بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
بداية، أقول:
قد تحدثت عن تحريف القرآن عند الشيعة، ولم أكن أحب أن
أجاريك الحديث حول هذا الموضوع لسبب هو: أنني بعد أن اطلعت بصورة مفصلة
وواسعة على ما عند أهل السنة في هذا الموضوع، ظهر لي أنه يوجد عشرات
الشواهد على أن التحريف ثابت في رواياتهم، وأقوالهم صريحة فيه حيناً،
ومستلزمة له حيناً آخر.. بل إنهم لا يزالون يصرون عليها إلى يومنا
هذا..
نعم بعد أن ظهر لي ذلك وجدت نفسي في حيرة شديدة.. فإن
طرح هذا الموضوع للتداول الواسع له حسناته. وأهمها:
تنبيه أهل السنة إلى هذا الأمر، للعمل على معالجته،
وإبعاد شبحه البغيض عن الساحة، وتثبيت قلوب شبابنا، وترسيخ يقينهم
بسلامة القرآن عن أي تحريف..
ثم تقديم الدليل القاطع الذي يمكن أن يواجه به الأعداء
وأهل الريب، الذين يسعون إلى إبعاد الناس عن القرآن وتشكيكهم به..
وله أيضاً سيئاته..
وأهمها:
أن يثير الأعداء الشبهة في نفوس الناس البسطاء والعاديين بأن يقولوا
لهم: إن أهل السنة يثبتون على الشيعة قولهم بالتحريف.. ويسوقون الأدلة
على ذلك بإصرار وعناد.. وهناك أيضاً من يثبت بقوة وبأدلة قاطعة: أن أهل
السنة هم بين من يقول بالتحريف.. وبين من يلتزم ـ بقوة وصلابة ـ بما
يلزمه التحريف.. فالتحريف ثابت، فلماذا يتنصل منه هؤلاء وأولئك؟!..
كما أن إثبات الاتهام على السنة والشيعة يعطي فرصة..
لتسرب شبهة إلى ذهن من تعوزهم الثقافة الكافية مفادها: أن من يحشد
الأدلة لتنزيه القرآن عن شبهة التحريف، قد يكون مقصراً في فهمه
للنصوص.. ومشتبهاً فيما يسوقه من أدلة، فيتخيل أنها تثبت مطلوبه، مع
أنها ليست كذلك..
وحتى لو اقتنع بما يقدم له من أدلة.. فإنه سيبقى لديه
قابلية التفاعل مع ما يثار من شبهات وتشكيكات. وتقل حصانته ومناعته
تجاهها..
وبعد هذه المقدمة أقول:
أ ـ
بالنسبة لكثرة أحاديث التحريف عند الشيعة، أشير إلى ما يلي:
1 ـ
إن من يكون بيته من زجاج فعليه أن يكف عن قذف الناس بالحجارة.. وأهل
السنة في أمر التحريف في حرج شديد. وفي مأزق حقيقي.. ولذلك فإنني آمل
أن لا تجرنا إلى طرح هذا الموضوع بصورة تفصيلية.. فإن لدينا كماً
هائلاً جداً من روايات أهل السنة في هذا الموضوع..
بل أستطيع أن أقول لك:
إن المحدث النوري قد أورد في كتابه فصل الخطاب اثني عشر دليلاً، عشرة
منها أخذها من كتب أهل السنة، التي كانت سبب انخداع ذلك المحدث..
وإليك بياناً بالأدلة التي اعتمد
عليها:
وفقاً لما جاء في كتاب: حقائق هامة حول القرآن..
أولاً:
استدل بروايات أهل السنة، وقليل منها عن الشيعة، القائلة: بأن ما وقع
في الأمم السالفة، سيقع في هذه الأمة.. قال: ومن ذلك تحريف الكتاب.
ولكنه استدلال باطل؛ لأن المقصود بهذه الروايات، هو
خصوص الحوادث الاجتماعية، والسنن التاريخية، بصورة كلية، وعامة..
وإلا..
فإن كثيراً من الأمور، قد حدثت في الأمم السالفة، دون هذه الأمة، وذلك
مثل:
عبادة العجل.. وتيه بني إسرائيل.. وغرق فرعون.. وملك
سليمان.. ورفع عيسى.. وموت هارون وهو الوصي قبل موسى النبيّ.. وعذاب
الاستئصال.. وولادة عيسى من غير أب.. وقصة أهل الكهف، وقصة الذي أماته
الله مئة عام، ثم بعثه.. وغير ذلك..
فلو صحت الرواية.. فهي تدل على وجود شبه ما بين ما يقع
في هذه الأمة، وما يقع في الأمم السالفة، من بعض الوجوه.
فالتحريف الذي وقع في الأمم السالفة، قد وقع نظيره في
هذه الأمة، ولكنه كان تحريفاً في معاني القرآن، وحدوده، وإن كانوا قد
أقاموا حروفه.. والنتيجة المتوخاة من التحريف الواقع، في هذه الأمة،
وفي الأمم الخالية، واحدة..
ومما يدل على وجوب صون القرآن من التحريف في حروفه: أنه
المعجزة الخالدة، فلا بد ـ بعد إثبات صفتي الإعجاز، والخلود له ـ من
حفظه ليبقى إعجازه، أما الكتب السالفة، فلم تكن هي معجزة الأنبياء
أصلاً، فضلاً عن أن تكون معجزة خالدة، فلا يجب تكفل حفظها منه تعالى..
هذا كله.. عدا عن أننا نقول:
إنه ليس من سنن الكون تحريف الكتب، والتلاعب فيها، بل السنة، هي بقاؤها
سليمة على حالها.
والتلاعب فيها، هو المخالف للسنن، الجارية على أصول
وقواعد، صحيحة ودقيقة..
واستدلّ ثانياً:
بروايات أهل السنة حول جمع القرآن، وانه قد كان بشاهدين، مما يعني: عدم
تواتر القرآن لنا، وإمكانية وقوع التحريف فيه..
وقد تقدم عدم صحة هذه الروايات، وأثبتنا: أنه قد جمع في
عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنه محفوظ لدى قراء الأمة
وحفاظها، ومتواتر على لسان الألوف المؤلفة، في جميع الطبقات..
واستدلّ ثالثاً:
بروايات أهل السنة حول الآيات التي يدعى نسخ تلاوتها؛ فرفض نسخ
التلاوة، واعتبر هذه الروايات دالة على تحريفهم الكتاب.
ونحن نوافقه على رفضه لنسخ التلاوة.. وبالنسبة لأمثلته،
فقد قلنا فيما سلف: إنها إما دعاء، أو من كلام الرسول، أو كلام بعض
الصحابة، أو أخبار آحاد مكذوبة، وضعها أعداء الإسلام.
ثم استدلّ رابعاً:
بروايات أهل السنة، حول اختلاف مصاحف السلف، ورواياتهم في تقديم وتأخير
بعض الآيات، وحول أن ترتيب القرآن كان باجتهاد من الصحابة..
ونقول:
إن هذا المقدار ـ لو سلم ـ فهو لا يعني تحريف القرآن..
أما دليله الخامس، فهو: اختلاف مصاحف الصحابة في ذكر
بعض الكلمات، والآيات والسور.
ونقول:
قد عرفنا أن ذلك إما تفسير، أو تأويل، أو دعاء، وما إلى
ذلك..
واستدلّ سادساً:
بأن أبي بن كعب، وهو أقرأ الأمة، قد زاد في مصحفه سورتي: الخلع والحفد..
ونقول: قد تقدم:
أنهما دعاء كتبه في مصحفه، ولم يكتبهما على أنهما قرآن..
ودليله السابع هو:
ما رواه أهل السنة من إحراق عثمان للمصاحف، وحمله الناس على قراءة
واحدة.
ونقول:
إن أمير المؤمنين علياً «عليه السلام»، قد أيده في ذلك، لكثرة ما ظهر
في الناس من اللحن في القراءة، والقراءة باللهجات المختلفة وغير ذلك..
فهذا من العمل على حفظ القرآن من التحريف، وليس العكس.
ودليله الثامن:
هو روايات أهل السنة حول نقص القرآن، وذهاب كثير من آياته وسوره.
ونقول:
قد ذكرنا نحن في هذا الكتاب جلّ، إن لم يكن كل هذه النصوص في المباحث
المختلفة. وأجبنا عنها، وإن بقي ثمة شيء منها، فالجواب عنه يعلم مما
ذكر..
واستدلّ تاسعاً:
بما ورد في كتب الشيعة: من أن أسماء الأئمة «عليهم السلام» قد وردت في
الكتب السماوية، فلا بد وأن تكون قد وردت في القرآن أيضاً، ثم حذفت.
ونقول:
لا ملازمة بين تحريف الكتب السالفة، وتحريف القرآن، ولا
بين ذكرها فيها، وذكرها فيه.
بل لقد تقدم ما يدل على أن عدم ذكر اسم علي «عليه
السلام» في القرآن، إنما هو لئلا يتعرض القرآن للتحريف.
واستدلّ عاشراً:
بروايات أهل السنة حول اختلاف القراءات، ويدعمون ذلك بما ورد من أن
القرآن قد نزل على سبعة أحرف.
ونقول:
قد تقدم أنه استدلال لا يصح، وحديث نزول القرآن على سبعة أحرف لا يصح
أيضاً..
ودليله الحادي عشر:
هو روايات منسوبة إلى الشيعة حول وقوع التحريف في القرآن.
ونقول:
وهو أيضاً استدلال فاسد؛ لأنها روايات ظاهرة التأويل،
لأن المراد بها تحريف المعنى لا اللفظ، وقد تقدم بعض ما يرتبط بذلك..
كما أن بعض الأحاديث النادرة الأخرى إنما رواها الغلاة
والضعفاء، والمنحرفون عن مدرسة أهل البيت «عليهم السلام»، وهي مخالفة
للضرورة القطعيّة، فلا يلتفت إليها، ولا يعتد بها.. وتقدم أن بعضها
يقصد به ذكر التأويل والتفسير المنزل، وليس ذلك من القرآن في شيء.
الثاني عشر:
استدل بروايات كثيرة ـ لربما تصل إلى الألف رواية، ذكرت فيها موارد
مخصوصة من الآيات المحرفة..
ونقول:
إن أكثرها يدخل في الأقسام التي تقدمت في البحوث
السابقة، أو ترجع إلى التفسير وشأن النزول، أو التأويل، كما أن التكرار
فيها كثير وظاهر.
|