بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وأما ردك على هذا السؤال فنلاحظ عليه:
أولاً: إن الذي يقول:
كل شيعي وسلفي، وأشعري، يصيب ويخطئ لا بد أن يحدد مراده من الصواب
والخطأ، فهل يقصد بالصواب، ما يوافق مذهبه، وبالخطأ ما يخالف مذهبه؟!
أم أنه يقصد وجود خطأ وصواب لدى الجميع؟!
فإن كان يقصد الأول: فهذا هو اعتقاد عامة أهل المذاهب
حتى الوهابية.. لكن الوهابية يزيدون على ذلك: أنهم يكفرون الآخرين
ويرمونهم بالشرك أيضاً.
وإن كان يقصد الثاني:
فلا يجوز له إذن أن يلتزم مذهباً بعينه، بل عليه أن يتحرى الصواب لدى
الجميع، ثم يدعو الناس إلى ذلك الصواب.
وألاحظ ثانياً على قولك:
إن معايير الصواب والخطأ تخضع لمعايير مذهبية واجتماعية إلى الآن..
وأنه ليس هناك معايير شرعية واضحة لتقييم المخالف، وإن
وجدت فلا يرضى بها السني ولا الشيعي..
فأقول:
إن هذا القول.. لا ينسجم مع الحكم بوجود خطأ وصواب لدى
الجميع، فلعل بعض هذه المعايير هي الصواب الشرعي؛ فنفيك الشرعية عن كل
ذلك فيه مجازفة واضحة، ولا سيما مع ملاحظة تعبيرك بكلمة (واضحة)، فلعل
بعضها معيار شرعي، لم يتضح لك، ولكنه واضح لغيرك..
وألاحظ ثالثاً:
أنك قلت: إن المعايير الشرعية الواضحة إن وجدت فلا يرضى بها السني ولا
الشيعي.
وهذا يستبطن اتهاماً منك لأمة كبيرة من المسلمين السنة،
وأمة كبيرة من الشيعة مضت عليهما مئات السنين. بأنهم لا يرضون بالحق،
والشرع، فهل يمكن أن يكون كل السنة والشيعة على مدى أربعة عشر قرناً،
بما في ذلك علماؤهم، وصلحاؤهم وأتقياؤهم، وعقلاؤهم.. لا يرضون بالشرع
والدين إذا ظهر لهم وصار واضحاً؟!..
على أن هذا الاتهام لهم لا ينسجم مع إجابتك على السؤال
السادس، من أنك لا تعقل أن جمهور المهاجرين والأنصار قد تعمدوا تعطيل
وصية النبي، ومعاندتها..
فكيف لا تتعقل ذلك على مجموعة صغيرة من المهاجرين
والأنصار، قد لا يصل عددهم إلى الألفين بين كبير وصغير.. وتتعقل أن
توجد المعايير الشرعية الواضحة, ثم يرفضها السنة والشيعة على مدى
القرون، وهم يعدون بمئات الملايين، بل المليارات؟! ويتعمد كل فريق أن
يطبق الحق على الفريق الآخر، ولا يطبقه على نفسه على حد تعبيرك!!
وألاحظ رابعاً:
أنك استدللت على عدم الأخذ بالمعيار الشرعي بأنك لا تجد إلا نادراً من
يذم من سب أبا بكر وعلياً..
وأقول لك:
أ ـ
إن هذا إنما يصح لو كان المعيار الشرعي عند هؤلاء، هو تعديل أبي بكر
وعلي معاً.. أما إذا كان معيار هذا الفريق هو إدانة أبي بكر، لتعديه
على فاطمة أولاً، وعلى مقام الخلافة ثانياً، ولغير ذلك.. فهو لا يرى أن
من واجبه الدفاع عن أبي بكر.. بل إنه لو دافع عنه، فإنه يخالف المعيار
الذي يراه شرعياً عنده.. وهو يرى أن هذا هو الإسلام الصافي الذي يجب أن
تلتزم به أنت وغيرك..
فلا يصح قولك إذن: إن هذا يدل على أن المعايير التي
نقيّم بها بعضنا بعضاً هي لفظية الإسلام وواقعية المذهب.
لأن غيرك يرى:
أن هذا هو واقعية الإسلام وواقعية المذهب معاً.
ولو أنه دافع عن أبي بكر لكان مخادعاً لك، وغير ملتزم
بأحكام الشريعة.. وبعيداً عن واقع الإسلام.
نعم..
لو أثبتَّ له أنت بالدليل عدل أبي بكر، وبراءته من التعدي على الزهراء،
وعلى علي «عليهما السلام»، فإنه لو لم يدافع عن أبي بكر ـ في هذه
الحالة ـ فإن كلامك هذا يصير في محله. ولا بد من قبوله..
ب ـ
إن علينا أن لا ننسى أنك لا زلت تقحم سب أبي بكر وعمر، وتتهم غيرك به؛
وتجعله المعيار للالتزام الشرعي.
وهذه ممارسة تحريضية ظاهرة منك..
مع أننا قد أعلنا لك أكثر من مرة: أن تأثيم أبي بكر
وعمر، وتخطئتهما في اعتدائهما على علي وفاطمة «عليهما السلام» ليس سباً
لهما، بل هو كاعتقادك أنت بتأثيم البغاة على علي، فإن ذلك منك ليس سباً
لهم.. وإذا ما سب جاهل أبا بكر، فإن هناك جهالاً يسبون علياً، بل هناك
علماء قد سبوه وافتروا عليه على مدى العصور والدهور.. وقد اعترفت أنت
بأن أئمة المساجد قد سبوه على منابر الإسلام عشرات السنين في عهد بني
أمية، وهو عهد الصحابة والتابعين..
ج ـ
وأما حديثك عن العودة إلى المعايير الشرعية، فهو يتوقف كما قلنا على
إثبات هذه الشرعية لما تزعم أنه معيار..
واسمح لي بأن أتنبأ سلفاً بأنك سوف تتهمني هنا بالذات
بالتحيز المذهبي أيضاً..
مع أنني أولاً:
لم أفصح لك بعد عن مذهبي الذي ألتزم به.
وثانياً:
مع أن ما أقوله لك. إنما هو مناقشة لأدلتك ولأسلوبك،
يدخل في دائرة التسديد والدلالة، وليس في ذلك أي وهن عليك، ولا هو عن
كره وعداء شخصي، إذ لا مبرر لأي عداء من هذا القبيل، ومع أنه عين
الصراحة والصدق والجهر بالحق.. من دون اعتماد المجاملات، وكذلك من دون
التعدي والبغي.
وإذا ما كانت طريقتنا هذه تثقل على نفسك، فإن الخيار لك
في مواصلة الحوار، أو الاعتذار بضيق الوقت لديك تارة، أو بغير ذلك
أخرى.
|