكي..
تعليقاً على جوابك على الأخ الأشتر نقول:
زعمت أن الكذب موجود عند الشيعة ويفوق ما عند سائر
الطوائف..
ونقول لك: هل قمت بإحصائية أثبتت لك ذلك؟! فإن كان ذلك
فأظهر هذه الإحصائية؟! وإلا فإن كلامك هذا ما هو إلا رجم بالغيب لا
يغني من الحق شيئاً..
وهذا يفتح الباب لغيرك ليقابلك بالمثل.. ولعله قادر على
أن يأتيك بإحصائيات.. على ذلك.. وكتب الموضوعات كاللآلئ المصنوعة
وغيره. وكذلك كتب الجرح والتعديل كميزان الاعتدال وغيره، عند السنة
تشهد على حقيقة أن هذا الاتهام هو من أعداء الشيعة ضدهم.
والأغرب من ذلك:
قولك بالفرق بين عبارة «الشيعة أكذب
الطوائف»،
وبين عبارة «الكذب عند الشيعة يفوق الكذب
عند سائر الطوائف»،
فهل نشأت كثرة الكذب عندهم إلا من كونهم أكذب الطوائف؟ فإن أكذب الناس
إنما يعرف بكثرة ما صدر عنه من كذب.
إلا أن تدعي أن شخصاً واحداً أو أشخاصاً معدودين قد
جلسوا كذبوا هذا الكم الهائل الذي به فاق الكذب عند الشيعة الكذب لدى
غيرهم..
وأما قولك:
لم يأت الإخوة المعارضون لهذه العبارة بشيء مقنع..
نقول فيه:
هل جئت بدليل على مدعاك في هذه العبارة؟! وهل هي إلا مجرد دعوى؟ فحالهم
معك كحال ذلك الذي يقول: «نصف الدنيا هنا، فإن لم تصدق فاذرع.. وإذا لم
تذرع فأنا صادق وأنت كاذب..».
وقلت:
إن أسلوب المراوغة والتحدث بلسان الجماعة لا يكفي، بل لا بد من الصدع
بالحق..
ونقول:
قد رأينا:
أنك تتهرب من البحث العلمي وتقول: هذا لقاء، وليس موضعاً للبحوث
العلمية([1]).
وها أنت لا زلت تزجي الاتهامات للشيعة بالغلو والخطأ في
التوحيد، وبأن الكذب عندهم يفوق ما عند سائر الطوائف..
ونحن نقبل بنصيحتك بأن نصدع بالحق، فإذا فعلنا ذلك
اتهمتنا بالغلو، أو بالكذب.. أو بالتعصب المذهبي. أو بغير ذلك مما ورد
في قاموس شتائمك الذي نقرأ شطراً منه في أجوبتك المختلفة، على صفحات
هذه الشبكة بالذات.
وأما التقية التي تتهمنا بها فإن أهل السنة يعملون بها
أكثر من الشيعة وفي كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه
وآله» طائفة من الأدلة والشواهد على ذلك، فراجعه بدقة. فإن كان ثمة من
حاجة إلى القَسَم فأهل السنة أول من يجب أخذهم به. بل لابد من تغليظ
القَسَم عليهم بذلك، لأنهم يعلنون براءتهم من التقية، وعملهم بها
أفراداً وجماعات كالنار على المنار..
أما الشيعة فتلك هي كتبهم تلهج بمعتقداتهم، وتطفح
بأدلتهم رغم الأخطار التي واجهوها في هذا السبيل..
ونذكر لك هنا طائفة من الشواهد على عمل أهل السنة
بالتقية..
ونقول:
1 ـ
إن ما جرى لعمار ونزول الآية فيه دليل على مشروعية التقية، إذا خاف
الإنسان على نفسه وماله.
وقد صرحوا بجواز التقية وإظهار
الموالاة حتى للكفار، إذا خيف على النفس التلف، أو تلف بعض الأعضاء، أو
خيف من ضرر كبير يلحق الإنسان في نفسه([2]).
بل لقد قال محمد بن عقيل: «التقية
مما أجمع المسلمون على جوازه، وإن اختلفت تسميتهم لها، فسماها بعضهم
بالكذب لأجل الضرورة أو المصلحة، وقد عمل بها الصالحون، فهي من دين
المتقين الأبرار. وعكس القول فيها كذب ظاهر»([3]).
2 ـ
ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَ أَنْ تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقَاةً﴾([4]).
3 ـ
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ
كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ﴾
إلى قوله([5])
﴿عَفُوّاً غَفُوراً﴾([6])،
وقال: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾([7]).
قال البخاري: «فعذر الله
المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله، والمكره لا يكون إلا
مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به»([8]).
ملاحظة:
الآية موجودة كما في سورة النساء الآية 97 ولكن الفقرة
الأخيرة غير موجودة فيها ولا في الآيات بعدها لكن البخاري قد ذكرها
كذلك. فذكرناها حسبما هي فيه رعاية لأمانة النقل عنه.
4 ـ
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ
يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾([9]).
والقول بأن هذه الآية قد نسخت لا
مثبت له، بل لقد روي عن الإمام الباقر «عليه السلام» ما يدل على خلاف
ذلك، فقد روى الكليني عن عبد الله بن سليمان، قال: «سمعت أبا جعفر
«عليه السلام» يقول ـ وعنده رجل من أهل البصرة، يقال له: عثمان الأعمى،
وهو يقول: إن الحسن البصري يزعم: أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح
بطونهم أهل النار. فقال أبو جعفر «عليه السلام»: فهلك إذاً مؤمن من آل
فرعون، ما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله نوحاً «عليه السلام»؟ فليذهب
الحسن يميناً وشمالاً؟ فوالله ما يوجد العلم إلا هاهنا»([10]).
فاستدلال الإمام بالآية يدل على أن عدم كونها منسوخة
كان متسالماً عليه لدى العلماء آنئذٍ.
وأما من السنة، فنذكر:
1 ـ
عن أبي ذر، عنه «صلى الله عليه وآله»: «ستكون عليكم أئمة يميتون
الصلاة، فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلواً صلاتكم معهم
نافلة»([11]).
وثمة حديث آخر بهذا المعنى
فليراجع([12]).
2 ـ
ما جاء: أن مسيلمة الكذاب أتي برجلين، فقال لأحدهما: «تعلم أني رسول
الله؟ قال بل محمد رسول الله. فقتله. وقال للآخر ذلك، فقال: أنت ومحمد
رسول الله؟ فخلى سبيله. فبلغ ذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
فقال: أما الأول فمضى على عزمه ويقينه. وأما الآخر، فأخذ برخصة الله
فلا تبعة عليه»([13]).
3 ـ
ما رواه السهمي عنه «صلى الله عليه
وآله»: لا دين لمن لا ثقة له([14]).
وهو تصحيف على الظاهر، والصحيح: «لا تقية» كما يدل عليه ما رواه شيعة
أهل البيت عنهم «عليهم السلام»([15]).
4 ـ
قصة عمار بن ياسر المعروفة، وقول النبي «صلى الله عليه وآله» له: إن
عادوا فعد. وهي مروية في مختلف كتب الحديث والتفسير. و
في هذه المناسبة نزل قوله تعالى:
﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ
بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالإِيمَانِ﴾([16]).
5 ـ
استعمال النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه للتقية، حيث
بقي ثلاث أو خمس سنوات يدعو إلى الله سراً، وهذا مجمع عليه، ولا يرتاب
فيه أحد، وإن كنا قد ذكرنا: أن الحقيقة ليست هي ذلك.
6 ـ
إن الإسلام يخير الكفار في ظروف معينة بين الإسلام والجزية، والسيف.
وواضح:
أن ذلك إغراء بالتقية، لأن دخولهم في الإسلام في ظروف كهذه لن يكون إلا
لحقن دمائهم، وليس عن قناعة راسخة. وهذا نظير قبول المنافقين في
المجتمع الإسلامي، وتآلفهم على الإسلام، على أمل أن يتفاعلوا مع هذا
الدين، ويستقر الإيمان في قلوبهم.
7 ـ
وحين فتح خيبر قال حجاج بن علاط
للنبي «صلى الله عليه وآله» إن لي بمكة مالاً وإن لي أهلاً وإني أريد
أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك وقلت شيئاً؟! فأذن له رسول الله أن
يقول ما شاء([17]).
([1])
راجع أجوبتك في موضوع بيعة الزهراء «عليها السلام» لأبي بكر،
واعترافها بإمامته.
([2])
راجع على سبيل المثال: أحكام القرآن للجصاص ج2 ص9.
([5])
لكن في عبارة البخاري سقط أظهرته ط سنة 1378هـ. القاهرة .. حيث
وضعت النقيصة في هامش ص25 ج9 فراجع.
([8])
صحيح البخاري ط الميمنية ج4 ص128.
([10])
الكافي (الأصول) ج2 ص40 ـ 41 منشورات المكتبة الإسلامية،
والوسائل ج18 ص8 .
([11])
مسند أحمد ج5 ص159.
([12])
مسند أحمد ج5 ص16 و 168.
([13])
محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني: ج4 ص408 ـ 409 وأحكام
القرآن للجصاص ج2 ص10 وسعد السعود 137.
([14])
تاريخ جرجان: ص201.
([15])
راجع: الكافي (الأصول): ج2 ص217 ط الآخندي، ووسائل الشيعة: ج11
ص465. وراجع: ميزان الحكمة: ج10 ص666 و667.
([16])
النحل / 106. وراجع: فتح الباري: ج12 ص277 ـ 278.
([17])
دراسات في الكافي والصحيح ص338 عن السيرة الحلبية.
|