ما يستفاد من الروايات المتقدمة

   

صفحة :   

ما يستفاد من الروايات المتقدمة:

فيدل ما تقدم على:

1ـ جواز قتل المشركين بكل ما أمكن قتلهم به، من حجارة، أو ماء، أو نارٍ، أو غير ذلك من وسائل..

2ـ يجوز رميهم بما يعم إتلافه، كالمنجنيق، والنار، ولو نشأ عن ذلك قتل نسائهم وأطفالهم، وهدم ديارهم..

3ـ جواز مواصلة الحرب، وضرب العدو بما يعم إتلافه، ولو لزم من ذلك لحوق الضرر بالأسارى من المسلمين، والتجار، وهو ما قاله بجوازه أبو حنيفة، وزفر، والثوري([1]). ونهى عنه مالك حتى في صورة التترس والأوزاعي([2])، وكرهه بعض آخر([3]).

4ـ ويلاحظ هنا: أن جواز ذلك لم يقيد بصورة تترس العدو بالمسلمين، ولا بصورة ما لو توقف النصر على ضرب الترس، ولا بصورة الاضطرار، كما قيد به جمع من الفقهاء([4]) ويكفي أن نذكر هنا ما قاله الشيخ الطوسي رحمه الله فيما يرتبط بأمر الاضطرار إلى ذلك، قال:

«..وإن كان فيهم أسارى مسلمون، فإن كان مضطراً إلى ذلك، بأن يخاف إن لم يرمهم، نزلوا، وظفروا به، جاز الرمي، وإن لم يكن ضرورة نظر في المسلمين، فإن كان نفراً يسيراً، جاز الرمي، لأن الظاهر: أنه يصيب غيرهم، إلا أنه يكره ذلك لئلا يصيب مسلماً، وإن كان المسلمون كثر، لم يجز الرمي، لأن الظاهر: أنه يصيب المسلمين، ولا يجوز قتل المسلمين بغير ضرورة»([5]). وذكر ابن البراج ما هو قريب من ذلك أيضاً.. ([6]).

نعم.. هكذا قرر جمع من الفقهاء، ولكن الروايات، التي استندوا إليها في مسائل الجهاد، ومنها رواية حفص بن غياث ـ قد جاءت مطلقة، لم تقيد بشيء من ذلك..

ويؤيد ما ذهبوا إليه من التقييد، قوله تعالى، فيما يرتبط بأهل مكة: ﴿..وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾([7]).

ولكن الآية لا تكفي للدلالة على حرم ذلك، فلعل المراد بالمعرة: المكروه الدنيوي أو المساءة، أو ما إلى ذلك.. ولأجل ذلك اعتبرناها مؤيدة لا دليلاً.. كما هو ظاهر..

5ـ كما ويلاحظ أيضاً: أنه لو أصيب ـ والحالة هذه ـ أحد من المسلمين، من غير قصدٍ إليه، مع علم الرامي به، فإن جمعاً من الفقهاء قد أفتوا بعدم ثبوت الدية فيه([8])، على اعتبار أنه عمد مأذون فيه، ورواية حفص بن غياث المتقدمة صريحة في ذلك، ولكنهم قد حكموا بالكفارة. وفي الشرايع: «ولا يلزم القاتل دية، ويلزمه كفارة، وفي الأخبار: ولا الكفارة»([9]). يشير بذلك إلى خبر حفص بن غياث المتقدم، الذي نفى ثبوت الكفارة أيضاً.

كما أن بعض الفقهاء قد حكم بكون الكفارة من بيت المال([10])..

ولكن رواية الدعائم قد قررت ثبوت الدية في قتلهم([11])، على خلاف ما جاء في رواية حفص بن غياث، وهو ما أفتى به ابن البراج أيضاً لكن خصه في صورة عدم التحام القتال([12]).

ويمكن حمل رواية حفص بن غياث على صورة عدم علم الرامي بهم، ورواية الدعائم على صورة العلم بهم.. ولكن يبقى الكلام في أمر الكفارة، فإن الظاهر: أن الفقهاء قد اخذوا بإطلاق الآيات الآمرة بالكفارة في تقل الخطأ.. وقدموها على الرواية، ولهذا البحث مجال آخر..


 

([1]) عن أحكام القرآن للجصاص حسبما نقله البعض، وراجع الجامع: لاحكام القرآن للقرطبي 16 ص287.

([2]) فتح الباري ج6 ص103، وعمموا ذلك حتى لصورة التترس، وراجع: المدونة الكبرى ج2 ص24. والجامع لاحكام القرآن ج16 ص287.

([3]) مختصر المزني، بهامش الام ج5 ص185 وفي ص186 قيده بصورة عدم التحام الحرب.

([4]) راجع: النهاية للطوسي ص293 والجامع لأحكام الشرايع ص236 والشرايع ج1 ص312 ومنتهى الطلب ج2 ص909 و 910 وراجع: الوسيلة (المطبوعة في الجوامع الفقهية) ص696 وتحرير الأحكام ج1 ص156 و 135 و 136 وكشف الغطاء ص408 وجواهر الكلام ج21 ص68 والأم ج7 ص318 ومجمع الأنهر ج1 ص590 والجامع لأحكام القرآن ج16 ص287 بقيد: الضرورة والمصلحة لكل المسلمين فراجع، والمختصر النافع ص112.

([5]) المبسوط للطوسي ج2 ص11.

([6]) المهذب (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب الجهاد ص89.

([7]) الآية 25 من سورة الفتح.

([8]) راجع: المهذب لابن البراج (مطبوع ضمن الينابيع الفقهية) ص90 وراجع: المختصر النافع ص112. والمبسوط للشيخ ج2ص11 والشرايع ج1 ص312 ومنتهى المطلب ج2 ص909 وتحرير الأحكام ج1 ص135 و 136 وتذكرة الفقهاء ج1 ص413 والسرائر ص157 وجواهر الكلام ج21 ص71 عن: الشيخ، والفاضل، والشهيدين، وغيرهم، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه، كما قال.. ونقله الجصاص ج2 ص241 عن الشافعي في صورة عدم العلم بهم، وإن علمه مسلماً فقتله، فعليه القيود. وراجع فتوى الثوري في الجامع لأحكام القرآ، ج16 ص287.

([9]) شرايع الإسلام ج1 ص312 وأفتى مالك بالدية والكفارة لو قتل الترس المسلم مع العلم به ولو قتل مع عدم العلم به فلا دية ولا كفارة عنده. راجع: أحكام القرآن ج16 ص287 وكذا قال الشافعي.

([10]) كشف الغطاء ص408 وراجع: مسالك الأفهام للشهيد الثاني ج1 ص151 وجواهر الكلام ج21 ص71 و 72.

([11]) راجع: جواهر الكلام ج21 ص71.

([12]) المهذب لابن البراج (لمطبوع ضمن الينابيع الفقهية) كتاب الجهاد ص90.

 
   
 
 

موقع الميزان