قضية النقل عن السيد شرف الدين:
ومما أخذ علينا في هذا الكتاب:
أننا ذكرنا أنه ينقل عن السيد شرف الدين في أوائل الخمسينات خبرا يتعلق
بالهجوم على بيت الزهراء «عليها السلام»، وحين يسأله البعض عن مقدار
عمره حينئذ يجيب بقوله: 22 أو 23 سنة.
حيث قلنا هناك:
إنه إذا كانت ولادته في سنة 1935م([1]).
فإن عمره لا بد أن يكون حينئذ أقل من ذلك بكثير.
وقد أشاعوا:
أن ذلك يمثل إتهاما لذلك القائل بالكذب، وتلك جريمة كبيرة وخطيرة بنظر
هؤلاء.
ونقول:
قد أجبناهم عن ذلك بما يلي:
أولاً:
إن اللغة التي تحدثنا بها هي لغة الخطأ والصواب، وإصابة الواقع وعدمها،
أما دوافع وأسباب وقوع المخطئ في خطأه فذلك ليس من اهتماماتنا، والمخطئ
هو المسؤول عن تبرير ما يصدر منه، ولم نتحدث باللغة الأخلاقية أو
الشرعية. من حيث كون ذلك من مفردات الكذب أو الصدق، الذي يعني أنه قصد
أن يخبر بغير الواقع من دون سبب أو عذر، أو لم يقصد ذلك.
ثانياً:
إننا
إنما كنا نناقش طبيعة الدقة في النقل من حيث القدرة على ضبط التعابير
في قضية مضى عليها أكثر من (40) عاماً، لأن هذا النقل يشكل إحدى ركائز
الاستدلال عند هذا البعض على نفي مسألة الهجوم على بيت الزهراء «عليها
السلام» وما تبع ذلك من تفاصيل، وهو الذي يقول: «عندما
يريد الإنسان أن يتذكر طفولته من خلال هذا التاريخ الذي أصبح ـ إلى حد
ما ـ تاريخا سحيقا يرقى إلى أكثر من خمسين سنة، فمن الطبيعي أن لا
يتذكر الإنسان كل ملامحه التفصيلية»([2])،
وهو كلام واقعي سليم.
وقد وجدنا صدق هذا القول في العديد من القضايا ليس في
قضية السيد شرف الدين وحسب، وإنما في موارد أخرى أيضاً، ونذكر هنا خصوص
الموارد التي وقع الخطأ فيها في عمره ولا نتعرض لسواها. إلا في مورد
واحد، لتكون نموذجا يحكي عما عداه، فنقول:
1 ـ
لقد سئل البعض عن عمره حين خروجه من المدرسة والالتحاق بالحوزة: «كم
كان عمرك في ذلك الوقت»؟!
فأجاب:
«كنت
في عمر الحادية عشرة..»([3]).
ولكنه في مورد آخر يتحدث عن نفسه، فيقول: «..ومن
خلال ذلك بدأت طلب العلم الديني في سن مبكرة جداً، أظن أنها كانت سن
التاسعة من عمري»([4]).
2 ـ
وفي مورد آخر يقول: «..
أستطيع القول: إنني انتسبت إلى الحوزة الدينية حوالي سنة (1363هـ)
وكان عمري آنذاك إحدى عشرة سنة..»([5]).
والفرق واضح بين العبارتين فهو تارة
يقول:
إن عمره كان تسع سنوات وأخرى يقول: كان عمره إحدى عشرة سنة، وتارة يظن
وأخرى يجزم.
ثم نجد الفرق كذلك في مضمون العبارة الثانية، حيث إنه
إذا كانت ولادته هي سنة 1354هـ([6]).
فإن عمره حينئذ هو تسع سنوات، لا إحدى عشرة سنة، كما ذكره هو في نفس
هذا النص.
3 ـ
وفي قصة متفجرة بئر العبد المعروفة، التي هي حدث بل منعطف تاريخي هام
جداً في حياة البعض بل هي نقطة «البروز
الأكبر»
له([7])
على حد تعبير بعض مادحيه نراه:
يقول:
«لقد
تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال قبل المحاولة الفاشلة التي تعرضت لها في
منطقة بئر العبد عام 1984 ميلادية»([8]).
ويقول:
«أما
بالنسبة لانفجار بئر العبد عام 1984 الذي حاولوا اغتيالي من خلاله
الخ..»
([9]).
مع أن انفجار بئر العبد إنما كان في 8 ـ 3 ـ 1985 وهو
الذي أودى بحياة 80 شخصاً([10]).
وكتاب تحدي الممنوع إنما طبع سنة (1992) أي بعد سبع سنوات فقط من حدوث
هذه المجزرة، وقد نسي هذا البعض تاريخ أعظم حدث واجهه في حياته، فكيف
لا ينسي حدثا مضى عليه أكثر من أربعين سنة حول موضوع ليس من إهتماماته
ـ على حد قوله كما أشرنا إليه في العديد من المناسبات.
4 ـ
ونجده يقول في مورد آخر: «بدأنا
نصدر مجلة خطية باسم (الأدب). وكنا نحررها في سن العاشرة، أو الحادية
عشرة في ذلك الوقت، وكنا نكتب عددا كلما زاد مشترك»([11]).
ثم هو يقول:
«في
ذلك الوقت أصدرنا مجلة مكتوبة اسمها (الأدب) وكتبت فيها موضوعين،
واستكتبنا بعض الأشخاص، وكنا نحاول لدى كل مشترك جديد أن نكتب، ونصدر
نسخة جديدة. وكان المرحوم السيد مهدي يحسن الكتابة جيداً. أصدرنا خمسة
أعداد من هذه المجلة ما بين أعوام 1949 و 1950.»([12]).
ومقتضى هذا النص الأخير:
أن عمره كان حين إصدار المجلة هو 13 ـ 14 سنة بناء على أن ولادته كانت
سنة 1936م.
أما لو كانت ولادته سنة 1935م. أو سنة 1934م. ـ كما علم
مما تقدم متنا وهامشا ـ فإن عمره سيزيد سنة أو سنتين ليصبح 14 ـ 15 سنة
أو 15 ـ 16 سنة.
وعلى جميع التقادير، فإن قوله: إن عمره كان حين إصدار
تلك المجلة في سن العاشرة أو الحادية عشرة ـ ليس دقيقا.
وإذا كان مراد ذلك كله هو ـ كما قال هو نفسه ـ أن ذلك
أصبح إلى حد ما تاريخا سحيقا فمن الطبيعي أن لا يتذكر الإنسان كل
ملامحه التفصيلية.
فليكن ما ذكره عن الإمام السيد شرف الدين، هو الآخر بعض
هذا الماضي السحيق الذي يصعب تذكر تفاصيله بدقة، تغير في تغيير حقائق
التاريخ، من وجهة نظر السيد شرف الدين على الأقل.
([1])
راجع: مجلة المرشد: العددان 3 ـ 4 ص23 وص210 عن كتاب: أسئلة
وردود من القلب. لكن جاء في المصدر نفسه ص299 وص 282 و 127 أنه
ولد سنة 1936 وجاء في ص122 عن جريدة الديار عدد 19 ـ 4 ـ 1992:
أنه ولد في النجف الأشرف 19 ـ شباط ـ 1934 الموافق 19 ـ شعبان
ـ 1354 ونشرت المقابلة نفسها في كتاب (آفاق الحوار الإسلامي
المسيحي): ص351 فراجع.
([3])
مجلة المرشد: العددان: 3 ـ 4 ص19 عن أسئلة وردود من القلب.
([4])
مجلة المرشد العددان 3 ـ 4 ص56 عن تحدي الممنوع ص26.
([5])
مجلة المرشد: العددان 3 ـ 4 ص62، عن تحدي الممنوع: ص43.
([6])
راجع: تحدي الممنوع: ص19، لكنه ذكر أيضاً أنه ولد في سنة
1936م. وكذا في المرشد: ص127، مع أن ذلك إنما يوافق سنة
1935م.، فراجع المرشد: العددين 3 و 4 ص210، ومعجم رجال الفكر
والأدب. والملفت أكثر هو تعدد سنوات المواليد له فقد ذكر أنه
ولد سنة 1935م. و 1936م. و 1934م. راجع هامش ص39.
([7])
مجلة المرشد: العددان: 3 ـ 4 ص299 والعبارة: هكذا: «والبروز
الأكبر كان بعد عام 1982 ثم في أعقاب الانفجار الضخم في بئر
العبد عام 1984 الذي جعله محط الأنظار».
([10])
مجلة المرشد: ص128 عن جريدة الشعب المصرية بتاريخ 6 ـ 8 ـ
1993م. وكتاب الحجاب «الحروب الخفية لوكالة المخابرات المركزية
الأميركية» ص344..
([11])
مجلة المرشد: العددان 3 ـ 4 ص57، وكتاب تحدي الممنوع: ص289.
([12])
مجلة المرشد: العددان 3 ـ 4 ص20 عن كتاب أسئلة وردود من القلب.
|