نظرة علي أمير المؤمنين للبغاة

   

صفحة :   

نظرة علي أمير المؤمنين للبغاة:

لقد اشترط البعض على الباغي: أن يكون خارجاً على الإمام العدل، ثم يكون له تأويل محتمل([1])، ليثبت له نوع جرمه، قال النيسابوري:

«الباغية ـ في اصطلاح الفقهاء ـ: فرقة خالفت الإمام بتأويل باطل، بطلاناً بحسب الظن، لا القطع، فيخرج المرتد لأن تأويله باطل قطعاً، وكذا الخوارج ..

إلى أن قال: ويخرج مانع حق الشرع لله، أو للعباد عناداً، لأنه لا تأويل له»([2]).

وإذا أغمضنا النظر عن سائر ما يدفع هذا الشرط، في الآية الشريفة، وعدم استقامته في نفسه من حيث عدم معقولية المراد منه، وغير ذلك ويظهر: أن الغرض هو جعل معاوية باغياً([3]) وإلا لوجب اعتباره إما كافراً، كما سيأتي التصريح به عن علي «عليه السلام»، أو محارباً على أقل تقدير ـ إننا إذا تغاضينا عن ذلك ـ فإننا نقول: إن هذا معناه: أن الخارجين على أمير المؤمنين في صفين، بل وفي الجمل أيضاً، فضلاً عن النهروان.. ليسوا بغاةً بالمعنى المصطلح([4]) لأنهم كانوا عارفين بالحق، وبأمر الله تعالى فيه، معاندين له.. ولا سيما بعد أن كان أمير المؤمنين «عليه السلام»، يقيم عليهم ـ قبل القتال ـ الحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، التي لا تبقى عذراً لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة..

ولعل وضوح الحجة، وسطوع البرهان هو السبب في أنه «عليه السلام»، ومعه الخيرة من أصحابه، يلهجون بكفر المحاربين لهم في صفين حتى لنجده «عليه السلام» يقسم بأنهم ما أسلموا، ولكن استسلموا، وأسروا الكفر، فلما وجدوا عليه أعواناً رجعوا إلى عداوتهم منا، إلا أنهم لم يدعوا الصلاة([5]).

ومثل ذلك ـ باستثناء العبارة الأخيرة ـ روي عن عمار بن ياسر([6]) وعن محمد بن الحنفية([7]).

وقيل لعلي «عليه السلام» حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية، وأهل الشام: أتقر أنهم مؤمنون مسلمون؟!

فقال علي: ما أقر لمعاوية، ولا لأصحابه: أنهم مؤمنون، ولا مسلمون الخ([8])..

كما أنه «عليه السلام» اعتبر نفسه ومن معه، ومعاوية ومن معه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ﴾([9])، وقال: «فنحن الذين آمنوا، وهم الذين كفروا»([10]).

وعنه «عليه السلام»، أنه قال يوم صفين: «اقتلوا بقية الأحزاب، وأولياء الشيطان. اقتلوا من يقول: كذب الله ورسوله ونقول صدق الله ورسوله ثم يظهرون غير ما يضمرون ويقولون: صدق الله ورسوله([11]).

وقد ورد تكفيرهم على لسان عمار بن ياسر أكثر من مرة فراجع كتاب صفين للمنقري([12]) وغيره..

وهذا هو أيضاً ما قرره الأشتر([13]).

وقال أبو نوح لذي الكلاع:

نحن على الحق، وأنتم على الباطل، مقيمون مع ائمة الكفر، ورؤوس الأحزاب([14]).

ولا بد أن يكون المقصود هو أن كفرهم، كفرملة، لأنه عن طريق التأويل، لا كفر ردة عن الشرع، مع إقامتهم على الجملة منه، ولأجل ذلك لم يخرجوهم عن حكم ملة الإسلام([15]).

وقد اعتبر محاربو علي «عليه السلام» أعظم جرماً من محاربي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأنهم قد قرأوا القرآن، وعرفوا فضل أهل الفضل، فأتوا ما أتوا بعد بصيرة([16]).


 

([1]) راجع: تحرير الأحكام ج1 ص155 ولباب التأويل ج4 ص166و167 وغرائب القرآن (بهامش جامع البيان) ج26 ص84 و 85 ومسالك الأفهام لجواد الكاظمي ج2 ص362 و 364 ورياض المسائل ج1 ص482 ومنتهى المطلب ج2 ص983 والمسالك للشهيد ج1 ص190 وجواهر الكلام ج21 ص333، وتذكرة الفقهاء ج1 ص454 والمبسوط ج7 ص265 وراجع: كنز العرفان ج1 ص386 ومقتل الحسين للمقرم ص73 عن المهذب في الفقه الشافعي (ط مصر سنة 1343ﻫ.ق) ج2 ص234.

([2]) غرائب القرآن (بهامش جامع البيان) ج26 ص84 وراجع تذكرة الفقهاء ج1 ص454.

([3]) راجع: تذكرة الفقهاء ج1 ص454.

([4]) راجع: جواهر الكلام ج21 ص334 و 333.

([5]) صفين للمنقري ص215.

([6]) صفين للمنقري ص215 و 216 والجمل ص19.

([7]) صفين للمنقري ص216.

([8]) صفين للمنقري ص509.

([9]) الآية 253 من سورة البقرة.

([10]) صفين للمنقري ص322 و 323.

([11]) دعائم الإسلام ج1 ص389 و 390 وجواهر الكلام ج21 ص226، والمهذب (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب الجهاد ص105.

([12]) صفين للمنقري ص322 و 321 و 320.

([13]) صفين للمنقري ص238 و 239.

([14]) صفين للمنقري ص333.

([15]) راجع: الجمل ص39 و 30 وراجع: جواهر الكلام ج21 ص338 وفي رواية عن الدعائم ج1 ص388: أنهم كفروا بالأحكام وبالنعم، وليس كفر المشركين الذين دفعوا النبوة ولم يقروا بالإسلام.

([16]) جواهر الكلام ج21 ص325 وتهذيب الأحكام ج6 ص170 ودعائم الإسلام ج1 ص388.

 
   
 
 

موقع الميزان