الآية الأولى

   

صفحة :   

الآية الأولى:

قوله تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾([1]).

فنجد في هذه الآية فقرات ثلاث تدل على مبدأ المقابلة بالمثل، وقد قرر المفسرون ـ وكذلك بعض الروايات ـ دلالة الآية على ذلك بصورة قاطعة، وحيث إن نقل أقوالهم وعباراتهم الصريحة في ذلك مما يطول به المقام، فإننا نكتفي بنقل بعضها، ونكل أمر الإطلاع على سائرها إلى من يتعلق غرضه بذلك، فنقول:

قال الشوكاني: «..إن كل حرمة يجري فيها القصاص، فمن هتك حرمة عليكم، فلكم أن تهتكوا حرمة عليه قصاصاً»..

وقال: وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ..﴾ في حكم التأكيد لقوله تعالى: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾([2])»([3]).

وقال السيد العلاّمة الطباطبائي «رحمه الله»: «..والمعنى: أنهم لو هتكوا حرمة الشهر الحرام بالقتال فيه، وقد هتكوا حين صدوا النبي وأصحابه عن الحج عام الحديبية.. إلى أن قال: ولو هتكوا حرمة الحرم، والمسجد الحرام بالقتال فيه، وعنده، جاز للمؤمنين معاملتهم بالمثل، فقوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام، بياض خاض، عُقب ببيان عام يشمل جميع الحرمات..

إلى أن قال: فالمعنى: أن الله سبحانه إنما شرع القصاص في الشهر الحرام، لانه شرع القصاص في جميع الحرمات، وإنما شرع القصاص في جميع الحرمات، لأنه شرع جواز الاعتداء بالمثل»([4]).

وقريب منه ما ذكره: الفاضل الجواد، والمقداد السيويري، والأردبيلي، وصاحب الجواهر، والزمخشري، والقرطبي، والطوسي، والنيسابوري، والشوكاني، والطبرسي، والرازي، والجصاص، والراوندي، وغيرهم([5])، ولذا فلا نرى حاجة إلى ذكر كلماتهم، فإنهم جميعاً، قد أكدوا على أن الآية بصدد بيان مبدأ المقابلة بالمثل، وتكلموا حول ذلك مشروحاً، فليراجع كلماتهم من أراد..

ولكن من الواضح: أن الآية وإن كانت مطلقة، إلا أنه يمكن تقييدها بصورة ما لم يكن ذلك من الأمور المحرمة في الشرع بصورة مطلقة، أو بغير ذلك كما سيأتي توضيحه، فإن المطلق يحمل على المقيد، في مثل هذه الموارد..

وقال الفاضل المقداد، بعد كلام له في تقرير مبدأ المقابلة بالمثل في الآية، وعموم الحكم، قال: «.. وفي الآية أحكام:

1ـ إباحة القتال في الشهر الحرام، لمن لا يرى له حرمة، أعم من أن يكون ممن كان يرى الحرمة، أولا، لأنه إذا جاز قتال من يرى حرمته، فقتال غيره أولى..

2ـ أنه يجوز مقاتلة المحارب المعتدي بمثل فعله، لقوله: الحرمات قصاص..» ([6]).

وسيأتي عن القرطبي، أنه: «لا خلاف بين العلماء في أن هذه الآية أصل المماثلة في القصاص فمن قتل بشيء، قتل بمثل ما قتل به، وهو قتل الجمهور»([7]).

وأخيراً.. فقد قال الشيخ محمد كاظم الشيرازي: «..إن ظاهر الآية: المماثلة في المعتدي به، لأن الحمل على المماثلة في الاعتداء، بجعل [ما] مصدرية، يستلزم زيادة كلمة الباء. وكون [مثل] صفة لمفعول مطلق محذوف. يعني: فاعتدوا عليه اعتداء مثل اعتدائه عليكم، وهو خلاف الظاهر»([8]).

والمراد بالمماثلة في المعتدي به هو النسخية بنظر العرف، وان اختلفت في بعض الخصوصيات..


 

([1]) الآية 194 من سورة البقرة.

([2]) الآية 194 من سورة البقرة.

([3]) راجع: فتح القدير ج1 ص192.

([4]) تفسير الميزان ج2 ص63.

([5]) راجع: الجامع لأحكام القرآن ج2 ص355 و 356 وجواهر الكلام ج21 ص32 وفتح القدير ج1 ص192 وزبدة البيان ص310 ومسالك الأفهام إلى آيات الأحكام ج2 ص325 و 324 وأقصى البيان ج1 ص423 والتبيان ج1 ص150 و 151 وكنز العرفان ج1 ص237 وغرائب القرآن للنيسابوري (بهامش الطبري) ج1 ص131 و 134 وفقه القرآن ج1 ص336 و 337 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص261 و 262 ومجمع البيان ج1 ص287 و 288 وتفسير الرازي ج5 ص134 والدر المنثور ج1 ص206 و 207 وفي ظلال القرآن ج1 ص191.

([6]) كنز العرفان ج1 ص344.

([7]) الجامع لأحكام القرآن ج2 ص356.

([8]) بلغة الطالب في حاشية المكاسب ج2 ص255.

 
   
 
 

موقع الميزان