صفحة 289:   

السؤال رقم (17):

كان للأخ «عبيد» سؤال طرحه على حسن بن فرحان المالكي، فأجابه بما يلي:

الأخ عبيد:

اختلف المسلمون في الأولى بالخلافة بعد الرسول «صلى الله عليه وآله» وهذا الاختلاف قديم من أيام السقيفة واعتصام بني هاشم ومن معهم ببيت الزهراء.

فيجب أن نعترف أن هناك اختلافاً حصل بين المهاجرين والأنصار ثم بين المهاجرين أنفسهم.

من رأى أن الإمام علي أكفأ الناس بعد النبي «صلى الله عليه وآله» فهو رأي إسلامي أصيل سبقه إليه عمار وسلمان والمقداد وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وغيرهم..

ومن رأى أن أبا بكر أولى بالخلافة فهذا رأي إسلامي أصيل كان عليه أكثرية المهاجرين وانضم إليهم أكثر الأنصار.

ومن رأى أن سعد بن عبادة أولى فهو رأي إسلامي أصيل وكان عليه أكثر الأنصار قبل رجوعهم.

فلا أرى الموضوع يحتاج لخصومة ومعرفة رأي فلان وفلان.
نعم قد يكون الإمام علي محل رضا أكثر الأنصار وقسم من المهاجرين وكل بني هاشم وقد تكون هذه النسبة أعلى من النسبة التي كان سيحققها أبو بكر بل كان الأنصار وحدهم أكثر من المهاجرين بنسبة (1ـ7) وكانوا يميلون إلى علي، ويفضلون ولايته على ولاية أبي بكر. وقد نص على هذا بعض
علماء السنة كابن عبد البر.

والمشكلة ـ في ظني ليست في (الأولى) بعد حصول الخلاف، إنما المشكلة أن الصحابة لم يستطيعوا إدارة أول الخلاف بطريق الشورى ولم يؤسسوا (طريقة مقنعة) في اختيار الحاكم.

فلو أن الصحابة في السقيفة من المهاجرين والأنصار اتفقوا على اختيار ممثلين لهم وليكن عددهم أربعين أو ثلاثين أو نحو ذلك ثم يتم الاجتماع ـ بعد غسل الرسول «صلى الله عليه وآله» ودفنه ـ ليختاروا الأنسب بطريق الترشيح لكان هذا أولى وأقطع للخلاف.

لكن التنازع والخلاف والتسرع في (الاختيار) دون حضور بعض كبار الصحابة الذين هم من كبار أهل الشورى كعلي وعمار ونحوهما أدى إلى (اختلال) في النظرية السياسية عند المسلمين فنحن اليوم لو مات ملك أو رئيس دولة لرأينا أن من الأنسب أن يجتمع عقلاء القوم اجتماعاً شوروياً لاختيار من يرونه الأكفأ، أما لو ذهب قسم منهم ليختلف مع قسم ثان وهناك قسم ثالث غائبون لما أدى هذا لاطمئنان الناس إلى صحة الاختيار.

ثم ليس الاجتماع الشوروي وتشكيل ممثلين للناس من أجل اختيار الحاكم فقط، بل لتيسير الأمور الأخرى كالموقف من تدوين العلم ونحو ذلك.

كلنا يتمنى لو قام الصحابة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» مباشرة ودوّنوا الأحاديث الصحيحة الجامعة والسير والمغازي والأحكام الفقهية.. الخ، لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه.

كلنا يتمنى لو اتفق المهاجرون والأنصار على تشكيل قوة لحماية المدينة على أن يتم الاتفاق على ترشيح أحد كبار الصحابة ـ وليكن أبا بكر أو عليا أو عمر أو سعد بن عبادة ـ لتولي الخلافة وتحديد المهام الموكلة إليه، وتحديد المهام الموكلة لأهل الشورى، وللأمة ولبعضهم في كتابة القرآن والأحاديث وإبداء الرأي الشرعي في مسألة مانعي الزكاة وتراث النبي «صلى الله عليه وآله» والموقف من القبائل المسلمة حديثاً و.. الخ.

كثير من الأمور كنا نتمنى أن يتم فيها التأني والتروي حتى لا تصبح هناك ضبابية يدخل منها كل فرد برأي وتفسير ويخرج منه بطائفة وفرقة.

المسألة أهم من معرفة (الخليفة بعد النبي) كنا نريد من الصحابة والتابعين (تأسيس) لطريقة اختيار الحاكم وللشورى وبيت المال وحرية التعبير وتدوين العلم وتعيين الولاة و.. الخ.

لكن يجب أن نراعي ذلك الزمن ببساطته فلا نحاكمه بما استجد من الأحداث التي حدثت بعد ذلك، إضافة إلى أن الظلم الأموي لم يترك للتابعين فعل هذا وكذا استمر الظلم العباسي مع المنهج نفسه.

أنا شخصياً لا يهمني من يكون الخليفة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» بقدر ما يهمني (التأسيس) لطريقة الحكم وإدارة الدولة وشروط تحقيق العدالة.

وتكوين (ثقافة إدارية) تحول دون وصول الظالم إلى الحكم في المستقبل، وتثقيف المسلمين تلك الثقافة التي يحددون بها الموقف من الثقافات الأخرى والتي يتخلون بموجبها الجميع عن التعصبات القبلية وارتجالية الرأي والانفراد بالقرارات الصعبة التي تحتاج للشورى.

ربما لو حدث هذا لما سقطت الحضارة الإسلامية ولكانت رايات الإسلام تخفق في أرجاء أوروبا وآسيا.

لكن الخطأ اليسير يبني عليه الظالم الجور الكبير، مثلما الوصية لفرد (كوصية أبي بكر لعمر) حسن نية أبي بكر واستحقاق عمر إلا أن الوصية استغلها بنو أمية فأوصوا للأبناء الفسقة الذين كان لظلمهم أبلغ الأثر على طريقة الحكم والعدالة والعقل المسلم والنفس المسلمة.. الخ..

الكلام يطول لكنني أؤكد على بساطة ذلك العصر وتلقائيته، ربما لو عرف السابق أن انفراده بالقرار سيبني عليه اللاحق مظالم عديدة لما فعل ذلك.

لقد كان الاختلاف البريء بين الصحابة في الإمامة بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» مدخلاً لظلمة بني أمية وبني العباس لاستيلاء الفاجر على إدارة المسلمين.

كانت خلافة الخلفاء الراشدين محل رضى من الأغلبية حتى لو كانت طريقة الاختيار محل نظر، لكن كيف تم استغلال هذا الخلل ممن بعدهم؟

الجميع يتذكر قول مروان إن أمير المؤمنين معاوية قد رأى في ابنه يزيد رأيا حسناً سنة أبي بكر وعمر!! والحديث في صحيح البخاري ـ كتاب التفسير، تفسير سورة الأحقاف.

فمعاوية بنى على مسألة (الوصية) التي لم يوص بها أبو بكر لأحد قرابته ولا عمر وإنما أوصوا بالخلافة لرجال من كبار الصالحين.. لكن مسألة الوصية ذاتها ـ بلا تشكيل مجلس شورى موسع يمثل الأمة ـ أدى إلى استغلال معاوية لهذا وزعم أن وصيته ليزيد السكير الفاسق كوصية أبي بكر لعمر أو عمر للستة!!

من هنا كان من المفترض أن يتنبه كبار الصحابة لعملية الاستغلال التي قد يقوم بها الظلمة في المستقبل بناءً على طريقة كان فيها نوع من الانفرادية وإن أصاب الخليفة في الاختيار وكان المختار صالحاً عادلاً.

ـ أما حديث الغدير فقد سبقت إجابات عن صحته والاختلاف في دلالته.

ـ أما قولك بأنه لم يسبق أن قال الرسول «صلى الله عليه وآله» في أحد من الخلفاء قبل علي ما قاله في علي من حيث كم الأحاديث، فهذا صحيح وقد اعترف به أهل السنة فقال الإمام أحمد «لم يرو في فضل أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد كما روي في فضل علي».

لكن من يعترف بهذا من أهل السنة كالإمام أحمد وغيره لا يرون الكثرة دالة على أنه الأفضل فيرجعون هذا لأسباب من أهمها أن الإمام علي انتقصه بنو أمية وسبوه على المنابر فكانت مسوغة لنشر فضله، لكن هذا السبب محل إشكال أيضاً فسب الخلفاء السابقين أو انتقاصهم وخاصة عثمان كان في الصدر الأول أيضاً ولم ينقل في فضلهم هذا الكم من الأحاديث.

المسألة الثانية: أن الأحاديث في فضل علي ليست (مسألة كم) فقط، بل أحاديث عظيمة الدلالة كحديث المنزلة والراية والغدير وحديث زر بن حبيش في مسلم وحديث الطير والمؤاخاة ونحوها من الأحاديث ذات المدلول العظيم في الفضل.


 
 
   
 
 

موقع الميزان