صفحة : 219  

وكان الرد على المالكي كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وأما ردك على هذا السؤال فنلاحظ عليه:

أولاً: قلت في جوابك: إن الإنصاف للصحابة داخل المصادر الشيعية قليل جداً، قياساً إلى الإنصاف الموجود داخل مدونات السنة والحديث.

ولنا أن نسألك، ما هو مقصودك بإنصاف الصحابة؟!..

فإذا كان مقصودك هو الثناء على أهل الفضل والعدل دون مغالاة، وذم المسرفين على أنفسهم دون التجاوز إلى الفضلاء. كما ذكرت فهذا هو تماماً ما يفعله الشيعة الإمامية، فإنهم يقولون: إن كل إنسان يحاسب وفق ما صدر منه.

ولكن أهل السنة لا يفعلون ذلك ـ على العموم ـ فإنهم في الغالب يسعون لفرض نظرية عدالة جميع الصحابة على الآخرين، ويعتبرون من يريد أن يذكر بعض ما فعلوه، ويحتج به لإثبات فقد هذا الصحابي أو ذاك لشرط العدالة.. وعدم أهليته لبعض المقامات التي تصدى لها.. تثور ثائرة كثير من أهل السنة ويعتبرون ذلك سباً للصحابة. وقد يستحل بعضهم دماء الشيعة بسبب ذلك..

فالمشكلة إذاً تتمحور حول أشخاص بأعيانهم، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان.

فالسنة يزعمون أنهم أهل لما تصدوا له، ويحكمون لهم بالعدالة. وبغيرها من مقامات.

 وينكر الشيعة عليهم ذلك.

ولو قبل أهل السنة بمحاسبة هؤلاء بأعمالهم.. وترتيب آثار تلك الأعمال عليهم، لانحلت المشكلة..

ولو قبل الشيعة بأن يعتبروا أبا بكر وعمر أبرياء من كل ما ينسب إليهم، وقبلوا بأهليتهم (ولكن القبول يحتاج إلى الحجة القاطعة للعذر، والمبرئة للذمة أمام الله تعالى) لمقام الخلافة لانحلت المشكلة أيضاً..

كما أن لعائشة نصيباً في هذا النزاع، بسبب حربها لعلي ومواقفها منه، فلو غض الشيعة النظر عن ذلك لانحلت المشكلة، ولو قبل السنة بترتيب آثار أفعالها عليها لانحلت المشكلة أيضاً.

وليس النزاع بين السنة والشيعة في فضل أهل البيت «عليهم السلام»، إثباتاً أو نفياً.. فإن الجميع مقرُّون بفضلهم، معتقدون به، ولكن نزاعهم فيما هو أكثر من مجرد الاحترام والفضل والمحبة.

إذاً فلا معنى لقولك: الإنصاف للصحابة عند الشيعة قليل، وأن السنة قد أنصفوهم أكثر..

بل الصحيح القول: إن الشيعة قد أنصفوا الصحابة وأهل السنة لم ينصفوهم، بل أرادوا إعطاء بعضهم ما ليس له، وسلب بعضهم الآخر ما هو حق له.

ثانياً: قولك إن الشيعة قد اعتبروا أهل السنة طرفاً مخاصماً لأهل البيت غير صحيح.. بل اعتبروهم طرفاً متحيزاً لبعض الصحابة.. يعطونه أكثر مما يستحق، ويحاولون طمس أمور صدرت منه ضد أهل البيت، وذلك للحفاظ على ذلك الطرف من السقوط، فكان من نتائج ذلك أن التبس الأمر فيما يرتبط بحقوق ومقامات أهل البيت، ونتج عنه تأويلات غير منصفة لأحاديث في حقهم وفي امتيازاتهم.. وتأويلات أخرى لتوجيه ما صدر عن الذين كانت لهم منهم مواقف سلبية كما هو معلوم.

ثالثاً: قولك: إن الشيعة احتجوا بالأحاديث الضعيفة والموضوعة التي رواها أهل السنة في فضل أهل البيت..

غير دقيق أيضاً، فما أكثر ما احتج الشيعة على أهل السنة بالأحاديث الصحيحة عند أهل السنة..

أضف إلى ذلك.. أن تضعيفات أهل السنة لكثير من الأحاديث إنما تستند إلى علل فاسدة، لا تثبت الضعف المزعوم، فراجع كتاب الذهبي وكتاب اللآلئ المصنوعة للسيوطي وغيره من الكتب التي تصدت لذلك، فستجد أن حكمهم على بعض الأحاديث بالوضع إنما هو لمجرد أن راوي الحديث فيه تشيع أو فيه تشيع يسير.. بل لقد اتهموا كثيراً من أئمة الحديث بالتشيع لمجرد روايتهم حديثاً أو أحاديث في أهل البيت «عليهم السلام»، فراجع ما يصفون به عبد الرزاق الصنعاني، والنسائي، والحاكم، وابن ماجة، وو الخ.. وراجع كتاب ميزان الإعتدال للذهبي وغيره..

رابعاً: قولك: إن الضغط على الطرف الشيعي شكل شبكات سرية زادت في رواية واعتقاد الأباطيل والخرافات، يحتاج إلى تحديد، ولو لبعض تلك الشبكات السرية. مع أننا نرى الشيعة ما زالوا يجهرون بعقائدهم منذ الصدر الأول رغم ما كان ينشأ عن هذا الجهر من مصاعب ومصائب.. ولم نجدهم أضافوا شيئاً على عقائدهم..

كما أنه يلزمك تقديم جدول بالخرافات والأباطيل في العقائد.. ولا نريد أن نذكرك بما هو موجود لدى أهل السنة من هذين الصنفين.

 
   
 
 

موقع الميزان