مع الروايات والفتاوى أيضاً:
وبشيء من التفصيل في ذلك نقول:
قد أفتى الفقهاء بجواز قتل العدو من المشركين، بجميع
أسباب القتل، كرمي الحيات القواتل، والعقارب، وكل ما فيه ضرر، حتى
بالنار، كما ويجوز رميهم بالنفط، وتغريقهم بإرسال الماء، وفتح البثوق
عليهم، كما ويجوز منع الماء عنهم، وتخريب منازلهم، وحرقها، وقطع
الأشجار لحاجة، والحصار، ومنع السابلة من الدخول والخروج، وكلما يرجى
به الفتح.. وقال صاحب الجواهر: إنه لم يجد في أكثر ما تقدم خلافاً([1]).
ونقول:
إن بعض الفقهاء قد حكم بكراهة بعض ما تقدم، مع القدرة
عليهم بغيره، وجوزوه مع الحاجة. كما ان بعض العامة قد منع منه([2]).
ولكن هناك خلاف بالنسبة لتحريقهم بالنار، بين مانع
ومجيز: «قال بعضهم: إن ابتدأ العدو بذلك جاز، وإلا فلا»([3]).
وقال أبو الصلاح: «لا يجوز حرق الزرع، ولا قطع الشجر،
ولا قتل البهائم، ولا خراب المنازل ولا التهتك بالقتلى»([4]).
ولسنا هنا في صدد تتبع كلمات العلماء في هذا المجال.
وأما إلقاء السم في بلاد المشركين فقد روي النهي عنه([5]).
وذهب ابن إدريس، والشيخ في النهاية، وغيرهما إلى تحريمه([6])،
ومنع منه بعض آخر([7]).
وآخرون حملوا النهي الوارد في الرواية على الكراهة، وهو
ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط أيضاً([8]).
واستدل المجوزون برواية حفص بن غياث المتقدمة، وبدخوله
تحت قوله تعالى:
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾([9]).
وقال في الإيضاح: «..والأقرب عندي تحريمه، إن كان يؤدي
إلى قتل من يحرم قتله..
إلى أن قال: وإن لم يؤد، أو توقف الظفر عليه، جاز»([10]).
وبعد.. فقد روي: أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
قد نصب المنجنيق على الطائف، وضربهم به([11])..
واستدل الفقهاء بذلك على جواز ضرب العدو بما يعم
إتلافه..
وإن كان بعضهم قد أنكر أن يكون «صلى
الله عليه وآله»
قد فعل ذلك([12]).
هذا عدا عن أنه «صلى
الله عليه وآله»،
قد هدم حصن مالك بن عوف، أو أحرقه..
([13])
كما ويذكرون أيضاً: أنه «صلى
الله عليه وآله»،
قد خرب حصون بني النضير، وخيبر، وخرب ديارهم([14]).
وأما بالنسبة لقتل الشيوخ من المشركين، فلا ريب في جواز
قتل القادة منهم، وكذا الحال بالنسبة لأهل الرأي في الحرب. وقد قتل
المسلمون دريد بن الصمة في بعض الحروب، ولم ينكر عليهم رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
ذلك. ويقال: إنه كان له مئة وخمسون سنة، وكان المشركون يحملونه معهم في
قفص حديد، ليعرّفهم كيفية القتال([15]).
وأما بالنسبة لقتل نساء المشركين، فقد روي المنع عنه
أيضاً. واستثنى العلماء صورة ما لو شاركن في القتال، أو دعت الضرورة
إلى ذلك([16]).
وهو ما تشير إليه بعض الروايات أيضاً([17]).
وحمل بعضهم النهي على صورة ما لو أريد قتلهن صبراً([18]).
وأما بالنسبة للرواية القائلة: إن البعض سأل رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
عن أولاد المشركين، هل يقتلون مع آبائهم؟ فقال: هم منهم([19]).
فهي ناظرة ـ كما هو صريح بعض النصوص الأخرى ـ إلى صورة
تبييت العدو، أو إلى صورة ضربهم بالمنجنيق([20])،
حيث لا يمكن التحرز عنهم في مثل هذه الأحوال.
ونظير ذلك يقال: بالنسبة للنهي عن قتل الوصفاء والعسفاء
أيضاً([21]).
أي أن النهي ناظر إلى صورة قتلهم صبراً.. أما قتلهم
بالمنجنيق، ونحوه مما يعم إتلافه، فليس محط نظر النهي المشار إليه..
كما انهم لو شاركوا في القتال، فإنه يجوز قتلهم، ولا يمسك عنهم، وذلك
ظاهر..
([1])
راجع فيما تقدم كلاً، أو بعضاً: الجواهر ج21 ص65 والمبسوط ج2
ص11 ومختلف الشيعة ج2 ص155 وتذكرة الفقهاء ج1 ص412 وتحرير
الأحكام ج1 ص135 و 136 ومنتهى المطلب ج2 ص909 والسرائر ص157
والجامع لأحكام الشرايع ص236 والنهاية للشيخ ص293 والقواعد
(مطبوع مع الإيضاح) ج1 ص356 و 357 وشرايع الإسلام ج1 ص311 و
312 وكشف الغطاء ص407 و 408 والجوامع الفقهية (في إشارة السبق)
ص90 والوسيلة ص696 والغنية ص584 والجمل والعقود (ضمن الينابيع
الفقهية)، كتاب الجهاد ص62 وإصباح الشيعة (ضمن الينابيع
الفقهية) ص72 والمهذب (ضمن الينابيع الفقهية) ص89 الخراج لأبي
يوسف ص211 والمختصر النافع ص112.
([2])
راجع: تذكرة الفقهاء ج1 ص412 وتحرير الأحكام ج1 ص135و136
وجواهر الكلام ج1 ص66 والمهذب (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب
الجهاد ص88، والمختصر النافع ص112. والخراج لأبي يوسف ص112.
([3])
بداية المجتهد ج1 ص395 وراجع: المدونة الكبرى ج2 ص24و25.
([4])
الكافي لأبي الصلاح ص256.
([5])
راجع: الكافي ج5 ص28 والأشعثيات ص80 وجامع أحاديث الشيعة ج13
ص153 والتهذيب ج6 ص143 ومنتهى المطلب ج2 ص909 وتذكرة الفقهاء
ج1 ص412 والوسائل ج11 ص46 ومستدرك الوسائل ج2 ص249 وجواهر
الكلام ج21 ص67 وميزان الحكمة ج2 ص288 عن البحار ج19 ص177.
([6])
السرائر ص157 والنهاية للطوسي ص293 والجوامع الفقهية في:
(الغنية ص584 والوسيلة ص696 وإشارة السبق ص89 و 90). وراجع:
الإيضاح ج1 ص357 وتذكرة الفقهاء ج1 ص412 وجواهر الكلام ج21 ص67
عن بعض من تقدم، وعن: النافع، والتبصرة، والدروس، وجامع
المقاصد، مع التقييد في كثير منها، بما إذا لم يضطروا إليه، أو
يتوقف الفتح عليه، وإصباح الشيعة (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب
الجهاد ص72 والمختصر النافع ص112.
([7])
الجامع لأحكام الشرايع ص236 وراجع: منتهى الطلب ج2 ص909 والجمل
والعقود (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب الجهاد ص62.
([8])
المبسوط ج2 ص11 ونسبه إلى: أصحابنا. وراجع: تذكرة الفقهاء ج1
ص412 وتحرير الأحكام ج1 ص135و136 والسرائر ص157 ومنتهى الطلب
ج2 ص909 والإيضاح ج1 ص356 عن المبسوط، وابن الجنيد، والقواعد،
المطبوع معه ج1 ص357 وجواهر الكلام، 21 ص67 عن بعض من تقدم،
وعن اللمعة، والروضة، ونسبه في المختلف إلى أصحابنا. وراجع:
شرايع الإسلام ج1 ص311 و 312 وكشف الغطاء ص407و408 وذهب إليه
ابن البراج في المهذب (ضمن الينابيع الفقهية) كتاب الجهاد ص8.
([9])
الآية 5 من سورة التوبة.
([10])
إيضاح الفوائد ج1 ص357 وراجع: جواهر الكلام ج21 ص68.
([11])
راجع: دعائم الإسلام ج1 ص376 مستدرك الوسائل ج2 ص249 وتذكرة
الفقهاء ج1 ص412 وجواهر الكلام ج21 ص65و70 والمبسوط للطوسي ج2
ص11 والبداية والنهاية ج4 ص348 والثقات ج2 ص76 ومنتهى المطلب
ج2 ص909 والسرائر ص157 وميزان الحكمة ج2 ص333 وزاد المعاد ج2
ص196 وسنن البيهقي ج9 ص84 والمنتقى ج2 ص771 عن الترمذي، وكنز
العمال ج10 ص362 والمدونة الكبرى ج2 ص25 وجامع أحاديث الشيعة
ج13 ص154 وطبقات ابن سعد ج2 ص159 والجامع الصحيح للترمذي ج5
ص94 ومغازي الواقدي ج3 ص927 والأم للشافعي ج7 ص318 وبداية
المجتهد ج1 ص396 ومختصر المزني، بهامش الأم ج5 ص185 ومجمع
الأنهر ج2 ص589 وقاموس الرجال ج4 ص429 عن أنساب البلاذري،
والعبر وديوان المبدأ والخبر، المعروف بتاريخ ابن خلدون ج2
قسم2 ص47 وفي تفسير المنار ج10 ص62 أن ذلك كان في غزوة خيبر
ونصب الراية ج3 ص382و383 وفي هامشه عن الترمذي والواقدي،
والعقيلي في الضعفاء، وعن: التراتيب الإدارية ج1 ص374 و 375
ونقله بعض أهل التتبع عن المصادر التالية، والعهدة عليه:
المهذب ج1 ص302 والقواعد ص247 والمختصر النافع ص227 والجمل
والعقود ص11 والمغني لابن قدامة ج1 ص495 انتهى. وراجع نيل
الأوطار ج8 ص70 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص658 والسيرة
الحلبية ج3 ص117 والكامل لابن الأثير ج2 ص266 وتاريخ الخميس ج2
ص110 والبداية والنهاية ج4 ص348 والروض الآنف ج4 ص149 والنظم
الإسلامية ص508 وأنساب الأشراف ج1 ص366.
([12])
سنن البيهقي ج9 ص84.
([13])
السيرة الحلبية ج3 ص115 والعبر وديوان المبتدأ والخبر (تاريخ
ابن خلدون) ج2 قسم2 ص47 وراجع: مغازي الواقدي ج3 ص924 و 925.
([14])
تذكرة الفقهاء ج1 ص412 والمبسوط ج2 ص11 ومنتهى المطلب ج2 ص909
وجواهر الكلام ج21 ص65و75، والأم ج7 ص324 وصرح بحرق نخلهم في:
صحيح مسلم ج5 ص145 ومسند أبي عوانة ج4 ص97ـ9 وسنن أبي داود ج3
ص38 وصحيح البخاري ج2 ص112 وسنن ابن ماجة ج2 ص948 ومجمع
الزوائد ج5 ص329 وسنن البيهقي ج9 ص83و84 ونصب الراية ج3 ص383
والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص122 والمنتقى لابن تيمية ج2 ص774
والمحلى ج7 ص294 والأموال ص15 ومسند الحميدي ج2 ص301 ومنحة
المعبود ج1 ص237 ومسند الطيالسي ص251 والمعتصر من المختصر ج1
ص211 وبداية المجتهد ج1 ص396 ومختصر المزني، بهامش الأم ج5
ص185 وبهجة المحافل ج1 ص214 ووفاء الوفاء ج1 ص297 والسيرة
النبوية لابن هشام ج3 ص200 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص147
و 149 و 150 والسيرة الحلبية ج2 ص265 والكامل لابن الأثير ج2
ص173.
([15])
راجع: تذكرة الفقهاء ج1 ص412 والمبسوط للشيخ الطوسي ج2 ص12
وتحرير الأحكام ج1 ص136 والكافي لابن الصلاح ص256، والسنن
الكبرى للبيهقي ج9 ص92، وأقضية رسول الله «صلى الله عليه وآله»
ص660 وكشف الغطاء ص408 ومجمع الأنهر ج1 ص591.
([16])
راجع: كشف الغطاء ص408 والكافي لأبي الصلاح ص256 والنهاية
للطوسي ص292 وتذكرة الفقهاء ج1 ص412 والمحلى ج7 ص296 وبداية
المجتهد ج1 ص394 والشرايع ج1 ص312 والمبسوط ج2 ص13، وفتح
الباري ج6 ص103 عن الشافعي والكوفيين وابن حبيب بن المالكية،
وفيه حكى الحازمي قولاً بجواز قتل النساء، والصبيان. والوسيلة
(مطبوع في الجوامع الفقهية) ص696 وجواهر الكلام ج21 ص68 و 69 و
74 و 75 والمهذب (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب الجهاد ص90
والمختصر النافع ص112، وقد منع من قتلهن حتى مع المعاونة، إلا
مع الضرورة. والسرائر ص156. ونقله بعض أهل العلم عن: المختصر
النافع ص227 وعن المهذب ج1 ص303 وعن المغني لابن قدامة ج10
ص534 وقال: لا نعلم فيه خلافاً، وبه قال الشافعي، والأوزاعي،
وأبو ثور، والثوري، والليث، وأصحاب الرأي، وعن الام ج4 ص239
وعن القواعد ص237 وراجع نيل الأوطار ج8 ص73 والبحار ج19 ص178
والخراج ص211و212.
([17])
راجع الكافي ج5 ص29 ونصب الراية ج3 ص387و388 وسنن ابن ماجة ج2
ص948و947 والمنتقى ج2 ص772 ومستدرك الحاكم ج2 ص122 وتلخيصه
للذهبي بهامشه وسنن البيهقي ج9 ص82و91 وفتح الباري ج6 ص103
والفائق ج2 ص7 ومجمع الزوائد ج5 ص316 وسنن أبي داود ج3 ص53/54
والمصنف للصنعاني ج5 ص202و201 وفي هامشه عن: مورد الظمآن ص398،
وأقضية رسول الله «صلى الله عليه وآله» ص660 وفي هامشه عن:
مراسيل أبي داود ص36 و 37 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص148 وراجع:
دعائم الإسلام ج1 ص379و376 وعن أحمد. والبحار ج19 ص178
والمعتصر من المختصر ج1 ص212 وبداية المجتهد ج1 ص394 و 395
وجواهر الكلام ج21 ص73و75 وكنز العمال ج4 ص245 و 306 عن بعض من
تقدم، وعن النسائي، وأحمد، وابن حبان، والطحاوي، وأبي نعيم
والبغوي، والبارودي، وابن قانع، والطبراني، وسعيد بن منصور،
وابن حجر في الأطراف. ونيل الأوطار ج8 ص72 وعن المغني لابن
قدامة ج10 ص535 والتهذيب ج6 ص156.
([18])
راجع: تذكرة الفقهاء ج1 ص412 ومنتهى المطلب ج2 ص909.
([19])
مسند أبي عوانة ج4 ص96و95 والسرائر ص157 وسنن البيهقي ج9 ص78
ومجمع الزوائد ج5 ص315 وآثار الحرب في الفقه الإسلامي ص502
عنه، وعن: فتح الباري ج6 ص102و103 وعن إرشاد الساري ج5 141.
وراجع أيضاً: نيل الأوطار ج8 ص71.
([20])
راجع: المبسوط للشيخ الطوسي ج2 ص11 والمدونة الكبرى ج2 ص25
والمحلى ج7 ص296 وصحيح البخاري ج2 ص111 وصحيح مسلم ج5 ص144 و
145 ومسند أبي عوانة ج4 ص96و95 وكنز العمال ج4 ص272 عن
الطبراني، وسنن ابن ماجة ج2 ص947 والمنتقى ج2 ص771 وقال: رواه
الجماعة إلا النسائي. وسنن البيهقي ج9 ص78 ومجمع الزوائد ج5
ص316 عن الطبراني، ونصب الراية ج3 ص387 والجامع الصحيح للترمذي
ج4 ص137، وسنن أبي داود ج3 ص54 ومسند الحميدي ج2 ص343 وشرح
الموطأ للزرقاني ج3 ص290 عن الستة والأم للشافعي ج7 ص318 ونيل
الأوطار ج8 ص70 والمصنف للصنعاني ج5 ص202 وعمدة القاري ج14
ص260 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج12 ص388 وعن أحكام القرآن
للجصاص ج5 ص274.
([21])
سنن البيهقي ج9 ص91 و 82 ومجمع الزوائد ج5 ص315 عن أحمد، ومسند
أحمد ج3 ص413 والمصنف للصنعاني ج5 ص200 والمحلى ج7 ص297 وراجع:
المعتصر من المختصر ج1 ص212 وبداية المجتهد ج1 ص395 والمدونة
الكبرى ج2 ص7 والفائق ج2 ص7. وكنز العمال ج4 وعن المصنف لابن
أبي شيبة ج12 ص381.
|