وقد حاول ابن كثير توجيه مراد زيد بن أرقم، باحتمال كون
مقصوده:
أن المراد بـ «الأهل»
ليس الأزواج فقط، بل هم مع آله. وهذا الاحتمال أرجح؛ جمعاً بين القرآن
والأحاديث المتقدمة، إن صحت، فإن في بعض أسانيدها نظراً، والله أعلم([1]).
ونقول:
إن هذا التوجيه غير وجيه وغير راجح، فإن الكلام الآخر
لزيد بن أرقم، الذي أشار إليه ابن كثير لا ينافي قول زيد المذكور هنا،
لأن نص عبارته في ذلك الكلام هكذا:
قيل له:
أليس نساؤه من أهل بيته؟!
قال:
نساؤه من أهل بيته، لكن أهل بيته من حرموا الصدقة بعده الخ.
فكلام زيد هذا لا ينفع ابن كثير، لإثبات إرادة الزوجات
والأقارب في النسب.
وذلك:
أولاً:
لأنه
قد قرر بعد ذلك: أن المراد بـ «أهل البيت»
هم من حرم الصدقة بعده «صلى الله عليه وآله»، ولا يصدق ذلك على
الزوجات.
ثانياً:
الظاهر
أن قوله: نساؤه من أهل بيته، استفهام إنكاري، قد حذفت منه أداة
الاستفهام تخفيفاً، وليس إقراراً منه بأن النساء من «أهل
البيت»
أيضاً. لأنه قد عقبه بقوله: «ولكن»،
الدالة على أن ما بعدها هو الصحيح، وإلا لكان الأصح أن يقول هكذا:
«نساؤه من أهل بيته، وكذا من حرموا الصدقة بعده».
أو يقال:
ـ كما ذكره بعض الأخوة ـ إنه يريد أن نساء النبي من أهل بيته بالمعنى
العام جداً لعبارة «أهل بيت
الرجل»
ولكن آية التطهير لا يقصد بها ذلك المعنى العام، بل المقصود بها من حرم
الصدقة من بعده، أي أن زيداً يريد نفي صدق الآية على الزوجات، حتى لو
صح إطلاق كلمة «أهل البيت»
عليهن في الموارد الأخرى.. ولو كان مراده أن الزوجات من «أهل
البيت»
أيضاً لم يصح الاستدراك منه بكلمة «ولكن».
ثالثاً:
إن إرادة من عدا النساء لا ينافي القرآن، كما شرحناه
وذكرنا دلائله وشواهده، الدالة على خروج النساء عن مفاد الآية، خصوصاً
وأن ذلك قد ورد في كثير من النصوص الصحيحة والمتواترة عنه «صلى الله
عليه وآله»، فدعوى: الحاجة إلى وجه الجمع الذي ذكره، لئلا يقع التنافي
بين القرآن والأحاديث، ليست مقبولة.
ملاحظة:
إن تشكيكات ابن كثير في صحة روايات أحاديث الكساء غير
مقبولة ولا معقولة، بعد أن كانت متواترة، كما أن روايتها موجودة في
الصحاح، وغيرها بأسانيد صحيحة أيضاً. حتى لقد اعترف بصحتها من هو مثل
ابن تيمية، المعروف بانحرافه عن علي «عليه السلام» وأهل بيته.
أضف إلى ذلك:
أن ابن كثير نفسه لم يستطع الصمود أمام الحقيقة، التي هي من الوضوح إلى
درجة أدرك معها أن إنكارها سيكون على حساب سمعته ودرجة اعتباره، فاضطر
إلى القول معقباً: «فإن في بعض أسانيدها نظراً».
وهذا معناه أن البعض الآخر من أسانيدها لا غبار عليه
ولا مجال للكلام فيه.
([1])
تفسير القرآن العظيم ج3 ص486.
|