قوله: «ثانياً: وأما قوله بأن الله لم يرض حتى بنسبة
البيت الذي هن ساكنات فيه إلى رسوله، فهو فاسد من وجهين:
1 ـ
إن الرسول «صلى الله عليه وآله»، يسكن في ذلك البيت الذي تحدث عنه
السيد، فهو بيت الرسول شئنا أم أبينا.
2 ـ
القرآن الكريم يبطل هذا الكلام، وليت السيد يقرأ بقية سورة الأحزاب،
فالله تعالى، وبعد عدد من الآيات يقول: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَ
أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ
وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ
فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ
يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي
مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا
كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا
أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ
عَظِيماً﴾([1]).
وهذه الآية الكريمة تمنح بيوت النساء الشرف بنسبتها إلى
رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وتبين أنها بيوته «صلى الله عليه
وآله»، واقعاً.. وتسلط الضوء على حرمة هذه البيوت، وأسلوب التعامل
معها، وتوضح شيئاً من موقع زوجات الرسول في الأمة..
وكلمة (بعده) لا تعني بعد وفاته «صلى الله عليه وآله»،
بالضرورة كما قال السيد جعفر ـ والله العالم ـ بل قد تعني حتى في حال
طلاقه لهن».
أقول:
أولاً:
إننا لم نستدل بهذه الاحتمالات، ولم نجعلها ملاك الرفض، والقبول، بل
ذكرنا ذلك بعنوان «إحتمالات لها ما
يبررها».
وثانياً:
إن هذا الرجل لم يلتفت إلى ما نهدف إليه في كلامنا: فإننا نريد أن
نقول: إنه تعالى هنا، حينما كان يتحدث عن الزوجات، ويأمرهن وينهاهن،
مشدداً عليهن في ذلك، ومتوعداً التي تخالف منهن بالعذاب ضعفين، ومبشراً
من تطيع منهن بالثواب الجزيل والعظيم، فإنه لم يشرفهن بنسبة البيوت
الساكنات فيه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» رغم أنه بيته، وهو
الذي أسكنهن فيه. مع أنه قد كان من الممكن أن يقول لهن: واذكرن ما يتلى
في بيوت النبي. لأن المقام مقام التشدد والتشديد عليهن كما قلنا..
ولعل سبب نسبة البيوت إليهن ـ كما ذكره بعض الأخوة ـ هو
أن ذلك أقوى في الزجر والتحذير، فإن من تنزل الآيات في بيته، لا بد أن
يتأثر بها، بخلاف ما لو كان الحديث عن بيوت غيره، لعدم وجود إشارة
واضحة إلى أن هذا البيت بيته.
وأما الآية التي تنهى الناس عن دخول بيوت النبي «صلى
الله عليه وآله»، إلا أن يؤذن لهم، فهي في مقام التشدد على المؤمنين
الذين يؤذون رسول الله في أهله.. فنسبة البيوت إليه «صلى الله عليه
وآله»، تكون أدعى في الزجر، وأوقع في النفوس مما لو نسبت لغيره «صلى
الله عليه وآله».
وثالثاً:
إن نسبة البيوت له «صلى الله عليه وآله»، في تلك الآية تفيد تعظيم هذه
البيوت به «صلى الله عليه وآله»، فيكون الإقدام على المساس بها إقداماً
على المساس برسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه.. بواسطة زوجته، ولا
يرضى أحد بأن يتطفل أحد على زوجته حتى لو كانت شر زوجة، لأنها عرضه
وناموسه وشرفه و.. و..
ورابعاً:
إن هذه البيوت هي بيوت النبي، وقد أسكن بها أزواجه، ثم نسبها إليهن في
هذه الآيات، ولم ينسبها للنبي «صلى الله عليه وآله»، والسؤال هو: لماذا
لم ينسبها إليه «صلى الله عليه وآله» كما نسبها في آية نهي المؤمنين عن
دخول بيوت النبي إلا بإذنه؟!
فإن لم يكن هو خصوص ما تقدم من أن ذلك أقوى في تحريضهن
على تذكر ما ينزله الله تعالى فيها، وأدعى للإنزجار بزواجرها،
والإئتمار بأوامرها، فلا بد أن يضاف إلى ذلك: أن المقصود هو إبعاد شخص
النبي «صلى الله عليه وآله» عن بيت قد تصدر من ساكنيه بعض الهفوات، فلا
يريد الله سبحانه أن يلحق نبيه حتى ولو في مستوى التوهم أي حزازة، تنشأ
عن الإلماح إلى أنه «صلى الله عليه وآله» في جملة ساكني تلك البيوت،
الذين يحتمل في حقهم ذلك الاحتمال الذي يبغضه الله تعالى..
وخامساً:
قوله: «إن آية: أمر المؤمنين بعدم الدخول إلا بعد الإذن توضح شيئاً من
موقع زوجات الرسول في الأمة..».
يدعونا للسؤال:
كيف؟! وبماذا؟! ولماذا؟! خصوصاً، بعد أن عرفنا أن دلالتها على ضد ذلك
أوضح، وهي فيه أصرح.
وسادساً:
قد ورد في نفس آية النهي عن دخول بيوت النبي «صلى الله عليه وآله» إلا
بإذنه، ما يشير إلى أن الحديث مع النساء قد يؤثر في طهارة قلوبهن، وذلك
لا يتلاءم مع ذلك التشريف والتكريم لهن، بل ذلك يمثل وضع علامة استفهام
على مدى التزامهن بالأحكام الشرعية..
وسابعاً:
بالنسبة لكلمة «من بعده»
التي ليس لها دور في موضوع البحث.
نقول:
1 ـ إنهم يقولون:
إنها رد على طلحة حينما قال: لئن مات رسول الله لنجلسن بين خلاخيلهن
الخ.. فجاءت الآية رداً عليه..
2 ـ
لو صح ما قاله هذا المستدل للزم أن يمنع «صلى الله عليه وآله»، من
تزويج النساء اللواتي طلقهن في حال حياته، ولكنه لم يحرك ساكناً في هذا
المجال..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على
سيدنا محمد وآله الطاهرين..
([1])
الآية 53 من سورة الأحزاب.
|