المصطادون في الماء العكر

   

صفحة :   

المصطادون في الماء العكر:

ومن الأمور التي لم نزل نسمعها من أكثر من جهة:

أن هذا الكتاب قد أفسح المجال لفئات متناثرة هنا وهناك، لتصطاد في الماء العكر ـ على حد تعبيرهم ـ وتتحرك باتجاه تحقيق أهداف أخرى لا ربط لها بما توخاه كتاب «مأساة الزهراء «عليه السلام».. شبهات وردود».

ونقول:

نخشى أن يكون المقصود: أن طرح الموضوعات المثيرة إذا كان من جانب واحد ـ هو جانب ذلك البعض ـ فليس ثمة من مشكلة، حتى لو أدت إلى زعزعة ثوابت عقيدية وإيمانية، بل إن الساحة سوف تبقى صافية كصفاء عين الديك حينئذ، لكن إذا ما أراد أحد أن ينتصر للحق، ويعترض على مقولات ذلك البعض، بهدف تحصين الناس من الانسياق وراء هذه المقولات، متلقيا لها بحسن نية وسلامة طوية، ومن دون مناقشة فإن ذلك يعد جريمة كبرى، لأنه ربما يمثل عقبة في طريق المشروع الذي قد يكون البعض يعمل له منذ أربعين أو خمسين سنة، وهل ثمة جريمة أعظم من إلفات نظر الناس إلى ما يراد لهم وبهم؟! ألا يعتبر ذلك إرباكا للواقع الإسلامي كله، على حد تعبيرهم؟

وبعد ما تقدم نقول:

1 ـ حبذا لو قيل هذا للكلام لأولئك الذين أثاروا هذه القضايا وأصروا على إشاعتها وتثبيتها بين الناس، في مناسبات عديدة لمدة مديدة. وكنا نحن وكان كتابنا أيضاً ضحية هذا الإصرار منهم، حيث أديرت مفردات تأكيده وتجسيده بدراية وأناة؟ وبالاستعانة بقدرات إعلامية كبيرة وأساليب «بديعة ومؤثرة»، لطالما وجهت إلينا التحذيرات منها، لكننا لم نلتفت لها، ولم نأبه بها، لأننا وجدنا أن واجبنا الشرعي يفرض علينا أن نعالج ما يمكن معالجته، وأن رضى الله هو المطلوب.

2 ـ إن ثمة درجة عالية من التهويل والتضخيم لشأن من أسموهم بالمصطادين في الماء العكر، لا سيما مع ملاحظة ما ذكرناه آنفا.

3 ـ من الواضح: أن طرح فكرة ما للناس لتصبح جزءا من عقيدتهم أو ثقافتهم، وليكون لها تأثير بشكل أو بآخر في حياتهم، يتطلب المبادرة إلى طرح الفكرة المغايرة التي تظهر أوجه الخلل فيها في نفس الفضاء، وبنفس الكيفية التي طرحت فيها الفكرة الأولى، ولا يصح الانتظار سنين متمادية، لأن التصدي بعد تجذر ذلك سيكون ـ أصعب، وأكثر تعقيدا، وأقل نتيجة، حيث تكون الفكرة قد تجذرت في نفوس الناس وعقولهم لتصير جزءا من عقيدتهم، ومفاهيمهم، وحياتهم.

4 ـ إنه سواء طرحت الفكرة الصحيحة اليوم أو غدا، أو بعد عشرات السنين فليس ثمة ما يمنع من وجود مستفيدين، في كل زمان ومكان، ونحن نرى أنه لا يجوز أن يكون وجودهم مانعا من التصدي للتصحيح أو التوضيح، وإلا فإننا لو أردنا أن نتقيد بهذا الأمر إلى هذا الحد، فلن نتمكن من الرد على أية فكرة، ولن نستطيع مواجهة أي مشروع، لا سيما إذا كان يستهدف مفردات كثيرة، من بينها ما هو على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية، مما يستدعي الإسراع في المبادرة إلى عملية التصحيح هذه. ليس هذا وقت هذه الأمور:

وبعد ما تقدم فقد اتضحت الإجابة على المقولة التي أطلقت ولا زلنا نسمع بعض أصدائها، وهي: «إن الوقت لا يسمح بطرح أمثال هذه القضايا، فهناك من القضايا ما هو أهم وأخطر، ومن المشكلات الفكرية والسلوكية والعقيدية ما هو أعقد وأكبر، بالإضافة إلى وجود أناس من إخواننا من باقي المذاهب قد يتحسسون وينزعجون من طرح بعض الأمور، والأهم من ذلك، هناك إسرائيل، ومؤامرات الاستكبار العالمي على كل حياتنا ووجودنا».

ونقول:

1 ـ إن هذا الكلام إنما يوجه لمن يطرح هذه القضايا فالوضع القائم كان موجودا، قبل ومع وبعد طرحه لهذه الأمور، فلماذا ناسب التوقيت طرحها، ولم يناسب الرد عليها؟

2 ـ إذا لم يجب أحد على هذه الطروحات الآن فمتى يمكن الإجابة عنها بحيث تكون مجدية ومؤثرة؟!

3 ـ متى وفي أي زمان لم يكن للمسلمين مشكلات كبيرة وخطيرة؟ ومتى سيخرجون تماما من مشكلاتهم هذه وأمثالها؟! إلا حين خروج المهدي الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟!.

وهل إذا كان العدو الإسرائيلي والاستكبار العالمي يتربصان بنا الدوائر.. كان علينا أن نسمح لأي كان بل نغريه بأن يتعرض لشؤون الدين، ولقضايا الإيمان، لزعزعة ثباتها، أو تبديل مفرداتها؟! وذلك حين نعطيه الأمان، ونسكت عنه، ونتستر عليه من أجل ذلك؟!

وهل سيأتي يوم لا يكون هناك من ينزعج من طرح قضايانا؟!

ومتى سيرضى الآخرون بطرح أمور تدين أو تثبت صدور مخالفات من بعض الذين يجلونهم ويحترمونهم؟!

ثم بعد هذا، كيف؟ ومن الذي يستطيع تحديد اليوم الذي لا يكون لنا فيه عدو يتربص بنا الدوائر، لنتمكن من تصحيح الأخطاء، ومن إعادة الأمور إلى نصابها؟!

4 ـ قد قلنا مرارا وتكرارا: لماذا ينظر إلى من يمارس مسؤولياته، ويحاول إعادة الأمور إلى نصابها، وصيانة الذهنية العامة عن أن تقع في الخطأ في الاعتقاد والإيمان، ويريد أن يناقش مقولات يراها تلامس قضايا حساسة في المجال الديني، والإيماني، والثقافي ـ لماذا ينظر إليه ـ على أنه يثير بذلك مشكلة، أو أنه يريد إرباك الساحة؟ ولا ينظر إلى ذلك الذي يصر على صدم الواقع([1])، وإصلاح العقائد الشيعية الخاطئة والمتوارثة ـ على حد تعبيره([2]) ـ بل وإظهار العلم مقابل البدع حيث يقصد: إن بعض عقائد مذهب أهل البيت هي تلك البدع التي سعى لأن يظهر علمه في مقابلها؟!.

ولو فرضنا أن ذلك قد يثير مشكلة فلماذا لا يطالب بها نفس ذلك الذي أثارها، ولا يزال مصرا على التمسك بها، وإثارتها، وتثقيف الناس بمضامينها؟!

5 ـ كنا ولا نزال ندعو هذا البعض إلى حوار علمي موضوعي وجدي، يلزم الجمع، على أن يكون بلغة واضحة ومكتوبة، لا يتسنى معها لأحد الاختباء خلف عبارات: «لم أقصد» و «فهموني خطأ» و «كذبوا علي» و «لم أقل ذلك» و «لعل» و «ربما» إلى غيرها من أدوات التنكر ـ المتداولة أخيرا ـ لظاهر الكلام ومؤداه، الذي يفهمه العالم والإنسان العادي.

وقد حرصنا دوما ولا زلنا على استخدام أساليب للحوار مفيدة ومنتجة نجنب فيها الساحة سلبيات الطرح العلني، ويشهد لذلك رسائلنا، وشهد الكثيرون ممن حملوا لهم دعوتنا هذه، حيث عادوا جميعا بخفي حنين.

ونحن نغتنم الآن أيضاً ـ وفي هذا التقديم بالذات الفرصة لدعوة الجميع من المخلصين الذين يمكنهم تبني هذا الطرح ـ الحوار ـ إلى تنفيذه ضمن الأسس التي ذكرناها، ليكونوا قد أدوا بذلك خدمة جليلة للدين الحنيف، تكون لهم ذخرا وفخرا يوم الدين.


 

([1]) مجلة المرشد: العددان 3 ـ 4 ص281.

([2]) نشرة بينات: بتاريخ 25 ـ 10 ـ 1996م.

 
   
 
 

موقع الميزان